الصيام

النظم التركيبي  في دلائل الصيام في الكتب السماوية

آيات الصيام في ضوء علم اللغة النفسي

النظم التركيبي  في دلائل الصيام في الكتب السماوية

كتابة : أ.د. صباح علي السليمان – العراق

حينما نبحث عن قضية مشتركة في الكتب السماوية نجدُ أنَّ القرآن الكريم مبدعاً في نظمه وأسلوبه

على عكس بقية الكتب السماوية ، فمن ذلك ما جاء في  دلائل الصيام في الكتب السماوية ،

فلو تتبعت آيات الصيام ستجد التذكير بالصيام والغاية منه التقوي كما في قوله تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ،

و الرخصة في الإفطار في حال المرض والسفر ، والخير في صيامه لمن تحمل ذلك كما في قوله تعالى:

﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ

أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ،

وذكر فضائل شهر رمضان  في نزول القرآن الكريم فيه ، وفيه هدى وبينات من الله تعالى ،

والرخصة في الإفطار لمن كان له عذر ، وفرض إكمال عدته ، والتكبير لله تعالى على ما هدانا والغاية منه الشكر كما في قوله تعالى:

﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ

وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾،

كذلك أبلغ الله تعالى رسوله الكريم بأنه قريب يجيب دعوة الداعي إذا دُعي ، وأمرهم بالدعاء والإيمان به لعلهم يرشدون كما في قوله تعالى :

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾

 

      أما في الكتب السماوية الأخرى فنجد النظم التركيبي مختلفا ففي فرض الصوم  في انجيل مَتَّى 4:1-2″ث

م قاد الروح يسوع إلى البرية ليُجرب من إبليس.

وبعدما صام أربعين يوما وأربعين ليلة جاع.” ، كذلك ذكر نبية قد صامت وليس أقوام كما في  إنجيل لوقا 2:36-37″

وكانت هناك نبية، حنة بنت فنوئيل، من سبط أشير. وكانت متقدمة في الأيام، وقد عاشت مع زوجها سبع سنوات بعد زواجها، ثم بقيت أرملة حتى بلغت الرابعة والثمانين. لم تبتعد عن الهيكل، بل كانت تخدم بالصوم والصلاة ليلاً ونهارًا” ، وكذلك تجد آلية الصوم غير محددة كما في إنجيل مَتَّى 9:14-15″ثم جاء تلاميذ يوحنا وسألوه: ‘كيف نصوم نحن والفريسيون كثيرًا،

وأما تلاميذك فلا يصومون؟’ فأجابهم يسوع: هل يستطيع ضيوف العريس أنْ يحزنوا بينما العريس معهم؟ ولكن ستأتي الأيام حينما يُرفع العريس عنهم، وحينئذٍ سيصومون” .

أمّا في التوراة فتجد أنّ اليهود هم اللذين طلبوا الصيام من ربهم كما في سفر عزرا 23:8″فَصُمْنَا وَطَلَبْنَا هَذَا مِنْ إِلَهِنَا فَاسْتَجَابَ لَنَا” ، وكذلك عدم تحديد وقت الصيام كما في سفر نحميا: 4:1″فَلَمَّا سَمِعْتُ هَذَا الْكَلَامَ، جَلَسْتُ وَبَكَيْتُ وَنُحْتُ أَيَّامًا، وَصُمْتُ وَصَلَّيْتُ أَمَامَ رَبِّ السَّمَاءِ” وكذلك يذكر سفر إشعياء 3:58

 أنهم لا يتقون الله تعالى حينما يصومون ؛ إذ جاء :

“وَيَقُولُونَ: ’صُمْنَا فَلِمَاذَا لَمْ تَنْظُرْ؟ وَتَذَلَّلْنَا فَلِمَاذَا لَمْ تُلَاحِظْ؟‘ أَنْتُمْ حِينَ تَصُومُونَ تَعْمَلُونَ مَا يَحْلُو لَكُمْ. وَتَظْلِمُونَ كُلَّ عُمَّالِكُمْ” ، وكذلك في سفر إشعياء 6:58 بأنَّ الصيام  الحقيقي ليس لله تعالى وإنما يكون بأمور كما جاء في قوله :بَلِ الصَّوْمُ الَّذِي أُرِيدُهُ، هُوَ أَنْ تُحَرِّرَ مَنْ هُوَ فِي السِّجْنِ بِالظُّلْمِ، وَتَفُكَّ قُيُودَ الْمُتَضَايِقِ، وَتُطْلِقَ الْمَظْلُومِينَ أَحْرَارًا، وَتَنْزِعَ عَنْهُمْ مَا يُقَيِّدُهُمْ” وكذلك جاء عدم الرضا عن الصائمين كما جاء في سفر  إرميا 12:14″إِنْ صَامُوا لَا أَسْمَعُ صُرَاخَهُمْ، وَإِنْ قَدَّمُوا قَرَابِينَ وَهَدَايَا لَا أَرْضَى عَنْهُمْ. بَلْ أُفْنِيهِمْ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَأِ”

 

 أمَّا في الكتاب المقدس ( كِنزا ربّا ) للصائبة فتجد أنَّ الصيام قسمين كبيراً وصغيراً ، أمَّا الكبير فهو

﴿ صُومُوا الصَّوْمَ الْكَبِير ، صَوْمَ الْقَلْبِ وَالْعَقلِ وَالضَّمِير ، لِتَصُمْ عُيُونكُمْ ،

وَأفْوَاهُكُمْ ، وَأيْدِيكُمْ .. لَا تَغْمِزُ وَلَا تَلْمِز ، لَا تَنْظُرُوا إِلَىٰ الشَّرِّ وَلَا تَفْعَلُوه ، وَالْبَاطِلَ لَا تَسْمَعُوه ، وَلَا تُنصِتُوا خَلْفَ الْأَبْوَاب ، وَنَزِّهُوا أَفْوَاهَكُمْ عَنْ الْكَذِب ، وَالزَّيفَ لَا تَقْرَبُوه ، أمْسِكُوا قلوبَكُمْ عَنْ الضَّغينةِ وَالْحَسَدِ وَالتَّفْرِقَة ، أمْسِكُوا أيْديَكُمْ عَنْ الْقَتلِ وَالْسَّرقةِ ،

أمْسِكُوا أجسَادَكُمْ عَنْ مُعَاشَرَةِ أَزْوَاجِ غَيْرِكُمْ ، فتِلْكَ هِيَ النَّارُ الْمُحْرَقَة ، أمْسِكُوا رُكَبَكُمْ عَنْ السّجُودِ لِلشَّيْطَانِ وَلِأَصْنَامِ الزَّيفِ ، أمْسِكُوا أَرْجُلَكُمْ عَنْ السَّيْرِ إِلَىٰ مَا لَيْسَ لَكُمْ ؛ إنَّهُ الصَّوْمُ الْكَبِيرُ فَلاَ تَكْسِرُوه حَتّىٰ تُفَارقُوا هَـٰذَه الدُّنِيا ؛ مَنْ أَخْطَأَ ثمَّ تَاب ، ثمَّ إِلَىٰ رُشدِهِ ثَاب ، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، هُوَ مَلِكُ النُّورِ الْحَنَّانُ التَّوَّابُ الْكَرِيم ﴾.

 

أمَّا الصوم الصغير فهو :﴿ الْحَيُّ الْمُدْرِكُ “مَنْدَا ادْ هَيِّي” قَائِلًا بِنِدَاءِهِ وَمُنَادِيًا بِصَوْتٍ سَنِيّ: مَنْ سَمِعَ وَآمَنَ بِأَقْوَالِهِ وَتَعَالِيمِهِ “جِنْزَا رَبَّا” ، وَالتَّزَمَ بِتَعَالِيمِهِ ، وَتَمَسَّكَ بِأَقْوَالِهِ ، سَوْفَ يَصْعَدُ وَيَرَىٰ بَلَدَ النُّورِ ؛ أَمَّا الْفَاسِقُونَ الْمُتَكَاسِلُونَ وَالَّذِينَ اغْفَلُوا مُتَرَاخِينَ عَنْ أدَاءِ صِيَامِهِمْ فَلَنْ يَرَوْا بَلَدَ النُّورِ ،

هَـٰؤُلاَءِ الصَّائِمُونَ وَالصَّائِمَات فِي الدَّرْكِ الْأسْفَلِ مِنَ النَّارِ الْمُوقَدَةِ يُحْشَرُونَ ، وَالْحَيُّ الْغَالِبُ ﴾

 

 كذلك يذكر كنزا ربّا عقوبة من يكذب على الله تعالى في الصيام

﴿ فِي هَـٰذَا الْمَطْهَر “مَطِرَاثَا” يَجْثُمُ أُولَـٰئِكَ الْمُنَافِقُونَ فِي صَومِهِم مِنْ الصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْمُصَلِّينَ الَّذِينَ أَقَامُوا الصَّلَاةَ كَاذِبِينَ ، أُولَـٰئِكَ جِيَاعًا لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ يَأْكُلُونْ ، وَعِطَاشًا لَّيْسَ لَهُمْ مَاءٌ يَشْرَبُونْ ، يُتْرَكُونَ نَائِحِينَ وَمُتَأَلِّمِينَ ، رُؤُوسُهُمْ حَاسِرَة ، وَسَلامًا لُا يُحْيِيهِمْ ، مُقِيمُونَ فِي هَـٰذَا الْمَطْهَر ، وَبِالْكَلاَلِيبِ يُعَلِّقُونَ وَفِي النَّارِ وَالْحَمِيمِ يُسْجَرُونَ إلَىٰ يَوْمِ الدِّين ، لسَاعَةِ الْعَالمِ .. سَاعَةَ الْخَلَاصِ ﴾

وقوله ﴿ إنَّ الَّذيِن لَا يَذُودُون نُفُوسَهُمْ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُوبِقَات فِي غَيَاهِب الظَّلاَم يُوثَقُون ، بَعِيدًا عَنْ الْعَالمِ عِطَاشًا يُحْشَرُون ،

وَكُلُّ حَفْنَةِ مَاءٍ يُسْقَونَهَا يُعَذَّبُونَ أَضْعَافَهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون ﴾

   كذلك يبين كنزا ربا جزاء المتقين في قوله :

﴿ سَتصْعَدُ نَفْس “نِشمْثا” النَّاصُورَائِيِّينَ ، الَّذِينَ لَمْ يَأْكُلُوا أَكْلَ الْفَاسِدِينَ ، وَلَا كَانُوا عَابِثِينَ وَلَا فَاسِقِين ، يَصْعَدُ الصَّادِقُونَ الْمُؤْمِنُون .. يَرَوْنَ الدَّارَ الْمُتقَنةَ وَعَنْهَا يَتَحَدَّثُون ﴾

كذلك يبين كنزا ربا أنَّ الصيام جُنة من المعاصي كما جاء في قوله :﴿ يَحْيَىٰ يَعِظُ فِي اللَّيَالِي .. يَقُولُ:

سَعِيدٌ مَنْ يَتَّخِذُ لِنَفْسِهِ زَوْجًا ، وَمُوَقَّرٌ مَنْ يَكُونَ لَهُ أَبْنَاءً ، وَلَـٰكِنِّي أَخْشَىٰ إِذَا تَزَوَّجَتُ وَحانَ وَقْتُ النَّوْمِ ، وَتَوَدَّدَتْ زَوْجَتِي إِلَيَّ ، فَأُبَطِّلُ فُرُوضِي اللَّيْلِيَّةِ .. مَاذَا لَوْ تَتَأَجَّجُ فِيَّ الشَّهْوَة فَأَنْسَىٰ ذِكْرَ رَبِّي؟ مَاذَا لَوْ تَتَأَجَّجُ فِيَّ الشَّهْوَة فَأُبَطِّلُ الْقِيَامِ إِلَىٰ فُرُوضِي فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهَا؟ عِنْدَمَا قَالَ يَحْيَىٰ هَـٰذَا ، جَاءَتْهُ رِسَالَةً مِنْ بَيْتِ الْبَعْثِ “ابْاثَر”:

يَا يَحْيَىٰ خُذْ لَكَ زَوْجَةً ، اِطْمَئِنَّ وَتُقَيَّدْ فِي إمْسَاكَاتِ الْأَرْضِ “امْبَطِّلِاتْ إدْ تِيَبل” ،

وَفِي فَجْرِ الْاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ تَوَارَ إِلَىٰ مِخْدَعِكَ الزَّوْجِي ، وَفِي فَجْرِ الْأرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ قُمْ بِفرَوْضِكَ ألسَّنيّةُ ، وَفِي فَجْرِ الْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ تَوَارَ إِلَىٰ مِخْدَعِكَ الزَّوْجِي ؛ وَيَوْمِ الْأَحَدِ ، فِي فَجْرِ الْأَحَدِ وَفِي غَدَاةِ يَوْمِهِ قُمْ بِصَلَوَاتِكَ ألسَّنيّةُ ؛ وَأَمْسِكْ ثُلَاثَاءَ وَاتْرُكْ ثُلَاثَاءَ ، وَأَمْسِكْ ثُلَاثَاءَ وَاتْرُكْ ثُلَاثَاءَ ، وتَقِيدْ بِإمْسَاكَاتِ الْأَرْضِ “امْبَطِّلاتْ إدْ تِيَبل ﴾.

 فعلى هذا تجد القرآن الكريم يسوق ألفاظه مراعيا البدء وتسلسل الأحداث ثم النهاية من هذا كله 

مخاطباً بذلك النفس البشرية ؛ كي يقودها إلى التقوى والرشاد ، فهو محفوظ من لدن الله سبحانه وتعالى كما جاء في قوله تعالى:

” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9) ” [ سورة الحجر ]  أمَّا في الكتب السماوية فتجد سرد أحداث لا تعطي خطاباً عاماً لأهمية الصيام وآليته .

 

شارك المقالة:
السابق
صيام الأطفال لأول مرة: 7استراتيجيات فعالة لجعل التجربة إيجابية وخالية من الضغوط
التالي
العلويون وتمرد الانفصال