محتويات
حكايات قبل النوم للأطفال
فوائد القصص للأطفال
1.تشجيع الطفل على تقبل الثقافات الاخرى
2.تمكن الطفل من التعبير عن نفسه وأيصال افكارة ومشاعره
3.القراءة هي الطريقة المثلى لتوسيع مفرداتهم
4. القصص تشجع الطفل على الإبداع
5.التركيز والمهارات الاجتماعية
6-تعلم الطفل الصبر ولأصغاء للأخرين
7-حكايات قبل النوم للأطفال تساعدهم على سرعة النوم
1)فوائد القصص -20-4-2021
حكايات قبل النوم للأطفال
جَدَّتي في عِيدِها التِّسعين
جَدَّتي عُمْرُهَا تِسْعُونَ سَنَةً.. احْتَفَلَتْ قَبْلَ يَوْمَيْنِ بِعِيْدِ مِيْلاَدِهَا.. ارْتَدَتْ أَحْلَى ثِيَابَهَا.. وَضَعَتْ عَلَى رَأْسِهَا مَنْدِيلاً مُلَوَّناً..
وَزَيَّنَتْ صَدْرَهَا بِعَقْدٍ مِنَ اللُّؤلُؤ، وَوَضَعَتْ في شَعْرِهَا وَرَدَةً حَمْرَاءَ.. فَجَدَّتِي تُحِبُّ الْحَيَاةَ..
أَسْمَعَتْنَا جَدَّتِي في عِيْدِ مِيْلاَدِهَا الأَخِيرِ حِكَايَاتٍ تَرْوِيهَا رُبَّمَا لِلْمَرَّةِ الأَلْفِ، ومَعْ ذَلِكَ، سَمِعْنَاهَا بِشَغَفٍ وحُبٍّ..
أَعَادَتْنَا إلى الوَرَاءِ أَعْوَاماً طَوِيلَةً.. ذَكَّرَتْنا بِطُفُولَتِنَا.. وقَالَتْ إِنَّهَا سَتَرْوِي لَنَا قِصَصًا أُخْرَى جَدِيدَةً عِنْدَ اُحْتِفَالِهَا بِالْعِيْدِ المِئَةِ مِنْ عُمْرِهَا..
الْعِيْدُ التِّسْعُونَ جَمَعَ كُلَّ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ.. أَطْفَالاً وشَبَاباً وشُيُوخاً.. فَجَدِّيْ عُمْرُهُ سَبْعُونَ سَنَةً..
وهِيَ في الحَقِيْقَةِ لَيْسَتْ جَدَّتِي، بَلْ أُمُّ جَدِّي، أَعْنِي أَنَّها جَدَّةُ أَبِي.. وأَبِي عُمْرُهُ خَمْسٌ وأَرْبَعُونَ سَنَةً..
قَضَيْنَا وَقْتَاً طَوِيْلاً ونَحْنُ نَفْتَحُ الهَدَايا الَّتِي مَلأَتْ دَارَ جَدَّتِي الوَاسِعَةَ.. الكُلُّ تَسَابَقَ لِيُهْدِيَهَا هَدِيَّةً تُعَبِّرُ عَنْ حُبِّهِ لهَا..
أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أُرِيْدُ هَدِيَّةً مُخْتَلِفَةً.. لَمْ أَشْتِرِ هَدِيَّةً مِنْ مَحَلٍّ ولا من سوبِّرْ مارْكِتْ..
أَرَدْتُ أَنْ أَصْنَعَ لَهَا شَيْئاً بِيَدَيَّ أنا.. صَنَعْتُ لها ثَوْبَاً مُلَوَّناً بِقِطَعِ قِمَاشٍ كَثيرةٍ لِيَبْدُو الثَّوْبُ تُحْفَةً رائِعَةً..
فأنا خَيَّاطَةٌ ماهِرَةٌ، وكُلُّ طالِباتُ مَدْرَسَتِي يَحْسُدْنَنِي عَلَى ذَلِكْ.. فَقَدْ عَلَّمَتْني جَدَّةُ أَبي أَشْيَاءَ كَثيرةً، فهيَ مَدْرَسَةٌ.. بَلْ جَامِعَةٌ لِكُلِّ الكُلِّياتِ الجَامِعِيَّةِ..
قَبْلَ يَوْمَيْنِ فَقَطْ، عِشْنَا مَعَ جَدَّتي لَحَظَاتٍ عائِلِيَّةٍ نَادِرَةٍ، الْجَمِيعُ حَضَرَ مِنْ كُلِّ الأَنْحَاءِ،
حتَّى عَمِّي الْمُهَاجِر في كَنَدا وخَالَتِي الَّتِي تَعْمَلُ طَبِيْبَةً في بَلَدٍ خَلِيجِيّ.. وابْنُ عَمِّي الَّذِي يَدْرُسُ في فَرَنْسَا.. وعَمَّتِي الَّتِي تَعِيْشُ في مَدِينَةٍ بَعِيدَةٍ..
كانَ احْتِفَالاً حَقيقيًّا.. لَكِنَّنِي في الحَقيقةِ لا أدْري كَيْفَ اُسْتَوْعَبُ مَنْزِلُ جَدَّتي كُلَّ هذا العَدَدِ مِنَ النَّاسِ..
بَعْضُهُمْ كانَ يَقْضِي الْوَقْتَ في الحَديقةِ، وبَعْضُهُمْ جَلَسَ في الصَّالَةِ، وبَعْضُهُمْ خَرَجَ إلى سَطْحِ الْمَنْزِلِ لِيَتَنَشَّقَ الهَواءَ المُنْعِشَ..
وكنَّا جَميعاً نَحْرِصُ على الْالْتِفَافِ حَوْلَها قَدْرَ الْمُسْتَطَاعِ لِنَسْتَمِعَ إلى حِكَاياتِها الَّتِي تُكَرِّرُها
دونَ أنْ تَنْسَى تَفَاصِيْلَهَا ودُوْنَ أَنْ تَمَلَّ مِنْ ذِكْرِهَا.. فِيْمَا الْمُسْتَمِعُونَ لا يَمَلُّونَ مِنَ الْإِسْتِمَاعِ إلَيْهَا،
فَمِنَ النَّادِرِ حَقًّا أَنْ تَجِدَ واحِداً لَمْ يَسْتَمِعْ إلى قِصَّةٍ مِنْهَا وَلَوْ مَرَّةً واحِدَةً لِأَنَّها تَرْوِيها باسْتِمْرارٍ..
أمّا أنا فَقَدْ كُنْتُ المُسْتَمِعَةُ الدَّائِمَةُ.. أَحْفَظُ قِصَصَ جَدَّتِي عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، وأُطَالِبُها بالْمَزِيدِ وتَكْرَارِ القِصَصِ..
فَهِيَ عِنْدَما تَرْوي قِصَّةً وتُعِيدُ رِوَايَتَها تَرْوِيْهَا بِأُسْلوبٍ جَدِيْدٍ يَبْدُو لِي وكَأَنَّها المَرَّةُ الأُوْلَى الَّتِي تَرْوِيها فِيْها..
عِشْتُ مَعْ جَدَّتِي طُفُولَتي وصِبَايَ..
بَيْتُنَا قَرِيْبٌ مِنْ بَيْتِهَا.. فَأَبي مِثْلُ أَبِيْهِ وجَدِّهِ يُحِبُّونَ الحَيَاةَ في القَرْيَةِ ويُفَضِّلُونَ العَيْشَ فِيْهَا، وَمِنَ الْنَّادِرِ أَنْ يُغَادِرُوا الْقَرْيَةَ إلاَّ لِسَبَبٍ قَاهِرٍ..
لِذَا فإنَّنا قَليلاً ما نَبْتَعِدُ عَنْ جَدَّتي، الَّتي أَعْتَبِرُهَا صَدِيْقَتِي رَغْمَ فارِقِ السِّنِّ بَيْني وبَيْنَها.. والجَمِيْعُ يَعْرِفُ كَمْ أُحِبُّها..
قَبْلَ يَوْمَيْنِ فَقَطْ اجْتَمَعَتِ العَائِلَةُ كُلُّها.. كِبَاراً وصِغَاراً لِيَحْتَفِلُوا بِعِيْدِ مِيْلاَدِ الجَدَّةِ العَجُوزِ.. وكَانَتْ تَعِدُهُمْ باحْتِفَالٍ أَكْبَرَ في عِيْدِها المِئَة..
الْيَوْمَ صَبَاحًا.. وَمِنْ دُوْنِ مَوْعِدٍ مُسْبَقٍ؛ عادَ أَفْرَادُ العَائِلَةِ لِيَجْتَمِعُوا جَمِيْعًا وَلِيُوَدِّعُوا جَدَّتِي الوَدَاعَ المُفَاجِىءَ.. الأَخِيرْ.
سَنْفُور بَعْدَ رَمَضَانْ
لَمْ يَكَدْ يَنْتَهي رَمَضانُ حَتَّى انْشَغَلَ سَنْفُور بِأَمْرٍ ما..
صَارَ يَأْكُلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ في حَيَاتِهِ.
خَافَتْ سَنْفُورة عَلَيْهِ وحَذَّرَتْهُ مِنَ الْمَرَضِ.
غَضِبَ مِنْهَا سَنْفُور وَأَمَرَهَا أَلاَّ تَتَدَخَّلَ في حَيَاتِهِ..
قالَ لَها: شَهْرٌ كَامِلٌ وأنا صَائِمٌ.. سَأَشْبَعُ الآنَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
لَكِنَّ سَنْفُور أُصِيبَ بانْتِفَاخٍ في مَعِدَتِهِ..
لَمْ يَعُدْ يَسْتَطِيْعُ السَّيْرَ.
جاءَ الطَّبِيْبُ وَمَنَعَهُ مِنْ تَنَاوُلِ الأَطْعِمَةِ التي يُحِبُّها.
قالَ الطَّبِيْبُ: لَوْ رَحِمْتَ مَعِدَتَكَ لَمَا أَصَابَكَ الْمَرَضُ.
كانَتْ سَنْفُورة حَزِينَةً… وسَهِرَتْ عَلَى مَرَضِ أَخِيْهَا حَتَّى شُفِيَ ولَمْ يَعُدْ يَأْكُلُ بِشَرَاهَةٍ حَتَّى لا يُصَابُ بِالْتُّخَمَةِ.
الْمُفَكِّرُ الصَّغِيْرُ
قَرَّرَ نِضَالُ أَنْ يَكُونَ مُخْتَلِفاً عَنِ الآخَريْنَ.. لا يُرِيْدُ أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدَ شابٍ صغيرٍ تَقْتَصِرُ حَيَاتُهُ عَلَى الْمَدْرَسَةِ واللَّعِبِ ومُشَاهَدَةِ التليفزيون..
عَقَدَ العَزْمَ على أَنْ يُبْدِعَ في شَيْءٍ ما مُمَيَّزٍ..
قضى نضالُ وَقْتاً طَوِيلاً.. يُفَكِّرُ ويُفَكِّرُ فيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَ؟
سَأَلَ والدَهُ وأُمَّهُ.. أَخْبَرَهُمَا عَنْ رَعْبَتِهِ..
قالاَ لَهُ إنَّ هذا التَّفْكِيْرُ شَيْءٌ رائِعٌ.. وإنَّهما يُؤَيِّدَانَهِ لَكِنْ بِشَرْطٍ واحِدٍ: أَلاَّ يَكُوْنَ تَفْكِيْرُهُ على حِسَابِ دِرَاسَتِهِ وتَفَوُّقِهِ في المَدْرَسَةِ..
وَعَدَهُما نِضَالُ أَنْ يُفَكِّرَ بِعَمَلِ شَيْءٍ بَعْدَ وَقْتِ الدِّرَاسَةِ..
طَلَبَ مِنْ والدِهِ أنْ يُشْرِكَهُ في دَوْرِةِ خاصّةٍ بالكُمْبيوتِر.. وتَحْديداً في برامِجِ الإنْتِرْنِتْ..
صارَ نِضَالُ يَذْهَبُ كُلَّ يَوْمٍ مَسَاءً إلى نادٍ مُتَخَصِّصٍ بالإنْتِرْنِتْ..
تَعَلَّمَ أَنْ يُنْشِىءَ مَوْقِعاً خَاصًّا..
كانَ لِنضَالِ حَصَّالَةً يَجْمَعُ فِيْهَا جُزْءاً مِنْ مَصْرُوفِهِ اليَوْمِيّ..
سَأَلَ عَنْ قِيْمَة اسْتِئْجَارِ مَوْقِعٍ على الإِنْتِرْنِتْ.. لَمْ يَكْفِ الْمَبْلَغَ الَّذِي مَعَهُ.. عَرَضَ الفِكْرَةَ على أمِّهِ وأَبِيْهِ، وطَلَبَ مُسَاعَدَتَهُمَا..
وَافَقَ أَبُوهُ ووَافَقَتْ أُمُّهُ.. وأطْلَقَ نِضَالُ مَوْقِعَهُ تَحْتَ عُنْوَانْ (هُنَا الْمُفَكِّرُ الصَّغِيْرُ).. وأعْلَنَ عَنِ الْمَوْقِعِ دَاخِلَ الْمَدْرَسَةِ..
فَرِحَتْ إِدَارَةُ الْمَدْرَسَةِ بِإِنْجَازِ نِضَال الْمُتَمَيِّزِ.. وَمَنَحَتْهُ جَائِزَةُ الطَّالِبِ الْمُتَفَوِّقِ..
وعَرَضَتْ عَلَيْهِ مُسَاعَدَتَهُ في الْمَوْقِعِ وزِيادَةِ حَجْمِ اسْتِيعَابِهِ لِيَشْتَرِكَ بِهِ كُلُّ طُلاَّبِ الْمَدْرَسَةِ وَيَظَلُّ هُوَ مُدِيْرُ الْمَوْقِعِ وصَاحِبُهُ الرَّئِيسِي.. أَصْبَحَ نضالُ «مُدِيْرَاً»..
الْكُلُّ في الْمَدْرَسَةِ يَعْرِفُهُ..
لَكِنَّهُ ظَلَّ وَفِيًّا لِوَعْدِهِ.. ظَلَّ مُتَفَوِّقاً في دِرَاسَتِهِ.. ولَمْ يَكُنْ تَفْكِيْرُهُ عَلَى حِسَابِ دِرَاسَتِهِ..
الْيَوْمَ كَبُرَ نِضَالُ.. أَصْبَحَ «مُدِيراً» لِشَرِكَةِ كُمبيوتِرْ.. وأَصْبَحَ مُفَكِّراً كَبِيْراً..
رحلة إلى السيرك
أَقَامَتْ مَدْرَسَتُنَا رِحْلَةً رَائِعَةً انْتَظَرْتُهَا بِشَغَفٍ لِمُشَاهَدَةِ عُروضِ الْسِّيْركِ الْعالَمِيّ الْحَافِلِ بالْدَّهْشَةِ والْتَّشْوِيقِ والْغَرابَةِ،
كُنْتُ أَسْمَعُ كَثِيْراً عَنْ مِثْلِ هَذِهِ العُروضِ لَكِنِّي لَمْ أُشَاهِدْ أَيًّا مِنْهَا بِشَكْلٍ حَيٍّ مُبَاشِرْ، رَغْمَ أَنِّي كُنْتُ أَتَابِعُ بِاسْتِمْرَارٍ الْعُروضَ الَّتِي يُقَدِّمُهَا التِّلِفِزْيون مِنْ آنٍ إلى آخَرَ..
لَقَدْ شَعَرْتُ وَأَصْدِقَائِي بَرَهْبَةٍ حَقِيْقِيَّةٍ مِنْ كُلِّ الْمَشَاهِدِ الْخطِرَةِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا، فَقَدْ كَانَتِ الْحَيَوَانَاتُ الْمُفْتَرِسَةَ
تَتَنَقَّلُ بِحُرِّيَةٍ في مِيْدَانِ العَرْضِ الَّذِي تُحِيْطُهُ أَسْوَارٌ ضَخْمَةٌ حِرْصاً عَلَى سَلاَمَةِ الجُمْهُورِ…
وَكَادَ قَلْبِي يَتَوَقَّفُ عِنْدَمَا شَاهَدْتُ مُدَرِّبَ الأُسُودِ يَضَعُ رَأْسَهُ في فَمِ الْأَسَدِ بَيْنَ أَنْيَابِهِ القَاطِعَةِ، فَأَغْمَضْتُ عَيْنَيَّ ظَنًّا مِنِّي أَنَّهُ سَيَخْلَعُ رَأْسَهُ مِنْ مَكَانِهِ.
وَأَصَابَنِي هَلَعٌ شَدِيْدٌ عِنْدَمَا وَضَعَ الفِيْلُ الضُّخْمُ قَدَمَهُ عَلَى صَدْرِ الْمُدَرِّبِ لِلَحَظَاتٍ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَهَا وَيَمُرَّ فَوْقَهُ بِسَلاَمٍ دُوْنَ أَنْ يُصِيْبَ صَاحِبَهُ بِسُوْءٍ..
تَعَجَّبْتُ كَثِيْراً عِنْدَمَا شَاهَدْتُ التَّمَاسِيْحَ تَتَحَرَّكُ عَلَى وَقْعِ الْمُوْسِيْقَى… وَكَيْفَ تَنْصَاعُ حَيَوَانَاتُ الفَقْمَةِ والنُّمُوْرِ والقُرُودِ.. لِأَوَامِرَ مُدَرِّبِيْهَا… وغير ذلك من المشاهد المدهشة…
تَسَاءَلْتُ كَيْفَ تَخْضَعُ هذِهِ الحَيَوَانَاتُ بِوَدَاعَةٍ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ بِشَرَاسَتِهَا، تُنَفِّذُ أَوَامِرَ الْمُدَرِّبِيْنَ ولا تَمْلِكُ عَقْلاً يُرْشِدُها؟! فِيْمَا تَسْتَطِيْعُ بِضَرْبَةٍ واحِدَةٍ القَضَاءُ عَلَى الْمُدَرِّبِ وَبِسُهُولَةٍ شَدِيْدَةٍ..
عُدْتُ إلىَ البَيْتِ وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الصَّبْرَ والإرَادَةَ قادِرانِ على صُنْعِ الأَعَاجِيْبِ… وَقَرَّرْتُ ألاَّ أَعْصِيَ والِدَيَّ بَعْدَ الْيَوْمِ…
لأَنِّي أَمْلِكُ عَقْلاً يُمَيِّزُ بَيْنَ الصَّوَابِ والخَطَأْ… وَأَكْبَرُ بِكَثِيْرٍ مِنْ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُتَوَحِّشَةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ وَدِيعَةً تَسْتَجِيْبُ إلى أَوَامِرِ مُدَرِّبِيْهَا بِهُدُوءٍ وَوَدَاعَةٍ.
عَادِلُ وَجَرِيْدَةُ الصَّبَاحِ
كَانَ عَادِلُ يَرَى أَبَاهُ يَقْرَأُ الْجَرِيْدَةَ صَبَاحَ كُلِّ يَوْمٍ وَهُوَ يَشْرَبُ فُنْجَانَ قَهْوَةْ…
عِنْدَما يَخْرُجُ أَبُوهُ إلى العَمَلِ يَجْلُسُ عَادِلُ في المَكَانِ الَّذِي يَجْلِسُ فيهِ أَبُوهُ عَادَةً.. يَحْمِلُ الجَرِيْدَةَ.. يَتَأَمَلُ صُوَرَها.. وَيَشْرَبُ كُوباً مِنَ الحَلِيْبِ.
ب َعْدَ أَنْ دَخَلَ عَادِلُ المَدْرَسَةَ، وَتَعَلَّمَ القِرَاءَةَ، اشْتَرَكَ في عَدَدٍ مِنْ مَجَلاَّتِ الأَطْفَالِ العَرَبِيَّةِ، كَمَا اشْتَرَكَ أيْضاً في مَجَلاَّتٍ أجْنَبِيَّةٍ..
وقَدْ كَانَ يُدَّخِرُ مَصْرُوفَهُ اليَوْمِيُّ لِيَشْتَرِكَ في نِهَايَةِ كُلِّ شَهْرٍ بِمَجَلَّةٍ واحِدَةٍ لِمُدَّةِ سَنَةٍ كامِلَةٍ..
اليومَ لا يَسْتَطِيْعُ عَادِلُ قِرَاءَةَ العَدَدِ الكَبِيْرِ مِنَ المَجَلاَّتِ التي تَصِلُهُ يَوْمِيًّا..
فَهُوَ الآنَ رَئِيسُ تَحْرِيْرِ صَحِيْفَةٍ يَوْمِيَّةٍ تَصْدُرُ عَشَرَاتِ المَجَلاَّتِ ومِنْها خاصٌّ بالطِّفْلِ..
ولا يَزَالُ عَادِلُ يَحْتَفِظُ في مَكْتَبَتِهِ الضَّخْمَةِ جدًّا بِمُعْظَمِ الْمَجَلاَّتِ التي جَمَعَها في أَيَّامِ طُفُولَتِهِ السَّعِيْدَةِ..
مازِنُ الرَّسَّامُ
اشْتَرَى مازنُ كِتَاباً أزْرَقَ الْلَّوْنِ..
في الكِتَابِ صُوَرٌ كَثِيْرَةٌ ورُسُومَاتٌ مُلَوَّنَةٌ.
مازِن يُحِبُّ الفَنَّ والرَّسْمَ..
اشْتَرَكَ في مَعْهَدٍ في مِنْطَقَتِهِ..
كَانَ يَذْهَبُ لِوَحْدِهِ لأَنَّهُ قَرِيْبٌ جِدًّا مِنَ المَنْزِلِ.. ويَأْخُذُ مَعَهُ الكِتَابَ الأَزْرَقُ.
عِنْدَما يَصِلُ إلى المَعْهَدِ يَفْتَحُ الكِتَابَ ويَبْدَأُ بِرَسْمِ بَعْضِ رُسُومَاتِهِ الجَمِيْلَةِ بِأُسْلُوبِهِ ورِيْشَتِهِ وأَلْوَانِهِ.
أبو مازن سَعِيْدٌ بما يُحَقِّقُهُ ابْنُهُ مِنْ تَقَدُّمٍ.
أُمُّهْ سَعِيْدَةٌ جِدًّا وفَخُورَةٌ بِابْنِها.
كَبُرَ مازنُ وكَبُرَتْ مَعَهُ هِوَايَةَ الرَّسْمِ.
سأَلَهُ المُدَرِّسُ: عِنْدَما تَدْخُلُ الجَامِعَةَ مَاذا سَتَفْعَلْ؟
قالَ لَهُ: سَأَدْخُلُ كُلِّيَةَ الفُنُوْنِ… وسَأَتَخَصَّصُ بِالْرَّسْمِ..
مازنُ اليَوْمَ صَاحِبُ مَعْرِضٍ كَبِيْرٍ ورُسُومَاتُهُ تُبَاعُ في أَنْحَاءِ العَالَمِ..
وما زالَ مازنُ يَحْتَفِظُ بِكِتَابِهِ الأَزْرَقَ حَتَّى اليَوْمَ.
مُنَى تَتَعَلَّمُ الخِيَاطَةَ
مُنَى تُحِبُّ الذَّهَابَ إلى السُّوْقِ. وأَكْثَرُ ما يُعْجِبُهَا الأَثْوَابُ المُلَوَّنَةُ في وَاجِهَاتِ المَحَالّ.
سَأَلَتْ أُمّها: كَيْفَ يَصْنَعُوْنَ هَذِهِ المَلاَبِسُ الرَّائِعَة.
أجَابَتْها: هُنَالِكَ مَصَانِعُ كَبِيْرَةٌ، يَعْمَلُ بِهَا الآلافُ، وفي المَاضي كانَتْ الثِّيَابُ تُصْنَعُ يَدَوِيًّا فَقَطْ، لَكِنَّ اليَوْمَ هُنَالِكَ آلاتٌ حَدِيْثَةٌ تُوَفِّرُ الوَقْتَ والجَهْدَ..
ومَعْ ذَلِكَ هُنَالِكَ خَيَّاطُونَ ما زالوا يَعْمَلْونَ بِأَيْدِيْهِم، ومُعْظَمُ الأَغْنِيَاءُ يُفَضِّلُونَ المَلاَبِسَ التي تُصْنَعُ خِصِّيْصاً لَهُمْ بِوَاسِطَةِ مُصَمِّمِيْنَ مِنْ مُخْتَلَفِ أَنْحَاءِ العَالَمِ..
قالتْ مُنَى: أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ خِيَاطَةَ الثِّيَابِ. اخْتَارَتْ مُنَى في مَدْرَسَتِهَا نَشَاطَ الخِيَاطَةِ، واشْتَرَكَتْ في نادٍ لِتَتَعَلَّمَ أُصُولَ هَذِهِ المِهْنَةِ الجَمِيْلَةِ.
أَصْبَحَتْ مُنَى تَحِيْطُ ثِيَاباً، لُعَبِهَا، وَتُصْلِحُ ثِيَابَ أَبِيْها، وَتُقَصِّرُ بِنْطَالَها.. وتَصْنَعُ سَتَائِرَ لِلْمَدْرَسَةِ وأَغْطِيَةً لِلْطَّاوِلاَتِ، وصَارَتْ تَخِيْطُ لِصَدِيْقَاتِها أَثْوَابُ لُعَبِهِنَّ..
كَبُرَتْ مُنَى.. وعِنْدَما أَصْبَحتْ شَابَّةً صَارَ عِنْدَها مَصْنَعاً لِلْثِّيَابِ.
فَتَحَتْ لِلْمَصْنَعِ فُرُوعاً كَثِيْرَةً.. وأَصْبَحَتْ مُصَمِّمَةً مَشْهُورَةً وغَنِيَّةً.. وصَارَتْ صُوَرُ مُنَى وأَزْيَائِها تُنْشَرُ على صَفَحَاتِ المَجَلاَّتِ الخَاصَّةِ بِالفَنِّ والأَزْيَاءِ..
كَيْفَ أَصْبَحْتُ طَبِيْبَاً؟
ذَهَبَ طَلالُ إلى عِيَادَةِ «عمو سَعِيْد» بَعْدَ إصَابَتِهِ بِالْبَرْدِ.. عَايَنَ «عمو سَعِيْد» طلالَ.. وأَعْطَاهُ دَوَاءً لِيَشْرَبَهُ ثُمَّ قالَ:
أَنْتَ بِصِحَّةٍ جَيِّدَةٍ يا بَطَلْ.. غَداً بإمْكَانِكَ الذَّهَابُ إلى الْمَدْرَسَةِ، فَعَلَيْكَ أَنْ تَدْرُسَ وتَجْتَهِدَ لِتُصبِحَ طَبِيْباً مِثْلي..
فَكَّرَ طلالُ قَلِيْلاً وسَأَلَهُ:
«عمو سَعِيْد» أبي دَائِماً يقولُ إنَّكَ أَصْبَحْتَ طَبِيْباً بِإصْرَارِكْ. أنا أرِيْدُ أَنْ أَعْرِفَ كَيْفَ أَصْبَحْتَ طَبِيْباً؟
ضَحِكَ «عمو سَعِيْد» وقالَ مُمَازِحاً طلال:
في يَوْمٍ، فيمَا كُنْتُ في فِرَاشي نَائِماً، جَاءَنِي جِنِّيٌّ سَاحِرٌ، أَحْضَرَ لي حَقِيْبَةً فيها كُلُّ أَدَوَاتِ الطَّبِيْبِ وعِنْدَمَا اسْتَيْقَظْتُ وَجَدْتُها..
فقالَ ليَ الجِنِّيُّ: «يَجِبُ أَنْ تُصْبِحَ طَبِيْباً لِتُسَاعِدَ المَرْضى، ومُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَصْبَحْتُ طَبِيْباً..
طلالُ ذَكِيٌّ جِدًّا يَعْرِفُ أَنْ لا وُجُودَ لِهَذا الجِنِّيُّ، وأَنَّ الجِنَّ الحَقِيْقِي عَالَمٌ آخَرُ لَيْسَ لَهُ عَلاَقَةٌ بِعَالَمِ الإنْسَانِ، ومَعَ ذَلِكَ ذَهَبَ إلى بَيْتِهِ يُفَكِّرُ ويَحْلُمُ بالجِنِّيِّ وحَقِيْبَةِ الطَّبِيْبِ..
في اليَوْمِ التَّالي اسْتَيْقَظَ طَلالُ في وقتٍ مُبْكِرٍ ورَاحَ يَبْحَثُ عَنِ الحَقِيْبَةِ فَلَمْ يَجِدْهَا..
وظَلَّ كُلَّ يَوْمٍ يَنْتَظِرُ الجِنِّيَّ والحَقِيْبَةَ..
أخْبَرَ «عمو سَعِيْد» أَبا طلال بِحِكَايَةِ ابْنِهِ، فَظَلَّ يَضْحَكُ فَتْرَةً طَوِيْلَةً.. ثُمَّ ذَهَبَ أبو طلال بِرِفْقَةِ أمِّ طلال واشْتَرَيَا حَقِيْبَةً وَوَضَعَا فيها كُلُّ أَدَوَاتِ الطِّبيبِ التي تُنَاسِبُ عَمْرَ طلال ولا تُؤْذِيْهِ.
في الصَّبَاحِ التَّالي اسْتَيْقَظَ طلال فَوَجَدَ الحَقِيْبَةَ.
كانَتْ مَلأَى بأَدَوَاتِ الطِّبِّ.. سَمَّاعةٌ.. ضَمَّادٌ.. آَلَةٌ لِقِيَاسِ الضَّغْطِ، سَاعةٌ، كَمَّامٌ، مُطَهِّرٌ.. بَدَأ طلال يُمَارِسُ عَمَلَهُ كَطَبِيبٍ..
اليَوْمَ يَمْلِكُ طلال أَكْبَرَ مَرْكَزٍ طِبِّيٍّ مُتَخَصِّصٍ بِمُعَالَجَةِ العُيُونِ.. ولا يَزَالُ مُحْتَفِظًا بِالْحَقِيْبَةِ.. وعِنْدَمَا يَتَذَكَّرُ حِكَايَةَ الجِنِّي.. يَضْحَكُ كَمَا ضَحِكَ. «عمو سَعِيْد».
2)كتاب 50قصه قصيره للاطفال د طارق بكري
المراجع