محتويات
من هو الصحابي أبو دُجانة سِمَاكُ بن خَرَشَة
اسمه ونسبه
أبو دُجانة سِمَاكُ بن خَرَشَة (المتوفى سنة 12 هـ) صحابي من الأنصار من بني ساعدة من الخزرج
شهد مع النبي محمد ﷺ غزوات بدر وأحد وخيبر وحنين، ثم شهد حروب الردة، وأستشهد في معركة اليمامة،
وكان من شجعان المسلمين، وكانت له عصابة حمراء يرتديها تُميّزه في المعارك.
سيرته واسلامه
أسلم أبو دجانة، وآخى النبي محمد ﷺ بينه وبين عتبة بن غزوان.[1] شهد أبو دجانة
في يوم أحد، عرض النبي محمد ﷺ سيفه على أصحابه، وقال: «من يأخذ هذا السيف بحقه؟
فأحجموا، فقال أبو دجانة: «وما حقه يا رسول الله؟»، قال: «تقاتل به في سبيل الله حتى يفتح الله عليك أو تُقتل». فأخذه أبو دجانة ،
فخرج يومها أبو دجانة مصلّتًا سيفه وهو يتبختر، وعليه عمامة حمراء قد عصب بها رأسه، وأخذ يرتجز فيقول:
فقال النبي محمد ﷺ: «إنها لمشية يبغضها الله ورسوله إلا في مثل هذا الموطن».
وثبت يومها مع النبي محمد ﷺ، وبايعه على الموت.
وقد امتدح النبي محمد ﷺ شجاعة أبي دجانة يومًا فقال: «لقد رأيتني يوم أحد، وما في الأرض قربي مخلوق غير جبريل عن يميني، وطلحة عن يساري. وكان سيف أبي دجانة غير دميم»
وكان أبو دُجانة هو من قتل الحارث بن أبي زينب فارس اليهود يوم خيبر،
كما كان ممن ثبتوا مع النبي محمد ﷺ يوم حنين.
بعد وفاة النبي محمد ﷺ، شارك أبو دجانة في حروب الردة، وكان في جيش خالد بن الوليد الذي توجّه إلى اليمامة.
ولما اشتد القتال يوم اليمامة، وكادت الدائرة تدور على المسلمين، رمى أبو دجانة بنفسه إلى داخل الحديقة التي تحصّن فيها أنصار مسيلمة،
فانكسرت رجله، فقاتل وهو مكسور الرجل، وكان ممن شارك في قتل مسيلمة الكذاب، ثم استشهد يومئذ
وكان لأبي دجانة من الولد خالد أمه آمنة بنت عمرو بن الأجش البهزية السُلمية
صفاته
اتصف أبو دجانة بالعديد من الصفات الجليلة؛ منها: الكرم والشجاعة ونقاء القلب،
التي دلت عليها مواقفه من النبي وأصحابه؛ ومن ذاك ما رُوي عنه في إحدى الغزوات أنه كان لا يلقى أحدًا إلا قتله،
وكان من المشركين رجل لا يَدَعُ جريحًا فالتقيا إلا ذفف عليه، فجعل كل منهما يدنو من صاحبه،
فالتقيا، فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته، فعضت بسيفه، وضربه أبو دجانة فقتله
كما اتصف بالإخلاص للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين والفداء؛ ومن ذلك عندما جعل نفسه فداءً للنبي في حادثة عظيمة سنتناولها في موضعها من البحث، كما وصف بأنه لا يُقحم نفسه في ما لا يعنيه، وكان قلبه سليمًا لا يحمل غلًّا ولا حقدًا على مسلم؛ فقد روى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ:
1)دُخِلَ عَلَى أَبِي دُجَانَةَ، وَهُوَ مَرِيضٌ، وَكَانَ وَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ، فَقِيلَ لَهُ: مَا لِوَجْهِكَ يَتَهَلَّلُ؟ فَقَالَ:
مَا مِنْ عَمَلِي شَيْءٌ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنَ اثْنَتَيْنِ: أَمَّا إِحْدَاهُمَا فَكُنْتُ لاَ أَتَكَلَّمُ فِيمَا لا يَعْنِينِي، وَأَمَّا الأُخْرَى فَكَانَ قَلْبِي لِلْمُسْلِمِينَ سَلِيمًا
ومن الصفات التي عُرف بها ورعه والتزامه حدود الله، وحرصه على إطعام أهله الحلال الطيب، ذكرت المصادر
2)أن أبا دجانة إذا صلى الصبح خرج من المسجد سريعًا، ولم يحضر الدعاء، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:
جاري له نخلة يسقط رطبها في داري ليلًا من الهواء، فأسبق أولادي قبل أن يستيقظوا، فأطرحه في داره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبها:
بِعْني نخلتك بعشر نخلات في الجنة، عروقها من ذهب أحمر، وزبرجد أخضر، وأغصانها من اللؤلؤ الأبيض، فقال: لا أبيع حاضرًا بغائب، فقال أبو بكر: قد اشتريتها منه بعشر نخلات في مكان كذا، ففرح المنافق ووهب النخلة التي في داره لأبي دجانة، وقال لزوجته: قد بعت هذه النخلة لأبي بكر بعشر نخلات في مكان كذا،
وهي داري، فلا ندفع لصاحبها إلا القليل، فلما نام تلك الليلة وأصبح، وجد النخلة قد تحولت من داره إلى دار أبي دجانة
ورغم تضعيف تلك القصة من قِبل البعض، ولكن ذلك الخلق لم يكن ببعيدٍ عن صحابة رسول الله الذين زكاهم الله سبحانه وتعالى، فرحمه الله كم كانت صفاته جليلة وعظيمة!
3)من هو الصحابي أبو دُجانة سِمَاكُ بن خَرَشَة
جهاده في غزوة بدر الكبرى
تعد غزوة بدر أولى المعارك التي كانت بين المشركين والمسلمين، وكان ما قبلها من موجهات عبارة عن مناوشات لم ترتقِ إلى درجة المعركة الكبرى، فكانت المعركة الكبرى معركة بدر الكبرى، أو الفرقان كما أسماها رب العزة عز وجل: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنفال: 41]، لقد كان بطلنا أبو دجانة الأنصاري معلمًا بعصابة حمراء عصابة الموت
ولما اشتدت المعركة وَجَالَ الْمُسْلِمُونَ وَاخْتَلَطُوا، أَقْبَلَ عَاصِمُ بْنُ أَبِي عَوْفِ بْنِ صُبَيْرَةَ السَّهْمِيِّ كَأَنَّهُ ذِئْبٌ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، عَلَيْكُمْ بِالْقَاطِعِ، مُفَرِّقِ الْجَمَاعَةِ، الْآتِي بِمَا لَا يُعْرَفُ؛ مُحَمِّدٍ! لَا نَجَوْت إنْ نَجَا! وَيَعْتَرِضُهُ أَبُو دُجَانَةَ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، وضربه أبو دجانة فقتله، وَوَقَفَ عَلَى سَلَبِهِ يَسْلُبُهُ، فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَقَالَ: دَعْ سَلَبَهُ حَتَّى يُجْهَضَ الْعَدُوُّ، وَأَنَا أَشْهَدُ لَك بِهِ، وَيُقْبِلُ مَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ، فَضَرَبَ أَبَا دُجَانَةَ ضَرْبَةً، بَرَكَ أَبُو دُجَانَةَ كَمَا يَبْرُكُ الْجَمَلُ، ثُمَّ انْتَهَضَ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ فَضَرَبَهُ ضَرَبَاتٍ لَمْ يَصْنَعْ سَيْفُهُ شَيْئًا، حَتَّى يَقَعُ مَعْبَدٌ بِحُفْرَةٍ أَمَامَهُ لَا يَرَاهَا، وَبَرَكَ عَلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ، فَذَبَحَهُ ذَبْحًا، وَأَخَذَ سَلَبَهُ
وكان قد قتل الكثير من فرسان المشركين وشجعانهم أمثال: أبي العاص بن قيس، ومعبد بن وهب، ومعاوية بن عبدقيس، وغيرهم الكثير
جهاده في غزوة أحد
أما في غزوة أحد، فقد كان موقفه عظيمًا يدل على الشجاعة والإقدام؛ فقد روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فِعاله في غزوة أحد، فقال: 4)جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد
وهذا دليل على قتاله وبأسه في تلك المعركة، فقد اتصف رضي الله عنه بالثبات والعزيمة، وحب الشهادة في سبيل الله تعالى، وقد وصف لنا رضي الله عنه ما فعله أبو دجانة الأنصاري في تلك الغزوة، فعندما التحم الجيشان واشتد القتال، وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم يشحذ همم أصحابه، ويعمل على رفع معنوياته وأخذ سيفًا، وقال: من يأخذ مني هذا؟ فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا أنا – وكان منهم الزبير- قال: فمن يأخذه بحقه؟ فأحجم القوم، فقال سماك بن خرشة أبو دجانة: وما حقه يا رسول الله؟ قال: أن تضرب به العدو حتى ينحني، قال: أنا آخذه بحقه، فدفعه إليه، وكان رجلًا شجاعًا يختال عند الحرب – أي: يمشي مشية المتكبر – وحين رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبختر بين الصفين، قال: إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن
ووصف الزبير بن العوام ما فعله أبو دجانة يوم أحد فقال: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف، فمنعنيه، وأعطاه أبا دجانة وتركني، والله لأنظرن ما يصنع، فأتبعته فأخرج عصابة له حمراء، فعصب بها رأسه، فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت – وهكذا كانت تقول له إذا تعصب – فخرج وهو يقول:
أنا الذي عاهدني خليلي
ونحن بالسفح لدى النخيلِ
ألَّا أقوم الدهر في الكيول
أضرب بسيف الله والرسولِ
|
فجعل لا يلقى أحدًا إلا قتله، وكان من المشركين رجل لا يدع جريحًا فالتقيا إلا ذفف عليه، فجعل كل منهما يدنو من صاحبه، فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا فاختلفا ضربتين، فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه، وضربه أبو دجانة فقتله، ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف عنها، فقلت: الله ورسوله أعلم، قال ابن إسحاق: قال أبو دجانة: رأيت إنسانًا يحمس الناس حماسًا شديدًا، فصمدت له، فلما حملت عليه السيف ولول، فإذا امرأة، فأكرمت سيف رسول الله أن أضرب به امرأة
ولمَّا حل التراجع بالمسلمين نتيجة نزول الرماة من جبل الرماة، وانهار الجيش الإسلامي، وحاول المشركون قتل النبي صلى الله عليه وسلم ثبت أبو دجانة وسعد بن أبي وقاص؛ فقد قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: 5)وَتَرَّسَ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو دُجَانَةَ بِنَفْسِهِ، يَقَعُ النَّبْلُ فِي ظَهْرِهِ، وَهُوَ مُنْحَنٍ عَلَيْهِ، حَتَّى كَثُرَ فِيهِ النَّبْلُ، وَرَمَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ سَعْدٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُنَاوِلُنِي النَّبْلَ وَهُوَ يَقُولُ: ارْمِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، حَتَّى إنَّهُ لَيُنَاوِلُنِي السَّهْمَ مَا لَهُ نَصْلٌ، فَيَقُولُ: ارْمِ بِهِ
معركة اليمامة
لقد كانت حروب الردة ذات أثر كبير على المسلمين؛ امتُحن فيها صبرهم، ونُقِّيت صفوفهم، وعلم الناس بلاءهم وثباتهم، وكانت اليمامة من أبرز تلك المعارك؛ لأن العدو فيها مسيلمة الكذاب، وبنو حنيفة الذين بايعوه على النبوة والزعامة، وكانت من الضراوة بمكان؛ فقد استشهد فيها خمسمائة من الصحابة، فيهم سبعون من حفظة القرآن، وكانت الدولة للمشركين على المسلمين، ولكن الله غالب على أمره، كسر المشركين وأعز المسلمين، حتى إن بني حنيفة احتموا بحديقة مسورة أخذت المعركة اسمها منها “حديقة الموت”، وعبثًا حاول المسلمين اختراقها حتى بدت بطولة أبي دجانة والبراء وخالد وغيرهم، وأبدى البطل شجاعة فائقة؛ حيث رمى بنفسه في الحديقة يومئذٍ، فانكسرت رجله فقاتل
واشترك مع وحشي في قتل عدو الله مسيلمة الكذاب
استشهاده
توفي أبو دجانة الأنصاري من هو الصحابي أبو دُجانة سِمَاكُ بن خَرَشَة سنة اثنتا عشرة للهجرة في ساحات الوغى، تقبله الله في الشهداء، وجعل منزلته الفردوس الأعلى بعد حياة مليئة بالأحداث والتضحيات والتفاني والبطولة في حروب الردة في قتال بني حنيفة، فحمل عليهم حملة كتيبة، وقاتل، حتى كُسرت قدمه، واستُشهد بعد أن اشترك في قتل عدو الله مسيلمة كما مر سابقًا، وكان ذلك في خلافة أبي بكر الصديق
المراجع