معلومات تاريخيه

التاريخ العربي الحديث

التاريخ العربي الحديث

التاريخ العربي الحديث

الحركة القومية العربية قبل الحرب العالمية الأولى

  

تمهيد : معنى القومية  – أسس القومية العربية .

عوامل اليقظة العربية.

سياسة السلطان عبد الحميد.

انتشار التعليم الغربي.  

انتشار الصحف .

ظهور المفكرين والمصلحين العرب.

مظاهر الحركة القومية العربية.

الجمعيات السرية والعلنية .

المؤتمر العربي الأول (1913).

التمهيد

* معنى القومية:

  • المعنى اللغوي: مشتقة من (قوم) بمعنى جماعة من الناس.
  • المعنى الاصطلاحي: جماعة من الناس تجمعها أسس وصفات مشتركة.

* أسس القومية العربية:

  • أسس القوميات بشكل عام:
  • الأسس العامة (وطن – لغة – تاريخ مشترك).
  • الأسس الخاصة (ثقافة – جنس – دين).
  • الأسس العامة للقومية العربية (الوطن العربي- اللغة العربية- التاريخ المشترك)
  • الأسس الخاصة للقومية العربية (الثقافة العربية- الجنس السامي- الدين الإسلامي).

عوامل اليقظة العربية

1- سياسة السلطان عبد الحميد:

  • إلغاء الدستور وحل البرلمان.
  • التنكيل بالأحرار والاعتماد على العناصر الرجعية في الحكم.
  • تحالف العرب والأتراك الأحرار ضده.

2- انتشار التعليم الغربي:

  • مدارس الإرساليات التنصيرية كانت أداة لتحقيق أطماع التغلغل الأجنبي السياسية وأذداد التنافس الدولى فى المنطقة .
  • البعثات والمفكرين العرب المتأثرين بالغرب ، كما ظهرت نهضة أدبية عربية .

تابع – عوامل اليقظة العربية

3- انتشار الصحف:

  • ظهرت صحف ضد الدولة العثمانية في النصف الثانى من القرن التاسع عشر في البلدان العربية فقامت حركة اليقظة العربية ، ومن الصحف : الأحوال، الأخبار، الجوائب، الرائد، سوريا، الأهرام ، المقطم.

4- ظهور المفكرين والمصلحين العرب :

  • عبد الرحمن الكواكبي.
  • الشيخ محمد عبده.
  • مفكرون ورواد آخرون.

مظاهر اليقظة العربية

1- الجمعيات السرية والعلنية:

أ- الطور الأول: التقارب العربي التركي (1908- 1911).

  • جمعية الإخاء العربي العثماني (1908).

ب- الطور الثاني: العداء العربي التركي (1911- 1914)

  • المنتدى الأدبي (1909).
  • الجمعية القحطانية (1909).
  • حزب اللامركزية (1912).
  • جمعية العربية الفتاة (1911).
  • جمعية بيروت الإصلاحية (1913).
  • جمعية العهد (1914).

 

2- المؤتمر العربي الأول (1913):

  • أسباب انعقاده.
  • جدول اعماله.
  • قراراته.
  • موقف الحكومة التركية من المؤتمر.

 

أولاً الجمعيات السرية والعلنية :

أ – ( التقارب العربي التركي ) وتمثل فى :

  • جمعية الإخاء العربي العثماني 1908م :

             أول جمعية عربية علنية تأسست بعد إعلان الدستور ، كانت مفتوحة لأبناء العرب العثمانيين على اختلاف مللهم ونحلهم ، تمثلت أهدافها في التعاون مع جمعية الاتحاد والترقي في الحفاظ على أحكام

 

الدستور وجمع كلمة جميع الملل دونما نظر إلى الفروق الدينية والجنسية والسعي لبث العدل والحرية والمساواة بين جميع العناصر .

أما أهدافها القومية فتمثلت بالنهوض بالعرب والمحافظة على حقوقهم، والاهتمام بنشر العلوم والمعارف وتأسيس المدارس ، ورفع المستوى الاقتصادي بين السكان ومساعدة أبناء العرب على التعاون مع العثمانيين لتأسيس الشركات التجارية والصناعية والزراعية.

 

ب- ( العداء العربي التركي ) وتمثل في:

  • المنتدى الأدبي 1909:

        أُسس في الأستانة على يد نخبة من الموظفين والنواب والطلاب والعلماء والكتاب في القسطنطينية ، تمثلت أهدافه في جمع الشباب العرب في الأستانة وانتزاع حقوق العرب من الأتراك ، بث المبادئ السامية بين الشباب العربي في الأستانة وخارجها ، نشر الدعوة للقضية القومية . أقبل الشباب العربي بقوة للانضمام إلى المنتدى واستقر رأيهم على القيام بدعاية واسعة النطاق تبث

 

في جميع الأقطار العربية تقوم على الأسس التالية :

الأمة العربية أمة واحدة فقدت مجدها واستقلالها لتسلط الأجانب عليها ، البلاد العربية بلاد غنية يطمح بها الأقوياء ويعملون على استعمارها ، ولا سبيل لتعديل هذه الحالة إلا بتقوية العنصر العربي في الدولة العثمانية وجعله قادراً على الدفاع عن حياته .

هَدف المنتدى من كل أنشطته إلى ايقاظ الحس القومي لدى الأمة العربية التي كانت تعيش في سبات عميق من جراء الاستعباد التركي .

 

  • حزب اللامركزية الإدارية العثماني 1912 :

تأسس في القاهرة بهدف الحفاظ على الإمبراطورية العثمانية من الأخطار الخارجية المحدقة بها ومن المنازعات الداخلية وخلق الشعور بالولاء لوحدة الإمبراطورية العثمانية والإخلاص للرمز الذي يوحد بينهم ألا وهو العرش العثماني ، بيان حسنات الإدارية اللامركزية في السلطنة العثمانية والمطالبة بكل الوسائل المشروعة بحكومة تؤسس على قواعد اللامركزية . فنشاطهم كان قومياً عربياً يرمي إلى يقظة الأمة العربية وتمكين العرب من حقوقهم في الدولة باتباع النظام اللامركزي فيها الأمر الذي يؤدي إلى شد أزر الدولة العثمانية وقوتها .

 

  • الجمعية القحطانية 1909 :

تأسست في اسطنبول إذ ألفها عسكريون في الجيش العثماني تمثلت أهدافها في إيقاظ العرب من سباتهم وتذكيرهم بماضيهم المجيد وبكيانهم القومي الحاضر والعمل على رفع مستواهم الثقافي والاجتماعي والاقتصادي ، وحثهم على التضامن ، والمطالبة بما لهم من حقوق مضاعفة في الدولة العثمانية .

 

  • الجمعية العربية الفتاة 1909 :

                                      تأسست في باريس ووسعت نطاق عملها في العواصم العربية ، تمثل هدفها الأسمى في بلوغ الأمة العربية المكانة التي تستحقها بين الأمم وكان مبدأ الجمعية القومي الذي يقسم العضو اليمين عليه ” بذل كل جهد لإيصال الأمة العربية إلى مصاف الأمم الراقية الحرة المستقلة الكبرى ” .

 

وكان هدف الجمعية السياسي نيل الاستقلال العربي داخل إطار الإمبراطورية العثمانية ، ولكنها تحولت فيما بعد لتبني الخيار الثوري ومن أجل الانفصال عن تركيا خاصة بعد علمها بقرار الاتحاديين تشتيت شمل العرب .

 

  • الجمعية الإصلاحية البيروتية ، أو الجمعية العمومية الإصلاحية1912:

تأسست في بيروت وقدمت برنامجاً للإصلاح يتلخص فيما يلي :

  • الاعتراف باللغة العربية لغة رسمية في دوائر الولاية الحكومية.
  • أن تُعين العاصمة رؤساء الدوائر العارفين باللغة العربية .
  • وأن يكون بقية موظفي الدوائر من أبناء الولاية .

 

  • تأليف مجلس تمثيلي في الولاية له سلطات محلية واسعة منها اقرار ميزانية الولاية .
  • تعيين مستشارين أجانب في دوائر الولاية الحكومية توافق العاصمة على اختيارهم وتعيينهم و أن يقضي أبناء الولاية الخدمة العسكرية فيها أيام السلم .

 

  • جمعية العهد 1914 :

تأسست في الجيش العثماني ومن الأسباب التي استدعت إلى تأسيسها فشل مساعي الاصلاحيين العرب مع الاتحاديين بعد المؤتمر العربي الأول .

تمثلت أهدافها فيما يلى :-

  • السعي نحو الاستقلال الداخلي للبلاد العربية على أن تكون متحدة مع حكومة الأستانة اتحاد المجر مع النمسا .

 

  • بقاء الخلافة الإسلامية ، وديعة مقدسة بأيدي آل عثمان .
  • الدفاع عن الأستانة في وجه مطامع الدول الأجنبية .
  • أن يكون العرب القوة الاحتياطية الداعمة للأتراك من أجل الدفاع عن الشرق في وجه الغرب فضلاً عن تنمية المزايا المحمودة وبث الدعوة للتمسك بالأخلاق الفاضلة لأن الأمة لا تحتفظ بكيانها السياسي القومي ما لم تكن مميزة بالأخلاق الصالحة .

 

ثانياً : المؤتمر العربي الأول 1913م :

ما أن حلت الجمعية الإصلاحية في بيروت حتى فكر خمسة من الشباب العرب في باريس وهم : عبد الغني العريسي وعوني عبد الهادي وتوفيق الناطور وجميل مردم ومحمد المحمصاني بعقد مؤتمر عربي تدعي إليه المنظمات العربية العلنية منها والسرية لمناقشة أوضاع بلادهم فـي الدولة العثمانية بعيداً عن الإرهاب الذي نشره الاتحاديون فيها .

 

وحُددت أبحاث المؤتمر على النحو التالي :-

  • الحياة الوطنية و مناهضة الاحتلال.
  • حقوق العرب في المملكة العثمانية .

جـ- ضرورة الإصلاح على قاعدة اللامركزية .

د- المهاجرة من سوريا و إليها .

 

ولوحظ في تشكيل لجنة المؤتمر تمثيل المسلمين والمسيحيين بالتساوي. وتوضيحاً لدور المسيحيين العرب في هذا المؤتمر يتوجب الإشارة إلى أهم الأفكار التي اشتملت عليها كلماتهم التي ألقيت في سياق أعمال المؤتمر، حيث يمكن الإشارة إلى النقاط الجوهرية التالية:-

  • التأكيد على عدم الانفصال عن الدولة العثمانية.

 

  • التأكيد على أن العرب أمة متميزة لها حقوقها.
  • رفض ومقاومة كل تدخل أجنبي.
  • التأكيد على وحدة المسلمين والمسيحيين في إطار قومي أو وطني.
  • الإصلاح عن طريق اللامركزية .

 

وفي الجلسة الختامية للمؤتمر أُتخذت القرارات التالية ( أهمها):-

  • إن الإصلاحات الحقيقية واجبة وضرورية للمملكة العثمانية فيجب أن تنفذ بوجه السرعة .
  • من المهم أن يكون مضموناً للعرب التمتع بحقوقهم السياسية، وذلك بأن يشتركوا في الإدارة المركزية للمملكة اشتراكاً فعلياً .
  • أن تنشأ في كل ولاية عربية إدارة مركزية تنظر في حاجاتها وعاداتها .

 

  • أن تكون اللغة العربية لغة رسمية في الولايات العربية.
  • أن تكون الخدمة العسكرية في الولايات العربية.
  • إذا لم تنفذ القرارات التي صادق عليها المؤتمر فالأعضاء المنتمون إلى لجان الإصلاح العربية يمتنعون عن قبول أي منصب في الحكومة العثمانية.

 

يتضح لنا من خلال هذه القرارات ومن الرجوع إلى أسماء المؤتمرين أن المؤتمر كان قومياً عربياً يضم المسلم والمسيحي ، وأن قراراته في جملتها لا تتعدى المطالبة الاشتراك في الحكم المركزي وأن تكون اللغة العربية لغة رسمية ويتمتع العرب بحقوقهم القومية في دولة هم فيها أكثر من نصف السكان .

  

العرب والحرب العالمية الأولى

(1) – مراسلات الحسين – مكماهون

 

  • دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى وموقف الحلفاء (وخصوصًا بريطانيا).
  • الاتصالات بين كتشنر والحسين.
  • الاتصالات بين الحسين والجمعيات العربية السرية بالشام، واختيارهم للحسين قائدًا للثورة العربية.
  • موضوعات الرسائل المتبادلة بين الحسين و مكماهون.
    العرب والحرب العالمية الأولى

عمل الحلفاء على تنفيذ مخططهم الذي يهدف إلى هزيمة الدولة العثمانية، بفتح جبهات متعددة ضدها تتوزع بسببها جهود العثمانيين، وترغمهم على الابتعاد عن حلفائهم، وذلك عن طريق :-

أ‌-          إشاعة الفوضى والاضطراب داخل الولايات العربية .

ب‌-        تحريض رؤسائها وأمرائها على الثورة ضد الدولة العثمانية لتحقيق غرضين عاجلين هما :-

أولاً :- فتح جبهة عربية داخل أملاك الدولة ذاتها  ، تستنفذ قسما كبيرا من جهود العثمانيين العسكرية والسياسية ، فلا يقدرون على الصمود فى جبهات القتال الأخرى.

ثانياً:- إلحاق الأذى بمركز العثمانيين داخل الجزيرة العربية نفسها ،

فلا تستطيع قواتهم الموجودة فى اليمن وعسير والحجاز القيام بتحركات من اجل مؤازرة عمليات العثمانيين العسكرية فى العراق والشام ، أو ضد قناة السويس، بل تبقى هذه القوات العثمانية فى الجزيرة العربية محجوزة فى أماكنها ، وبتحقيق هذين الغرضين العاجلين يتسنى للحلفاء هزيمة العثمانيين ، وتخليص  الولايات العربية من نفوذهم ، الأمر الذي سوف يجعل ممكنا تقسيم هذه الأقطار فيما بين الحلفاء.

ومن ثم كان التفكير فى تقسيم أملاك الدولة العثمانية من جهة ،  ثم فى تشجيع العرب على الثورة ضد العثمانيين من جهة أخرى ،

ضرورة اقتضتها ظروف الحرب الدائرة ذاتها على ان يقوم التقسيم على مبدأ التوازن بين الدولة المتقدمة به ، بحيث لا يطغى نصيب احدها على الأخرى ، هذا إلى جانب تشجيع العرب على الثورة ، وكانت هذه مسئولية بريطانيا ، حيث تولى المسئولون الانجليز مهمة تدبير، او تحريك الثورة العربية. ولذا فإنهم اخذوا يمنون امير مكة الشريف حسين بمستقبل باهر ، فلوحوا له بالخلافة، مما جعله يعتقد ان ذلك سوف يساعده على تكوين دولة عربية إسلامية واسعة، “تضم تحت سلطانه الأقطار العربية فى الهلال الخصيب، وفى الجزيرة العربية ، باعتباره خليفة للمسلمين ، وملك العرب،

وذلك بمعاونة الانجليز ، ان التزام الانجليز تجاه تشمل إنشاء هذه المملكة العربية الكبيرة”.

ولكن مما ساعدهم الى الوصول الى هدفهم فى إثارة الشريف حسين ، أن علاقة الشريف حسين بالاتحاديين كانت سيئة نتيجة للسياسة التي اتبعها الاتحاديون  ، والتي تهدف الى التدخل فى شئون الولايات العربية ، وعن طريق هذا الاسلوب اخذ اتباع الاتحاديين يتدخلون لتقييد سلطة الشريف ، فحاول الشريف ان يوقف هذا التدخل بالضرب على يد عمال الاتحاديين وانصارهم، ولانه ادرك انه لايستطيع ان يقف بمفرده فى وجه الدولة

 

 

 

  

العثمانية ، ولذا بدأت الصلات بين الشريف حسين وبين بريطانيا منذ 1912م ، للوقوف على نوايا بريطانيا نحوه ، ومدى استعدادها لتأييد مركزه ، اذا هو اضطر الى مقاومة الاتحاديين فى الآستانة ، وذلك حينما حدثت اول مقابلة بين عبدالله الابن الثانى للشريف حسين- الذى كان يؤمن بفوائد التفاهم الانجليزى- العربى ،   ومتحمسا له- وبين لورد كتشز المعتمد البريطاني ، حين سفره الى الاستانه بطريق البحر الاحمر والسويس ، حيث شكره كتشز باسم حكومته على حسن معاملة الحجاج الهنود فى عهد والده ، ثم سأله عن شكل الإدارة فى الحجاز، والعلاقة بين حاكم الحجاز العثمانى والشريف ، فأعطاه عبدالله فكرة عامة عن مخاوف

الشريف حسين ، واسباب قلقه ، وانزعاجه من سياسة الاتحاديين، وحينما التقى عبدالله وكتشز للمرة الثانية ، كانت مخاوف الشريف حسين قد ازدادت من سياسة الاتحاديين .

وبينما كان الشريف حسين، يتلمس الظروف والاحتمالات من حوله، وصله فوزى البكرى فى الاسبوع الاخير من يناير 1915م ، رسولا من جمعية ” العربية الفتاة” التي اصبح مقرها فى دمشق ، وكان يحمل للشريف حسين رسالة شفهية فحواها ، ان الزعماء الوطنيين فى الشام والعراق ، يميلون الى الثورة للحصول على استقلال العرب ، وكان احمد جمال باشا الذى وصل الى دمشق منذ ديسمبر 1914م ، كقائد للحملة التى كان هدفها تحرير مصر

” ومنح من السلطات بحكم القانون العسكري ، ما اصبح بمقتضاها رئيسا للحكومة فى بلاد الشام، وقائدا عاما للجيش ” وكان يريد ان يستفيد من الدعوة الى الجهاد اقصى ما يستطيع من فوائد ” لذا بذل هو وانور باشا اقصى ما يستطيعان من جهد لاكتساب تأييد الشريف حسين، ولكن الشريف حسين ، كان قد ارسل ابنه فيصلا في مهمة لاستانبول ، وكان السبب الحقيقي من وراء سفر فيصل، هو الاتصال بالزعماء العرب فى دمشق، ونزل عند آل البكري، وتمكن اثناء اقامته فى دمشق من الاطلاع على اسرار الحركة العربية القومية، وعقد اجتماعات سياسية مع الاعضاء البارزين فى جمعية العربية الفتاة،

حيث كانوا مترددين فى البداية عن مصارحته بما يدور فى نفوسهم، لأنه كان معروفا عنه الميل للتعاون مع العثمانيين، ولكن عندما افصح عما بداخله بأن تفضيله للعثمانيين ناجم عن مخاوفه من اوروبا ، تغير الموقف ، وبدأوا يشرحون له الأسباب التي دفعتهم الى الاتجاه نحو الثورة، وكشفت الجمعية اسرارها لفيصل الذى اصبح عضوا فيها ، بعد ان حلف اليمين ، ثم اجتمع ببعض اعضاء جمعية العهد، وكانت الجمعيتان ترغبان فى الانفصال عن الدولة العثمانية ، ” ولكن هذه الرغبة كان يكبحها الخوف من المطامع الفرنسية والبريطانية والروسية”

       وكانت هذه المخاوف من الاطماع الاوربية صادقة ، لها ما يسوغها ، مما دفع الزعماء العرب الوطنيين الى الحذر الشديد، وحينما وصل فيصل الى دمشق ، كان هم الزعماء العرب ، ان يغتنموا المناسبات والفرص التى تتيحها لهم الحرب ، لينالوا ضمانات قوية تؤمن استقلال العرب فى المستقبل ، كان هذا مدار تفكيرهم ، ولم يكونوا يعرفون شيئا عن المراسلات بين كتشز  والشريف حسين ، ولذا فان فيصل انضم إلى الجمعيتين بحماسة المؤمن المخلص ، وفى أثناء عودة من القسطنطينية سلمه الزعماء العرب ميثاقا مشتركا ، وطلبوا من فيصل أن يحمله إلى أبيه ، ليكون موضع

المحادثة مع  الحكومة البريطانية ، وليكون اساس العمل المشترك ، حيث حدد هذا  الميثاق ما يلى :-

  • اعتراف بريطانيا العظمى باستقلال البلاد العربية داخل نطاق جغرافي محدد.

 ب‌-       إلغاء جميع الامتيازات الاستثنائية التى منحت للأجانب بمقتضى الامتيازات الأجنبية .

جـ- عقد معاهدة دفاعية بين بريطانيا العظمى والدول العربية المستقلة.

د- تقيم بريطانيا العظمى وتفضيلها على غيرها من الدول فى المشروعات الاقتصادية.

فى تلك الأثناء كانت الحكومة البريطانية ، وبخاصة سلطاتها فى القاهرة ، تبذل جهدها لتفادى ، مخاطر الدعوة الى الجهاد ،

وفى 14 يوليه 1915 م ، أرسل الشريف حسين مذكرة مع احد الموثوق فيهم  ، ويدعى الشيخ محمد عارف   ، وقد اشتملت المذكرة على الشروط التى يشترطها العرب لاشتراكهم فى الثورة والحرب ضد الدولة العثمانية وحلفائها ، مع إضافة شرطين هما :-

 ان توافق انجلترا على إعلان خليفة عربى للمسلمين ، وان البنود الخاصة بالمساعدة المتبادلة تظل سارية مدة خمسة عشر عاما ، وقد تتمدد باتفاق الطرفين وقد جاء رد سير مكماهون على هذه

المذكرة مراوغا فلم يتضمن ردا صريحا بالقبول او الرفض ، ذاكراً له “أن مصالح العرب هى مصالح انجلترا ، ومصالح انجلترا هى مصالح العرب”

” اما ما يتعلق بالحدود فقد يكون بحثنا فى مثل هذه التفاصيل ، والوقت قصير والحرب قائمة – سابق لأوانه – وخاصة ان الدولة العثمانية لاتزال تحتل قسما كبيرا من الأراضي التى اشرتم اليها فى اقتراحكم

” اما المنح المطلوبة للأراضي المقدسة فابدي استعداده لإرسالها بعد معرفة كيفية ومكان تسلمها” ولذلك كانت هذه الرسالة مثار نفور الحسين منها، ومن هنا فان رسالته الثانية الى سير هنرى مكماهون حملت دهشته ” لما قوبل به اقتراحه الخاص بتحديد حدود المنطقة العربية المستقلة من ” غموض وبرود وتردد” ، وعنى بأن يوضح له ان تلك المقترحات ليست صادرة من شخصه وحده ” بل هى مقترحات شعب بأسره” يعتبرها شرطا أساسيا، حيث ان قضية الحدود تعتبر مسألة اساسية تهم جميع الشعب الذى ينطق الحسين باسمه ، وأوضح الحسين فى رده ان نتيجة المفاوضات مع مكماهون ” متوقفة على موافقتكم او رفضكم قضية الحدود المقترحة”  ، أصبحت الأمور واضحة أمام مكماهون غاية الوضوح ، فإما الموافقة الصريحة ، وإما الرفض الصريح ، ولذلك نجده فى رده ، يذكر ان الحكومة البريطانية فوضته بان يقدم باسمها  تعهدات معينه ، خلاصتها ان حكومة بلاده تقطع على نفسها عهدا ” بان تعترف باستقلال العرب فى المنطقة التى حددها الشريف باستثناء أجزاء معينة من اسيا الصغرى والشام ، وان تدعم هذا الاستقلال” وقد نص على تحفظات خاصة ببعض المقاطعات فى تلك المنطقة ، وهى المقاطعات التى كانت بريطانيا العظمى مرتبطة فيها بمعاهدات مع بعض الأمراء العرب.

وعليه يجب ان تستثنى من الحدود مع هذا التعديل ، وبدون تعرض للمعاهدات المعقودة بيننا وبين بعض رؤساء العرب ، نحن نقبل تلك الحدود، اما الأراضي التي تستطيع انجلترا العمل فيها بملئ الحرية ، دون ان توقع ضررا بحليفتها فرنسا ، فان لى السلطة التامة باسم حكومة صاحب الجلالة ان اعطيكم الضمانات التالية جوابا على كتابكم :

1-         ان انجلترا مستعدة على اساس هذه التعديلات ان تعترف باستقلال العرب ، وتقديم المساعدة لهم فى الحدود التي اقترحها شريف مكة.

2-         تحمى بريطانيا الأراضي المقدسة من كل اعتداء خارجي وتعترف بوحدتها

3-         تقدم بريطانيا للعرب عند الحاجة كل المساعدة وتعاونهم فى تشكيل أفضل شكل من أشكال الحكومة فى مختلف البلاد العربية.

هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى فان العرب يوافقون على استشارة ومعونة وإدارة بريطانيا العظمى وحدها ، ويرضون بان يكون جميع الموظفين الذين يحتاجون اليهم لتنظيم دوائر مملكتهم من البعثة الانجليزية ، كما اشترط ان يكون لولايتى البصرة وبغداد نظام أدارى خاص للمحافظة على تلك الأنحاء. من الاعتداءات الخارجية ، فيما عدا هذه التعديلات ، فان بريطانيا العظمى مستعدة بان تعترف باستقلال العرب، وتؤيد ذلك الاستقلال فى جميع الأقاليم الداخلة ” فى الحدود التى يطلبها دولة شريف مكة”  .

ورد الحسين على رسالة مكماهون   برسالة في نوفمبر 1915م ، أوضح فيها موافقته على استثناء تلك الأجزاء من بلاد الشام الواقعة فى الجبهة الغربية

رد مكماهون على الشريف حسين :

أعرب عن ارتياحه لاستثناء مرسين من حدود البلاد العربية،   ولكنه ظل مصرا على تحفظه فى موضوع المناطق الساحلية الواقعة فى سورية الشمالية ، لوجود مصالح فرنسية فيها ، ولذا فان المسألة تحتاج الى نظر دقيق ، ثم حث الحسين على بذل أقصى الجهد لعدم تقديم العون للعدو الى ان يحين الوقت المناسب لإعلان الثورة ، وان بريطانيا لن تبرم صلحا على أسس لا تكفل ” حرية الشعوب العربية”، فرد الحسين ، ذاكرا ” ان ما يتعلق بقضية العراق ، وقضية التعويض الذى افترضناه لقاء احتلاله، فإنني رغبة في تقوية ثقة بريطانيا بنوايانا في القول ، والعمل، ادع أمر تقديم المبلغ الى حكمتها وعدالتها”.

خلاصة ما سبق

  • لماذا دخلت الدولة العثمانية الحرب ضد الحلفاء؟

– لاستعادة ولاياتها التي احتلتها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا (مصر- السودان- تونس- الجزائر- ليبيا- إمارات الخليج العربي).

  • سعي الحلفاء لفتح جبهات متعددة ضد الدولة العثمانية.
  • التفكير في تقسيم أملاك الدولة العثمانية بين الدول الأوربية.

الاتصالات بين كتشنر والحسين

  • علاقة الحسين بالاتحاديين وخوفه من العزل.
  • سعيه للتفاهم مع بريطانيا فاتصل بالمندوب السامي البريطاني في مصر (كتشنر) سنة 1912.
  • عبد الله بن الحسين يقابل كتشنر مرتين (فبراير وأكتوبر 1914) ويطلعه على سوء العلاقة بين والده والاتحاديين.
  • كتشنر يشكر الحسين على تسهيل الحج للمسلمين الهنود الخاضعين لبريطانيا.
  • قيام الحرب وتعيين كتشنر وزيرًا للحرب في بريطانيا.

الاتصالات بين الحسين والجمعيات القومية بالشام

  • جمال باشا يصل دمشق ويستعد لحملة مصر ويضطهد القوميين العرب بالشام (ديسمبر 1914).
  • فوزي البكري يقابل الحسين ويدعوه لقيادة ثورة عربية
  • فيصل بن الحسين يزور دمشق ويجتمع بأعضاء ”العربية الفتاة“.
  • بروتوكول دمشق ينص على اعتراف بريطانيا بدولة عربية كبرى تشمل الشام والعراق والجزيرة العربية وإلغاء الامتيازات والتحالف بين العرب وبريطانيا).

المراسلات بين الحسين ومكماهون (1)

  • الرسالة الأولى من الحسين (14 يوليو 1915) يطالب فيها مكماهون بأن تعترف بريطانيا بدولة عربية كبرى (بالحدود الموضحة طبقا لبروتوكول دمشق) مع إعلانه خليفة للمسلمين.

– الرد من مكماهون (مماطلة) ”إن مصالح العرب هي مصالح بريطانيا ومصالح بريطانيا هي مصالح العرب… والحرب قائمة الآن فليس هذا وقت بحث الحدود“.

المراسلات بين الحسين ومكماهون (2)

  • الرسالة الثانية من الحسين (يبدي دهشته من مماطلة مكماهون ويقول: إن هذه ليست مطالب خاصة له بل هي مطالب العرب كلهم وهي مطالب أساسية للتعاون مع بريطانيا في الحرب.
  • الرد من مكماهون (في 24 أكتوبر 1915) بالوافقة ونصه: تتعهد بريطانيا باستقلال العرب في المنطقة التي حددها الشريف، باستثناء مناطق معينة من الشام وآسيا الصغرى، مع التحفظ بشأن بعض الأمراء العرب في نجد والخليج، ووضع نظام إداري خاص لولايتي البصرة وبغداد“

المراسلات بين الحسين ومكماهون (3)

  • الرسالة الثالثة من الحسين (في 5 نوفمبر 1915) يوافق على استثناء بعض مناطق الشام، وبعض الأمراء العرب ، ويعترض على الأناضول وخصوصا الإسكندرونة.

    الرد من مكماهون (في 13 ديسمبر 1915) بالإصرار على ضرورة استثناء السواحل السورية لوجود مصالح لفرنسا فيها وحث الحسين على الدخول في الحرب واعدا بأن بريطانيا لن تبرم صلحا يكون على حساب حرية العرب.

المراسلات بين الحسين ومكماهون (4)

  • الرسالة الرابعة من الحسين (في أول يناير 1916) يعلن أن تساهل في مسألة الحدود حتى لا يحدث خلاف بين بريطانيا وحليفتها فرنسا أثناء الحرب، وأن التعويض اللازم عن ذلك سيتركه لتقدير بريطانيا وحكمته.

    الرد من مكماهون (في 30 يناير 1916) يعلن سعادته بموافقة الحسين على الدخول في الحرب، ويترك له الوقت المناسب لإعلان الثورة العربية ودخول العرب الحرب إلى جانب بريطانيا. وهو ما حدث في 10 يونيو 1916م.

  

الثورة العربية وخيانة الحلفاء لوعودهم

 

  • مقدمة .
  • الشريف حسين و مبررات إعلان الثورة على الدولة العثمانية .
  • جيش الثورة وموقف الدولة العثمانية .
  • ردود الفعل العربية تجاه الثورة العربية .
  • ( العراق – مصر والسودان – الجاليات السورية ) .
  • اتفاقية سايكس – بيكو 1916م .
  • وعد بلفور

 

أعلن الشريف حسين الثورة على الدولة العثمانية عام 1916م في مكة حيث انطلقت نيران العرب على الجيش العثماني معلنين الاستقلال والثورة.

مبررات الشريف حسين لإعلان الثورة على الدولة العثمانية ؟ 

تنحصر في رفض الدولة العثمانية مطالبه التي انحصرت في :-

  1. إعلان العفو عن المتهمين السياسيين من العرب ، قبل أن يقتلهم جمال باشا .
  2. إنشاء إدارة مركزية.
  3. إعطاء أسرته مكانة متميزة في الحجاز .
  4. تحديد مكانة الأمة العربية ضمن سلطة الخلافة.

كما أصدر الشريف حسين منشورا جاء فيه إن الدولة العثمانية- الاتحاديين- خانت العهود وعقود الأخوة والإسلام وقتلوا الزعماء العرب دون وجه حق، رغم ما قدمه العرب للخلافة من معونة صادقة، فخرجوا على الشريعة وشنقوا أحرار العرب، وشردوا أسرهم، وصادروا الأموال.

ووقع هذا بمقولة وانفصلت بلادنا عن المملكة العثمانية انفصالا تاماً، و أعلنا الاستقلال استقلالا، لا تشوبه شائبة، جاعلين الغاية نصر دين الله.
جيش الثورة وموقف الدولة العثمانية:

         قام جيش الثورة في أقل من ثلاثة أشهر بالاستيلاء على مدن الحجاز عدا المدينة المنورة ، حيث بقيت الحامية العثمانية محاصرة فيها إلى ما بعد انتهاء الحرب وأنضم ضباط العرب الذين تركوا الجيش العثماني الى قوات الثورة في الحجاز ، فكان لهم الفضل في تنظيم قوات الثورة مثل الجيوش النظامية، ووصلت بعض المعدات من الحلفاء بعد أن أدركوا أهمية الثورة بالنسبة لهم في تحقيق مصالحهم ، فقد قيدت هجوم الجيوش العثمانية على القناة كما حالت دون نجاح الحملة العثمانية الألمانية إلى جنوب الجزيرة ،

وبذلك أصبحت المنطقة الممتدة من البحر الأحمر وحتى الخليج العربي – بعد انضمام ابن سعود إلى الحلفاء-  موالية للحلفاء.

ظلت الجيوش العربية تواصل فتحها لأرض الحجاز حتى وصلت إلى العقبة في 1917م ، ثم وصلت إلى دمشق ومعها القوات الانجليزية ، ثم واصل العرب زحفهم إلى حمص وحماة حتى تحررت سوريا كلها و شكل الأمير فيصل حكومة عربية بها .

ردود الفعل العربية تجاه الثورة العربية .

بدأت ردود الأفعال تتفاوت بين البلدان العربية كما يلى :- 

 العراق :

وقف القسم الموالي للعثمانيين ضد الثورة العربية لانهم كانوا يرفضون الوجود الإنجليزي إيماناً منهم بأنه  لا يجوز الخروج على الدولة العثمانية من أجل الاسلام والمسلمين فلا يجوز الخروج عليها ، لارتباطهم بعاطفة الخلافة .

أما القسم الواقع فعلاً تحت الاحتلال البريطاني كان رد الفعل فيه تجاه الثورة مختلفاً تماما فكان مؤيداً ومسانداً لها.

ردود الفعل العربية تجاه الثورة العربية .

ردود الثورة العربية في شبة الجزيرة العربية  :

         كانت أنباء الثورة لها صدى عميق في شبة الجزيرة العربية فرحب سائر الحكام في الجزيرة بالثورة وعبروا عن تأييدهم لها في مهرجان عقدوه في سنة 1916م بالكويت ، وحضر ذلك الاجتماع ابن سعود ، وأمير الكويت ، وشيخ المحمرة ، مع ما يزيد على مائة وخمسين شخصاً فيهم عدد من صغار الشيوخ الأقوياء ، وألقي بن سعود خطاباً بليغاً أثار حماسة الحاضرين حيث حث العرب على أن ينضموا تحت راية الثورة .

ردود الفعل العربية تجاه الثورة العربية .

ردود الثورة العربية في مصر والسودان :

اُستقبلت الدوائر التي كانت تميل للدولة العثمانية أنباء الثورة بامتعاض شديد وحاولت التهوين من أمرها ، وفي ذلك الوقت  كانت القوات الانجليزية تقوم بمحاربة السنوسي فى ليبيا وعلى دينار في دارفور في حدود السودان الغربية . فكانت مصر والسودان معارضين لبريطانيا ومؤيدين للدولة العثمانية وبذلك قاموا بالثروة ضد بريطانيا .

وأما الجاليات السورية والعراقية فقد تلقت أنباء الثورة بحماسة شديدة، وكتب الصحفيين السوريين في صحف القاهرة والخرطوم لما لهم من نفوذ في هذه الصحف، حيث كانوا مؤيدين للثورة العربية.

متى بدأ الاتصال بين الشريف حسين وبريطانيا ؟

في سنة 1912م عندما أرسل الشريف حسين ابنه الأمير عبداللة إلى الأستانة ، فمر بمصر والتقى بالمندوب البريطاني  يخبره بسوء العلاقة بين الشريف حسين والدولة العثمانية  ، وقد نشط الشريف عبدالله في الدعاية اللازمة لإظهار أن الإنجليز والعرب حلفاء وأن مصلحهما مشتركة والهدف من التحالف معهم هو إنشاء دولة عربية متحدة مستقلة تشمل فلسطين .
منشور الشريف حسين إلى العرب في الجيش العثماني:

وجه الشريف حسين خطابا لكل الدول العربية والضباط العرب في الجيش العثماني ، طالبهم بالفرار من الجيش العثماني ، وينضموا إلى الجيش الإنجليزي ، ووقع على هذا الخطاب باسم شريف مكة وأميرها وملك البلاد العربية مما أغضب بريطانيا.

هل حفظت إنجلترا للعرب مساعدتها أثناء الحرب ؟

لم تحفظ إنجلترا للعرب ما قاموا به من تقديم مساعدات لها أثناء الحرب ، حيث قامت بعقد اتفاقيات وتحالفات سرية مع حلفاؤها  من أجل تقسيم ممتلكات الدولة العثمانية بما فيها البلدان العربية ، كما وعدت الصهاينة بإنشاء وطن قومي لليهود بفلسطين ، التي كان مقدراً لها  أن تكون جزءاً من مملكة الشريف حسين .
خيانة الحلفاء لعهودهم و اتفاقية تقسيم أملاك الدولة العثمانية

اتفاقية تقسيم أملاك الدولة العثمانية

بعد انتهاء الحرب حدث تصادم بين العرب وبريطانيا بسبب عدم إعطائهم وعود صريحة ، فقد ظن العرب أنهم سيحصدن ثمار تحالفهم مع إنجلترا وحلفائها ، بإعلان استقلال بلادهم كما وعدوا ، وإذا كان الشريف حسين قد أعلن الثورة في يونيه 1916م، فأن العرب قد أدركوا بعد ذلك ، أن خيانة الحلفاء لقضيتهم قد بدأت قبل ذلك فقد ظنوا أن أتفاقاً سرياً قد تم  ضدهم وهو أتفاق سايكس – بيكو.

اتفاقية سايكس – بيكو 1916م :

        جرت المباحثات المبدئية الخاصة بالاتفاقية  في لندن عام 1916م ثم استكملت الاتفاقية في القاهرة ، فكانت تفاهمًا سريًا بين فرنسا وبريطانيا وروسيا على اقتسام أملاك الدولة العثمانية والهلال الخصيب  بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الامبراطورية العثمانية ، المسيطرة على هذه المنطقة ، في الحرب العالمية الأولى.

       تم الوصول إلى هذه الاتفاقية بين  عام 1915 ومايو من عام 1916 بمفاوضات سرية بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، وكانت على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك.

        تم الكشف عن الاتفاق بوصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام 1917، مما أثار الشعوب التي تمسها الاتفاقية وأحرج فرنسا وبريطانيا وكانت ردة الفعل الشعبية الرسمية العربية المباشرة قد ظهرت في مراسلات حسين مكماهون.

       تم تقسيم الهلال الخصيب بموجب الاتفاق، وحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال (سوريا ولبنان) ومنطقة الموصل في العراق. أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعا بالاتجاه شرقا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا.

كما تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا. ولكن الاتفاق نص على منح بريطانيا مينائي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الاسكندرونة الذي كان سيقع في حوزتها.

أما حصة روسيا من أملاك الدولة العثمانية ، فنصت على منحها القسطنطينية وجزءاً من الأرض على ضفتي البسفور ، وقسماً كبيراً من أرض شرق الأناضول ، يكون الولايات الأربع للحدود الروسية العثمانية وكان هذا النصيب خارج البلاد العربية .


وعد بلفور

تجسد في وعد بلفور المشؤوم ، والذي أطلق الشرارة الأولى للعدوان والعنصرية والاحتلال والتوسع في المنطقة، ووفر الأساس لقيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، هو المؤامرة الكبرى التي استهدفت الأمة العربية والتي ما زالت حتى الآن تعاني من ذيولها ونتائجها.

إن من لا يملك أعطى من لا يستحق، وكانت النتيجة أن فلسطين تحولت إلى أكبر قاعدة صهيونية استعمارية استيطانية ، وشعبها تحول إلى مجموعات من اللاجئين بعدما أهدرت حقوقهم وسلبت أرضهم، وأصبح الكيان الصهيوني هو بؤرة الإرهاب والسيف المسموم الذي قطع أوصال الأمة وفصل مشرقها عن مغربها.

هذا الذي يعاني منه شعب فلسطين الآن، ومعه الأمة العربية، هو نتيجة لذلك الوعد الذي أعطاه وزير الخارجية البريطاني آنذاك بإنشاء وطن قومي لليهود على ارض فلسطين، والذي استهدف إزالة شعب وأرض من على الأرضية.

رغم ذلك، فإن الشعب الفلسطيني الذي كان ضحية مؤامرة الدول الغربية عليه، وإن كان لم يتمكن من إفشالها، ورفض الإذعان والتسليم لما أراده الأقوياء والاستعماريون.

فهو وثيقة حكومية بريطانية تبنت إقامة وطن قوميّ لليهود في فلسطين. أصدر الوثيقة وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور عام 1917م، وهي الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور إلى اللورد ليونيل و روتشيلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.


نص وعد بلفور:

أرسل وزير خارجية بريطانيا بلفور الخطاب التالي في 02 نوفمبر1917 م إلى روتشيلد :

“عزيزي اللورد/ روتشيلد، يسرني جدًا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالة الملك التصريح التالي، الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود و الصهيونية، وقد عُرض على الوزارة وأقرته كما يلي:

إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جليًا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يغير الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى”.

و سأكون ممتنًا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علمًا بهذا التصريح.

 

آرثر بلفور

ردود فعل الدول العربية على وعد بلفور

الشريف حسين :

أرسلت له بريطانيا نص تصريح وعد بلفور ونشرت جريدة المقطم  هذا التصريح ثم عادت مرة ثانية ونشرته بعد فترة فأرسلت الجاليات السورية في مصر لشريف حسين ليخبرهم بحقيقة الأمور فأرسل الشريف حسين لبريطانيا مطالبا أن تخبره بحقيقة هذه الأخبار.

رد بريطانيا على الشريف حسين

1-         أن اليهود شعب ضعيف ومضطهد مثل العرب وعطفا من بريطانيا أعطتهم فلسطين .

2-         أن اليهود لديهم أموال نستطيع الاستفادة من أموالهم في بناء دولة عربية .

3-         إن اليهود عددهم قليل لن يؤثروا فيهم بشي .

رد فعل الجالية السورية في مصر

اعترضت على وعد بلفور وذهبوا للمندوب السامي في مصر وقد أرسلوا المراسلات الاعتراضية وأخذ المندوب السامي اعتراضهم وأرسله إلى الوزير بلفور في بريطانيا فجاء رد بريطانيا أن همهم هو مصلحة العرب وأن اليهود قلة لن يؤثروا فيهم واقتنعوا بذلك حتى إن بريطانيا أرسلت لجنة أقنعتهم بذلك وبضرورة التعاون مع اليهود .

العرب بعد الحرب العالمية الأولى

واصطدامهم بالحلفاء

  • مقدمة .
  • مؤتمر الصلح .
  • لجنة كنج- كرين .
  • المؤتمر السوري .
  • اتفاقية سان ريمو .

قام زعماء العرب ومثقفيهم المقيمون بالقاهرة ، بعد إتفاقية سايكس- بيكو ، وتصريح بالفوز بمطالبة بريطانيا بتحديد سياستها ، قبل البلاد العربية تحديدا واضحا ، بعد الإعراب عن قلقهم على مصير سورية وفلسطين ، وكان رد الحكومة البريطانية عليهم مطمئنا ومؤكدا لهم ، الاعتراف للعرب بالسيادة والاستقلال ، وكان تصريح الرئيس الأمريكي ولسون وقد منذ بضعة شهور ، مقررا حق الشعوب فى تقرير مصيرها ، وعادت بريطانيا وفرنسا فى 7 نوفمبر 1918م ، أي قبيل انتهاء الحرب بأيام تؤكدان فى تصريح مشترك “ان هدفهما هو تحرير الشعوب الخاضعة للدولة العثمانية تحريرا تاما ، وإقامة حكومات حرة مستقلة يختارها المواطنون بملء إرادتهم .

، وكان ذلك خداعا للعرب ، سرعان ما ظهرت حقيقته ، وكانت البلاد العربية فى العراق والشام آنذاك تعرف بالمسميات الآتية :

1-         المنطقة الجنوبية من بلاد العدو المحتلة ، وتشمل جنوب سورية (فلسطين) وتحتلها القوات البريطانية ، وتديرها بريطانيا .

2-         المنطقة الشرقية من بلاد العدو المحتلة ، وتضم سورية الداخلية وتحتلها القوات العربية ، واقام فيها فيصل حكومة عربية تحت رياسته.

3-         المنطقة الغربية من بلاد العدو المحتلة ، وتضم المنطقة الساحلية من النافورة جنوبا الى قيلقية شمالا ، وتديرها فرنسا ، وتحتلها القوات الفرنسية.

واعلن الحلفاء للعرب ان هذا التقسيم ، ليس الا تقسيما مؤقتا ، ليس له تأثير على مستقبل هذه البلاد، وان مؤتمر الصلح ، هو صاحب الحق فى تقرير مستقبل هذه البلاد.

وعنما عقد مؤتمر الصلح ، كلف الشريف (الملك) حسين ابنه فيصل لتمثيل العرب فى المؤتمر ، فأناب فيصل اخاه زيدا فى حكم سورية ، وسافر الى مرسيليا فوصلها فى 26 نوفمبر 1918م ، فاستقبلته الحكومة الفرنسية كزائر كبير ، ليس له صفة الممثل السياسي او المندوب الرسمي لحكومة معينة ، وكان هذا التصرف يعنى ان الحكومة الفرنسية ، لم تشأ ان تفترض للعرب حقوقا فى مؤتمر الصلح ، وادرك فيصل النوايا السيئة للحلفاء ، وما يكنونه للبلاد العربية من نية تقسيم البلاد العربية الى مناطق نفوذ . 

وبعد ان اُعترف به كممثل لحكومة الحجاز، فوجئ ان مؤتمر الصلح قد وضع حق تقرير مصير الشعوب العربية التي انفصلت عن الدولة العثمانية في المادة التاسعة عشر من مواده ، والتي كان ما يخص البلاد العربية منها قد تبلور في المادة والعشرين من ميثاق عصبة الامم حيث قررت : ” وهنا كشعوب معينة كانت تابعة للدولة العثمانية ، وقد وصلت من التطور درجة تضعها في مصاف الامم التي يمكن اتبارها مستقلة مبدئيا، على شرط ان تقبل مشورة ومساعدة دولة منتدبة في إدارة شئونها وتستمر حتى تصل الى مكانة تستطيع بها الاستغناء عن هذه المشورة والمساعدة ، وان تراعى رغبة هذه الشعوب في اختيار الدولة المنتدبة، وحضر فيصل حفل افتتاح مؤتمر الصلح فى 18 يناير 1919م .

وفى 29 يناير قدم للمؤتمر مذكرة بالقضية العربية ، وفى 6 فبراير 1919م ، عرضت القضية ، ودافع فيصل فى خطابه الذى القاه على المؤتمر ، عن حق العرب فى الاستقلال واقتراح ايفاد لجنة تحقيق لاستفتاء الشعوب العربية فى تقرير مصيرها ، ولقد لقى هذا الاقتراح تأييدا من الرئيس الأمريكي ويلسون فعين ممثلان لحكومته مدير كلية اوبرلين ، وأحد رجال الصناعة فى شيكاغو ، يساعدهما عدد من المستشارين مثل البرفسور لبيير كمستشار فنى ، ووليام ييل كمستشار فنى للمناطق الجنوبية من املاك الدولة العثمانية فى جنوب بلاد الشام ، كذلك فعل لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا حيث عين هنرى مكماهون وهارت  الخبير فى شئون الاوسط والادنى ، وسكرتيرته الببوفسور ارنولد توينبى .

ثم عاد لويد جورج واعلن امتناع بريطانيا عن ارسال اعضاء الى اللجنة ، بسبب الضغط الصهيوني ، اما فرنسا فقد رفضت الاشتراك فى اللجنة، وانها لا ترغب لأى لجنة بالدخول الى البلاد من اجل التحقيق ، الا اذا اشتملت العراق وفلسطين اما ايطاليا فقد اعلنت انسحابها من اللجنة لأنه لا توجد لها مصلحة فى الشرق ، وبذلك  تكونت لجنة كنج- كرين الامريكية المشهورة، ووصلت اللجنة الى يافا ، واتمت مهمتها ، وكان تقريرها صورة صادقة، لمشاعر السوريين والعراقيين والفلسطينيين، حيث فضلت قيام الانتداب فى البلاد العربية، ولكن لمدة محدودة، تصل بها الى كمال استقلالها، ونادت بوحدة سورية، فلا تفصل عنها فلسطين ، بل تكون جزءا منها ، وان رأت قيام نوع من الحكم الذاتي فى لبنان الا انها اشارت ان يكون ذلك في نطاق الوحدة السورية أيضاً .

على ان يكون حكم البلاد ملكيا دستوريا، ورشحت فيصل لعرش سوريا، ورأت ان يستفتى العراق فيمن يتولى ملكه من امراء العرب.

ولكن تقرير الجنة لم يتح له ان يكون موضع نظر الحلفاء واهتمامهم، وطغت عليه الاطماع البريطانية، والفرنسية، والصهيونية،

المؤتمر السوري :

عقد فى 6 مارس 1920م ، كان عبارة عن مجلس وطني يمثل كل مناطق سوريا، ثم اجتمع فى 7مارس 1920م، واصدر عدة قرارات واجمع عليها جميع الاعضاء ، كانت تعبيرا عن اتجاهات العرب ، وامانيهم المشروعة، حيث جاء فى قراراته:

 1- الاعتراف باستقلال سورية بحدودها الطبيعية، كدولة ذات سيادة، وتنصيب الامير فيصل ملكا عليها، والاعتراف باستقلال العراق.

2- رفض اتفاق سايكس- بيكو. وتصريح بالفور، وكل مشروع يرمى الى تقسيم سورية، وانشاء دولة يهودية فى فلسطين.

3- رفض الوصاية السياسية التي ينطوي عليها نظام الانتداب المقترح، وقبول المعونة الاجنبية لمدة محدودة ، بشرط الا تتعارض مع الاستقلال والوحدة، وتفضل معونة الولايات المتحدة على سواها فإن لم تكن فمعونة بريطانيا.

4-         رفض معونة فرنسا مهما كان شكلها.

وقوبلت هذه القرارات لدى الأوساط العربية بموجة من الحماس ، وفى 8 مارس 1920م، توج فيصل ملكا على سوريا فأغضبت هذه القرارات الحلفاء، وبخاصة ان جيوش فرنسا الى كانت تحتل السواحل السورية، كانت تتقدم فى كل لحظة الى الداخل، ولذا فإن المجلس الأعلى للحلفاء على اثر صدور هذه القرارات، اجتمع فى سان ريمو بايطاليا فى 25 ابريل 1920م واعلن ما يلي:

1-         وضع العراق تحت الانتداب البريطاني.

2-         وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني مع تنفيذ تصريح بالفور.

3-         وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسى كدولتين منفصلتين.

وقد كانت قرارات الحلفاء هذه مخيبة لأمال العرب، وبداية لمرحلة من الصراع المستمر بين الحلفاء والعرب في كل قُطر من أقطار الامة العربية المنسلخة عن الدولة العثمانية، بعد الحرب العالمية الاولى، ونشبت الثورات فى كل مكان تطالب باستقلال العرب ، وإن استطاعت هذه الثورات ان تحقق لشعوبها الاستقلال، إلا ان مساندة الدول الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا لليهود فى إقامة دولة يهودية فى فلسطين طبقا لتصريح بالفور، اوجد فى المنطقة العربية صراعا من نوع آخر، صراع بين العرب والدولة الإسرائيلية التى أعلن قيامها على الملأ فى 15 مايو 1948م، وكان الإعلان دليلا قويا على تنكر الحلفاء لوعودهم التى قطعوها للعرب خلال الحرب العالمية الأولى .

الخلاصة :

 مؤتمر الصلح

عقد في باريس في عام 1918م  ، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ، حضره الدول المتحاربة والعرب  .

لجنة كنج كرين

     كنج مندوب أمريكي و كرين مندوب فرنسي .

قرارات لجنة كنج كرين :-

1- تشجيع قيام انتداب في البلاد العربية ولكن لمدة محدودة .

2- وحدة سوريا ولا تنفصل عنها فلسطين في إطار الوحدة السورية .

3- قيام حكم ذاتي في لبنان في إطار الوحدة السورية .

4- العراق يستشار ويختار من يكون حاكماً عليه.

5- أن يكون فيصل ملك على سوريا وأن يكون الحكم فيها ملكي دستوري .

6- رحب العرب بهده القرارات ولكن بريطانيا انسحبت من اللجنة بعد إصدار القرارات .

المؤتمر السوري عام 1920م :

قرارات المؤتمر  السوري .

1)         الاعتراف باستقلال سوريا بحدودها الطبيعية ( لبنان – فلسطين ) كدولة ذات سيادة وتنصيب فيصل حاكم عليها.

2)         رفض الأمير فيصل لاتفاق سايكس – بيكو وتصريح بلفور ورفض الوصاية السياسية والانتداب .

رد فعل بريطانيا وفرنسا هدا المؤتمر السوري .

  • اجتمعوا في اتفاقية سان ريمو سنة 1920م واتفقوا على وضع العراق

      و فلسطين تحت الانتداب البريطاني .

2)         وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي.

فترة ما بعد الثورة العرابية والاحتلال البريطاني لمصر

  • مقدمة
  • مصر بعد الثورة العرابية .
  • الاحتلال البريطاني لمصر .
  • نشأة الاحزاب وتطور الحركة الوطنية .
  • مصر أثناء الحرب العالمية الأولى .
  • الثورة المصرية 1919م .

            
مصر بعد الثورة العرابية

عقب مظاهرة عابدين واستجابة الخديوي محمد توفيق للمطالب التي تقدم بها عرابي شكل شريف باشا الوزارة وعين في الوزارة محمود سامى البارودى وزيرا للحربية وعمل على زيادة الجيش الى ثمانية عشر الفا ونقل احمد عرابي الى أبو كبير وعبدالعال حلمى الى دمياط وخرجت جماهير القاهرة لتوديع احمد عرابي وجنوده والاحتجاج على نقل القادة وجنودهم من القاهرة وبعد ذلك رفض شريف باشا اقرار الدستور الذى وضعه مجلس النواب ووافق كذلك على استمرار المراقبة الثنائية الاوروبية على الحكومة ثم حدث الخلاف بينه وبين مجلس النواب حول مناقشة الميزانية اذ كان يرى

انه ليس من حق المجلس مناقشة الميزانية فأصر المجلس على استعمال حقه في مناقشة الميزانية ولما احتدم الموقف بين شريف باشا والمجلس قدم شريف باشا استقالة وزارته وتولى محمود سامى البارودي الوزارة وعين احمد عرابي وزيرا للحربية فيها واتخذت الوزارة الجديدة عدة اجراءات هامة :

  • نشرت اللائحة الاساسية ( الدستور) التي اعدها مجلس النواب .
  • ضمنت للمجلس حقوقه فى مناقشة الميزانية .
  • الغت المراقبة الثنائية وشَرَعت فى اعداد قانون جديد للانتخاب.
  • اعدت عدة مشاريع قوانين لرفع الاعباء عن كاهل المواطنين .

       وفى 11ابريل 1882م دبر بعض الضباط الشراكسة من بينهم عثمان رفقي وزير الحربية الاسبق مؤامرة ضد عرابي واعوانه فكشفت المؤامرة وقدم  المتآمرون الى المحكمة التي قضت بنفيهم الى السودان ولكن الخديوي توفيق الذى كان وراء تدبير المؤامرة خفف الحكم الى ابعادهم عن القاهرة الى الريف فاجتمع مجلس النواب وطلب عرابى من المجلس عزل الخديوى توفيق وتخليص مصر من اسرة محمد على فى 13 مايو 1882م فثار الخديوى توفيق ضد هذا الاجتماع وطالب بحل مجلس النواب

فقدم محمود سامى البارودي استقالته ففرح الخديوي توفيق بهذه الاستقالة التي تخلصه من احمد عرابي والوزراء الوطنيين فرفض الوزراء الوطنيون الاستقالة الا اذا صدرت لهم اوامر بذلك من مجلس النواب فلم يكن امام الخديوى توفيق من امر الا إبقاء وزارة محمود سامى البارودي وساعد على ذلك ان احدا لم يجرؤ على قبول منصب رئيس الوزراء وكانت هذه المواقف تطورا جديد في الحركة الوطنية المصرية وتمسك الشعب بحقوقه.

       على اثر هذه الأحداث بدأ التدخل الأجنبي سافرا فى شئون مصر وتقدمت الدول الأجنبية بمذكرة للخديوى توفيق فى 25 مايو 1882م وتطلب إقالة وزارة محمود سامى البارودى وإبعاد : احمد عرابى باشا مؤقتا من مصر مع بقاء رتبته ومرتباته وارسال كل من على فهمى باشا وعبدالعال حلمى باشا الى داخل مصر مع بقاء رتبهما ومرتباتهما فأعلن الخديوى توفيق أقاله الوزارة ولكن الضباط انذروه بالرجوع عن قراره خلال 12 ساعة وخرجت المظاهرات تنادى بسقوط الخديوي وتثبيت عرابي وتدهورت الامور بسرعة ولجأ الخديوي توفيق الى التآمر وبالتعاون مع البريطانيين وكان أن افتعلت بريطانيا حادثة الاسكندرية يوم 11 يوليه 1882م .

      وكانت بريطانيا قد عزمت على التدخل العسكري ولكن فرنسا خشيت ان يثير التدخل العسكري مضاعفات دولية خاصة من جانب المانيا فقد كان بسمارك ضد التدخل الإنجليزي – الفرنسي فى مصر واضطر الأسطول الفرنسي الى الانسحاب من مياه الاسكندرية واخذ الاسطول الإنجليزي يختلق الاعذار وقدم الى احمد عرابي وزير الحربية احتجاجا على اصلاح قلاع وحصون الاسكندرية وان هذا العمل فيه تهديد للأسطول الإنجليزي الموجود بمياه الاسكندرية ومع ان السلطات المصرية ردت بأن العمل في إصلاحها متوقف.  أرسل سيمور قائد الاسطول الإنجليزي مذكرة اخرى هدد فيها بضرب الحصون بمدافع اسطوله اذا لم تتوقف عملية الترميم ،وفى صباح يوم 11 يوليه 1882م بدأ ضرب الحصون المصرية ورددت حاميات الاسكندرية على مدافع الاسطول الإنجليزي ولكن المدافع الانجليزية كانت اكثر تطورا.

       وفى 12 يوليه 1882م ادرك احمد عرابي قصد الانجليز فانسحب بقواته الى كفر الدوار وأنشأ بها الاستحكامات الضرورية وفى يوم 13 يوليه 1882م وبعد ان تحقق سيمور قائد الإنجليزي من انسحاب الجيش المصري من الاسكندرية انزل اربعة عشر الفا من جنوده بقيادة الجنرال ولسلى الى الاسكندرية ثم ذهب سيمور وجنوده الى قصر رأس التين واستقبله الخديوي توفيق المتآمر ورحب به وزحف الجيش الإنجليزي نحو القاهرة ولكن قوات احمد عرابى ردته على اعقابه من عند كفر الدوار ودمنهور بعد ان رفض احمد عرابي اوامر الخديوي توفيق بالتسليم.

         سعى احمد عرابي الى تعطيل الملاحة فى قناة السويس واغرقها حتى لا يتمكن الجيش الإنجليزي من الدخول منها لكن دى لسبس (الخائن) اكد له حياد القناة وانه لن يسمح للجيش الإنجليزي بالدخول من القناه فانسحب احمد عرابي الى التل الكبير ومع ذلك فإن الجيش الإنجليزي دخل القناة ووصل الى الاسماعيلية ، ثم تحرك الجيش الإنجليزي الى التل الكبير واشتبك مع جيش احمد عرابي وكان النصر حليف الجيش المصري طوال نهار يوم 13 سبتمبر 1882م .

       ولكن تمكن الانجليز من اغراء بعض قادة الجيش وادت هذه الخيانة الى هزيمة الجيش المصري ، وزحفت القوات البريطانية الى القاهرة ودخلتها يوم 15 سبتمبر 1882م وسلم احمد عرابي ورفقاؤه انفسهم للقيادة البريطانية يوم 14سبتمبر 1882م ثم وصل الخديوي توفيق الذى خان وطنه الى محطة سكة حديد القاهرة يوم الاثنين 25 سبتمبر 1882م واستقبله الانجليز مكافأة له على خيانته استقبالا عسكريا كبيرا وبدأت مصر فترة جديدة من تاريخها وهى فترة الاحتلال البريطاني.
الاحتلال البريطاني لمصر

بدأ الاحتلال البريطاني لمصر ،على أساس تأييد  الخديوي ، وتأمين مصالح  الأجانب واعلنت بريطانيا بقاء مصر تحت السيادة العثمانية على اساس ان حكومة مصر مستقلة استقلالا داخليا بمقتضى الفرمانات العثمانية واعلنت ان بقاء القوات البريطانية مرتبط باستقرار الاحوال الداخلية وفور استقرار هذه الاحوال ستنسحب فورا ، كما نُفى الزعيم احمد عرابي بعد محاكمته الى سيلان ولكن فرنسا والدولة العثمانية اعتقدتا ان بريطانيا تهدف في الاساس الى احتلال مصر والسيطرة على قناة السويس ودلتا النيل واشتدت معارضة فرنسا لانفراد بريطانيا باحتلال مصر. وكانت  بريطانيا تعمل على وضع اسس استمرار احتلالها لمصر فقد ارسلت حكومة جلادستون اللورد دوفرين لكتابة تقريره عن أحوال مصر فأقترح ما يلى :-

1-         الغاء الجيش المصري وتحويله الى قوة لحفظ الامن الداخلي .

2-         اعادة تنظيم الادارة فى مصر .

 ان تقدم السلطات البريطانية ضمانات للمحافظة على السلام والنظام والرخاء فى مصر لدعم سلطة الخديوى .

4-         تطوير الحكومة الذاتية وفاء بالالتزامات نحو الدول الاجنبية لإحياء سلطة الخديوي.

 ارسلت الحكومة البريطانية السير ، اللورد كرومر فيما بعد الى مصر ومنحته لقب : المندوب البريطاني والقنصل العام فى مصر بينما كان يمارس دور الحاكم الاستعماري وبدأ في تنفيذ السياسة البريطانية فقام بما يلى :-

1-         ألغى الرقابة الثنائية وسرح الجيش المصري.

2-         ألزم الحكومة المصرية الشرعية “باتباع الارشادات والنصائح التي يقدمها لها داخلياً وخارجياً بما يخدم مصالح دولته بريطانيا.

          قام بفصل السودان عن مصر بزعم حماية حدود مصر الجنوبية المهددة من المهديين في السودان. كل ذلك حدث برضاء من الخديوي توفيق الخائن الذى كان كل ما يعنيه هو استرداد هيبته التي هزتها الثورة العرابية ، وظل وضع الخديوي هكذا حتى تولى الخديوي عباس حلمى الثاني حكم مصر الذى كان معارضاً للبريطانيين هو ومصطفي كامل الزعيم الوطني، حيث اعتمدا  في موقفهما المعارض للاحتلال البريطاني على تأييد فرنسا لهما حيث كانت تقف موقف المعارض لاحتلال بريطانيا لمصر وظل الوئام بين الخديوي والحركة الوطنية حتى بدأ الخديوي يعيد النظر في

موقفه من الاحتلال بعد حادثتين هامين هما :

اولا: حادثة فاشودة 1898م ففرنسا فى هذه الحادثة لم تذهب فى معارضتها للسياسة البريطانية الى حد الحرب.

ثانيا: الوفاق الودى بين فرنسا وبريطانيا فى 8 ابيل 1904م حيث تخلت فرنسا بموجب هذا الاتفاق عن معارضة الاحتلال البريطاني لمصر ورفعت يدها عن تأييد حركة المعارضة المصرية للاحتلال فوجد الخديوي نفسه ينهج نهجا جديدا في سياسته مع السلطات البريطانية.

وفى 13 يونيه1906م وقعت حادثة دنشواى التي فجرت بركان الغضب لدى الحركة الوطنية واستغلها الزعيم مصطفى كامل احسن استغلال محليا وعالميا وركز هجومه على سياسة بريطانيا واشتد الصراع بين الحركة الوطنية وسلطات الاحتلال فاضطر كرومر الى تقديم استقالته وعين مكانه إلدون جورست معتمدا سياسيا وقنصلا عاما وكانت سياسته تقوم على اللين والتفاهم سياسة الوفاق الكامل مع الخديوي عباس حلمى الثاني لضرب الحركة الوطنية التي نشطت فى تلك الفترة فى تكوين الاحزاب ولكن إلدون جورست توفى فى يوليه 1911م فعين مكانه اللورد كتشز

نشأة الاحزاب وتطور الحركة الوطنية:

1)         ” حزب الامة” في 1907م ، أسسه الاعيان وكبار ملاك الأراضي ، وهو حزب ، كان يتمسك بالاحتلال ، لأنه يرى ان مصر ، ليست جديرة بالاستقلال التام ، لأنها لم تتهيأ له بعد ، وكان يرى ان مصر يجب ان تحصل على الاستقلال مرحلة ، مرحلة ، وكانت جريدة الحزب تسمى ” الجريدة “

2)         الحزب الوطني ، اسسه  مصطفى كامل ، واعلن تأسيسه فى 22 اكتوبر 1907م ، واصبح الحزب الوطني حزبا جماهيريا ، وكانت اهم مبادئ الحزب ، الدعوة الى استقلال مصر و السودان  ، استقلالا تاما غير مشوب بأية حماية او وصاية او سيادة اجنبية ، و كانت جريده الحزب “اللواء” تعبر عن رأى الحزب ، و تعمل على نشر الوعى الوطني بين أبناء الشعب .

“حزب الاصلاح على المبادئ الدستورية” وكان الحزب يعتمد على دعم الخديوى، وكانت سياسة الحزب تعمل على دعم الخديوى.

والى جانب هذه الاحزاب الكبيرة ، نشأت مجموعة من الاحزاب الصغيرة ، كان لكل منها اتجاهه .

مصر أثناء الحرب العالمية الأولى :

قامت الحرب العالمية الأولى فى 28 يوليه 1914 م ، ودخلت الدولة العثمانية الحرب الى جانب ألمانيا ودول الوسط ضد الحلفاء ، فاتخذت السلطات البريطانية فى مصر مع الحكومة المصرية عدة إجراءات ، تضمن لها السيطرة التامة على مقدرات البلاد ، فأعلنت الأحكام العرفية ، وفرضت الرقابة على الصحف ، وألغيت السيادة

العثمانية عن مصر ، وأعلنت الحماية التي تحولت مصر بموجبها من مستعمرة الى محمية ، ثم خلع الخديوي عباس حلمي الثاني ، الذى كان فى زيارة لاستانبول ، وتولى الأمير حسين كامل السلطة فى مصر ، مع حمل لقب ” سلطان” ، وأصبح يعرف باسم ” السلطان حسين كامل ” .

توفى السلطان حسين كامل وخلفه السلطان احمد فؤاد الذي سار على طريق سلفه ، وقد أدت كل هذه الأمور الى تذمر الشعب المصري فتفجرت ثورة 1919م .

الثورة المصرية 1919م :

قامت هذه الثورة بسبب المظالم التي عانى منها الشعب المصري من السلطة البريطانية طوال سنوات الحرب بقيادة الزعيم الوطني سعد زغلول .

السودان من 1899-1989م

  • مقدمة
  • الوجود المصري فى السودان .
  • الحركة الوطنية السودانية ومقاومتها للاحتلال البريطاني .
  • استيلاء بريطانيا على الحكم في السودان من 1924- 1936.
  • الجمهورية السودانية .
    السودان من 1899-1989م

نجحت بريطانيا في 1898م ، من إسقاط الدولة المهدية في السودان ، وبعد تسوية مشكلاتها مع فرنسا ، بانتهاء حادثة فاشودة ، التي رفع القائد الفرنسي ” مارشان “العلم الفرنسي ، على قلعتها في 10 يوليه 1898م ، والتي كادت تجر الى حرب بين الدولتين ، ولكن الدبلوماسية نجحت في حل هذه الأزمة، وبعد تسوية هذه الأزمة ، أجبرت بريطانيا الحكومة المصرية على توقيع اتفاقية الحكم الثنائي في السودان في 19 يناير 1899 م ، التي بموجبها ، أصبح خديوي مصر ، يعين حاكم عام للسودان بريطاني ، بعد موافقة الحكومة البريطانية، كما نصت الاتفاقية ، على عدم سريان نظام الامتيازات .

وقد تركزت السلطة التشريعية والتنفيذية العليا في السودان في يد حاكم السودان البريطاني ، الذى كان في نفس الوقت ، قائد عام قوات الاحتلال البريطاني

وبذلك أحكمت بريطانيا سيطرتها الفعلية على السودان فى مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وصارت المصالح المركزية والإقليمية كلها في أيدى الموظفين البريطانيين.

الوجود المصري فى السودان :

أصبح مقتصرا على وجود كتيبة من الجيش المصري في الخرطوم ،  وعدد من الموظفين المصريين ، كانوا يعملون في الجهاز الإداري التابع للحاكم العام ، ولم يسمح للسودانيين بشغل أي منصب على قدر من الأهمية. وقد عملت بريطانيا ، على استغلال خيرات السودان لصالحها فكان القطن ، والصمغ ، والعاج ، والسمسم ، والجلود ، تصدر جميعها بأقل الاثمان الى اوروبا وبريطانيا ، كما نزعت ملكية أجود الأراضي من أصحابها ، ومنحتها للاحتكارات البريطانية وبذلك سيطرة على اقتصاديات السودان.

الحركة الوطنية السودانية ومقاومتها للاحتلال البريطاني .

لم يرض السودانيون عن الأسلوب الذى اتبعه بريطانيا فى إدارتها للسودان ، وبدأت حركة المقاومة بين صفوف الجيش السوداني ، وتزعم على دينار حركة المقاومة ، فوجهت إليه بريطانيا تهمة الاتفاق مع السنوسيين والعثمانيين ، ونجحت فى القضاء على حركته فى مايو 1916م ، غير أن الحركة الوطنية لم تخمد ، فامتدت لتشمل النوبة وغيرها من المناطق ، وفى نفس العام قاد الضابط على عبدالطيف ، الحركة الوطنية ، واصدر نشرة أطلق عليها ” مطالب الأمة السودانية” ، فطاردته السلطات البريطانية ، وألقت القبض عليه فسجن ، وظل بالسجن الى ان أطلق سراحه فى سنة 1923م ، ولما أصدرت بريطانيا تصريح 28 فبراير 1922 م، وفرضته على مصر ، اجتاحت السودان ، موجه من الغضب على التصريح الذى ابقى على سيطرة بريطانيا

الاستعمارية في السودان ، ودعا الى الكفاح المسلح من اجل الاستقلال ، وامتدت حركة الكفاح لتشمل : الخرطوم وغيرها من المدن السودانية ، ووقعت حوادث صدام بين الأهالي والاحتلال البريطاني .

 وفى ربيع سنة 1924م ، اسس على عبدالطيف ” جمعية اللواء الأبيض” السرية ، وتزعمت الجمعية حركة المطالبة بالاستقلال ، وانضم الى فئات متعددة من السودانيين ، وكانت الجمعية تدعو الى وحدة مصر والسودان ، وكانت ترى فى ذلك طريق الخلاص الوحيد من الاستعمار البريطاني ، فخرجت المظاهرات المناهضة للاستعمار فى : عطبرة ، وبورسودان ، ولكن الجمعية فشلت فى تكوين جبهة وطنية موحدة ، وتمكنت قوات الاحتلال ، تحت قيادة الحاكم العام للسودان من قمع الحركة الوطنية بقسوة ، وألقى القبض على عدد من أعضاء الجمعية ونفى البعض الى مستنقعات بحر الغزال ليلقوا حتفهم.
استيلاء بريطانيا على الحكم في السودان من 1924- 1936:

حدث ان اغتيل السردار لى ستاك ، في القاهرة ، يوم 29 نوفمبر 1924م ، فاستغلت الحكومة البريطانية الحادث لتحقيق أهدافها في مصر والسودان ، وتقدمت بعدة مطالب للحكومة المصرية التي كان يرأسها سعد باشا زغلول ، وكان من بين هذه المطالب ، سحب الجيش المصري ، والموظفين المدنيين المصريين من السودان ، ولكن سعد باشا زغلول ، رفض المطالب البريطانية ، وفضل تقديم استقالة حكومته عن ان يستجيب لهذه المطالب ، ثم جاءت وزارة لبت المطالب البريطانية، وسحبت الجيش المصري والموظفين المصريين من السودان ، وبذلك انفردت بريطانيا بالحكم في السودان الى ان عقدت مع مصر معاهدة سنة 1936م ،  التي أعادت السودان الى الحكم الثنائي ،   كما كان عليه الوضع سنة 1924 قبل اغتيال الحاكم العام للسودان

، وقائد عام القوات البريطانية، ومع عودة مصر الى المشاركة فى حكم السودان ، إلا ان السيادة المطلقة فى السودان ، ظلت فى يد السلطات البريطانية ، وقد تنازلت بريطانيا أثناء انفرادها بالحكم سنة 1934م ، لإيطاليا الفاشية التي كانت تستعمر ليبيا ، عن مساحة كبيرة من ارض السودان ، الواقعة فى الشمال الغربي من السودان ، على الحدود مع ليبيا .

استمرت الحركة الوطنية فى تصاعدها ، ففى سنة 1936 تكون “مؤتمر الخريجين” ، وتكون فى البداية حملة المؤهلات ، لكنه بعد ذلك ضم كل من كان على قدر يسير من التعليم ، كما ضم التجار ، والحرفيين، وذوى المهن الحرة ، والعمال ، والموظفين وضم حتى كبار الموظفين الذين يعملون فى

أجهزة الإدارة الاستعمارية ، وانعقد المؤتمر الاول للخريجيين في أم درمان سنة 1938م ، ورأى المؤتمر أن المهمة الأولى للأعضاء هى : تعليم الشعب ، وبناء المدارس، ورفع المستوى المعيشي للسكان.

هب الشعب السوداني ، بعد الحرب العالمية الثانية ، ففى 1945- 1936م ، فانتشرت المظاهرات والاجتماعات والمؤتمرات العديد من المدن السودانية ، وتعددت إضرابات العمال والموظفين ، وتقدم ” مؤتمر الخريجين” ، فى 23 أغسطس 1945م ، بمذكرة للحاكم البريطاني، طالب فيها باستقلال السودان ، لكن الطلب قوبل بالرفض من جانب السلطات البريطانية، وفى نفس العام 1945م ، تأسس فى السودان حزبان سياسيان هما : حزب الأمة ، وحزب الأشقاء ، وكان رئيس حزب الأشقاء ، هو  : إسماعيل الأزهري

الذى كان مدرسا للرياضيات فى جامعة الخرطوم ، وكان الحزب يعتمد على طائفة الختمية الإسلامية، التي كان يرأسها السيد محمد عثمان الميرغنى، احد كبار ملاك الأراضي ، وكان برنامج الحزب ، يتضمن العمل على طرد الانجليز ، ووحدة وادى النيل ، أي وحدة مصر والسودان، اما حزب الأمة: فكان يعبر عن مصالح الإقطاعيين، ومشايخ القبائل، ورجال الدين، وكانت غالبية أعضائه من كبار موظفي الإدارة الاستعمارية، وكان للحزب نفوذه بين القبائل السودانية المختلفة فى المناطق الغربية من وسط السودان ، وقد أصبح الصديق المهدى رئيسا للحزب ، وعبدالله خليل سكرتيرا له ، وكان الحزب يستند الى طائفة ” الأنصار” الإسلامية ، التي كانت يتزعمها السيد عبدالرحمن المهدى، والد الصديق المهدى ، وكانت عائلة المهدى من كبار العائلات فى

السودان ، وكان الحزب ينادى باستقلال السودان ، ويقاوم الوحدة مع مصر ، وفى 13 نوفمبر 1948م ، أجرت السلطات البريطانية انتخابات الجمعية التشريعية فى السودان ، وجرت الانتخابات تحت إشراف قوات الاحتلال. ولكن الانتخابات قوطعت من قبل : حزب الأشقاء ، ومؤتمر الخريجين، والحركة السودانية للتحرر الوطني ، ولم يشترك فى هذه الانتخابات الا عدد قليل من الناخبين ، ويوم الانتخابات خرجت المظاهرات فى المدن السودانية تنادى : ” تسقط الانتخابات”، ” يسقط الاستعمار البريطاني” ، وفى 17 ديسمبر 1948م ، افتتحت الجمعية التشريعية رسميا وسط احتفال ، ضم الإقطاعيين ، وزعماء القبائل ، وكبار الموظفين فى الإدارة البريطانية الاستعمارية ، بينما احتجت أحزاب الجبهة الوطنية على قيام الجمعية التشريعية ، والمجلس التنفيذي. وأعلنت هذه الأحزاب العصيان المدني ، ضد هذا الإصلاح البريطاني المزيف.

اقر البرلمان المصري فى 15 اكتوبر 1951 م ، قانونا بإلغاء معاهدة 1936م ، واتفاقية 1899م ، الخاصة بالحكم الثنائي السوداني ، وجرى تحديد وإقرار وضع دستور جديد للسودان ، يمنحه الاستقلال الذاتي فى الشئون الداخلية ، مع الاحتفاظ لمصر بالإشراف على السودان ، فى كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية والمالية والدفاع.

وفى شهرى نوفمبر- وديسمبر1915م ، نظمت الجبهة الوطنية السودانية ، تحركات واسعة للجماهير الشعبية ن تأييدا لمطالبها التي تقدمت بها ، وهى جلاء القوات الأجنبية عن البلاد ، وإسقاط الإدارة البريطانية الاستعمارية وفى أواخر نوفمبر 1951 م، اجتمعت أحزاب الجبهة الوطنية والنقابات المهنية وشكلت منظمة جديدة، منبثقة عن الجبهة الوطنية هى : الجبهة المتحدة لتحرير السودان ، وكان برنامجها يتضمن : تصفية الحكم الثنائي ، وجلاء الانجليز

ومصر عن البلاد ، و”سودنة” ، الجهاز الحكومى ، وتكوين حكومة مؤقتة من السودانيين ، وانتخاب جمعية تأسيسية تقوم بتحديد الوضع المقبل للسودان ، وتم اختيار سكرتارية للجبهة من بين ممثلي النقابات والأحزاب السياسية ، وفى بداية 1952م ، انتهى الموظفون البريطانيون من وضع مشروع دستور للسودان ، وفى 17 يناير 1952م ، أقرت الجمعية التأسيسية للدستور ، الذى كان ينص على انتخاب البرلمان ، وتأليف حكومة من السودانيين ، على ان يبقى الحاكم العام البريطاني على رأس السودان ، ولكن الجبهة المتحدة قطعت الطريق أمام تطبيق هذا الدستور. وفى 13 ديسمبر 1952م ، اتفقت كافة الأحزاب والتجمعات السودانية ، المنادية بوحدة العمل ، والاتحاد مع مصر ، وهى : حزب الأشقاء ، ومؤتمر الخريجين ، وحزب اتحاد وادي النيل ، على الاندماج فى الحزب الوطني الاتحادي ، برئاسة إسماعيل الأزهري.

وفى بداية 1953م ، اتفق السودانيين “الاتحاديون” و “الانفصاليون” مع حكومة الثورة المصرية على حل المسألة السودانية ، حلا عادلا ، وتم الاعتراف للسودانيين ، بحق الاختيار الحر بين إعلان استقلال السودان عن بريطانيا ومصر ، وبين الاتحاد مع مصر مع الاحتفاظ بالحكم الذاتي الكامل للسودان.

وفى 12 فبراير 1953م نجحت الثورة المصرية، فى توقيع الاتفاقية البريطانية المصرية ، اعترفت للسودان بحق تقرير مصيره ، وتكون هناك فترة انتقال ، مدتها 3 سنوات ، يقوم في أثنائها برلمان مؤقت ، وحكومة وطنية ، على ان تحتفظ بريطانيا بالسلطة العليا خلال هذه الفترة ، يقرر السودانيون في نهاية المدة ، الاتحاد مع مصر ، ام الاستقلال ، وعملت السلطات البريطانية خلال هذه الفترة على نجاح هدف حلفائها من الانفصاليين ، من حزب الأمة

المتعاون معها ، على الانفصال عن مصر ، ومعاونتهم على النجاح في الانتخابات ، وفى ذلك عدم الالتزام ببنود اتفاقية 12 فبراير 1953م . ولكن السلطات البريطانية فشلت فى مسعاها ، فقد كان الفوز في الانتخابات التي جرت فى نوفمبر 1953م ، حليف الحزب الوطني الاتحادي الذى حصل على 83 مقعدا ، وحصل حزب الأمة على 29 مقعدا ، والقوى الأخرى كلها مجتمعة حصلت على 35 مقعدا ، وكان الحزب الوطني الاتحادي ، يطالب بجلاء القوات البريطانية عن السودان ، وإقامة حكومة وطنية ، واتحاد السودان مع مصر ، وفى 9 يناير 1954م ، شكل إسماعيل الأزهري ، رئيس الحزب الوطني الاتحادي ، أول حكومة وطنية في فترة الانتقال.

وفى 1 مارس 1954م ، حالت بريطانية ، دون افتتاح البرلمان، حيث افتعلت

صداما بين الشعب والبوليس ، فعاق هذا الحادث افتتاح البرلمان ، وفى نفس الشهر مارس 1954م ، الغي البرلمان قانون “النشاط الهدام” وفى نهاية 1954م ، دخلت الحكومة السودانية والحكومة المصرية في مفاوضات حول استغلال مياه النيل ، وفى ابريل 1955م ، أرسلت الحكومة السودانية مندوبين عنها الى مؤتمر باندونج لبلدان أسيا وأفريقيا.

وفى أغسطس 1955م ، عقد البرلمان السوداني ، دورة طارئة ، طالب فيها نواب جميع الأحزاب السياسية بالاستقلال الفوري للسودان ، وجلاء جميع القوات الأجنبية عن البلاد ، وفى 16 أغسطس 1955م ، اتخذت الدورة الطارئة ، قرارا بإلغاء الحكم الثنائي ، وجلاء القوات البريطانية، والكتيبتان المصريتان من السودان ، وفى ديسمبر 1955م ، اتخذ البرلمان السوداني ، قرارا بالإجماع يقضى بأن يصبح السودان جمهورية مستقلة ذات سيادة.

الجمهورية السودانية .

وافقت كل من بريطانيا ومصر على هذا القرار ، الذى اتخذه البرلمان السوداني ، واختار البرلمان السوداني ، لجنة عليا خماسية ، للقيام بمهام رئيس الدولة ، وفى 1 يناير 1965م احتفل فى الخرطوم احتفالا رسميا بإعلان السودان جمهورية مستقلة ذات سيادة ، واعترفت أكثر من ثلاثين دولة بجمهورية  السودان المستقلة، وشكلت فى ظل الاستقلال حكومة برئاسة إسماعيل الأزهري، التي شكلت لجنة لوضع الدستور الجديد لجمهورية السودان، وكانت اللجنة مشكلة من ممثلي كافة الأحزاب السياسية ، وأكد الدستور الجديد ،ان  السودان دولة مستقلة ذات سيادة ، وحدد أسس السلطتين التشريعية والتنفيذية ، واقر المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون ، كما أعطى للمرأة السودانية حق الانتخاب.

حدث بعد ذلك انقسام فى الحزب الوطني الاتحادي ، أدى الى تقوية حزب الأمة

فترتب على ذلك ان قام إسماعيل الأزهري بتشكيل حكومة ائتلافية ، اشترك فيها حزب الأمة ، وأقامت الحكومة السودانية علاقات اقتصادية مع مصر والهند وإندونيسيا ، وبعض الدولة الاشتراكية وفى 17 نوفمبر 1958م ، قام الفريق إبراهيم عبود بانقلاب عسكري ، وشكل حكومة جديدة اغلب أعضائها  من العسكريين ، وقوبلت حكومة إبراهيم عبود بقبول من الأحزاب اليمينية ، والعناصر البيروقراطية ، والبوليس وكبار الضباط، وبعض زعماء القبائل ، وكبار المقاولين.

ولقيت المعارضة من الأحزاب السياسية التقليدية كلها والجماهير السودانية فى المدن والأرياف ، والطبقة المثقفة ، وقامت حكومة إبراهيم عبود بحل جميع الأحزاب السياسية ، والمنظمات الديمقراطية ، وفرض الرقابة على النشر ، وإعلان حالة الطوارئ ، ووضع فى السجون عددا كبيرا من المواطنين

وألغت الدستور، وأبطلت العمل به ، وحكمت البلاد حكما دكتاتوريا ، وشجعت الحكومة القطاع الرأسمالي الخاص ، وتوسعت فى العلاقات الاقتصادية مع رأس المال الأجنبي ، وفى 8 نوفمبر 1959 ، وقعت الحكومة على اتفاقية توزيع مياه النيل مع مصر، وارتفعت أسعار السلع فى عهد هذه الحكومة ،ووقعت الجماهير تحت وطأة هذا الارتفاع ، وبدأ نضال الجماهير ضد حكومة إبراهيم عبود الدكتاتورية. وبخاصة بعد ان ثبت فشلها فى إيجاد حل لمشكلة الجنوب، ووحدة السودان ، حيث تشكلت فى الجنوب منظمة سرية هى : حركة تحرير الجنوب ، التى سميت بعد ذلك ب “الاتحاد السوداني الافريقى الوطني ” (سانو) ،ثم تكونت منظمة سرية أخرى هى : الجبهة الوطنية الجنوبية ، وكانت هذه المنظمة على اتصال بحركة ( سانو) ، ودخلت حكومة إبراهيم عبود في حرب

مستمرة مع الانفصاليين الجنوبيين ، وفى 21 أكتوبر 1964م ، ازدادت أحداث الجنوب عنفا ، وتفاقمت الأزمة السياسية فى البلاد ،  فأدى ذلك الى انفجار السخط الشعبي ، وأطلق البوليس السوداني النيران على مظاهرة طلابية ، فشكلت فى 27 اكتوبر 1964 م ، الجبهة الوطنية للنقابات المهنية والأحزاب السياسية المعارضة ، وهى : الحزب الشيوعي السوداني ، الحزب الوطني الاتحادي ، حزب الشعب الديمقراطي ، حزب الأمة ، الإخوان المسلمون ، وأطلق على هذه الجبهة اسم ” الجبهة الوطنية المتحدة” ، ونص برنامجها على : تشكيل حكومة وطنية انتقالية ، وإلغاء القوانين المعادية للشعب، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإعادة الحريات الديمقراطية ، والعمل على : تحسين الوضع الاقتصادي ، وحل مشكلة الجنوب حلا سلميا، وتحسين العلاقات مع البلاد العربية.

تم بعد ذلك تشكيل عدة حكومات ، هي : حكومة سر الختم الخليفة، ثم حكومة سر الختم الخليفة الثانية ، ثم حكومة محمد احمد محجوب، ثم حكومة الصادق المهدى ؟، ثم حكومة محمد احمد محجوب الثانية، وكل حكومة من هذه الحكومات ، كان لها منهجا في حل المشاكل التي كان يعانى منها السودان ، ولكنها جميعا فشلت فى إنقاذ السودان من مشاكله.

وفى 25 مايو 1969م ، قاد العقيد جعفر محمد نميرى ، رئيس الضباط الأحرار فى الجيش السوداني ، انقلابا عسكريا وفى اول بيان للانقلاب ،جعل اسم جمهورية السودان “جمهورية السودان الديمقراطية” ، وحاولت حركة جعفر محمد نميرى ان تسير بالسودان فى مسار صحيح حيث أعلن ذلك في أول بيان للحركة .

شرعت الحركة فى الحل السلمي الديمقراطي لمشكلة الجنوب ، وظلت حركة جعفر نميرى تسيطر على السودان ، حتى عمت البلاد فى ابريل 1985م ، انتفاضة شعبية ضد سياسة حكومة جعفر محمد نميرى ، فانضم الجيش الى الانتفاضة بقيادة ” سوار الذهب” ، الذى تولى رئاسة الدولة لفترة انتقالية قصيرة ، عمل خلالها على إعادة الحياة الديمقراطية للسودان ، ثم أجريت الانتخابات ، واستقال ” سوار الذهب”. وتولى رئاسة الدولة : احمد المرغنى ، ولكن حدث ان عاد الجيش فى 1989م ، ليتولى زمام الأمور ، وينفصل الجنوب في السودان مكونناً دولة منفصلة .

سوريا

  • مقدمة
  • سوريا تحت الانتداب الفرنسي
  • سوريا والانقلابات العسكرية
    سوريا

وقف أحرار العرب فى سوريا ، كما ذكرنا سالفاً ، الى جانب الشريف حسين ، في مناصرته للحلفاء ، ضد الدولة العثمانية ، ودخلت جيوش الأمير فيصل ابن الشريف حسين قبيل انتهاء الحرب ، وفى 3 أكتوبر 1918م ، دخل اللنبي القائد العام لقوات الحلفاء دمشق ، ثم أعلن الأمير فيصل ، قيام حكومته المؤقتة  فى سوريا.

 وفى نوفمبر 1918م ، سافر الأمير فيصل ، الى أوربا ، لحضور مؤتمر الصلح ، وطلب الاستقلال التام للبلاد العربية ، ولكن جهوده فى المؤتمر ، لم تلق الا نجاحا محدودا ، وقد قرر الرئيس الامريكى

ويلسون إرسال لجنة كنج- كراين الأمريكية ، لاستطلاع رأى السوريين فى مصيرهم ، بعد ان أمتعنت كل من فرنسا وبريطانيا عن الاشتراك فى هذه اللجنة ، وفى تلك الفترة جرت عملية انتخابات عامة وسريعة فى سوريا ، لقطع الطريق على الفرنسيين والانجليز ، لممارسة سلطاتهم فى البلاد ، ودعي النواب ، فى أول هيئة تمثيلية، عرفت باسم ” المؤتمر السوري العام ” .

فى 3 يوليه 1919م. قدم المؤتمر الى لجنة التحقيق الأمريكية، عدة قررات يطالب بتنفيذها تحقيقا لرغبات الشعب السوري وهى :

أولا: الاستقلال التام لسوريا الكبرى ، (سوريا ، لبنان ، فلسطين، الأردن)

ثانيا: تكوين ملكية دستورية، تقوم على الديمقراطية، وتكفل حقوق الأقليات. 

ثالثا: الاحتجاج على نص المادة (22) من ميثاق عصبة الأمم ، المتعلقة بوضع سوريا تحت الانتداب.

رابعا : مناشدة الرئيس الأمريكي ولسون ، على الوقوف فى وجه الدول الأوربية، وقبول بلاده  كدولة منتدبة على سورية.

خامسا: رفض فرنسا كدولة منتدبة ، وطلب تولى بريطانيا الانتداب فى حالة اعتذار الولايات المتحدة الامريكية .

سادسا: رفض المزاعم الصهيونية ، في الوطن القومي في فلسطين.

سابعا: التمسك بوحدة الأراضي السورية ، دون أي تجزئة ، واستقلال العراق ، وتحقيق أماني اللبنانيين فى حكم لبنان.

عقد المؤتمر السوري العام جلسته الثانية مارس 1920م ، وحضر جلسة الافتتاح ، الشريف فيصل ، والقى خطاب الافتتاح الذى كان بيان للقضية العربية ، وحق العرب بالاستقلال ” وطلب من أعضاء المؤتمر ، تقرير

شكل الدولة ، ووضع الدستور ، كما دعاهم الى ضرورة التضامن مع العراق” ، رفض المؤتمر اقتراح بريطانيا بشأن مشروع تسوية بين الامير فيصل ، ورئيس الوزراء الفرنسي كليمنصو .

وفى 8 مارس 1920م. اقدم المؤتمر على اتخاذ خطوة جريئة تمثلت في اعلانه استقلال سوريا بحدودها ” كدولة ملكية دستورية ، والمناداة بفيصل ملكا عليها ، واعتبار المؤتمر مجلسا نيابيا ، وتأسيسيا “. واعلنت بيعة فيصل الرسمية بالملكية فى 8 مارس 1920م ،وسط حماس كبير.

اثارت هذه التصرفات السورية ، كل من بريطانيا وفرنسا ، فطلبتا دعوة مجلس الحلفاء فى الانعقاد فى سان ريمو ، وفى 25 ابريل 1920م، للمصادقة على توزيع الانتدابيات بين فرنسا وبريطانيا، وعلى اثر إعلان مقررات مؤتمر

سان ريمو احتلت الجيوش الفرنسية لبنان ، ووجه الفرنسيين انذارا الى الملك فيصل ” لاحترام الاتفاقات المعقودة ، بين دول الحلفاء ، ووضع سوريا بحدودها المعاصرة تحت الانتداب الفرنسي ، فرفض” .

وعلى اثر إعلان الموقف السوري ، تقدمت الجيوش الفرنسية في الأراضي السورية، وجرت، معركة ميلسون بين القوات الفرنسية ، والجيش العربي السوري انتصر فيها الفرنسيين ووقعت سوريا تحت الانتداب الفرنسي .

سوريا تحت الانتداب الفرنسي:

غادر فيصل دمشق ، بعد أن سيطر الفرنسين عليها، وحاولت سلطات الانتداب ، ان تلعب على التناقضات الفئوية والطائفية ، متجاهلة كل شعور وحدوى ، فقسمت سوريا ، بقصد تفتيتها الى اربع دويلات هى:

1-         دولة دمش.

2-         دولة حلب.

3-         دولة العلويين.

4-         دولة جبل الدوروز.

اثار هذا التفتيت للوحدة السورية الى هذا الحد ، احتجاجا، واسع المدى ، لدى

السوريين ، واوجد مقاومة حادة ، مما اضطر المفوض السامي الفرنسي عام 1923م ، الى إقامة اتحاد بين هذه الدول الاربع ، واوجد على رأس هذا الاتحاد رئيسا ، تخضع قراراته لكى تكون نافذة ونهائية ، الى موافقة المفوض السامي ، ولكن السوريين رفضوا هذا الحل ، وتمسكوا بالاستقلال في إطار حدود سوريا الطبيعية ، وواصلت الحركة الوطنية السورية جهادها من اجل تحقيق هذ الهدف ، فتراجع المفوض السامي عن قراره ، وإعلان قيام الجمهورية السورية ، مع المحافظة على حقوق الدولة المنتدبة .

وفى 9 يونيه 1928م ، افتتحت اولى جلسات ” الجمعية التأسيسية” بكلمة ألقاها المفوض السامي الجديد هنردى يونسو ، اكد فيها على حرية الجمعية ” فى وضع دستور ، يضمن للبلاد سيادتها ” . ولذا فإن الجمعية ، انتخبت لجنة

مصغرة ، على رأسها الزعيم الوطني ” إبراهيم هنانو” لتحضير مشروع الدستور السوري. فقامت اللجنة بوضع مشروع الدستور ، وأقرته الجمعية، ولكن المفوض السامي ، رفضه بحجة احتواء بعض مواده على أحكام تتعارض ، وحقوق الدولة المنتدبة . ولما فشلت كل المحاولات التى بذلت لحل هذه المشكلة لجأ المفوض السامي الى حل “الجمعية التأسيسية” السورية 1930م ، وأعاد الوضع الى ما كان عليه قبل عام 1928م ، وعمد بعد ذلك الى نشر القانون الأساسي للبلاد ، الواقعة تحت الانتداب فى 22 مايو 1930م، مضمنا اياه نص الدستور السوري الذى وافقت عليه الجمعية التأسيسية ، والذى يحمل تاريخ 14 مايو 1930م . بعد ان أضاف اليه مادة ، تضمن امتيازات الدولة المنتدبة ، وعدل المادة الثانية من الدستور بما يتمشى والتقسيم الجغرافي الذى

أوجده الجنرال غورو ، فى 1 سبتمبر1920م ، ومع ذلك فإن هذا الدستور ، لم يدخل مرحلة التنفيذ فورا ، حيث علق تطبيقه على شرط إجراء انتخابات نيابية جديدة.

اثار نشر الدستور بهذه الصورة موجة من الغضب والاحتجاجات والمظاهرات ضد سلطات الانتداب ، وتوالت برقيات الاستنكار الى كل من عصبة الامم والحكومة الفرنسية.

 وفى بداية عام 1934م ، تم انتخاب محمد على العابد ، كأ ول رئيس للجمهورية السورية.

وفى 1936 ، أصبحت السلطة فى فرنسا ، فى يد حكومة الجبهة الشعبية ، فأبدى الفرنسيون رغبتهم فى مفاوضة الوطنيين السوريين ، وعقد معاهدة معهم ، تتضمن النص على استقلال سوريا ، فى فترة زمنية لا يزيد مداها على ثلاث سنوات .

بدأت المفاوضات بين الطرفين حول عقد هذه المعاهدة ، وتوصلا فى نهايتها الى عقد معاهدة ” الصداقة والتحالف ” فى 9 سبتمبر 1936م ، وكان مدى المعاهدة خمسة وعشرون عاماً ، ونص فيها على ان تعترف فرنسا بسيادة سوريا ووحدتها ، فى مدى ثلاث سنوات ، تبدأ من تاريخ تبادل التصديق على المعاهدة ، وقد صادق المجلس السورى بالإجماع عليها. وانتخب هاشم الاناسى ، رئيسا للجمهورية السورية ، ولكن الحكومة الفرنسية ما طالت ، ولم تطلب من الجمعية الوطنية الفرنسية المصادقة على المعاهدة

وبقيت نصوصها معطلة دون تنفيذ . وفى نهاية عام 1938م ، أعلنت الحكومة الفرنسية  بأنه لا يمكنها المصادقة على المعاهدة لان ذلك يفقدها مراكزها العسكرية فى الشرق “.

ثم دخلت فرنسا الحرب العالمية الثانية ، فتعطلت كل الجهود الهادفة الى الاستقلال السورى ، وتم اخضاع سوريا الى السلطة الفرنسية العسكرية المباشرة .

وفى 1943م ، جرت انتخابات جديدة ، تمهيدا للانتقال بالبلاد الى مرحلة الاستقلال ، كما حدث فى لبنان ، وفاز الوطنيون بمعظم المقاعد ، وانتخب المجلس بالإجماع ، شكري القوتلى ، رئيسا للجمهورية. وقامت سوريا بدورها في مشاورات الوحدة العربية ، واشتركت في وضع “بروتوكول الإسكندرية” أي ميثاق الجامعة العربية ، وعند إعلان قيام جامعة الدول العربية فى مارس 1945م ،كانت سوريا احد أعضاء الجامعة السبعة ، المؤسسين لها.
سوريا والانقلابات العسكرية:

واجهت سوريا فى بداية الاستقلال ، كثيرا من المشكلات السياسية والعسكرية والاقتصادية القاسية ، ومع ذلك فإن زعماء الاستقلال السوري ، بذلوا كل جهدهم ، لجعل السنوات الأولى من الاستقلال ، سنوات بناء وعمل وإصلاح ولكنهم لم يكونوا على قدر من الكفاية يؤهلهم لمعالجة هذه المشكلات ، لعدم تمرسهم بالشئون العامة ، وإزاء هذه الأوضاع ، بدأ العسكريون يتدخلون فى الحياة السياسية ، وبدأت سوريا تشهد موجة من الانقلابات العسكرية جاءت بالمقدم اديب الشيشكلى فى 19 ديسمبر 1949م.

استمر اديب الشيشكلى فترة اطول من سابقيه ، لا نه كان الى جانب عسكريته يتميز بحس سياسي بخلاف من سبقه من العسكريين فتكونت فى عهده جمعية

تأسيسية فى 15 سبتمبر 1950م . ووضع دستورا نص على قيام نظام برلماني يستند الى مجلس نيابي منتخب ، كما نص على ضمان الحريات السياسية الفردية والعامة.

اثار تدخل الجيش فى السياسية ، سخط البرلمانيين ، فرد الشيشكلى على ذلك بحل مجلس النواب فى ديسمبر 1951م ، واصدر في ابريل 1952م ، مرسوما بمنع الأحزاب السياسية من ممارسة نشاطاتها ، وحاول ان يعود بالحياة السياسية الى الوضع الذى كانت عليه من قبل ، فألغى دستور 1950م ، واستبدله بدستور 1953م ، الذى أقام نظاما رئاسيا ، يسأل فيه الوزراء امام رئيس الجمهورية الذى ينتخبه الشعب مباشرة ، وبصورة سرية ، ووافق الشعب السوري على هذا الدستور ، وجاءت الانتخابات بأديب الشيشكلى رئيسا للجمهورية السورية فى أغسطس 1953م .

، واجاز بعد ذلك تأليف الأحزاب السياسية ، وممارستها لنشاطها، ولكن حدث ان المعارضة قاطعت انتخابات اكتوبر 1953م ، فكان من نتائج المقاطعة ان فاز حزب حركة التحرير الذى يتزعمه الشيشكلى بأغلبية المقاعد ، فردت المعارضة على ذلك باتحادها فى جبهة وطنية ، مشككة فى نزاهة الانتخابات مطالبة بوضع حد للنظام العسكرى ، والعودة الى المؤسسات الديمقراطية ،فهبت المظاهرات فى دمشق وحلب ضد الحكومة.

أضطر الشيشكلى ، تحت ضغط الجماهير والاحزاب والطلاب الى تقديم استقالته فى فبراير 1954م ، حتى لا يغرق البلاد فى حرب اهلية .

جرت انتخابات نيابية فى سبتمبر 1954م ، جاءت بتنوع نيابي غريب يجمع بين المستقلين والمنتمين الى حزب البعث ، كما نجح فى هذه الانتخابات خالد بكداش الشيوعى ، فترتب على ذلك تشكيل حكومة إتلاف غير مستقرة.

ومما اضعف من موقف هذه الحكومة ، اختلاف أعضائها حول موضوع الوحدة ، فقد كانت تضم فريقين لكل منهما وجهة نظره ازاء موضوع الوحدة.

الفريق الاول : وكان يضم مجموعة الاحزاب التقليدية ، وكان هذا الفريق يرى  ضرورة التعامل والوحدة مع العراق وعرشه الهاشمي.

الفريق الثاني : وكان يضم مجموعة الاحزاب العقائدية وعلى رأسها البعث ، ويرى ضرورة التعامل والائتلاف مع مصر.

وقد حسم الخلاف بين الفريقين ، لصالح الفريق الثانى ، عندما تم انتخاب شكرى القوتلى رئيسا للجمهورية فى عام 1955م ، واتفقت القاهرة ، ودمشق على إقامة قيادة عسكرية موحدة فى دمشق.

سارت أحداث البلدين بعد ذلك فى طريقها نحو الوحدة ، التى تم إعلانها ، وقيام الجمهورية العربية المتحدة فى 22 فبراير 1958م ، على ان يكون نظامها رئاسيا ديمقراطيا ، وجرى استفتاء شعبي على الوحدة ،وتم انتخاب جمال عبدالناصر رئيسا للجمهورية العربية المتحدة، ووضع لها دستور فى 15مارس 1956م المصري ، ولكن قيام الوحدة بين مصر وسوريا ، ازعج القوى الخارجية التي تخشى الوحدة العربية على نفوذها ، كما أزعج القوى المحلية التي تشاركها نفس الشعور.

لم يقدر لتجربة الوحدة ان تستمر لأسباب عديدة ، حيث حدثت حركة الانفصال بعد ثلاث سنوات فى 28 سبتمبر 1971م .

  1. لبنان
  2. الأردن
  • مقدمة
  • إعلان فرنسا تقسيم الشام إلى ثلاث مناطق نفوذ .
  • الانتداب الفرنسي، وقيام دولة لبنان الكبير.
  • اللبنانيون والصراع من أجل الاستقلال.
  • الحرب العالمية الثانية واستقلال لبنان .
  • قيام المملكة الأردنية الهاشمية، وضم الضفة الغربية إليها.
  • استقلال الأردن .
    لبنان

أشترك اللبنانيون في الاعداد للثورة ضد الاتراك خلال الحرب العالمية الاولى 1914- 1918م ، وفي 7 أكتوبر 1918م ، دخلت جيوش فرنسا وإنجلترا ، لبنان وسوريا ، وكان دخولهم الشام إيذاناً ببدء مرحلة جديدة التي أطلق عليها مرحلة الانتداب الفرنسي .

كانت جيوش فيصل قد دخلت دمشق مع الحلفاء وأُعلن قيام حكومة عربية عسكرية على كل أراضي سوريا الكبرى بما فيها فلسطين ولبنان .

وسقطت الادارة العثمانية فى بيروت ، وأعلن عمر الداعون ، أحد أعيان المسلمين قيام حكومة عربية فيها وحضر أحد رجال فيصل على رأس قوة رمزية فتسلم المدينة وألف حكومة عربية باسم الملك حسين ، ولكن هذه الحكومة ، لم يقدر لها أن تستمر أكثر من عدة أيام .
إعلان فرنسا تقسيم الشام إلى ثلاث مناطق نفوذ:-

دخلت الجيوش الفرنسية بيروت فى 7 أكتوبر  1918 م ، وأعلن القائد الفرنسى نفسه حاكماً عسكريا للمدينة ، وأعلن اللنبي قائد قوات الحلفاء تقسيم الأراضي  التى أستولى عليها الحلفاء إلى ثلاث مناطق هى :-

أولاً:منطقة جنوب الشام وتشمل:- فلسطين(عرفت بالمنطقة جنوب بريطانيا ) .

ثانياً:المنطقة الشرقية وتشمل :- سوريا الداخلية ( عرفت بالمنطقة الشرقية ) .

ثالثاً :- المنطقة الغربية وتشمل:- السواحل السورية اللبنانية بعد انفصال كليكيا عنها ، حيث كانت تعرف بالمنطقة الشمالية الفرنسية .
الانتداب الفرنسي، وقيام دولة لبنان الكبير:

عقد مؤتمر الصلح فى يناير 1919م ، وظهرت خلاله عدة اتجاهات حول مصير الشام رغم معارضة فيصل لوضع الشام تحت أي نوع من أنواع الوصاية .

وافق المؤتمر فى النهاية على وضع لبنان وسوريا ،تحت الانتداب الفرنسي بناء على الاتفاق بين فرنسا وإنجلترا ،ثم قامت القوات البريطانية بالانسحاب من سوريا ولبنان تاركة أمر إدارتها لفرنسا .

دولة لبنان الكبير

و في سبتمبر من عام 1920 أعلن الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير معلنا بيروت كعاصمة لها. وتمثل علم الدولة في دمج علمي فرنسا ولبنان معاً.

            ووصفت الدولة الجديدة باسم لبنان الكبير على أساس ضمّ إليه ولاية بيروت وتوابعها (صيدا وصور ومرجعيون وطرابلس وعكار) والبقاع مع (بعلبك والبقاع وراشيا وحاصبيا).

وفي 23 مايو سنة 1926 أقر مجلس الممثلين الدستور وأعلن قيام الجمهورية اللبنانية. وفي عام 1926 انشأ الفرنسيون الجمهورية اللبنانية، والتي تعتبر بداية التاريخ الحديث للبنان وانتخب شارل دباس كأول رئيس للبنان.


اللبنانيون والصراع من أجل الاستقلال

معارضة المسلمين  

كان مسلمو “دولة لبنان الكبير” قد رفضوا، في أكثريتهم، الدولة والكيان الوطني اللبناني، عند نشوئه لثلاثة أسباب هي:

1ـ ان الدولة الجديدة جعلت منهم أقلية، وهم الذين كانوا جزءا من الأكثرية المسلمة الحاكمة في العهد العثماني.

2ـ لأن أمنيتهم، بعد الانسلاخ عن الدولة العثمانية، كانت الانضمام إلى “دولة عربية”، برئاسة الأمير فيصل، تضم “سوريا الكبرى” أي سوريا الحالية ولبنان وفلسطين والأردن والعراق.

3ـ لأنهم كانوا رافضين للانتداب الفرنسي على اعتبار انه حكم دولة أوروبية أجنبية.

لم تعترف الحركة الوطنية السورية وممثلوها في لبنان من الزعماء السياسيين المسلمين، بالكيان اللبناني. وفي المفاوضات بين الحكومة الفرنسية والحركة الوطنية السورية في مطلع الثلاثينات، اشترطت فرنسا ان تسلم الحركة الوطنية السورية بالكيان اللبناني لقاء توقيع معاهدة تعترف فيها فرنسا باستقلال سوريا ولبنان. ولقد قبل ممثلو الحركة الوطنية هذا الشرط الأمر الذي أحدث تصدعا في صفوف السياسيين المسلمين “الوحدويين” في لبنان، وراح بعضهم “يتلبنن” مثل خير الدين الأحدب والبعض الآخر يبحث عن صيغة للتوفيق بين ولائه “القومي العربي”، وبين اعترافه بالكيان اللبناني مثل رياض الصلح ، وبشارة الخوري. ومن عام 1930 إلى عام 1943، راحت “صيغة” رياض الصلح- بشارة الخوري وغيرهم من طلاب الاستقلال ـ تتبلور، إلى ان تحولت إلى ما سمي بالميثاق الوطني اللبناني، وهو يقوم على المعادلة التالية:

من أجل بلوغ الاستقلال، على المسيحيين ان يتنازلوا عن مطلب حماية فرنسا لهم، وأن يتنازل المسلمون عن طلب الانضمام إلى الداخل السوري ـ العربي.

الحرب العالمية الثانية واستقلال لبنان

في بداية الحرب العالمية الثانية وبعد أن بدأت فرنسا تسترسل بالطغيان والسيطرة على المراكز الحساسة مما جعل الحكومة اللبنانية سنة 1943 تتقدم إلى المفوضية الفرنسية مطالبة بتعديل الدستور بما ينسجم مع الأوضاع. وكان هذا الطلب بدعم من البريطانيين الذين حكموا فلسطين والأردن والعراق. وفي نفس السنة فاز الشيخ بشارة الخوري وأصبح رئيسا للجمهورية وألف حكومته رياض الصلح وأعلنوا الاستقلال التام وحولت مشروع تعديل الدستور إلى المجلس النيابي

واعتبر هذا القرار تحديا “ساخرا” للمفوض السامي مما جعله يأمر بتعليق الدستور وأرسل ضباطا” إلى رئيس الجمهورية فاعتقلوه مع رياض الصلح وبعض الوزراء والزعماء الوطنيين مثل عادل عسيران، كميل شمعون، عبد الحميد كرامي وسليم تقلا وحجزوهم في قلعة راشيا. عندها قام رئيس المجلس النيابي آنذاك صبري حماده وبعض النواب باجتماع مصغر في قرية صغيرة هي بشامون وألفوا حكومة مؤقتة ورفع العلم اللبناني الذي تكون من ثلاث أقسام الأحمر، الأبيض وفي الوسط ضمن اللون الأبيض شجرة أرز خضراء. وقد أدى هذا النضال إلى استقلال لبنان في سنة 1943 وبعد ذلك دعم لبنان نفسه بانتسابه إلى جامعة الدول العربية سنة 1947 ثم انضم إلى هيئة الأمم المتحدة في نفس السنة.


استقلال لبنان:

أُعلن استقلال لبنان عن فرنسا في 22 نوفمبر 1943 وتم الاعتراف به في 1 يناير 1944. وانسحبت القوات الفرنسية في 1946، وتميز تاريخ لبنان منذ الاستقلال بتقلبات سياسية متكررة.

وبذلك صارت جمهورية لبنان دولة مستقلة لها السيادة الكاملة على أراضيها ، وانضمت إلى جامعة الدول العربية ، وهيئة الأمم المتحدة وأصبح للبنان شخصيته الدولية المعترف بها من كافة الهيئات والمنظمات الدولية ، ولكن منذ فبراير 1975 م دخل لبنان فى حرب أهلية مريرة أدت إلى تمزيقه وكادت تمحو كيانه ، ولم تخمد نارها إلا عقب مؤتمر الطائف فى 1989م ، وبعد انتهائها بدأت فى لبنان مرحلة التعمير وإعادة البناء فى كل الميادين .


الأردن

فى عام 1921 قامت ” إمارة الشرق العربي “، كأول دولة في شرقي الأردن في العصر الحديث، وفي عام 1923 أعلن استقلال الإمارة باسم ” إمارة شرقي الأردن ” ، وفي نفس التاريخ من عام 1946 أعلن الاستقلال التام والناجز ، وقيام المملكة الأردنية الهاشمية ، وإعلان الأمير عبد الله بن الحسين ملكا على البلاد .

بعد أن تلقى الشريف الحسين بن علي البرقيات من الوطنيين العرب في شرقي الأردن ، لإيفاد أحد أبنائه ليتزعم الحركة الوطنية المناوئة للفرنسيين ، اثر مقتل الوزراء السوريين في خربة الغزالة ، وعصيان أهل حوران ، أوفد الشريف الحسين بن علي الأمير عبد الله إلى سورية ، إلا أن الأمير عبد الله  

كان على خلاف مع البريطانيين ، لأنهم حالوا بينه وبين السفر إلى العراق ، بعد أن بايعه زعماء العراق المقيمون في دمشق ملكا على العراق ، يوم بايع زعماء سوريا أخاه ” فيصل ” ملكا على سورية ، وقد استجاب لرغبة والده الشريف ، ورغبة الوطنيين الأردنيين وشد الرحال إلى شرقي الأردن لاسترداد سورية من الحكم الفرنسي .

وصل الأمير إلى معان في 11/11/1920،وقد رافق الأمير عبد الله عدد من الأشراف ، ومعهم قوة من البدو.

وكان في استقبال الأمير شيوخ معان ، وفور وصوله أعلن نفسه نائبا لملك سورية، ودعا أعضاء المؤتمر السوري للاجتماع، وأرسل الرسائل لزعماء شرقي الأردن للقدوم إلى معان، ودعا الجيش السوري للالتحاق به في معان.

  

فوصل إلى معان على الفور كل من : الشيوخ والذوات وعدد كبير من زعماء وشيوخ عشائر شرقي الأردن . وأثناء إقامة الأمير في معان ، جاء إليها عوني عبد الهادي حاملا رسالة شفوية من هربرت صمويل ، ينصح فيها الأمير بالعودة إلى الحجاز ، وان لا يحرك ساكنا في شرقي الأردن حتى مجيء تشرشل إلى القدس .

إلا أن الأمير لم يستمع لتحذيرات البريطانيين، فأصدر في معان منشورا في 25ربيع الأول سنة1339هـ، ضمنه سبب قدومه، ومبينا دور فرنسا في هدم عرش سورية، وخيانة عهود الحلفاء للعرب، ، معلنا تجديد بيعته لأخيه فيصل ملكا على سورية.

إلا أن أعضاء المؤتمر السوري لم يبادروا بالحضور إلى معان ، واشترط الضباط والجنود ضمان تقاعدهم أن لم تنجح الحركة.

وقد سارع الفرنسيون بتقوية دفاعاتهم خشية مهاجمتهم من قبل الأمير عبد الله ، وأرسلوا لبريطانيا بهذا الشأن ، متهمين بريطانيا بتمويل الأمير وتزويده بالأسلحة ، فما كان من اللورد كرزون إلا أن استدعى الأمير فيصل في 1920، وابلغه استياء بريطانيا لما اسماه الحوادث التي تقع في شرقي الأردن ، فوصل مندوب الأمير فيصل صبحي الخضراء إلى السلط ، ثم توجه إلى معان ، وراسل الأمير فيصل إلى والده الحسين والأمير عبد الله ، طالبا منهما التريث حتى يتم هو المساعي السلمية ، وقد هدد الكابتن برنتون زعماء عمان بعدم الاتصال بالأمير .

أما حكومة فلسطين فقد أذاعت بيانا في 1920بان بريطانيا لا تشجع الأمير عبد الله، ولا تستحسن الحركة التي يقوم بها لمهاجمة الفرنسيين . وقام الوطنيون الأردنيون في عمان بدعوة الأمير للقدوم إلى عمان ، رغم التهديد

والتحذير من ممثلي بريطانيا ، فأوفد الأمير عبد الله الشريف علي بن الحسين إلى عمان ، وعين محمد علي العجلوني مستشارا عسكريا له ، وفي محطة زيزياء استقبلهما الشيخ مثقال الفايز على راس ألف فارس من بني صخر وعشائر البلقاء ، وجموع من أهالي شرقي الأردن ، ثم انتقل الشريف إلى عمان ، رغم معارضة الإنجليز ، ووفد إلى الشريف الحارثي في عمان أهالي شرقي الأردن والأحرار السوريين والعراقيين ، وبعض الضباط العراقيين والسوريين ، وكان الوافدون يقسمون اليمين في عمان للوقوف إلى جانب الأمير عبد الله .

وحاول الإنجليز تهدئة حركة الأمير بتهديد والده الشريف حسين ، فقد أرسل السكرتير المدني في حكومة فلسطين رسالة إلى المعتمد البريطاني 1920 أكد فيها ذلك ، وفي الوقت نفسه استدعت الحكومة البريطانية الملك فيصل للتباحث

معه ، فالتقاه المستر تشرشل ، فاتفق الطرفان على أن تعهد بريطانيا للعرب بإدارة شؤونهم في العراق وشرقي الأردن ، وان تشجع بريطانيا انتخاب فيصل ملكا على العراق ، والتفاهم مع الأمير عبد الله ليتولى أمور شرقي الأردن . وقام تشرشل ومعه لورنس بزيارة الشرق الأوسط ، ثم عقد مؤتمرا في القاهرة في  1921 حضره مندوبون عن سلطات الانتداب في العراق وشرقي الأردن ( الميجور سمرست والكابتن بيك )، وقد قرر المؤتمر تنفيذ نتائج اجتماع فيصل ـ تشرشل .

واجتمع الوطنيون في عمان ، وقرروا دعوة الأمير للقدوم إلى عمان .

انتقل الأمير بالقطار من معان إلى عمان، فودعه شيوخ العشائر والزعماء وضباط سوريا وفلسطين والعراق وشرقي الأردن .

وصل الأمير عبد الله إلى القطرانة ، فقابلته وفود الكرك ، ووصل الأمير إلى عمان ووفد إليه شيوخ العشائر ووجوه النواحي ، وقد احتفلت بلدية عمان بقدومه ، وتسابق الخطباء والشعراء للترحيب به ، وبوصول الأمير عبد الله إلى عمان ، انتهى عهد الحكومات المحلية .

وبعد ان استقر الامير عبد الله بن الحسين في عمان عين عوني عبد الهادي رئيسا لديوانه في عمان ، وأرسله برسالة إلى المندوب السامي في القدس ، يخبره فيها انه قدم إلى عمان ، ولا غاية له إلا تحرير سورية . وأعلن انه نائبا لأخيه ملك سورية، وان شرقي الأردن جزءا من مملكة فيصل. كما أرسل رسالة إلى السوريين .

ثم توجه الأمير إلى القدس للقاء تشرشل ، وقد اخبر تشرشل الأمير بعزم بريطانيا على مساعدة فيصل ليكون ملكا على العراق ، لعدم رغبة فرنسا برجوعه إلى سورية ، وموافقة بريطانيا على إقامة إدارة مدنية في شرق الأردن ، إلى أن يتم الظفر بوحدة سورية بزعامة الأمير عبد الله ، واتفق على أن يزور الوزير البريطاني عمان ، التي تم الاتفاق على إقامة حكومة وطنية مستقلة فيها .

وفي عام 1922 كان مجلس جمعية الأمم قد اقر صك الانتداب البريطاني على فلسطين وشرقي الأردن ، وعينت الحدود مع الأقطار المجاورة فلسطين وسورية ، وزار الأمير لندن ، فانتدبت بريطانيا السير جلبرت كلايتون لمفاوضته ، فطالب الأمير بان تكون شرقي الأردن مستقلة استقلالا تاما وان يعطى لها منفذ بحري على البحر المتوسط ، إلا أن وزارة لويد جورج سقطت بعد ثلاثة أيام من ابتداء

المباحثات ، واستؤنفت المباحثات بقيادة الركابي من الجانب الأردني ، واتجه الأمير إلى الحجاز لزيارة والده ، وعاد إلى شرقي الأردن في 1/1/1923 .

وقد نتج عن محادثات الركابي ، توجيه مذكرة توافق بريطانيا بموجبها على عقد معاهدة مع شرقي الأردن ، واعتراف حكومة بريطانيا بحكومة نيابية مستقلة في شرق الأردن ، تحت حكم الأمير عبد الله بن الحسين . حيث أعلن استقلال الإمارة في 25/5/1923 ، وكان معتمد الإمارة البريطاني يخابر وزير المستعمرات مباشرة ، كما كانت الحكومة الأردنية تخاطب الحكومة البريطانية مباشرة دون وساطة المندوب السامي أو المعتمد البريطاني .

في 1926 حدثت اضطرابات في وادي موسى إذ هاجم الأهالى الجنود وطردوا الموظفين ، و تمكنت الحكومة من إخمادها ، ثم أصدر الأمير عفوا عن الفاعلين .

وفي 25/5/1923 أعلن استقلال شرقي الأردن عن الانتداب البريطاني، وفي 20/2/1928 وقعت المعاهدة الأردنية البريطانية في مدينة القدس. وفي 1929 انعقد المجلس التشريعي الأول، وأصبح مكونا من عدة أشخاص من البلاد.

وقد صدر الميثاق الوطني الأردني عن المؤتمر الوطني الأردني في 25/7/1928 ، والذي أكد على الاستقلال التام ، وعدم الاعتراف بوعد بلفور.

وفي 22 مارس 1944 وقعت الدول العربية بروتوكول الإسكندرية لتأسيس جامعة الدول العربية وقعته حكومات الأردن ومصر والعراق والسعودية وسوريا ولبنان واليمن.


قيام المملكة الأردنية الهاشمية، وضم الضفة الغربية إليها:

وفي 25/5/1946 أعلن الاستقلال التام لشرقي الأردن باسم المملكة الأردنية الهاشمية، وتم رفع الانتداب عنها، وتقدمت الأردن لعضوية منظمة الأمم المتحدة إلا أن روسيا استعملت حق النقض الفيتو بداعي عدم وجود علاقات بينها وبين الأردن. وعقد الحكومة معاهدات مع بريطانيا ومع تركيا واسبانيا والعراق ، وقامت الأحزاب في الأردن وظهرت المعارضة. وقد اكد الملك عبد الله الاول على عروبة فلسطين.

وفي 18/10/1933 و25/7/1934 كتب الملك عبد الله يحتج لتدفق الهجرة الى فلسطين ، وفي 1936 عقد مؤتمر كبير لشيوخ شرقي الاردن وكتبوا

لوزارة الخارجية البريطانية ، واعلنوا استعدادهم للجهاد في فلسطين . وكتب الملك عبد الله الاول في 10/1/1937 مذكرة للجنة الملكية التي اوفدت للتحقيق في فلسطين : ” ان اليهود يتحجون بتصريح بلفور وان لهم بمقتضاه وطنا قوميا في فلسطين وقد كان ذلك يجوز شرعا وعقلا لو كانت فلسطين خالية من الناس ، ولكن فلسطين كانت مأهولة يوم صدر هذا التصريح ولها سكانها الاصليون فباي حق تستبد امة بحق وطن اخر فتعطيه لأخرين واهله احياء يرزقون ؟ .

 وقد اقترح الملك عبد الله الاول عام 1938انشاء مملكة موحدة من الاردن وفلسطين على ان تعطي هذه المملكة ادارة مختارة لليهود في المناطق اليهودية ويمثل اليهود في برلمان هذه الدولة .

وبعد ان تمكن الجيش العربي الأردني من إنقاذ القدس والضفة الغربية ، عين الملك عبد الله الأول عددا من الحكام العسكريين على الجزء المحرر من فلسطين.

 ثم صدر قانون الإدارة العامة في فلسطين في 1949 ، فألغيت وظائف الحكام العسكريين الأردنيين في فلسطين وتولى أعمال الإدارة موظفون مدنيون .

أعلن الفلسطينيون مبايعة الملك عبد الله ملكا عاما على فلسطين كلها . وقد أرسلت قرارات المؤتمرات الفلسطينية إلى الحكومات العربية وجامعة الدول العربية ، وقد وافق مندوبو الدول العربية في مؤتمر لوزان على الوحدة بين

الأردن وفلسطين ، حيث أن إنشاء حكومة فلسطينية يعتبر اعترافا بالتقسيم وتدويل القدس ، وتشكل مجلس نواب من الضفتين ، حيث أصبحت المملكة بضفتيها تتكون من 18 لواء.

ووافق مجلس الأمة على وحدة الضفتين في 24/4/1950 ، وقد عارض اليهود وحدة الضفتين بينما اعترفت بها بريطانيا.

وفي 1950استشهد الملك عبد الله الأول وهو يدخل المسجد الأقصى ، وكان الأمير طلال ولي العهد يستشفي في أوروبا ، فتولى الأمير نايف الذي عين وصيا للعرش ، وفي عام 1950 عاد الملك طلال إلى البلاد وتولى الحكم ، ونودي بالحسين بن طلال وليا للعهد ، وفي 1951 غادر الملك طلال البلاد للاستشفاء ، وتحول العرش إلى الملك الحسين بن طلال تحت مجلس وصاية إلى أن يتم السن القانونية في 2 مايو 1953 ، وتولى بعده الملك عبد الله الثاني بن الحسين في 1999.

العراق

  • مقدمة .
  • العراق والحرب العالمية الأولى .
  • ثورة العراق 1920 م .
  • معاهدة سنة 1922م .
  • الوضع في العراق قبيل الحرب العالمية الثانية .
  • العراق والحرب العالمية الثانية من 1939 إلى 1945م .
  • سقوط الملكية وقيام الجمهورية من 1958 إلى 1966م .

         
تمهيد :

         كان العراق محط أنظار الدول الأوربية منذ مطلع العصور الحديثة ، ولكن هذا التطلع بدأ يتخذ مظهراً آخر منذ أن أزداد التوسع الألماني في أملاك الدولة العثمانية ، منذ 1890م ، حيث بدأت حركة الاندفاع نحو الشرق تظهر في أفق السياسة الألمانية بوضوح تام . وبخاصة أنه أسست في هذا العام ” عصبة عموم الألمان ” ، تلك العصبة التي عرفت بنزعتها التوسعية العارمة ولذا فأن بريطانيا بدأت تتخوف من هذه السياسة الألمانية التوسعية ، فوقفت في وجه هذا التوسع ، حتى تظل تحتفظ برجحان كفتها فيما وراء البحار ، وكان ذلك بداية التنافس بين الكتلتين . 

وكان من نتائج الموقف البريطاني المتشدد في وجه النفوذ الألماني ، أن فشل الالمان في إقامة نفوذ لهم في المنطقة ، وبلغ التنافس البريطاني – الألماني في العراق أشده في الفترة من 1903-1914م ، حيث وقفت بريطانيا في وجه المشروعات الألمانية ، في داخل أملاك الدولة العثمانية ، وبخاصة مشروع سكة حديد برلين – بغداد – البصرة وقد نجحت بريطانيا في مسعاها هذا .

غير أن الاضطرابات التي كانت تواجهها الدولة العثمانية بسبب الصراع الدائر بين المحافظين وتيار التجديد ومن بعد ذلك تيار التغريب، حال دون إكمال مشاريع الإصلاح في العراق. كما أستقل العديد من الولاة المماليك المعينين من قبل السلطان العثماني بمناطق من العراق في فترات مختلفة، وأستمر الحال على نفس المنوال حتى سقط العراق بأيدي الاحتلال البريطاني سنة 1918.
العراق والحرب العالمية الأولى

ظلت جهود بريطانيا مستمرة من أجل إبعاد النفوذ الألماني عن العراق ، وتغلب نفوذها ، حتى نشبت الحرب العالمية الأولى في 28 يوليه 1914م ، فوجدت بريطانيا فيها ضالتها ، فقد أعلنت بريطانيا الحرب على الدولة العثمانية في 5نوفمبر 1914م ، بعد أن أعلنت الدولة العثمانية انضمامها إلى جانب ألمانيا في 29أكتوبر 1914م .

 وسعت بريطانيا فوراً إلى اتخاذ الخطوات الفعلية في السيطرة على العراق ، فسارعت إلى احتلال الفاو في 6 نوفمبر 1914 م ، كما احتلت البصرة عند اندلاع الحرب العالمية الأولى في نوفمبر سنة 1914، ومدينة العمارة في يونيو1915، ومدينة الناصرية في يوليو1915، وهُزم الجيش البريطاني بالقرب من بغداد سنة 1916.

عاود البريطانيون الهجوم على بغداد في أوائل سنة 1917 ودخلوها في 11 مارس 1917، وسقطت الموصل بالشمال العراقي بأيدي الإنجليز في نوفمبر1918 وأعلنت سلخ العراق عن أملاك الدولة العثمانية ، وإخضاعه للاحتلال البريطاني ، وكانت اتفاقية سايكس –بيكو قد أعطت الجزء الشمالي من العراق للنفوذ الفرنسي ، وأدخل تعديل على هذا التقسيم على أساس أن تنفرد فرنسا بسوريا ولبنان ، وتنفرد بريطانيا بالعراق ، وفى مؤتمر سان ريمو تقرر وضع العراق تحت الوصاية البريطانية ، فأثار ذلك المشاعر الوطنية لدى أبناء العراق الذين أعلنوا ثورتهم العارمة ضد الاحتلال فى نفس العام 1920م ، والتي عرفت بثورة 1920م .

ثورة العراق 1920 م :

ما كادت الحرب العالمية الأولى تنتهى 1918م ، حتى بدأت نفوس أبناء العراق تتأجج بالثورة نتيجة للتناقضات التي أوجدها الاستعمار البريطاني بين المواطنين من ناحية وإتباع الجنود البريطانيين أساليب طعنت كرامة المواطن العراقي من ناحية أخرى ، مما أثار الروح الوطنية وجعلها تسعى للتخلص من الاحتلال الغاشم ، فقامت الجمعيات الوطنية التي شاركت فيها جميع فئات الشعب العراقي ، من شيوخ العشائر ورجال الدين ، والفلاحون وغيرهم .

في يوليو1920 اندلعت ثورة العشرين في العراق على الوجود البريطاني مما دفع بريطانيا إلى تشكيل حكومة ملكية مؤقتة تحت إدارة مجلس من الوزراء العراقيين ويشرف عليه الحاكم الأعلى البريطاني. وفي عام 1921 انتخب فيصل الأول الهاشمي في استفتاء عام ملكاً على العراق.

معاهدة سنة 1922م

بعد مفاوضات معقدة بين الوفد المفاوض العراقي والوفد المفاوض البريطاني وقعت معاهدة التحالف العراقية البريطانية في 10 أكتوبر 1922م .

و حين نشرها في لندن في نفس اليوم وزير المستعمرات البريطاني المستر تشرشل قام بشرح مفصل للصعوبات التي صاحبت التوصل إلى هذه المعاهدة التي استبدلت بصك الانتداب ، وقد نصت مواد من المعاهدة على عقد اتفاقيات عسكرية ومالية وقضائية ، واتفاقية لضبط وتنظيم استخدام الموظفين البريطانيين في العراق إلا أن المعارضة الشعبية لبنود هذه المعاهدة أجبرت الحكومتين العراقية والبريطانية على عقد بروتوكول خفض مدة المعاهدة من عشرين سنة إلى أربع سنوات والاتفاق على الشروع بعقد الاتفاقية العسكرية بين البلدين.

الاتفاقية العسكرية

          استناداً إلى معاهدة 1922 تقدم المندوب السامي البريطاني في سنة 1924م بمسودة مشروع الاتفاقية العسكرية بين العراق وبريطانيا وتضمنت(11) مادة واستمرت المفاوضات بشأنها إلى جانب المفاوضات بشان الاتفاقيات القضائية والمالية والموظفين البريطانيين حيث تم التوقيع على جمع تلك الاتفاقيات و اتسمت بسيطرة وإشراف بريطانيين على الشؤون المالية والعسكرية والقضائية العراقية لأربع سنوات المقبلة وقد وقع الاتفاقيات رئيس الوزراء (العميد) جعفر العسكري ووزير الدفاع وكيل القائد العام العقيد نوري السعيد في حين وقعها عن الجانب البريطاني المندوب السامي البريطاني و الكولونيل (كرتل جوبس) المستشار في وزارة الدفاع .

تعديل الاتفاقيات

           وبعد أن دخلت المعاهدة والاتفاقيات الملحقة بها حيز التنفيذ في 1924م شرع العراق بطرح المشاكل الناجمة عن تطبيق وتنفيذ المعاهدة والاتفاقيات الملحقة بها على الجانب البريطاني بكل تفصيل وصراحة وجرت عدة لقاءات وتبادل عدد من الرسائل بين الحكومتين العراقية والبريطانية عبرت جميعها عن رغبة العراق بشان تعديل تلك الاتفاقيات وقاد هذا التوجه رئيس الوزراء العراقي آن ذاك السيد (عبد المحسن السعدون) الذي اضطر إلى تقديم استقالته إلى الملك فيصل في 9/1/1926م من اجل الضغط باتجاه تعديل اتفاقيات معاهدة 1922م .

وقد توصل الساسة العراقيون إلى رأي مفاده أنه لا يمكن أن تتأسس الحكومة العراقية وتنهض على أسس متينة ما لم تأخذ بعين الاعتبار نمو جيشها الوطني وتقويته، …) لذلك قرر مجلس الوزراء العراقي في 1926 النظر في تعديل الاتفاقيتين العسكرية والمالية وكلف وزير المالية ياسين الهاشمي ووزير الدفاع نوري السعيد بالشروع في مفاوضات تعديل الاتفاقيتين المذكورتين.

اتفاقية عام 1927

         بدأ الجانبان العراقي والبريطاني مفاوضات تعديل معاهدة 1922م في (بغداد ) 1927ثم انتقلت المفاوضات إلى (لندن) لتفتتح بشكل رسمي في بإشراف (الملك فيصل) وإدارة جعفر العسكري وبعد مفاوضات عسيرة مع البريطانيين تولدت قناعة لدى جعفر العسكري بان البريطانيين ليسوا جادين في تنمية وتطوير الجيش العراقي وان مشروع المعاهدة الجديدة هو دون المعاهدة السابقة ، ولإظهار عدم رضاه عن سير المفاوضات غادر لندن عن طريق البحر إلى مصر لإعطاء (الملك فيصل) قدراً من القدرة على الضغط والتحرك لحسم الموضوع.

لذلك أدت المشاورات التي أجراها الملك فيصل مع (تشرشل) وآخرين دوراً في تسهيل الوصول إلى اتفاق على مسودة المعاهدة الجديدة التي وقعها (جعفر العسكري) اثر عودته إلى( لندن) بطلب من الملك فيصل والتي قبلها مجلس الوزراء العراقي على اعتبار أنها تحتوي على اعتراف الحكومة البريطانية الصريح باستقلال العراق وبسيادته وبخلوها من القيود الكثيرة والعراقيل الموجودة في الاتفاقيتين السابقتين (العسكرية والمالية) وباحتوائها على تعهد صريح بمعاهدة الحكومة البريطانية لدخول العراق في عصبة الأمم سنة 1932 .

استمرت الجهود العراقية في السعي من أجل تحقيق الوعد بترشيحه لعضوية عصبة الأمم ، ولذا فإن السير كلبرت كليتون المندوب السامي في العراق ، طلب من حكومته ، أن تقرر نهائياً ترشيح العراق إلى عصبة الأمم 1932م ،

 

  فجاءت موافقة حكومته على اقتراحه هذا ، وتقدمت الحكومة البريطانية بطلب إلى لجنة الانتدابات لإنهاء حالة الانتداب البريطاني على العراق ، فوافقت لجنة الانتداب على هذا الطلب ، وتقرر قبول العراق رسمياً عضواً في عصبة الأمم في أكتوبر 1932م، وقامت وزارة الخارجية البريطانية ، بإرسال كتاب رسمي إلى وزارة الخارجية العراقية ، بأنها ستوفد من قبلها سفيراً لتمثيلها في العراق ، وتحويل دار الاعتماد البريطانية إلى بغداد إلى سفارة ، وهكذا تحقق للعراق استقلاله ، ليبدأ فترة جديدة من تاريخه في ظل النظام الملكي ، والمعاهدة العراقية- البريطانية .

الوضع فى العراق قبيل الحرب العالمية الثانية :

بعد توقيع المعاهدة ، بدأ العراق يمر بمرحلة جديدة من تاريخه وكانت أول مشكلة تواجه العراق ، بعد توقيع المعاهدة مشكلة الأشوريين في الموصل ، وثورتهم ضد الحكومة الوطنية ، ولكن بكر صدقي الذى كلف بالقضاء على الثورة ، نجح في مهمته وتمكن من اخماد هذه الثورة .

وفى 8 سبتمبر  توفي الملك فيصل سنة 1933 وخلفه ابنه الملك غازي الذي ألغى الأحزاب وحكم البلاد بقوة السلاح، وفي عهده ثارت القبائل الكردية مما عزز من مكانة الجيش. واستمر الملك غازي في الحكم حتى توفي في حادث سيارة سنة 1939.

العراق والحرب العالمية الثانية من 1939 إلى 1945م

تولى ابن الملك غازي، فيصل الثاني البالغ من العمر ثلاث سنوات الحكم تحت الوصاية، وكان نوري السعيد هو الذي يدير الدولة بمباركة من الحكومة البريطانية، وفي نفس السنة أعلن العراق مقاطعته لألمانيا.

 وفي 2 مايو 1941 قامت ثورة ضد الوجود البريطاني بقيادة رشيد عالي الكيلاني وحلفائه قادة الجيش العراقي العقداء الأربعة بقياده صلاح الدين الصباغ وتم تشكيل حكومة جديدة بعد هروب نوري السعيد خارج العراق، ولم تستطع الثورة الاستمرار في المقاومة فاستسلمت بعد شهر من الحرب، وتم التوقيع على هدنة مكنت بريطانيا من استعادة السيطرة على العراق وتمكنت

من اعدام الضباط الثائرين واعتبر اعدامهم الشرارة التي اطلقت تنظيم الضباط الاحرار الذي قاد الثورة في 1958، وتم تشكيل حكومة موالية لبريطانيا برئاسة جميل المدفعي الذي استقال وخلفه نوري السعيد، وفي يناير1943 أعلن العراق الحرب على دول المحور.

الثورات الداخلية فى العراق من 1945 إلى 1958م :

قادت القبائل الكردية ثورة في ما بين سنتي  1945و1946 قيل إنها تلقت دعمها من روسيا، وأرسلت بريطانيا قوات إلى العراق لضمان أمن البترول، وبعد انتهاء ثورة الأكراد سنة 1947 بدأ نوري السعيد التفاوض مع ملك الأردن لإنشاء اتحاد بين العراق والأردن، وتم في السنة نفسها التوقيع على معاهدة إخاء بين البلدين، ونصت المعاهدة على التعاون العسكري مما قاد سنة 1948

إلى اشتراك الجيش العراقي في الحرب مع الجيش الأردني ضد إسرائيل (بعد إعلان قيام إسرائيل). رفض العراق الهدنة التي وقعها العرب مع إسرائيل في 11 مايو 1949 وشهد العراق في الفترة ما بين 49 و1958 الكثير من الأحداث الداخلية والخارجية المهمة مثل انتفاضة عمال شركة نفط العراق سنة 1948، وانتفاضة يناير التي قضت على معاهدة بورتسوث البريطانية العراقية، وانتفاضة أكتوبر1952 التي طالب فيها المنتفضون بإجراء انتخابات مباشرة والحد من صلاحيات الملك، وفي سنة 1955 وقع العراق مع تركيا على اتفاقية بغداد الأمنية والتي انضمت إليها بريطانيا وباكستان وإيران، كما وقع العراق والأردن على اتحاد فدرالي في 12 فبراير/ 1958.

سقوط الملكية وقيام الجمهورية من 1958 إلى 1966م :

قاد الجيش العراقي بقيادة عبد الكريم قاسم انقلابا ضد الملك في 14 يوليو 1958، وقتل الملك فيصل الثاني وخاله عبد الأله ورئيس الوزراء نوري السعيد، وأعلنت الجمهورية برئاسة محمد نجيب الربيعي، واحتفظ عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء بصلاحيات واسعة في إدارة البلاد. كما أنسحب العراق من حلف بغداد والاتحاد مع الأردن سنة 1959، وقاد حزب البعث انقلابا على عبد الكريم قاسم في 8 فبراير1963، وأصبح عبد السلام عارف الذي لم يكن بعثياً رئيساً للعراق، وتولى عبد الرحمن عارف -أخو الرئيس السابق- الرئاسة بعد موت عبد السلام عارف سنة 1966.

انقلاب حزب البعث من 1968 إلى 1979م :

قاد حزب البعث بالتنسيق مع بعض العناصر غير البعثية انقلابا ناجحا في 17 يوليو 1968، وتولى الرئاسة أحمد حسن البكر، واتجه العراق نحو روسيا. وأستطاع البكر أن يوقع اتفاقية الحكم الذاتي للأكراد فأصبح للأكراد ممثلون في البرلمان ومجموعة من الوزراء. وأغلقت الحدود مع الأردن سنة 1971، وأمم العراق شركات النفط سنة 1972.

 

وفي مارس1974 عادت الاضطرابات مع الأكراد في الشمال حيث قيل إنهم كانوا يتلقون دعما عسكريا من إيران. وإثر تقديم العراق بعض التنازلات المتعلقة بالخلاف الحدودي مع إيران والتوقيع على اتفاقية الجزائر سنة 1975، توقفت إيران عن دعم ثورة الأكراد، وتمكن العراق من إخماد الثورة. كما حاول الرئيس أحمد حسن البكر إنشاء وحدة مع سوريا. وفي سنة 1979 تولى صدام حسين رئاسة العراق بعد تنازل أحمد حسن البكر عن السلطة. وبعد قيام الثورة الإيرانية سنة 1979 أعلن العراق الاعتراف بها.

المملكة العربية السعودية

  • تمهيد .
  • قيام الدولة السعودية الثالثة ( 5 شوال 1319هـ -15 يناير 1902م).
  • توطين البدو:
  • السلطان عبدالعزيز بن سعود والحرب العالمية الاولى .
  • معاهدة دارين أو القطيف .
  • مشكلة الحدود وفتح الحجاز.

تمهيد:

استطاع آل سعود استرداد نفوذهم فى نجد ، عقب سقوط الدرعية بفترة قصيرة على يد تركى بن عبدالله ، الذى استخلص الرياض ، من يد قوات محمد على واتخذها قاعدة لحكمه منذ اغسطس 1824 م ، وبذلك بدأ عهد الدولة السعودية الثانية ، واستمر تركى يحكم حتى مقتله على يد احد افراد اسرته ، وهو مشارى بن عبدالرحمن بن سعود فى 9 مايو 1834م ، حيث خلفه ابنه فيصل الذى امتدت فترة حكمه الاولى حتى 19 ديسمبر 1838م ، حين هُزم امام قوات محمد على ، واستسلم قبل سفره الى القاهرة ، حيث ولى حكم نجد احد افراد الاسرة السعودية ، باسم محمد على، وهو خالد بن سعود ، وعقب انسحاب قوات محمد على، من شبه الجزيرة العربية 1840م ، شبت نار الفتن

 

بين خالد بن سعود وعبدالله بن ثنيان من افراد البيت السعودي ، ولكن وصول فيصل بن تركى الى نجد عام 1843م ، حسم امر هذه الفتن حيث استطاع بعد جهود التغلب عليها، وبدأت فترة حكمه الثانية التى امتدت حتى وفاته 1865م.

وقد استطاع خلال فترة حكمه استرجاع نفوذ أسرته على كل المناطق التى كانت تابعة لأسلافه عَدَا الحجاز،وسار بدولته خطوات بعيدة فى تنظيم امورها ، وادارتها ادارة حسنة ، واعاد للدولة حيوتها ومكانتها وحاول ان يقيم مع بريطانيا – صاحبة النفوذ في منطقة الخليج – علاقات ودية.

ولكن الدولة السعودية الثانية شهدت بعد عهد فيصل نوعا من الحروب الاهلية بين ولديه عبدالله وسعود ، ثم كانت نهاية عهد الدولة السعودية الثانية 1308 هـ- 1891م ، حينما رحل عبدالرحمن بن فيصل ومعه ابناؤه الى قطر ثم الى

 

    الكويت، حيث اقام فى ضيافة الحكومة العثمانية بضع  سنوات ، بقرب مبارك آل صباح ، وكان رحيل الامام عبدالرحمن بن فيصل بداية انهيار نفوذ ال سعود ، حيث ولى محمد ابن عبدالله بن رشيد مكانه اخيه محمد بن فيصل ، الذى لم يكن يملك سلطة فعلية ، وانما كان له مظهر الامارة والحكم بالاسم فقط ، فقد كانت السلطة الفعلية فى يد قوة محمد بن عبدالله بن رشيد ، وحين توفى محمد بن فيصل ، بعد بضع سنين ( 1311هـ- 1893م ) فى الرياض ، لم يشأ ابن رشيد ان يعين اميراً من آل سعود ، بل ارسل احد اتباعه اميرا على العارض وقضى على حكم آل سعود ، ولكن لفترة قصيرة من الدهر.

قيام الدولة السعودية الثالثة ( 5 شوال 1319هـ -15 يناير 1902م):

استطاع الامير عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل (ليلة عيد الاضحى 1297 هـ – 2 ربيع الاول 1373هـ / 21 اكتوبر 1880 – 9 نوفمبر 1953 م ) ، ان يسترد ملك آبائه ، وكان عبدالعزيز قد أقام مع والده ، في الكويت مدة تقرب من عشر سنوات رأى فيها التيارات السياسية المختلفة  التي كانت تمر بها المنطقة ، وتفتحت عيناه على أحداث هذه التيارات المتنافسة والطامعة في المنطقة فاستفاد منها  وبدأ يخطط لاسترجاع ملك اسرته ، وفى 1318هـ / 1900م ، خرج في صحبة والده وامير الكويت في حملة كبيرة لحرب عبدالعزيز بن متعب بن الرشيد ، أمير الجبل الذى تَََعدا على ملك آل سعود ، وقد تمكن عبدالعزبز بن عبدالرحمن آل سعود ، ان يدخل الرياض  ويستردها .

 

ولكن هزيمة والده وامير الكويت في ” معركة الصريف ” ، جعلته يخلى المدينة ، ويعود الى الكويت .

ولكن مدة الشهور الاربعة ، التي مكثها فى الرياض جعلته يتفهم مواضع الضعف والقوة فيها مما ساعده في الاستيلاء عليها بسهولة عند عودته اليها مرة ثانية  والاستيلاء على حصنها في 5 شوال 1319هـ / 15 يناير 1902 م ، واطاح بحكم آل الرشيد من على ملك آبائه الذى قدر له ان يسترده ، وهو شاب يافع . وكان استيلاء الامير عبدالعزيز على الرياض حتى عمل على توطيد نفوذه على المناطق النجدية الاخرى ، فاتجه صوب الجنوب ، حيث تمكن من فرض سلطانه على : الخرج ، والافلاج ، والحوطة ، والحرث ، ووادي الدواسر ، وأزال سيطرة آل الرشيد من على هذه المناطق عام 1320هـ / 1902 م  . 

 

ثم تمكن خلال عام 1321هـ /1903م ، من تقديم العون الى امير الكويت فى صراعه ضد عبدالعزيز بن الرشيد الذى كان آنذاك يعمل على غزو الكويت ، ثم نجح فى ضم سدير، والوشم ، والمحمل  الى حوزة املاكه .

ثم تم له فتح ” عنيزة ” فى 5 محرم 1322 هـ / 22 مارس 1904 م و“ بريدة“ عاصمة القصيم فى 15 ربيع الاول 1322 هـ / 30 مايو 1904م ، وبذلك صارت منطقة القصيم كلها ضمن املاك آل سعود . وهنا شب الصراع بينه وبين الدولة العثمانية وأبن الرشيد حول القصيم ، فقد أثار استيلاء عبدالعزيز آل سعود على القصيم غضب الدولة العثمانية التي بدأ ازدياد نفوذ عبدالعزيز آل سعود يقلقها .

 

          فأخذت الدولة العثمانية تقدم العون المالي والحربى لابن الرشيد، فى صراعه ضد عبدالعزيز آل سعود ، ولكن ابن سعود ، كما  اصبح يعرف بهذا اللقب تمكن من هزيمة قوات الدولة العثمانية وابن الرشيد فى ” معركة البكيرية” فى ربيع الثانى 1322 هـ / مايو 1904م وطارد هذه القوات بعد أن كبدها كثيرا من الخسائر .

 ثم كانت معركة الشنانة فى18رجب 1322 هـ / 28 سبتمبر 1904 م ، التي احرز فيها عبدالعزيز ال سعود النصر للمرة الثانية ، ولذا فإن الدولة العثمانية عملت من جانبها على اتباع اسلوب المفاوضة مع ابن الرشيد ، حول القصيم ، فأرادت ان تجعل من القصيم منطقة محايدة ، على ان تتواجد فيها حامية عثمانية ، وان يكون ابن سعود قائمقام عليها من قبل الدولة العثمانية .

 

رفض ابن سعود هذا الحل ، فبدأت المعارك مرة ثانية حول القصيم ، وارسلت الدولة العثمانية حملتين الى المنطقة :-

 الأولي: اتت عن طريق العراق تحت قيادة المشير احمد فيضى باشا .

الثانية: عن طريق المدينة المنورة تحت قيادة صدقى باشا ، ولكن ابن سعود استطاع محاصرة الامير عبدالعزيز بن رشيد فى “روضة مهنا ” وقتل ابن رشيد فى 18 صفر 1324هـ / 14 ابريل 1906 م ، فتولى إمارة حائل من بعده ابنه ” متعب بن عبدالعزيز بن رشيد ” الذى فضل الصلح مع ابن سعود ، ودخل معه فى مفاوضات انتهت بعقد اتفاق تنازل ابن رشيد بمقتضاه عن جميع حقوقه فى القصيم ، والمناطق النجدية الاخرى ، على ان يعترف ابن سعود له بالإمارة على حائل وأطرافها وكافة منطقة شمر .

 

هكذا فشلت المحاولات التي بذلتها الدولة العثمانية ، فى جعل القصيم منطقة تابعة لها ، ولم يجد القادة الذين ارسلتهم الى المنطقة الى تحقيق هدفها سبيلا فقرروا الرحيل عن المنطقة بمساعدة ابن سعود الذى خلصت له السيادة على القصيم دون الدولة العثمانية ودون آل الرشيد .

ولكن الجو لم يصفو كلية لابن سعود ، حيث تكون حلف ضده ، من سلطان آل الرشيد الذى خلف متعباً بعد مقتله ، ومن فيصل الدويش كبير مطير ، ونايف الهذال كبير العمارات ، ومحمد أبا الخيل امير ” بريدة” ، وانضم اليهم فيما بعد مبارك آل الصباح ، ولكن عبدالعزيز تمكن من الانتصار عليهم جميعاً ، وما كاد ينتهى عام 1326 هـ / 1908م ، حتى كان قد خلص من هذه الجبهة المضادة.

 

فتنة اخرى واجهت عبدالعزيز بن سعود ، جاءته من قبل اقارب له وهى فتنة الهزازنة فى الحريق فى عام 1327هـ / 1909م،ثم فتنة العرائف وهم من آل سعود فهم ابناء سعود بن فيصل ولكن أبن سعود استطاع بحنكته التغلب عليها.

اما عن اتجاه ابن سعود صوب الاحساء ، فكان اتجاها منطقيا ، لاسترجاع هذا الجزء من املاك أسلافه ، وقد هيأت له سياسة الدولة العثمانية الفرصة المناسبة ، والاساليب التي حركته الى الاتجاه صوب الأحساء حيث تمت له السيطرة على الحصن الرئيسي فى 5 جمادى الاولى 1231 هـ / 13 ابريل 1913 م ، واستسلمت الحامية العثمانية له ، فأمر بأن تسير الى العقير ، ومنها الى البحرين ، ثم تمكن من الاستيلاء على القطيف ، وفر افراد الحامية العثمانية الى البحرين ، بذلك دانت المنطقة الممتدة من الكويت شمالا الى قطر جنوبا الى نفوذ ابن سعود .

 

ولم تجد الدولة العثمانية امامها من سبيل لتسوية الامور مع ابن سعود ، سوى التفاوض معه عن طريق الوالي العثماني فى البصرة ، بواسطة السيد طالب النقيب الذى رأس وفدا لهذا الغرض الى الكويت التي مكان التفاوض ، وتم الاتفاق بين الطرفين على الاسس التالية :

اولا : اعتراف الدولة العثمانية بأن يكون عبدالعزيز آل سعود واليا على نجد ومتصرفا على الاحساء.

ثانيا : تكون علاقته بالدولة العثمانية علاقة ولاء .

ثالثا : تمده الدولة العثمانية فى مقابل ذلك بالأسلحة والذخيرة والأموال.

 

ووافقت الدولة العثمانية على هذه الشروط ، واهدت لعبدالعزيز ال سعود ، وساما رفيعا مع رتبة الوزارة ، وبذلك اعترفت الدولة بسيادته على المناطق التى نجح فى ضمها الى حوزة دولته.

توطين البدو:

ادرك عبدالعزيز آل سعود ، الوضع الذى كان عليه البدو  وعدم استقرارهم ، وكونهم عنصر قلق له ، فعمل على اخراجهم من حالة البداوة وحياتها القاسية الى حياة التحضر والاستقرار فكانت دعوته لإنشاء القرى ، لينتقل اليها اهل البادية ، ويمارسوا حياة الزراعة والاستقرار ويبنون الدور ، ويعمرون الديار ، وكانت اول “هجرة” انشئت في هذا المضمار ” هجرة الارطاوية” ، التى انشئت على آبار الارطاوية ، الواقعة على الطريق بين الزلفى والكويت ، وكان ذلك 1330هـ / 1912م .

 

وسكنها فى البداية : سعد بن مثيب من حرب ، ثم اعطيت لفيصل الدويش ، وجماعته من مطير وفى خلال بضع سنوات اصبحت مدينة عامرة ، وتلى ذلك حركة نشطة بين البدو فى انشاء القرى وترك حياة البداوة ، والاستقرار فى هذه القرى الجديدة ، التي كانوا يقومون بإنشائها بمساعدة بيت مال المسلمين ، فكانت تحفر بادئ ذي بدء البئر ، ثم يبنى المسجد الذى يعد بمثابة مجتمع القرية ومدرستها ، ثم تبنى البيوت بعد ذلك بسرعة وصارت القرى بمثابة مجتمعات دينية وعسكرية وعمرانية حضارية .

وقد بلغ عدد الهجر (القرى) عام 1347هـ / 1928م ، طبقا لعدد مندوبيها الذين حضروا الجمعية العمومية بالرياض فى ذلك العام (122) هجرة ( قرية) ، ووصل العدد عام 1369هـ / 1950م ، (152) ، وقد اصبحت هذه الهجر (القرى) بمثابة معسكرات فى انحاء البادية .
السلطان عبدالعزيز بن سعود والحرب العالمية الاولى :

نشبت الحرب العالمية الاولى في صيف 1914م ، فازداد الموقف حرجا بالنسبة له ، وبخاصة بشأن علاقاته مع الدولة العثمانية ، فمع انه كان راغبا فى التفاهم معها ، واستمرار هذا التفاهم الذى تم فى العام السابق لنشوب الحرب معها ، الا ان مساعدة الدولة العثمانية لخصيمه ابن الرشيد فى الشمال ، والشريف حسين فى الغرب ، ومساندتها لهما ، وامدادهما بالمال والسلاح ، جعله يدعو امراء العرب ، لاجتماع فيما بينهم ، لتوحيد كلمتهم ، ولكن دعوته هذه لم تجد آذانا صاغية ، وبدأت بلاده تعانى أزمة اقتصادية ، نتيجة لانقطاع تجارة نجد ، مع الاقطار التي كانت تابعة للدولة العثمانية ، فاتجه نحو الخليج حيث الوجود البريطاني المرابط هناك ، وكانت الحكومة البريطانية قد ارسلت الى السلطان عبدالعزيز في بداية الحرب ، تحرضه على الدولة العثمانية

 

وترغبه في وضع خطة للتعاون معها ، حتى لا يتسرب الخطر الألماني من العراق الى الخليج، ولكن السلطان عبدالعزيز فضل موقف الحياد حتى تتكشف له الامور ، ولكن اتفق هدفه مع هدف بريطانيا فى حرب ابن الرشيد عميل الدولة العثمانية ، واعد عدته لهذه الحرب وصاحب قواته الكابتن شكسبير والتقت قواته مع قوات ابن الرشيد في ” معركة جراب” في 7 ربيع الاول 1333هـ / 14 يناير 1915 م ، ورغم شدة المعركة فأنها لم تكن حاسمة ولكن مما يذكر ان شكسبير قتل فى هذه المعركة.              

 ثم كانت وقفته بعد ذلك مع العجمان ، فقد حدث ان شن هؤلاء حربا على مبارك آل صباح ، فاستنجد مبارك بالسلطان عبدالعزيز ، فذهب تحت الحاح مبارك الى الاحساء معتمدا على قوة الحضر فيها ، وعلى الإمدادات التى تعهد مبارك بإرسالها .

 

وهاجم عبدالعزيز العجمان فى موضع قريب من الاحساء يدعى ” كنزان ” الذى سميت الواقعة باسمه ، ولكن الهزيمة حلت به ، وقتل اخوه ” سعد بن عبدالرحمن ” فعاد بمن بقى معه الى الهفوف ، فحاصره العجمان ، فصبر الى نهاية الصيف ، حيث جاءه المدد من الرياض ، ومن الكويت ، فهجم على العجمان فشتتهم وارسل في اعقابهم من يلاحقهم ، فلجأ بعضهم الى ” سالم الصباح” وهو فى حملة عبدالعزيز ، فحماهم من عبدالعزيز ، والجأهم ، وسمح لهم بدخول الكويت ، واخذوا يبيعون فى سوقها ، ما نهبوه من اهل الاحساء . فعمل عبدالعزيز على مقاتلة الفريقين ، العجمان ، وآل صباح ، ولكن وفاة مبارك آل صباح فى 20 محرم 1334هـ / 28 نوفمبر 1915م ، وضع حدا لهذه الحرب قبل ان تبدأ.
معاهدة دارين أو القطيف :

قبل أن يتم للسلطان عبدالعزيز القضاء النهائي على العجمان ، أجتمع مع المندوب البريطاني في جزيرة دارين وعقدت معاهدة تضمنت تعهدات نذكر منها :-

1-         الاعتراف باستقلال ابن سعود ،وسيطرته على نجد، الاحساء، القطيف، جبيل وملحقاتها والموانئ التابعة لها على ساحل الخليج ، والاعتراف بخليفته بنفس الحقوق .

2-         أن تقدم بريطانيا العون له.

مشكلة الحدود وفتح الحجاز.

ثم أستطاع السلطان عبدالعزيز بن سعود أن يحل المشاكل الحدودية بالحرب تارة بالمعاهدات تارة أخرى ، حتى أستطاع فتح الحجاز وعقد الصلح بينه وبين الشريف علي ملك الحجاز ، تنازل الشريف علي عن ملكه للسلطان عبدالعزيز بن سعود، وطبقاً لهذا الاتفاق نودي للسلطان عبدالعزيز بن سعود في مكة المكرمة في 25 جمادى الآخر 1344هـ ملكاً على البلاد الحجازية.              

وتمت له مراسيم البيعة وأصبح ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها، واعترفت له الدول الأجنبية بهذا اللقب، وفى 21 جمادى الأولى 1351هـ / 22 سبتمبر 1932م، صدر المرسوم الملكي بتوحيد أجزاء المملكة جميعها تحت اسم المملكة العربية السعودية.

1- اليمن

2- دول الخليج العربية

  • أولاً: اليمن .
  • العثمانيون و اليمن .
  • اليمن والإمام يحي حميد الدين .
  • تجدد المفاوضات .
  • صلاح دعان 1911م.
  • ثانياً : دول الخليج العربية .
  • البحــرين .
  • قطر .
  • دولة الإمارات العربية المتحدة .
  • سلطنة عُمان .

اليمن

تمهيد

     ظل اليمن منذ جلاء العثمانيين عنه 1635 م , وحتي 1849 م ، مستقلا ثم نشب الخلاف – أيام السلطان عبدالمجيد بين سلاطين تهامة ، فكتب أحدهم للسلطان عبدالمجيد يستنجده ، فوجد السلطان عبدالمجيد في هذا الاستنجاد فرصة للتدخل في شئون اليمن فأصدر الأوامر إلي نائبة في جدة ، بالتوجه في صحبة الشريف محمد بن عون علي راس قوة بحرية كبيرة إلي ميناء ” الحديدة ” في اليمن .

      تمكنت هذه القوة العثمانية من دخول ميناء ” الحديدة ” دون مقاومة تذكر واستطاعت القوة أن تستولي علي ” أبي عريش “

 

وهناك من يري أن الإمام محمد بن يحي اتفق في تلك الفترة مع توفيق باشا ، دون راي أعيان البلاد ، بأن يأتي إلي ” صنعاء ” لمحاربة بعض القبائل ، التي كانت قد أعلنت تمردها ضد الإمام ، وعند وصول هذه القوات العثمانية إلي صنعاء أنزلها الإمام محمد بن يحي بقصر “غمدان ” فأثارت هذه السياسة أهل صنعاء فأعلنوا ثورتهم ضدها ” واستعانوا بالقبائل المتجاورة ، واستطاع هؤلاء الثائرون طرد القوات العثمانية من صنعاء ، وإرغامها علي العودة وبقي النفوذ العثماني قاصرا علي المناطق الساحلية .

العثمانيون و اليمن :

ظل العثمانيون في مواقعهم في عسير يرقبون أحوال اليمن ، ويتحينون الفرصة المناسبة للإنقاض علي الاراضي اليمنية والاستيلاء عليها وإخضاعها لسيادتهم وقد تمكن أحمد مختار باشا قائد القوات العثمانية بعسير في 1289هـ/ 1872 م من التقدم بقوة كبيرة إلي “صنعاء” للقضاء علي الخلافات والصراعات التي كانت دائرة هناك ولكنه أخفق في فرض نفوذه علي المناطق الشمالية، ثم تواصلت الحروب بعد ذلك بين اليمنيين والعثمانيين لمدة نصف قرن من الزمان .

كانت أخر معارك هذه الحروب ” معركة شهارة ” التي دارت بين الشعب اليمني بقيادة الأمام يحي حميد الدين وبين العثمانيين  وحلت الهزيمة فيها بالعثمانيين ، وتعتبر هذه المعركة نقطة تحول في مجري التاريخ اليمني حيث شعر العثمانيون علي أثرها بضعفهم إزاء القوة اليمنية واضطروا إلي عقد ” صلح دعان ”  . 

 اليمن والإمام يحي حميد الدين :

صاحبت نشأة الإمام يحي حميدالدين ، ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية قاسية ، فقد تفتحت عيناه علي الإحداث السياسية التي شهدها عهد والده ، والصراع من أجل التخلص من التسلط العثماني ، وشارك والده مشاركة فعلية في أحداث الفترة ، وهاجر معه في 1308هـ/ 1890م إلي جيل الأهنوم ، وعمل علي إثارة القبائل ضد الحكم العثماني  والدفاع عن مراكز الزيدية ، وفي عام 1322 هـ / 1904 م ، توفي والدة الإمام المنصور في ” قفلة عذر ” من بلاد حاشد ، فاجتمع علماء الزيدية وأهل الحل والعقد ، وبايعوا أبنه سيف الإسلام يحي بالإمامة ، وتلقب بالمتوكل.

 

      وقد واجه الإمام في عهده الأول كثيرا من الصعاب الداخلية والمعارضة القبلية ، ومع ذلك فإننا نجده يبدأ عهدة بإعلان الجهاد ضد العثمانيين ، والدعوة إلي مواصلة الحرب ضدهم والتنكيل بهم ، وبدأ يسترد المدن اليمنية واحدة تلو الأخرى وحاصر صنعاء ستة أشهر ، وأشتد الحصار حولها ، مما أضطر القيادة اليمنية أن تخرج إليه بعض كبار العثمانيين وكبار الأهالي ، لمقابلته في ” كوكبان ” للتفاوض معه حول شروط تسليم المدينة له وقد أشترط الإمام يحي لإتمام الصلح ما يلي :-

أولا : خروج العثمانيين من صنعاء إلي” حراز” .

ثانيا : أن يترك العثمانيون له ، ما للحكومة من مال وسلاح .

ثالثا : يتعهد الإمام أن يقوم بنقل أمتعتهم وتأمين طريقهم .

 

 ودخل الأمام يحي المدينة رسميا في 21 ابريل 1905 وأعلنت أكثر البلاد اليمنية الطاعة للإمام . 

       وقد تقلص نفوذ العثمانيين في حدود ضيقة لهذا الاتفاق حيث لم يبق سوي مدينتي ( تعز ) و(آ ب ) ،و( بلاد حراز) و( قفلة شمر ) ولكن الدولة العثمانية عملت جادة علي استرجاع نفوذها علي اليمن ، فأمرت أحمد فيضئ باشا الذي كان يؤمئذ في البصرة  بعد أن صدر فرمان تعيينه واليا علي اليمن ، بأن يعمل علي استرجاع صنعاء  فذهب إلي اليمن على رأس قوة مكونة من خمسين ألف جندي ، وأستطاع استرداد صنعاء ودخولها في أول سبتمبر 1905 م واضطر الإمام يحي حميد الدين إلي الانسحاب إلي ” بلاد حاشد ” واستطاعت القوات التابعة له أن تستدرج قوات فيضي باشا إلى مسافات بعيدة في داخل مناطق

 

جبلية ثم عملت في القضاء عليها، ونجحت في مخططها إلى درجة كبيرة حيث أربكت هذه القوات وكبدتها كثيراً من الخسائر، وفي أثناء عودة فيضي باشا إلى صنعاء قابله الإمام يحيى بقوة أخرى وأنزل به هزيمة أخرى، مما أضعف من إمكانية مقاومة فيضي باشا.

أدركت الدولة العثمانية بعد هذه الهزائم المتلاحقة التي حلت بقواتها في اليمن، وكانت آنذاك، مشغولة بكثير من القضايا والمشاكل العديدة التي تثيرها ضدها القوميات والجنسيات المتعددة التي تضمها أملاكها، رأت أن الحل الأمثل لحل القضية اليمنية هو أسلوب التفاوض، وأرسلت لهذا الغرض وفداً إلى الإمام يحيى حميد الدين للتفاوض معه وعقد صلح دائم، فقدم الإمام يحيى شروطه التي رأى أن اتفاق الصلح يجب أن يتضمنها وهي:-

 

أولاً: تطبيق الأحكام الشرعية.

ثانياً: إعطاءه حق عزل القضاة والحكام، وحق معاقبة الخائنين والمرتشين.

ثالثاً: إحالة أمر الأوقاف إليه.

رابعاً: إعلان العفو العام في البلاد.

هذا إلى جانب الشروط التي رأى فيها ضماناً لسلامة الأفراد ورقي البلاد ولكن الدولة العثمانية من جانبها رأت فيها انتقاصاً لسيادتها فرفضت هذه الشروط، وفشلت المفاوضات وتجددت الثورة اليمنية.

تجدد المفاوضات:

تحت اشتداد وطأة الثورة اليمنية، عادت الدولة العثمانية مرة أخرى إلى أسلوب المفاوضات وبدأت الاتصال بالإمام يحيى حميد الدين الذي رد على الوفد الذي حمل إليه رأى الدولة العثمانية أنه لكي يعترف بالسيادة العثمانية، يجب أن تعترف له الدولة العثمانية بوضع خاص.

        أصيب الموقف بعد ذلك بنوع من التجمد مع وجود بعض المناوشات ولكن العثمانيين لم يستطيعوا السيطرة على الموقف كما كانوا يريدون ويرغبون، وأدركت الدولة العثمانية أن أسلوب أحمد فيضي باشا في إدارة دفة الأمور على المناطق اليمنية يلعب دوراً في تعقيد هذه الأمور، فرأت لحل هذه المشاكلة أن تعزله من ولاية اليمن وتُعين حسن تحسين باشا مكانه فاستطاع

 

أن يلعب دوراً في إصلاح الأحوال وإسكان الفتن ونجح في تأدية دوره، واعترف للإمام بوضعه الخاص داخل اليمن، ولكن هذه الحالة الهادئة لم تستمر لفترة طويلة حيث عزل حسن تحسين باشا من ولاية اليمن فأسف أهل اليمن لعزله كثيراً، وتولى أمر ولاية اليمن كامل بيك “متصرف تعز”، ولكن هذا الوالي لم يستمر في منصبه أكثر من أشهر ستة وعين لولاية اليمن في جمادي الأولى 1328هـ/ يونيو 1910م محمد علي باشا أحد رجال الاتحاديين، الذي اتبع أسلوباً عنيفاً في سياسته في اليمن، كما اتبع أساليب عسكرية عنيفة  فأثارت هذه السياسة أهلا ليمن  وتجددت الثورات والحروب فعزل محمد علي باشا من منصبه، وتولى ولاية اليمن أحمد عزت باشا الذي تمكن من وضع حد للقضية اليمنية بنجاحه في عقد “صلح دعان”، مع الإمام يحيى حميد الدين 1911م.

صلاح دعان 1911م:

عقد هذا الصلح بين الدولة العثمانية والإمام يحيى حميد الدين على الشروط التالية:

أولاً: اعتراف الإمام يحيى حميد الدين بالسيادة العثمانية.

ثانياً: تقبل الدولة ألا يكون في البلاد غير المحاكم الشرعية التي يعين الإمام قضاتها.

ثالثاً: تدفع الدولة للإمام يحيى، ولرجاله السادة، ومشايخ “حاشد”، و”بكيل” مرتبات شهرية مقدارها ألفان وخمسمائة ليرة عثمانية ذهباً.

رابعاً: يجمع العثمانيون الزكاة ويقدمونها للإمام، بعد خصم ½2 % بدل الجباية.

خامساً: مدة الصلح عشر سنوات.

 

وقد جاء هذا الصلح كنتيجة حتمية ومنطقية للصراع العثماني اليمني ومتمشياً مع الواقع العثماني واليمني في نفس الوقت، حيث اعترف لكل من الطرفين بوضعيته وحقوقه  بل إن الإمام يحيى، اكتسب نتيجة لهذا الاتفاق كثيراً من الحقوق، وإن قيدت هذه الحقوق بموافقة الحكومة العثمانية والتصديق عليها وقد أحل “صلح دعان” حالة السلم محل حالة الحرب وعمل الإمام بعد إتمامه على تثبيت نفوذه في اليمن والقضاء على المنافسين له، ومن أجل تحقيق هذا الهدف بدأ حملة سياسية واسعة متبعاً في تطبيقها كافة الأساليب التي تعينه في هذا السبيل.

ولكن الأساليب التي اتبعها الإمام يحيى حميد الدين في إدارته لليمن  أدت إلى عزلة اليمن وتأخره، فقد أدت به الظروف التي مر بها إلى الشك في كل الذين يؤمون بلاده سواءاً أكانوا من العرب أم الأجانب ، ومنع إقامة البعثات الدبلوماسية في “بلاده

 

حتى للدول التي ارتبط معها بمعاهدات تجارية وغيرها، وطبق هذا المبدأ حتى على البلاد العربية، و انضم إلى الجامعة العربية 1947م، ولكن بعد أن تأكد ألا خطر من انضمامه إليها على بلاده.

كذلك شهد عهده الخلاف بينه وبين السعودية حول الحدود منذ 1926م ، إلا أن هذا الخلاف تمت تسويته طبقاً لمعاهدة الطائف التي عقدت بين البلدين في 18 يونيو 1926م. ومع أن الإمام تمكن من إنهاء المشكلات التي بينه وبين جيرانه، إلا أن العزلة التي فرضها على اليمن ظلت قائمة، واتهم أثناء الحرب العالمية الثانية بالميل نحو المحور، مع أنه عقد معاهدة تجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية 1941م ولكنه لم يقطع علاقاته مع إيطاليا إلا في 1943م، وقد اشتركت اليمن في مشاورات الوحدة العربية التي عرفت باسم “الجامعة العربية”، ووقعت على ميثاق الجامعة

 

وأصبحت أحد الأعضاء المؤسسين، ومع ذلك فإن الإمام ظل يسير على سياسة عزلة اليمن، وظل يخشى إدخال أي تطوير على بلاده، مما أثار ضده فئة الأحرار، وأشعل نار الثورة ضده أخذه البيعة بولاية العهد لابنه أحمد، مما جعل الثورة تتفجر ضده في 17 فبراير 1948م، حين نجح الثائرون الذين كان يتزعمهم عبد الله ابن الوزير، الذي كان صهراً للإمام، في اغتيال الإمام، ومن كان معه في سيارته، عند مدخل إحدى الطرق المؤدية إلى صنعاء، وعلى الأثر بويع عبد الله بن الوزير إماماً.

 ولكن الإمام أحمد استطاع إفشال الحركة واسترداد صنعاء في 14 مارس 1948م ولكن الثورة لم تخمد.

ثم تم إلغاء نظام الإمامة وإعلان الجمهورية، وبدأت اليمن منذ ذلك الحين الانفتاح على العالم الخارجي، ومحاولة الأخذ بأساليب التكنولوجيا الحديثة لمسايرة الركب الحضاري الحديث.

دول الخليج العربية

الكويــت:

كانت بداية إنتاج النفط في الكويت 1936م وتصديره تجارياً في 1946م، في عهد الشيخ أحمد الجابر ،وبداية تطور المجتمع الكويتي في عهد الشيخ عبد الله السالم الصباح ظهر تطور الكويت في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وفي 1952م تأسس أول بنك وطني في تاريخ الكويت، وأعطيت للوطنيين الحماية الكافية والمساهمة في الشركات الوطنية، وحرم على الأجنبي مزاولة التجارة إلا عن طريق كفيل (شريك) كويتي، ومنذ 1959م أخذت الكويت تسير في طريق تحقيق استقلالها الداخلي، ففي 19 ديسمبر 1959م أصدر الشيخ عبد الله السالم الصباح مرسوماً أميرياً بتنظيم القضاء وجعله

 

شاملاً لجميع النزاعات التي تحدث داخل الكويت بعد أن كانت بعض القضايا تنظر أمام هيئات غير كويتية، ثم صدر قانون النقد الكويتي في 1960م، وعقدت الكويت اتفاقية مع حكومة الهند في مارس1961م أدت إلى استقلال الكويت بنقدها، واكتسبت الكويت شخصية إقليمية بإصدار قانون الجنسية في 1959م، وتعديلاته في 1960م، وأنشأت قنصليات لها في بعض العواصم العربية، وألغت اتفاقية 23 يناير 1899م، التي فرضت الحماية على الكويت وتم تبادل وثائق إلغاء هذه الاتفاقية مع الحكومة البريطانية في 9 يونيو 1961م، وعقدت معاهدة صداقة مع بريطانيا بنفس التاريخ ولكن هذه المعاهدة ألغيت في 13 مايو 1968م، وأصبحت الكويت دولة مستقلة منذ 19 يونيو 1961م، ومنذ الاستقلال تحولت إلى دولة برلمانية دستورية، وبدأت نهضة شاملة وصلت مداها في أيامنا هذه.

البحــرين:

كانت الحركة الوطنية في البحرين أسبق منها في دول الخليج العربي الأخرى، وفي 1938م وصلت الحركة الوطنية ذروتها وطالب الوطنيون بتأسيس مجلس تشريعي منتخب أسوة بالكويت، ولكن بريطانيا وطدت مركزها في البحرين بعد الحرب العالمية الثانية، ونقلت المقيمية البريطانية إليها 1946م ومنذ هذا التاريخ أصحبت البحرين قاعدة للاستعمال البريطاني في منطقة الخليج العربي، ولكن تلك الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، شهدت ميلاد الصحافة في البحرين مثل “مجلة صوت البحرين” التي أسسها عبد الرحمن الباكر، وصحيفة “القافلة” التي أسسها علي سيار  ثم حلت محلها صحيفة “الوطن”، ولعبت هذه الصحف دوراً فعالاً في الحركة الوطنية  ثم عطلت هذه الصحيفة و”الوطن” في أواخر 1956م “على أثر قمع الحركة الوطنية في البحرين” .

ثم حصلت البحرين على استقلالها بعد الانسحاب البريطاني 14 أغسطس 1971م وصدر قرار بتسميتها “دولة البحرين” بدلاً من “إمارة البحرين”.

قطــر:

بدأ تصدير النفط من قطر 1949م، وفي نفس العام عين الضابط السياسي مقيماً بريطانياً في الدوحة، وفي أبريل 1970م، أعلن في قطر نظام أساسي مؤقت للحكم، وفي يناير 1968م، أعلنت بريطانيا سياسة الانسحاب من إمارات الخليج وفي سبتمبر 1971م  أعلنت قطر استقلالها وانسحابها من مباحثات الاتحاد مع إمارات الخليج الأخرى، وفي فبراير 1972م قام الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني بالاستيلاء على السلطة في البلاد وعزل الشيخ أحمد، وكان الشيخ خليفة يرى “أن استقلال قطر” لا يعززه فقط إعلان مكتوب وإنما تعززه الممارسة الفعلية والحقيقة لكل معاني “الاستقلال”، وقام الشيخ خليفة بعزل القائد البريطاني وقائد الشرطة البريطاني وعين في هذين المنصبين قيادات وطنية، وأصدر مرسوماً بتنفيذ القانون الأساسي الذي ترتب عليه “تأسيس مجلس استشاري منتخب”، وعمل على الانفتاح على العالم العربي، وسار بالدولة في طريق التطور والتقدم، وتشهد قطر تطوراً وتقدماً مستمرين.

 

دولة الإمارات العربية المتحدة:

اقترحت بريطانيا 1932م، إنشاء مجلس لشيوخ الساحل المهادن، والهدف منه تنسيق خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية  وقد تأسس هذا المجلس بالفعل وأصبح يشكل بداية لتوحيد إداري يجمع بين هذه الإمارات، وكان هذا المجلس يجتمع مرة كل أربعة أشهر، وفي 1965م ألحق به مكتباً لتطوير الإمارات، ولكن هذا المجلس ظل عاجزاً عن حل كل الأمور المتعلقة بين الإمارات ومنذ عام 1968- 1971م، دارت المفاوضات التي كانت تهدف إلى إقامة اتحاد بين إمارات الخليج، وانتهت بتوحيد الإمارات التالية في دولة واحدة هي “دولة الإمارات العربية المتحدة” .

سلطنة عُمان:

كانت عُمان الداخلية تسيطر عليها الإمامة وسلطان مسقط يسيطر على المنطقة الساحلية، وفي 1920م، عقدت بين الإمامة والسلطنة معاهدة السيب التي سوت الوضع بين الطرفين، وكان سلطان مسقط منذ 1946م، يسعى لضم مقاطعات الإمامة له، وفي 1954م، قدم الإمام غالب طلباً للانضمام للجامعة العربية حتى يخرج من العزلة التقليدية التي جرى عليها الأئمة السابقون عليه، ولكن رد الجامعة العربية جاء بتأجيل ذلك حتى تتمكن الجامعة من القيام بدراسات لإمامة عمان.

ودخلت السلطنة في حروب مع الإمامة لفرض سيطرتها على المناطق الخاضعة للإمامة، واستطاعت قوات السلطنة احتلال عاصمة الإمامة “نزوى”، كما استعادت إدارتها على قسم من البوريمي، ولكن قوات الإمامة استعادت نفوذها على مناطقها،

عنوان………

واستمر الصراع فترة طويلة بين الطرفين، حتى استعان السلطان سعيد بن تيمور بالإنجليز وتمكن من توحيد المنطقتين تحت نفوذه، وتمكن السلطان قابوس من الاستيلاء على السلطة في 1970م، وسار بالبلاد الموحدة المستقلة في سبيل التطور والتقدم في مختلف المجالات.

ودخلت السلطنة في حروب مع الإمامة لفرض سيطرتها على المناطق الخاضعة للإمامة، واستطاعت قوات السلطنة احتلال عاصمة الإمامة “نزوى”، كما استعادت إدارتها على قسم من البوريمي، ولكن قوات الإمامة استعادت نفوذها على مناطقها، واستمر الصراع فترة طويلة بين الطرفين، حتى استعان السلطان سعيد بن تيمور بالإنجليز وتمكن من توحيد المنطقتين تحت نفوذه، وتمكن السلطان قابوس من الاستيلاء على السلطة في 1970م، وسار بالبلاد الموحدة المستقلة في سبيل التطور والتقدم في مختلف المجالات.

القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي

  • أولاً: القضية الفلسطينية وتطورها حتى سنة 1948م.
  • موقف عرب فلسطين من سياسة الانتداب البريطاني.
  • ثورة 1936م الفلسطينية.
  • التواطئ على تقسيم فلسطين.
  • التآمر الإنجليزي الأمريكي الصهيوني على فلسطين .
  • حركة الإرهاب الصهيوني على أرض فلسطين العربية .
  • ثانياً: الصراع العربي الإسرائيلي 1949- 1973م .

أولاً: القضية الفلسطينية وتطورها حتى سنة 1948م

ارتبطت القضية منذ بدايتها ارتباطاً وثيقاً بظهور الحركة الصهيونية وفكرها، والصهيونية مشتقة من لفظ “صهيون” وهو اسم تل من تلال القدس والحركة الصهيونية، حركة قديمة حديثة، حيث ظهرت الصهيونية قديماً كنزعة سياسية تدعو لعودة اليهود إلى أرض فلسطين، لإقامة الدولة السياسية وفي القرن التاسع عشر ظهرت الصهيونية  كحركة سياسية تهدف إلى عودة اليهود إلى “صهيون” ،وقد عارضت بعض فئات اليهود التي اندمجت في مجتمعات غرب أوروبا وأمريكا الحركة الصهيونية ، في القرن التاسع عشر ورأت هذه الفئات أن حل المشكلة اليهودية هو في اندماج اليهود في المجتمعات التي

 

يعيشون فيها، كما رفضتها كذلك الحركات الاشتراكية ورأت فيها فكرة عنصرية رجعية وأن الاشتراكية وثورة العمال والفلاحين سوف تحل المشكلة اليهودية، وذلك عن طريق قضائها على أنظمة الحكم الرجعية التي يسيطر عليها الإقطاعيون والرأسماليون، ولكن الصهيونيين شككوا في أن الاشتراكية سوف تستطيع القضاء على التعصب ضد اليهود، وأنه لابد من إنشاء الدولة اليهودية السياسية الحديثة.

وفي أواخر القرن التاسع عشر، نشأت “حركة محبي صهيون ” في مدينة أودسا الروسية تحت زعامة ليو بنسكر وأحدهام وكان هدف هذه الحركة هو: تشجيع هجرة جماعات من اليهود إلى فلسطين واتجهت الحركة إلى إنشاء مستعمرات

 

يهودية في فلسطين، لتكون هذه المستعمرات مركزاً للأماني الثقافية اليهودية ولا تهدف هذه الحركة إلى تكوين دولة يهودية، وبدأ نجاحها في هذا الأمر ابتداءً من سنة 1880م، وكان سكان هذه المستعمرات، يأتون في غالبهم من دول شرق أوروبا من: روسيا، ورومانيا، وليتوانيا، وكان أدموند روتشلد  يقوم بتمويل الهجرة اليهودية، ثم وجدت بعد ذلك هيئة لتوطين اليهود، بزعامة البارون دي هيرش ، وكان اتمامها الأول، شراء الأراضي في فلسطين وتقديم الأموال للمهاجرين، وامتد نشاط “حركة محبي صهيون “، إلى فرنسا وبريطانيا، وإن كانت “حركة محبي صهيون “، تختلف عن الحركة الصهيونية ، في عدم مطالبتها بإنشاء دولة يهودية، وعدم ادعائها السيادة

 

على فلسطين، “إلا أنها لم تشكل معارضة حقيقية للحركة الصهيونية ، فمن الواضح أن الأهداف الإقليمية التي تتعلق بالوطن في فلسطين، والأهداف الثقافية المتصلة بجعل فلسطين مركزاً ثقافياً لليهود، تقترب إلى حد كبير من الأهداف الصهيونية وتعتبر مقدمة لها”، وقد نجح هرتسل ذلك الزعيم الصهيوني في عقد أول مؤتمر صهيوني في مدينة بازل في 29 أغسطس 1897م، واعتبر هرتسل هذا المؤتمر “جميعاً للإرادة اليهودية وتعبيراً عن سيادة الشعب اليهودي، بل وكان مغالياً عندما قال: “إن الدولة اليهودية قد نشأت فعلاً في بازل في 29 أغسطس 1897م”.

وقد كان مؤتمر بازل مجالاً كبيراً للصراع بين أنصار الصهيونية الثقافية “حركة محبي صهيون ” التي تطالب بدعم الثقافة اليهودية عن طريق إنشاء مركز للثقافة اليهودية و إنشاء دولة يهودية في فلسطين .

 

نشط هرتسل بعد المؤتمر، وعمل على تنفيذ ما جاء في برنامج بازل ورأى أن فلسطين، هي المكان المناسب لإقامة الدولة اليهودية، ففلسطين في نظره بلد لا توجد فيه الروح المعادية للسامية والدليل على ذلك أن المستعمرات الزراعية في فلسطين مزدهرة، وأن المهاجرين الذين هاجروا إلى فلسطين لم يهرب منهم أحد، وأن اليهود شرقيون بطبيعتهم لكن بعض الصهيونيين، انتقدوا تركيز هرتسل ، على اختيار فلسطين كوطن قومي لليهود، لوجود صعوبات سياسية كبيرة  تجعل من الأنسب البحث عن مكان آخر، كما أثاروا ارتفاع أثمان الأراضي في فلسطين، للتنافس بين اليهود على شراء هذه الأراضي.

ولما عجز هرتسل ، في الحصول على ميثاق من الدولة العثمانية، يضمن له

 

الاستيلاء على فلسطين، بدأ البحث عن أقاليم أخرى ففكر في العريش وسيناء كوطن مؤقت، ومنها يمكن الاتساع صوب فلسطين، ولكن هذا المشروع لقى معارضة من كل من الحكومة المصرية، ومن سلطات الاحتلال البريطاني في القاهرة فاتجه بفكره إلى أوغندة وشرق أفريقيا، وفي نفس الوقت، فكر في قبرص، والأرجنتين، ولما عرض مشروع تهجير اليهود إلى شرق أفريقيا، على المؤتمر الصهيوني السادس الذي عقد في سنة 1903م، وجد معارضة في الغالبية العظمى، ورفض المشروع النهائي في المؤتمر الصهيوني السابع سنة 1907م.

ولما توفي هرتسل في سنة 1904م، تولى رئاسة المنظمة الصهيونية: إسرائيل زانجويل الذي جعل هدفه الرئيسي، هو الحصول على أرض لليهود، تكون مناسبة من حيث الموقع الجغرافي والظروف السياسية، التي تحدد الإقليم الذي

 

يستعمره اليهود ولقى هذا الاتجاه تأييداً من غرب أوروبا والولايات المتحدة، وعمل زانجويل جاداً للحصول على موافقات حكومية “لتهجير اليهود إلى أوغندة، أو كندا، أو أستراليا، أو أنجولا، ولكنه فشل في هذا الأمر”، على إثر ذلك اتجهت الحركة الصهيونية ، إلى تهجير اليهود بكل السبل إلى فلسطين دون انتظار الموافقات الحكومية اللازمة، والتي ترفض الدولة العثمانية منحها لليهود، “وتكاتف اليهود على اختلاف مذاهبهم على تدعيم هذا الهدف”.

نشطت الحركة الصهيونية بعد ذلك في الحصول على التمويل الكافي للمؤسسات اليهودية التي أنشئت: لشراء الأراضي في فلسطين ولتوطين المهاجرين، وقد تعددت هذه المؤسسات فكانت كل هذه المؤسسات تسعى جادة في الحصول على تأييد الرأي العام في أوروبا الغربية وأمريكا وإقناع الرأي العام العالمي

 

بمشروعية حقوق اليهود في فلسطين وإنشاء الدولة اليهودية فيها، على أساس اعتبارات دينية وتاريخية وهي اعتبارات باطلة في أساسها .

وفي أثناء الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م)، نقلت الصهيونية نشاطها إلى الدولة المحايدة، كسويسرا، والدانمرك، والولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت تدخل في اتصالات مع معسكر الحلفاء، وركزت نشاطها في بريطانيا، وقام وايزمان باتصالات مع الحكومة البريطانية، وقدمت الدعم المالي والكيميائي لبريطانيا الذي ساعدها في إحراز النصر، كما سبقت الإشارة فأصدر وزير خارجية بريطانيا اليهودي، تصريح بالفور في 2 نوفمبر 1917م، والذي تحدثنا عنه سلفاً .

موقف عرب فلسطين من سياسة الانتداب البريطاني:

إزاء الموقف الاستعماري المؤيد للادعاءات الصهيونية الزائفة، وقف عرب فلسطين يناهضون كل ذلك، ورفضوا تصريح بالفور وصك الانتداب وقاموا باضطرابات مسلحة في 1920م و1921م. وتجددت الاضطرابات والثورات الوطنية بعد ذلك مما حدا بالمستر تشرشل وزير المستعمرات البريطاني أن يصدر في يونيو 1922م كتاباً أبيضاً بهدف تهدئة الأحوال في فلسطين، وتوضيح السياسة البريطانية في فلسطين، والتي تقوم على عدم الاتجاه نحو تحويل فلسطين بأكملها إلى وطن قومي لليهود، مع تمسك بريطانيا بنص تصريح بالفور ، وأن اللجنة الصهيونية والوكالة اليهودية، لن تشاركا في إدارة فلسطين ، وأن منطقة شرق الأردن تخرج من نطاق تصرحي بالفور وقد

 

رفض العرب الكتاب الأبيض بسبب تمسكه بسياسة الوطن القومي اليهودي، وإنكاره حق العرب في الاستقلال، ولكن موقف العرب هذا لم يؤثر على موقف بريطانيا التي حكمت فلسطين بالتعاون مع اليهود الذين سارعوا بقبول الكتاب الأبيض، لأنه يفتح الباب للهجرة اليهودية لنمو الوطن القومي، ولا يمانع من قيام دولة يهودية في المستقبل.

تجددت الاضطرابات بعد ذلك في أماكن مختلفة من فلسطين، وإزاء تفاقم الاضطرابات واستمرارها، أرسلت الحكومة البريطانية في 13 سبتمبر 1929م، لجنة وكانت اللجنة مكونة من القاضي ، وعضوية ثلاثة من أعضاء البرلمان البريطاني، يمثلون الأحزاب البريطانية الثلاثة، لتقصي أسباب هذه الاضطرابات، ووصلت اللجنة إلى فلسطين، وباشرت أعمالها في أواخر أكتوبر 1929م، وسألت عدداً كبيراً من العرب

 

واليهود، وكتبت تقريرها وقدمته للحكومة البريطانية. في 12 مارس 1930م، وأوصت في تقريرها بأنه على الحكومة البريطانية، أن تصدر بياناً واضحاً عن: السياسة التي تنوي إتباعها مستقبلاً، وأن تكون سياستها بشأن موضوعي الأراضي والهجرة أكثر وضوحاً، وأن عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى فلسطين في عامي 1927م، 1928م. كان أكثر من الطاقة الاستيعابية التي تتحملها أحوال البلاد الاقتصادية، وعليها أن تعمل على تطوير الزراعة، ووضع حد لطرد المزارعين الفلسطينيين من أراضيهم، وأوضحت اللجنة في تقريرها، أن العرب مستائين من المادة الرابعة من صك الانتداب التي منحت المنظمة الصهيونية سلطات خاصة، ولم تمنح للعرب مثلها، وفي 30 مارس 1930م، سافر وفد فلسطيني إلى لندن، وقدم مذكرة للحكومة البريطانية بها

 

مطالب تعبر عن وجهة النظر العربية تتمثل في: وقف الهجرة اليهودية وإصدار تشريع يمنع انتقال الأراضي من يد العرب إلى اليهود، وتشكيل حكومة وطنية تكون مسئولة أمام مجلس نيابي، يشترك فيه جميع سكان البلاد، طبقاً لنسبهم العددية، ولكن هذه المطالب، لم تجد أذاناً صاغية من الحكومة البريطانية، التي أصدرت بياناً في 1930م على هيئة كتاب أبيض، أفصحت فيه عن سياستها المستقبلية، في أنها تتمسك بمعنى الوطن القومي اليهودي، كما جاء في الكتاب الأبيض سنة 1922م، وأنه لابد من تمكين اليهود في فلسطين عن طريق زيادة عددهم باستمرار الهجرة، وأن الوكالة اليهودية لن تشارك في حكم فلسطين، فلم يقبل لا اليهود ولا العرب بما جاء في هذا الكتاب الأبيض.

أدرك العرب زيادة قوة اليهود، والأساليب التي يتبعونها لتهويد فلسطين، فنشبت اضطرابات 1935م، وعلى إثرها عزم العرب على الاتحاد فأنشأوا اللجنة العربية العليا، وقاموا بثورتهم الكبرى سنة 1936م.

ثورة 1936م الفلسطينية:

لمواجهة الأحداث التي كانت تمر بها البلاد، والعمل على مقاومة السياسة البريطانية والصهيونية مقاومة عملية، اتحدت الأحزاب الفلسطينية وأعلنت اللجنة العربية العليا، أنها سوف تدعو الشعب كله إلى الإضراب إلى أن تجاب المطالب العربية التي بلورتها في ثلاثة مطالب هي:

o             وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين نهائياً.

o             منع انتقال الأراضي العربية إلى اليهود.

o             تشكيل حكومة وطنية نيابية في فلسطين.

ودعت اللجان القومية، الشعب الفلسطيني إلى الإضراب. وكانت استجابة الشعب لهذه الدعوة تامة، فأضرب جميع العرب، في كل فلسطين، ثم تحول الإضراب إلى كفاح مسلح ، واتخذت الثورة شكل حرب العصابات ، وتدخل الزعماء العرب للوساطة لوقف الثورة والعمل لدى الحكومة البريطانية إلى إجابة المطالب العربية.

التواطئ على تقسيم فلسطين:

فكرة التقسيم:

واستمراراً في أحكام تنفيذ المؤامرة الصهيونية الرامية إلى طرد عرب فلسطين وتهويد هذه المنطقة، فقد عارضت الحركة الصهيونية في الثلاثينات فكرة الدولة الواحدة التي يعيش داخلها العرب واليهود معاً، كما عارضت فكرة الدولة الاتحادية ، ورفعت شعار التقسيم للحصول على إقليم غالبية سكانه من اليهود، ليكون نقطة ارتكاز وانطلاق للتوسعات الاستعمارية الصهيونية التالية، وعندما عرض الأمر على السلطة الاستعمارية البريطانية، وافقت بالطبع تنفيذاً لتواطؤها الواضح مع الحركة الصهيونية، وقد صدرت موافقة بريطانيا في سنة 1937م، وشكلت لجنة برئاسة “وودهد ” لبحثه فنياً تمهيداً لتنفيذه. ولكن إنجلترا اضطرت، تحت ضغط الثورة العربية المؤيدة لحق عرب فلسطين،

 

والرافضة لفكرة التقسيم، إلى العدول عن فكرة التقسيم وإصدار بيان سنة 1938م  برفض هذه الفكرة وأعلنت عن عزمها دعوة الأطراف المتصارعة وهي الدول العربية، وعرب فلسطين والوكالة اليهودية لمناقشة مستقبل منطقة فلسطين بلندن ولكن العرب رفضوا هذه الفكرة، لأن الوكالة اليهودية هيئة استعمارية غير شرعية، ثم إن عروبة فلسطين ليست موضعاً للبحث. وفي مقابل الرأي العام العربي الساخط على التآمر البريطاني مع الصهيونية، اضطرت بريطانيا إلى إصدار ما يسمى بالكتاب الأبيض، حيث أعلنت العدول نهائياً عن فكرة التقسيم وقيام دولة فلسطينية مستقلة، خلال عشر سنوات تجمع بين القوميتين، ويشترك في حكمها العرب واليهود، كما وضعت قيوداً على بيع الأراضي، وحددت عدد اليهود الذين يسمح لهم بالهجرة إلى فلسطين خلال

 

الخمس سنوات التالية بخمسة وسبعين ألفاً، على ألا يسمح بعد هذه الفترة بأية هجرة يهودية إلى فلسطين ما لم يسمح العرب بذلك، ولاشك أن هذا القرار الذي اضطرت بريطانيا إلى اتخاذه تحت ضغط الرأي العام العربي أصاب الحركة الصهيونية بالاستياء، في وقت تأهبوا فيه لإعلان قيام الدولة اليهودية في فلسطين على حساب أصحابها الشرعيين من العرب، وقد اعتبر “وايزمان ” هذا القرار بمثابة تراجع من جانب بريطانيا عن عهودها للصهاينة. ولكن بريطانيا- حفاظاً على مصالحها الاقتصادية في المنطقة- تجاهلت الحملة الصهيونية ضدها لفترة معينة.

وهنا حاولت الحركة الصهيونية كسب التأييد الأمريكي لصفها، تحقيقاً لأملها في احتلال الأرض العربية في فلسطين وإقامة الدولة اليهودية.

التآمر الإنجليزي الأمريكي الصهيوني على فلسطين:

وهكذا نجد أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، برزت المشكلة الفلسطينية على مستوى جديد أكثر تعقيداً، وحاولت بريطانيا استغلال اهتمام الولايات المتحدة بالقضية اليهودية، خاصة وأن الحركة الصهيونية كانت قد اتجهت إلى أمريكا منذ فترة، نظراً لانتقال مركز الثقل الاقتصادي والحضاري والعسكري والاستعماري إليها، وفي سنة 1946م، شكلت لجنة إنجليزية- أمريكية مشتركة للبحث في مشكلة اليهود، والتوصل إلى حل للمشكلة الفلسطينية خاصة بعد زيادة الضغط والخطر اليهودي في المنطقة العربية، وبعد أن استفاد اليهود من فترة الحرب في تسليح قواتهم، وتكوين عصابات وجيش لاغتصاب الأرض العربية بقوة السلاح والعدوان والإرهاب.

حركة الإرهاب الصهيوني على أرض فلسطين العربية:

وقد استغلت الوكالة اليهودية الصهيونية فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها من خلق ودعم مجموعة من التنظيمات الإرهابية الصهيونية مثل: عصابة “شتيرن” وعصابة “الأرجون”، وقوات “البالماخ”، و”الهاجاناه” التي خلعت على نفسها اسم جيش الدفاع الإسرائيلي فيما بعد، وقامت هذه العصابات والتنظيمات بعمليات إرهابية مسلحة ضد العرب المسلمين والمسيحيين بل وضد اليهود العرب المسالمين، والذين يميلون إلى التعايش السلمي داخل المنطقة. كذلك قامت هذه الهيئات بأعمال تخريب متعمدة في منطقة فلسطين لإرهاب العرب وإجبارهم على التخلي عن ممتلكاتهم، مثل نسف السكك الحديدية، وتدمير الجسور، وبث الألغام، ونهب المعسكرات البريطانية، وإطلاق سراح المهاجرين غير الشرعيين. وحاولت كذلك أغتيال المندوب السامي البريطاني ذاته، واغتيال وزير الدولة البريطاني في القاهرة على يد جماعة من غلاة الإرهابيين اليهود.

 

وتابعت “بريطانيا” جهودها في خطة التآمر البريطاني فيها.

موقف هيئة الأمم المتحدة من القضية الفلسطينية وقرار التقسيم:

انتقلت القضية الفلسطينية إلى ساحة الهيئة الدولية، التي خصصت بضع جلسات لمناقشة هذه المشكلة وسماع وجهات نظر المتنازعين والأطراف المعنية، ثم انتهت هذه الجلسات إلى قرار بتشكيل لجنة محايدة من إحدى عشرة دولة محايدة للتحقيق، وأوصى أغلب أعضاء هذه اللجنة، بتقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام:

الصهيوني، فدعت العرب واليهود إلى مؤتمر بلندن (1946- 1947)، ولكن هذا المؤتمر انفض دون الوصول إلى اتفاق، وهنا أعلنت الحكومة البريطانية يأسها من تسوية المشكلة الفلسطينية، وقررت التقدم بها إلى هيئة الأمم المتحدة للفصل

أ- دولة عربية.                   ب- دولة يهودية.

ج- منطقة دولية تشمل القدس والأماكن المقدسة.

 

وأوصت اللجنة بأن تمنح هاتان الدولتان الاستقلال بعد فترة انتقال مدتها عامان توضعان اثناءهما تحت وصاية الأمم المتحدة، وكافح ممثلو العرب في الهيئة الدولية في سبيل الاحتفاظ بعروبة أرض فلسطين، ولكن النفوذ الاستعماري- خاصة النفوذ اليهودي- كان قوياً ففاز قرار التقسيم بأغلبية الأصوات، وقامت بريطانيا في هذا الموقف بحركة مسرحية بارعة حيث امتنع مندوبها عن التصويت على القرار وأعلن وزير خارجيتها أن حكومته غير مسئولة عن تنفيذ القرار، وأنها سوف تسحب قواتها من فلسطين، وتنهي انتدابا عليها رسمياً في 14 مايو سنة 1948مبعد أن أحكمت تنفيذ المؤامرة مع الصهاينة، واطمأنت إلى قوتهم في المنطقة.

وخلال تلك الفترة قامت العصابات الصهيونية بتجنيد كل رجل وامرأة قادرة على حمل السلاح من اليهود، كما كون العرب جيشاً للتحرير من الفلسطينيين والعرب الذين جاءوا لنصرة إخوانهم الفلسطينيين، ودارت حرب عصابات طويلة.

 

وهنا أمرت بريطانيا الجيش الأردني الذي يقوده ضباط إنجليز، بالتقدم لاحتلال المنطقة الواقعة غرب الأردن من أرض فلسطين فمهدت بذلك إلى ضمها للأردن، وقامت المنظمات الصهيونية في تلك الفترة بجرائم وحشية من أبشع جرائم التاريخ، إن لم تكن أبشعها على الإطلاق من قتل جماعي للنساء والشيوخ والأطفال، في شكل مذابح جماعية، من أبرزها “مذبحة دير ياسين” لإجبار العرب على الهجرة وترك الأرض.

وفي التوقيت المتفق عليه بين بريطانيا والحركة الصهيونية، وهو 14/5/1948م، أعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وسحبت قواتها. وهنا كانت المأساة حيث أعلنت العصابات الصهيونية من “تل أبيب” قيام الدولة اليهودية. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية هي أسبق الدول إلى الاعتراف بها، بعد (16) دقيقة من إعلان قيامها، مما يؤكد أركان المؤامرة الثلاثية- البريطانية- الأمريكية- الصهيونية، ضد الحق العربي المشروع.

 ثانياً: الصراع العربي الإسرائيلي 1949- 1973م

وطدت المنظمات الصهيونية، وجودها في فلسطين بإعلان قيام دولة إسرائيل في 15 مايو سنة 1948م، وكانت هذه المنظمات قد قامت قبل هذا الإعلان باحتلال عدد من القرى والمدن التي كانت من نصيب الدولة العربية في مشروع التقسيم، الذي أوصت به الجمعية العامة للأمم المتحدة 1947م، وهكذا بدأ توسع إسرائيل على حساب المناطق المخصصة للعرب قبل إعلان قيامها، وكان ذلك قبل دخول الجيوش العربية لحماية المناطق التي خصصت للدولة العربية في فلسطين وللحيلولة دون وقوعها في يد العصابات الصهيونية، ويمكننا تقسيم الصراع العربي- الإسرائيلي منذ عام 1949م وحتى عام 1973م إلى المراحل التالية:

1- المرحلة الأولى من 1949م وحتى 1956م.

2- المرحلة الثانية 1956 -1967 م .

3- المرحلة الثالثة 1967 -1973م.

4- المرحلة الأخيرة حرب أكتوبر1973م.

 

 

المغرب العربي في تاريخه المعاصر

 

  • مقدمة
  • ليبيا .
  • تونس والحركة الدستورية .
  • الجزائر.
  • المغرب الأقصى.

 إن الفترة المعاصرة من تاريخ المغرب شهدت محاولات جريئة من جانب الوطنيين بهدف إخراج المستعمرين والحصول على الاستقلال، وسوف نوجز فيما يلي الخطوط العريضة لتاريخ هذه البلدان في الفترة المعاصرة:

1- ليبيا:

خضع إقليم طرابلس الغرب وبرقة لاحتلال إيطاليا بعد انتهاء الحرب بين القوات الإيطالية والقوات العثمانية، ولكن السلم لم يستتب في الإقليم لأن القوات الإيطالية، لم تتمكن إلا من احتلال الموانئ والنقط الساحلية، أما بقية الإقليم فقد ظل في أيدي الأهالي حيث كانت هناك زعامات وطنية تتمثل في السنوسيين في إقليم برقة الممتد حتى واحة الكفرة في الجنوب وفي قيادات وطنية أخرى خرجت من بين الصفوف وكانت تمثل وجهاء القوم وأعيانهم، وكان لها نفوذ 

 

على الأهالي في الإقليم الممتد من مشارف مدينة طرابلس، حتى إقليم فزان في الجنوب الغربي، ولذا فإن هذه القيادات الوطنية عملت على مهاجمة الإيطاليين ومحاربتهم.

لكن ظروف الحرب العالمية الأولى ، وظروف القيادات الوطنية نفسها ومحاولتها التمسك بسلطتها وامتيازاتها على الأهالي ساعدت على دخول هذه القيادات في مفاوضات مع إيطاليا وبريطانيا، ووافقت على ترك السيادة للإيطاليين، ولكن مجيء الفاشستيين إلى الحكم في إيطاليا بعد الحرب وتمسك الإيطاليين بسلطتهم ونفوذهم أدى إلى الاصطدام بين الوطنيين والجانب الاستعمارين وقد أخذ هذا الاصطدام شكل الجهاد والكفاح المسلح خاصة وأن أبناء طرابلس قد واجهوا كثيراً من الصعوبات للحصول على اعتراف إيطاليا بحقهم في ممارسة سلطاتهم الجمهورية، حيث كان الرأي قد استقر على إنشاء الجمهورية في طرابلس، في عام 1918م.

 

ولكن الحكومة الإيطالية رفضت مبدئي الاستقلال والحكم الذاتي، ولذلك أدرك أبناء طرابلس أنه لابد من توحيد جهود العناصر الوطنية في إقليم طرابلس مع بقية العناصر الوطنية في الأقاليم المجاورة، وبخاصة في برقة وفزان واجتمع زعماء طرابلس في 1921م، في مؤتمر في غريان لاتخاذ قرارات تهم مستقبل البلاد.

وكان الاتجاه الجديد يسعى إلى توحيد الأقاليم الليبية تحت قيادة السيد محمد إدريس السنوسي باعتباره الأمير المسلم المنتخب من الأمة من أجل إقامة حكومة قادرة ومؤسسة على ما يحقق الشرع الإسلامي بحيث “لا يعزل إلا بحجة شرعية وإقرار مجلس النواب وتكون له السلطة الدينية والمدنية والعسكرية بأكملها، بموجب دستور تقره الأمة عن طريق نوابها وأن يشمل حكمه جميع البلاد الليبية بحدودها المعروفة” مع عدم قفل باب المفاوضة في وجه حكومة روما، والعودة إلى الجهاد ضد الإيطاليين.

 

وقد قرر المتفاوضين وضع “أسس عامة قامت عليها بيعة السيد محمد إدريس لتولي الإمارة على ليبيا بأكملها”  ثم وضع المتفاوضون ميثاقاً عرف باسم “ميثاق سرت” تم التوقيع عليه في22 يناير 1922م وجاء هذا الميثاق يؤيد قرارات مؤتمر غريان” ثم قرروا أنه بمجرد انتخاب الأمير وتوليته “يعملون على انتخاب مجلس تأسيس من الإقليميين لوضع القانون الأساسي والنظم اللازمة للبلاد”، واستقر رأي الزعماء الطرابلسيين على إرسال كتاب البيعة إلى الأمير في أجدابية، ووصل الوفد الذي حمل الكتاب في شهر أكتوبر 1922م، وقبل السيد محمد إدريس هذه البيعة ورد بأن اتحاد الوطن وسلامته كانا يمثلان الغايتين التي طالما سعى إليهما “ونشبت بعد ذلك معارك الجهاد في طول البلاد وعرضها وكان يتولى أمر منظمات المجاهدين في برقة

 

عمر المختار، وفي طرابلس بشير السعداوي وكان وصول الفاشست إلى الحكم بداية لعهد جديد من السياسة الإيطالية في ليبيا ،حيث أعلن الوالي الإيطالي أن السنوسية هي عدوة الحكم الحديث، ومن الضروري وضع حد لنشاطها، وأسرع باحتلال أجدابية في 21 أبريل 1923م وأعلن أن كل الاتفاقات التي وقعتها إيطاليا مع السنوسية قد أصبحت لاغية، وأنها تعتبر مجرد طريقة دينية، ويجب أن يقتصر نشاطها على الميدان الديني” واستمرت المناوشات بين الإيطاليين والوطنيين في جميع أنحاء ليبيا، وعملت إيطاليا على زيادة عدد قواتها الموجودة في ليبيا .

 فاضطر عدد كبير من أبناء ليبيا وأحرارها إلى ترك البلاد والهجرة إلى الخارج إلى تونس وسوريا  ومصر وعملوا على فضح إيطاليا وأساليبها الاستعمارية

 

وساعدت كل هذه الحركات على تكتل الشعور القومي العربي لخدمة كفاح ليبيا ضد الاستعمار، وحينما اشتعلت الحرب العالمية الثانية عمل الليبيون إلى جانب الحلفاء لطرد الإيطاليين الفاشست من بلادهم ، وتعتبر هذه مرحلة جديدة من مراحل تاريخ ليبيا ارتبطت فيها بالأوضاع الموجودة في أقاليم المشرق العربي، مثل ارتباطها بالحركات الوطنية التي كانت موجودة في بلدان المغرب العربي في أثناء الحرب العالمية الثانية .

2- تونس والحركة الدستورية:

استفادت تونس من حركة الإصلاح التي قام بها خير الدين باشا التونسي، وبخاصة المدرسة الصادقية التي عملت على تطوير الدراسات بشكل حديث، وأخرجت لتونس وللعالم العربي عدداً من رواد الحركة التحريرية هذا إلى جانب أن خير الدين باشا عمل على تقوية الروابط التونسية بالدولة العثمانية على اعتبار أنها دولة الخلافة الإسلامية ، لذا فإن فترة حكمه تعتبر فترة تقدم في تاريخ تونس الحديث، وبينما امتد النفوذ الفرنسي على تونس 1881م، اتجهت أنظار التونسيين نحو الأستانة، وازداد التجاوب بين التونسيين وإخوانهم في المشرق العربي، شهدت السنوات الأولى من القرن العشرين في تونس تجمع عدد من خريجي المدرسة الصادقية، الذين عملوا على تجميع عدد من المدرسين والمثقفين في حركة قومية ودينية ، مسايرة لحركة الجامعة الإسلامية، ويعتبر الشيخ عبد العزيز الثعالبي أحد أقطاب هذه الحركة.

السياسة الفرنسية وتونس :

دفعت سياسة الكبت التي استمرت فيها فرنسا، بمجموعة من الشبان الذين تثقفوا ثقافة غربية من الظهور على المسرح السياسي وبدأوا يلعبون دوراً كبيراً في تنشيط العمل الوطني، وكان من بينهم الحبيب بورقيبة، وركزت العناصر الجديدة مطالبها على الفصل بين السلطات، وضرورة إنشاء مجلس تشريعي والاهتمام بالتعليم، وقد أدى نشاط العناصر الشابة إلى ظهور “الحزب الحر الدستوري الجديد”، الذي أصبح يمثل مرحلة جديدة في تطور الحياة السياسية في تونس، وقد انتخبت الحبيب بورقيبة أميناً عاماً للحزب، بعد مؤتمر قصر بني هلال في مارس 1934م، الذي تمت بعده القطيعة بين “الحزب الدستوري القديم” و”الحزب الدستوري الجديد”، ولقد ناصبت

 

    السلطات الفرنسية الحزب الجديد العداء، وألقت سنة 1934م، القبض على عدد من زعمائه، ونفتهم إلى داخل البلاد والواحات، وفي 1937م، شهدت البلاد حركة من الاضطرابات، وفي 1938م، قاد الحزب الجديد حركة إضرابات العمال في تونس، كما قاد إضرابات الطلاب في نفس السنة، ولكن سرعان ما أصدرت فرنسا قراراً بحل الحزب، وأعلنت الأحكام العرفية، ثم أعلنت الحرب العالمية الثانية والحبيب بورقيبة في السجن مع زملائه فنقلوا إلى جنوب فرنسا، وتعتبر مرحلة الحرب العالمية مرحلة خاصة في تاريخ تونس، وتاريخ الحركة الوطنية فيها .

3- الجزائر:

فضل كثير من الجزائريين الهجرة إلى أقطار إسلامية وبخاصة في 1912م، حيث أخذت الهجرة شكلاً جماعياً نتيجة لإخضاع الجزائر لنظام التجنيد الإجباري لحساب الدولة الفرنسية ، وأصبح تمثيل العنصر الوطني في الإدارة المحلية ضئيلاً وكان يتم اختيار الوطنيين في مجالس المديريات بالتعيين وحتى حين أخذ بمبدأ الانتخاب كان لا يجوز انتخاب رئيس البلدية أو نائبه من بين الجزائريين حتى وإن كان متجنساً، كما انتزع الفرنسيون من القضاء اختصاصات المحاكم الشرعية وحولوها إلى محاكم مدنية وفرض المستوطنون سيطرتهم التامة على الإدارة، وفي أثناء الحرب العالمية الأولى جند عدد كبير من الجزائريين واشتركوا في ميادين القتال، كما أرسل عدد

 

كبير إلى المصانع الحربية والمناجم، وقد ارتقى بعض الجزائريين في الجيش الفرنسي إلى رتبة كولونيل، وكان من بين هؤلاء الضباط الأمير خالد محي الدين، أحد أحفاد الأمير عبد القادر، وقد تزعم هؤلاء الضباط بعد الحرب العالمية الأولى الدعوة إلى الإصلاح، ولكن على أساس بقاء الجزائر جزء من الأراضي الفرنسية، وعلق هؤلاء الضباط الأمل على مؤتمر فرساي كي يلزم فرنسا بتطبيق مبادئ المساواة في الجزائر “ولكن الحكومة أحالت الأمير خالد إلى التقاعد، فرجع إلى الجزائر ليكون ما أسماه “كتلة المنتخبين المسلمين الجزائريين”، وهم أعضاء المجالس البلدية الذين استفادوا من التشريع الفرنسي الصادر 1919م، والذي وسع دائرة تمثيل الجزائريين في هذه المجالس”.

 

وكانت أهداف الكتلة تتركز في إصلاح أحوال الجزائريين الاجتماعية، ومساواة الجزائريين بالفرنسيين في حق الانتخاب والتمثيل في المجالس على مختلف المستويات، ورغم اعتدال هذه الأهداف، فإن المستوطنين لم يتقبلوا مبدأ المساواة بينهم وبين الوطنيين، ولكن حركة الأمير خالد لم تعش طويلاً حتى تحقق أهدافها، وبخاصة بعد أن فشل الأمير في الاتفاق مع الحكومة الفرنسية 1924م.

 وتحول إلى سياسة النضال مع أقطار المغرب العربي الأخرى فطاردته الحكومة الفرنسية، وانتهى به المطاف إلى الفرار إلى مصر، فسلمته الحكومة المصرية بناءً على تدخل حكومة الاحتلال الإنجليزي إلى قنصلية فرنسا، “وانتهى به الأمر إلى الاعتقال في سوريا إلى أن توفى بها 1936م”.

الحركات الوطنية وتكوين الجمعيات .

نشطت الجماعات في تكوين جمعيات وحلقات دراسية بعضها في فرنسا ذاتها بين العمال، وانتشر نفوذ هؤلاء العلماء بصفة عامة في المدن الصغرى، بينما اعتمدت حركة قومية أخرى في انتشارها على المدن الكبرى وبخاصة على العمال، ونعني بها “نجمة شمال أفريقيا” و”حزب الشعب”، ومن الغريب أن هذه الحركة القومية المناضلة نشأت على أرض فرنسا ذاتها، في أوائل العشرينات نتيجة لوجود طبقة عمالية جزائرية كبيرة العدد في مختلف المدن الفرنسية، وكان ذلك، مما ساعد مصالي الحاج على تأسيس هذه الحركة لسهولة التكتل في الطبقة العمالية، ولتمتع الجزائريين بحريات أوسع على الأرض الفرنسية مما يتمتع به مواطنوهم على الأرض الجزائرية ذاتها، وتعلم من العمل في الخلايا الشيوعية، وسائل التنظيم الحزبي الدقيق ، ثم انصرف عن الحزب الشيوعي الفرنسي ، مؤثراً النضال في منظمة وطنية خاصة  « فكان ذلك المولد الحقيقي لنجمة شمال أفريقيا «   

 

ثم حدث بينه وبين الحزب الشيوعي بعد ذلك صدام نتيجة لأن الشيوعيين الفرنسيين لم يستطيعوا التخلص من الروح العنصرية عند معاملتهم للجزائريين.

“وأراد مصالي الحاج أن يجعل من النجمة حركة الشمال الأفريقي بأكمله، فطالب بالاستقلال لأقطاره كلها”، “وسرعان ما سيطر العمال الجزائريون على النجمة، واتجه اهتمام إخوانهم التونسيين والمراكشيين إلى الأحداث الداخلية في بلادهم ذاتها، وباستثناء الهدف العام في الحصول على الاستقلال”، وقد كانت عقائد المناضلين الأوائل في النجمة يشوبها الغموض “وصفت بأنها تجمع بين الشعارات الماركسية، والوطنية الجزائرية العاطفية، والتمسك بفكرة التضامن الإسلامي”. وعندما حلت الحكومة الفرنسية النجمة في 1929م، انتقل عدد كبير من أعضائها إلى الحكومة

 

السرية، وعادوا إلى اتصالهم بالحزب الشيوعي الفرنسي، إلى أن عادت النجمة إلى الظهور مرة ثانية 1933م، وعقدت مؤتمراً عاماً في فرنسا، واتخذت عدة قرارات جزئية، وطالبت بالاستقلال التام للبلاد، وميزت في قراراتها بين مرحلتين في تنظيم الاستقلال، تنظيم المرحلة الانتقالية، وتنظيم البلاد بعد الاستقلال، ويتضح من قراراتها، أنها “قد اعتنقت منذ البداية مبادئ ثورية شاملة في المبدأين السياسي والاجتماعي، وأنها بحكم نشأتها العمالية سبقت كثيراً من الحركات الوطنية في البلاد العربية الأخرى في ربط التحرر السياسي بالإصلاح الاجتماعي”.

الاتحاد الوطني لمسلمي شمال أفريقيا

 وفي 1934م أعاد مصالي الحاج تكوين النجمة تحت اسم جديد هو “الاتحاد الوطني لمسلمي شمال أفريقيا”، وكان نشاط النجمة حتى ذلك الوقت مقتصراً على فرنسا تمكن مصالي من إدخال النجمة إلى الجزائر لأول مرة في أغسطس 1936م.

 

ولكن حكومة الجبهة التي رحب بها كثير من شباب الجزائر جاء على يدها الحل النهائي للنجمة في 27 يناير 1937م، واستناداً إلى مبدأ حرية تكوين الأحزاب، أسس مصالى الحاج، “حزب الشعب الجزائري” في نانتين بفرنسا في 11 مارس 1937م، وفي 18 يونيو 1937م، نقل مصالى الحاج مركز حزبه إلى العاصمة الجزائر، وفي 1938م، حاول مصالى الاتفاق مع الشيخ عبد الحميد بن باديس، زعيم جمعية العلماء (من قسنطينة)، وأرسل له رسالة فلم يرد عليه الشيخ بن باديس، وقابل الشيخ بشير الإبراهيمي (من تلمسان)، هو زعيم آخر للعلماء، ولكن لم يتم الاتفاق بينه وبين العلماء، وظل اسم هذا الحزب رمز الحركة القومية حتى قيام الثورة، ثم تعرض مصالي الحاج وبعض رجال الحزب للاعتقال وحوكموا، وحكم عليه هو بالحبس لمدة سنتين.

الجزائر والحرب العالمية الثانية:

قامت الحرب العالمية الثانية سنة 1939م، فأوقفت نشاط جميع الهيئات الجزائرية سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية”. وكانت الحرب هي الفرصة التي اغتنمتها الإدارة الفرنسية للقبض على الزعماء الجزائريين وحل منظماتهم دون محاكمة.

ولكن في أثناء الحرب، ظهرت عدة مشروعات فرنسية، كان الهدف منها تهدئة نفوس الجزائريين الثائرة، ولكن إصابة مصالي الحاج بفقد البصر، جعلت رباط الحركة الوطنية يتمزق وشكل الأعضاء المنتخبون في اللجنة المركزية لمدينة الجزائر حزباً جديداً هو: “اتجاه اللجنة الثورية للاتحاد والعمل”، تكون من تسعة أعضاء وقرر التعجيل بالثورة، وكون جيشاً سرياً صغيراً أطلق عليه جيش التحرير الوطني ، وحدد يوم الأول من نوفمبر 1954م، موعداً لبدء الثورة.

4- المغرب الأقصى:

كانت ثورة فاس، هي السبب الذي دفع فرنسا إلى التصميم على فرض حمايتها على المغرب الأقصى، ووقعت معاهدة الحماية، في 30 مارس 1912م، وفي أبريل 1912م، أصدرت الحكومة الفرنسية مرسوماً خاصاً بإنشاء الإقامة العامة الفرنسية في المغرب الأقصى، هادفة إلى تجميع السلطات السياسية والعسكرية في يد ممثلها في الإقليم، الذي كان عليه أن يعمل عن طريق الحماية باسم السلطان وقد اختير لهذه المهمة الجنرال ليوتي وهو من العسكريين الفرنسيين الذين تمرنوا في إدارة الهند الصينية ، وقد أعطته الحكومة الفرنسية سلطات عسكرية وإدارية ومالية وسياسية كافية لتنفيذ مخططه ضد الثوار الوطنيين حماية للفرنسيين والسلطان المولى عبد الحفيظ صاحب السيادة القانونية أو الاسمية على البلاد، والذي تمت كل هذه العمليات

 

باسمه، بعد أن أجبرته الظروف على طلب مساعدة فرنسا لحماية عاصمته فاس من القبائل الثائرة، مع أنه قد وصل إلى الحكم لتخليص البلاد من نفوذ الفرنسيين والأجانب (وعلى أساس أنه قائد تحرير، ومع ذلك فإنه لم يستسلم للنفوذ الفرنسي كلية، بل رفض أن يوافق على أي مشروع يتقدم له الفرنسيون وقد كان عام 1912م، مليئاً بالأحداث والثورات، ولذا فإن العمليات الحربية للفرنسيين انتشرت في كل مكان، ولكن مع منتصف يوليو 1912م، تمكنت القوات الفرنسية من السيطرة على الموقف، مما أعطى الجنرال ليوتي الفرصة للبدء في عملية التنظيم الإداري اللازم معتمداً على سلطة فرنسا، “وكان على السلطان أن يوقع على المراسيم التي يعرضها عليه المقيم العام” وأنشأ الجنرال ليوتى كثيراً من الإدارات اللازمة لدراسة المسائل العديدة التي أصبح عليه أن يواجهها مثل إدارة المالية

 

وتنظيم إدارة البريد والبرق، وأنشأ إدارة الأشغال، وتطوير إدارة العدل التي كان عليها أن تعمل على تنظيم المحاكمة الفرنسية ، تم كل ذلك مع استمرار العمليات الحربية للقضاء على الثورات المنتشرة في كل مكان، حتى أنه حينما نشبت الحرب العالمية الأولى لم تستطع فرنسا أن تسحب قواتها الموجودة بداخل البلاد خشية ضياع هذه المناطق منها، وإنما سحبت القوات الموجوِِدة على الأطراف، مع وضع قوات من الاحتياط والمتطوعين الذين يجندون من الغرب ذاته، وكانت سنوات 1917، 1918م، سنوات هادئة في المغرب، ولكن السنوات التالية للحرب شهدت عمليات تصفية للنفوذ والمصالح الألمانية في المغرب ولصالح فرنسا، كما شهدت هذه السنوات تدهوراً واضحاً في الأوضاع الاقتصادية للمغرب، الخاضع لحكم الفرنسيين إلى منطقة الحماية الإسبانية في الشمال، مع ثورة الريف بزعامة الأمير عبد الكريم الخطابي، الذي صار علماً من أعلام التحرر في بلاد المغرب الكبير.

 

حيث كان الأمير عبد الكريم، مصمماً على رفض الحماية الأسبانية، ومصمماً على الاستقلال، وقاد حرب تحرير وطنية ضد الأسبانيين، واعتمد على الفنون الحربية الحديثة الموجودة في دول الغرب أساساً للقيام بعملياته، بينما عجز الأسبانيون عن تطبيق هذه الفنون في منطقة نفوذهم، وتمكن الأمير عبد الكريم في مد نفوذه وسلطته إلى كل بلاد الريف، وقد كانت هذه أول مرة يشهد فيها التاريخ اتحاد قبائل شمال المغرب تحت حكومة موحدة “وأصبحت أجدير هي عاصمة تلك الدولة الجديدة التي أنشأها عبد الكريم، ثم اضطر الأمير عبد الكريم الخطابي إلى محاربة فرنسا، وكان ازدياد انضمام رجال القبائل إلى الأمير عبدالكريم يزعج فرنسا ويثيرها ، ويجعلها تخشى على مركزها في المغرب الأقصى  بل في كل شمال أفريقيا ، وحقيقة فإن انتصارات الأمير عبدالكريم المتتالية على الفرنسيين لمدة ثلاثة أشهر ، أثار الحماس في جميع أرجاء المغرب والعالم الإسلامي بأجمعه، كما أثارت بعض أحزاب فرنسا .

1)التاريخ العربي الحديث

المراجع[+]

شارك المقالة:
السابق
من هو مؤسس عملة الريبل XRP
التالي
العرب بعد الحرب العالمية الأولى