منوعات تعليمية

الفلسفة المثالية وتطبيقاتها التربوية

الفلسفة المثالية وتطبيقاتها التربوية

الفلسفة المثالية وتطبيقاتها التربوية

  • مقدمة

تشكل التربية اهم الركائز التي تعتمدها الشعوب لبلورة وتحديد مشروعها المستقبلي الذي يحدد مكانتها وموقعها بين الأمم، ويقتضي ذلك ان يقوم هذا المشروع بالضرورة على منظور الانسان وعلى رؤيته للعالم  مفهومه للحياة وتأويل الواقع بمعنى ان يقوم على فلسفة، لذا نجد ان للفلسفة  والتربية أدوارا مصيرية بل فاصل في تحديد ثقافة المجتمع وقيمه وأسلوب عيشه، وتوضيح علاقة الانسان بذاته ومحيطه، حيث تحدد الفلسفة الاعتقادات و القناعات الأساسية سواء على  مستوى منظورها للواقع، او على مستوى كيفية اداراك المعرفة عنه تكون قريبه من حقيقته، او على مستوى الاعتقادات المتعلقة بالقيم و الاخلاق، وتتمثل مهمة التربية في ترجمة ذلك  الى أسلوب عيش ونمط تفكير، بحيث يمكن ان نعرف التربية بانها مجموعة من العمليات التي بها يستطيع المجتمع ان ينقل أفكاره و معارفه وأهدافه المكتسبة ليحافظ على بقائه.

1)لرياشي،2018،ص 37

وترجع نشأة الفلسفة المثالية إلى كتابات المفكر اليوناني أفلاطون الذي يعتبر أباً للمثالية (429-347ق.م) ثم ما لبثت أن أصبحت خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر من أكثر الفلسفات انتشاراً وذيوعاً وربما يعود ذلك لكونها من أقرب الفلسفات للديانات السماوية.”

2)محمد، 2003م، ص70

ولقد مثل الفكر المثالي واحداً من أهم الأصول العقدية الفلسفية للتربية واستقي منه عدد من التطبيقات التربوية التي لايزال العمل ببعضها قائما حتى عصرنا هذا. والمثالية Idealism مأخوذة من المثال وتعني في اللغة الإغريقية الصورة أو الفكرة ويعرفها لالاند  في معجمه الفلسفي بأنها الاتجاه الفلسفي الذي يرجع كل وجود إلى الفكر بالمعنى الأعم لهذه الكلمة. وبمعنى آخر هي المذهب الذي يقول إن الأشياء الواقعية ليست شيئاً آخر غير أفكارنا نحن، وأنه ليس هناك حقيقة إلا ذواتنا المفكرة أما وجود الأشياء فقائم في أن تكون مدركة عن طريق هذه الذوات ولا حقيقة لها وراء ذلك”

3)شبل، فاروق، فاروق 2001، ص223

 

  • مفهوم الفلسفة المثالية

الفلسفة: يوضح سقراط معنى الفلسفة بانها هي محبة الحكمة، والفيلسوف هو الانسان المحب للحكمة؛ لإنه لا حكيم الا الله، والحكمة له وحده، وكلمة (فلسفة) يونانية الأصل، مشتقة من فيلوس: أي الحب، وسوفيا: أي الحكمة. أي ان الفلسفة تعني الانسان المحب للحكمة؛ الباحث عن الحقيقة، وهي البحث عن العالم، وكل مسألة يمكن البحث فيها.

المثال: في اللغة: مشتقة من لفظ مثل وتدل على المادة المشابهة فنقول المثل: الشبه.

والمثال صورة الشيء والتي تمثل صفاته والقالب او النموذج الذي يقرر على مثله، والمثالي هو المنسوب الى مثال ويطلق على عدة معان: فالاستعمال الشائع لها بين الناس يعني وصفا لكل ما هو كامل من نوعه، ولكل ما يتصف بالسمو، والشخص الذي يسير على مبدأ معين محاولا الاقتداء بمثل اعلى.

كما يطلق لفظ مثالية على اطلاقات خاصه في الفن والادب وعلم الاجتماع، وهو المصطلح الذي ينظر الى العالم نظرة يرده فيها الى الذهن او الفكر او الروح او العقل او المثل العقلية، وهو المذهب الذي يجعل من العقل او الفكر البشري مركزا للأشياء، ثم ينظم فيه الكون حول هذا الوجود المركزي، فأن الكون مرتبط ارتباطا منظما بهذا الفكر المركزي.    4)سماعيل،2018، ص 255-258

و تطلق المثالية (Idealism) على جميع المذاهب التي تجعل وجود الأشياء الخارجية متوقفاً على وجود القوى التي تدركها، فإذا انعدمت هذه القوى استحال وجود العالم الخارجي، وبهذا تتوحد المعرفة والوجود في هذه الفلسفة 5)الطويل، 1978، 331

وابتداءً نشير إلى جذور الفلسفة المثالية، إذ ترجع جذورها إلى أفلاطون (429-347 ق.م) الذي يعد المؤسس الأول لهذه الفلسفة وقد أسس أفلاطون في أثينا مدرسة عظيمة عرفت باسم الأكاديمية في ذلك الحين، وقد عاش طوال حياته مكرساً كل جهوده للنهوض بتلاميذه من خلال محاضراته في الأكاديمية (وولتر، 1987، 112) “وقد اعتقد بوجود عالمين: العالم الحقيقي الذي توجد فيه الأفكار العامة الحقيقة المستقلة والثابتة، والعالم الواقعي الذي هو ظل العالم الحقيقي. والأفكار عنده نهائية وكونية، ولذلك فهي في غاية الأهمية. وهي بهذا المعني أزلية لا تقبل التغيير أو التبديل. وقد نشر أفلاطون أفكاره التربوية في كتابيه (الجمهورية) و(القوانين). وهذه الأفكار مأخوذة من تصوره الفلسفي من خلال نظرته إلى الدول والمواطن فيها، وتقوم الفلسفة المثالية على تمجيد العقل والروح، والتقليل من دور المادة.

6)الرشدان وجعنيني، 2002، ص 59

 

  • ومن أشهر رواد الفلسفة المثالية ومؤسسيها:
  • افلاطون

ولد افلاطون في أثينا (427-347 ق.م) في أثينا من اسرة عريقة وثرية، حيث نال حظا كبيرا من الثقافة وقرأ لشعراء اليونان ولاسيما هوميروس، ثم اقبل على العلوم، واظهر ميلا خاصا الى الرياضيات، حيث تتلمذ على يد اقراطيلوسس أحد اتابع هرقليطس، وفي سن العشرين تعرف على سقراط وأعجب بفلسفته.

وعندما اعدم سقراط بسبب السياسية و تحت شعار الديموقراطية يئس سقراط من السياسية، وايقنن ان الحكومة العادلة لا ترتجل ارتجالا، وانما يجب التمهيد لها بالتربية، فقضى حياته يفكر بالسياسة و يمهد لها بالفلسفة، وبدأ رحلاته حيث ذهب الى اقليدس اكبر تلاميذ سقراط لمدة ثلاث سنوات، ثم سافر بعدها الى مصر، و ارتحل الى عدة اقطار في اسيا و أوروبا، فاتجه الى إيطاليا و انضم الى سلك الجماعة الفيثاغورسية التي تضم أصدقاء الحق، ثم انتقل الى مصر و فارس و الهند والصين ، واستوعب الفكرة الشخصية التي تنادي باله واحد، وقانون واحد للعدالة بين الجميع، ودرس جميع أنواع الحكومات التي تنشأ في شتى الظروف الاجتماعية و المذاهب السياسية، وهكذا عاد الى أثينا وهو الرجل الذي خاض التجارب كلها و لمدة اثنتي عشر سنة ، حيث عاد وعمره في الخامسة و الثلاثين.

  • المصادر التي استمد افلاطون منها فلسفته:
  • فيثاغورس: استمد افلاطون وعيه بالاتجاه الديني، والايمان بالخلود، والقول بالحياة الاخرة
  • بارمنيدس: استمد منه افلاطون الايمان بان العالم الواقع أبدى لا يقع في الزمن، وان التغير لابد له من أسس منطقية
  • هرقليطس: استسقى منه المذهب السلبي الذي يقرر ان العالم المحسوس لا دوام فيه لشيء ما.
  • سقراط: اخذ من استاذه المسائل الخلقية، وميله الى البحث عن تعليلات العالم والتي تكون أقرب الى تعليلات غائية من الى تعليلات ميكانيكية، فقد شغلت راسه فكرة الخير كما شغلت سقراط من قبله.

وعندما وصل افلاطون الى الاربعين من عمره أسس أكاديمية علمية وهي اول جامعة في العالم القديم، وهدفه الأساسي من انشاءها هو ارشاد التلاميذ الى التوافق والتجانس القومي عن طريق التربية الفردية، حيث يرى ان قادة الدولة يجب ان يكونوا من خيرة رجالها المتعلمين، وتوفي افلاطون في أثينا في العام 347ق.م. (اليماني،2004، ص 46)

  • مذاهب الفلسفة المثالية 🙁 الشريفين، مطالقة، نصيرات،2013)

 

  • المثالية المفارقة عند افلاطون

وفيها يرى ان عالم المثل هو العالم الحقيقي والوحيد، وان الحقيقة شيء عقلي وغير قابل للتغير وان الحقائق الازلية وهي تتميز بالثبات والكلية ولا تخضع لعوامل التغير والفساد والحقائق موجودة في عالم المثل او الأفكار التي تتولد في العقل، والتي لا يصل اليها او يسبر غورها سوى العقل.

  • المثالية الذاتية عند باركلي

يرى باركلي انه لا يمكن اعتبار العالم الموضوعي موجودا مستقلا عن نشاط الانسان الادراكي، وعن وسائله بالإدراك، فكل الأشياء التي تسمى مادة ماهي الا موضوعات خاضعه للتجربة الإنسانية، ولا توجد الا بوصفها ادراكات، وكل هذه الادراكات ماهي الا تجارب ذهنية، ولا توجد الا بوجود الأشخاص المدركين، فهو يرى ليس ثمة وجود بمعزل عن الذهن.

  • المثالية النقدية عند كانت

وترى ضرورة البدء بفحص العقل، ومعرفة حدوده وتحديد قدراته؛ مثل الوثوق به او الاعتماد عليه، واستخدامه في تحصيل المعرفة، وتقوم على أساس التوفيق بين المذهبين التجريبي والعقلي والجمع بين صورة المعرفة التي يقدمها العقل، ومادة المعرفة التي تقدمها التجربة.

 

  • المثالية المطلقة عند هيجل

ويذهب الى أولوية الروح على المادية، والمصدر الأول للوجود ليس العقل الإنساني الشخصي بل العقل الكلي او الروح المطلقة. ويرى ان المعرفة كلها عقلية، وان الألوان المختلفة من المعرفة هي وجهات نظر متعددة لشيء واحد وهو العقل.

ويتفق هيجل مع المثالين في نظرتهم لطبيعة المعرفة باعتبارها في النهاية معرفة عقلية او روحية، وفي نظرتهم الى الواقع باعتباره في النهاية تجسيدا للعقل او الروح، ولا سبيل لفهمه او ادراكه الا عن طريق العقل المصدر الوحيد للوجود والمعرفة.

  • الفلسفة المثالية ونظرتها للقضايا الكبرى:

تتشكل النظرة المثالية لطبيعة العالم والانسان والحقيقة والمجتمع والقيم والتربية والتي تتلخص في الاتي: (اليماني،2004، ص64-65)

  • العقل: تفترض المثالية ان العقل قادر على الاتصال بالأفكار الثابتة والازلية الموجودة في الروح، وهو بهذا يسمو على الجسم ويسيطر عليه.
  • المجتمع: تقسم المثالية المجتمع الى طبقات، طبقة عاملة، وطبقة المفكرين وتتضح هذه النظرة عند افلاطون حيث قسم المجتمع الى ثلاث طبقات (الحكام والجنود والعمال). والطبقة العليا الحاكمة والمفكرة هي المسؤولة عن التوصل الى الحقائق الثابتة ونشرها بين جميع الطبقات الأخرى، لتوجيه حياتهم ونشاطهم، ولا يستطيع افراد الطبقات الأخرى ان يشاركوا في تطوير المجتمع، او في التعبير عن آرائهم في مشكلاته، لأنهم غير معدين لان يشاركوا في عمل القرارات. لأنهم يعملون على خدمة الاحتياجات الاقتصادية للمجتمع، او الحماية المدنية للدولة من الداخل والخارج فقط.
  • القيم: القيم الحقة هي القيم المثالية، وهي القيم المطلقة وليست متغيرة او متبدلة، وان الخير والجمال ليسا من صنع الانسان، بل هما جزء من نسيج الكون، وان قيم الفرد لا تصبح ذات دلالة يمكن الاعتماد عليها الا إذا ارتبطت بالحقيقة.
  • الحقيقة: الحقيقة النهائية موجودة في عالم اخر وهي مطلقة وعامة وشاملة، وهي خالدة لا تتغير ويمكن ادراكها عن طريق التفكير.
  • الخير والشر: يعد الخير أساس فلسفة افلاطون، فان فلسفته وان كانت تنصب على عالم الوجود كله فان الغرض الأقصى لتأمله الفلسفي هو الخير، الضي يدرك بوصفه أساس الوجود والمعرفة على السواء، فالمعرفة مهما تكن رياضيه او أخلاقية لا قيمة لها مالم يكن هدفها الخير لان الخير هو المعيار المطلق الذي تقوم عليه المعرفة ونقيسها.

وبالنسبة لجانب الخير والشر في الانسان يرى افلاطون ان الانسان شرير بطبعه، وما هبطت نفس من عالم المثل الا لاقترافها الخطيئة، وما وجودها في الحياة الا تكفير عن هذه الخطيئة، ومن ثم اعلى من شأن العقل لإنه سبيل النفس الى الخلاص من سجن الجسد

  • العالم: تؤمن بوجود عالمين، عالم الواقع الذي نعيشه فيه وعالم فانٍ وهو عالم المحسوسات، وعالم المثل هو عالم لاوجود له على الأرض الا في عالم  والقيم المجردة، وعالم المثل اسمى بكثير من عالم الواقع حيث يرى افلاطون ان الروح منبعثة من عالم المثل، وانها مسجونة بشكل مؤقت في الجسم، بحيث انها تعود مرة أخرى بعد الموت الى موطنها الأصلي، وعالم المثل، يماثل الاخرة وعالم الواقع يماثل الحياة الدنيا.( الرياشي،2018،ص52)
  • المعرفة: يعتقد المثالين ان المعرفة هي:(إسماعيل،2018، ص262)
  • مستقلة عن الخبرات الحسية ولا تستمد منها.
  • يؤكد افلاطون ان على ان المعرفة مكتسبة من خلال الحواس يجب ان تظل غير اكيدة لان المعرفة الحقيقة هي نتاج العقل فقط.
  • ان الانسان قادر على المعرفة من خلال عملية التفكير والتي هي وظيفة العقل، وبهذه العملية يستطيع ان يختبر مدى صحة أفكاره وتماسكها المنطقي.
  • ان المعرفة تكون صحيحة الى الحد الذي تشكل به نظاما. وكلما كان النظام أكثر شمولا كلما كانت الأفكار التي يتضمنها أكثرا اتساقا.
  • يؤكد المثالين على ان التفكير الحدسي وبخاصة في الحياة الشخصية مهم أهمية البحث التفكير العلمي.
  • يوصون بدراسة الادب والفن جميعا لتنمية المواهب الحدسية وتنظيمها مع تفحص الحدس ذهنيا وتجريبا كلما أمكن ذلك.

 

  • يجب ان يعكس المنهج الدراسي جماع المعرفة والحقيقة، ويعمل على توسيع فهم الطفل للكون والانسان نفسه.
  • ان التعليم لا يتكون من استيعاب مواد معرفية مختارة، بل من اكتشاف الحقيقة بنفسه تلك الحقيقة التي تحيط بنا وبداخلنا.
  • الطبيعة الإنسانية

نظر ” أفلاطون ” إلى الطبيعة الإنسانية على أنها تتكون من العقل (الروح) والمادة (الجسم)، والعقل عند “أفلاطون ” بمعنى الروح. والروح في نظره خالدة غير مادية، أما الجسم الإنساني يولد وينمو ويذبل. شأنه شأن الأشياء الأخرى التي تتغير، وتشبه ثنائية الطبيعة الإنسانية في نظر “أفلاطون” نظرته إلى الكون فكلاهما يتكون من عالم الروح، وعالم المادة فالكون ينقسم إلى عالمين: عالم سماوي علوي لا يحوي أشياء مادية، وإنما يضم مثلا عليا كالحق والخير والجمال ويسود فيه العدل المطلق وتوجد فيه الحقيقة المطلقة، وقد اصطلح على تسميته “عالم المثل “، وعالم مادي حسي متغير يمكن للإنسان أن يدركه بحواسه

وقد اعتقد “أفلاطون” بأسبقية “العالم الحقيقي” الذي توجد فيه الأفكار العامة الحقيقية، والتي لها وجودها المستقل، وهى لا تتبدل ولا تتغير، بل تظل ثابتة، بينما العالم الواقعي الذي نعيش فيه لا يمثل الحقيقة النهائية، بل هو خيال أو ظل للعالم الحقيقي، فالأشياء التي نراها في عالمنا الذي نعيشه ما هي إلا نسخ غير كاملة لمثل أزلية راسخة أو نماذج أصلية ، فواقعنا ظلال لما يوجد في عالم المثل ، وعلي ذلك فالعالم الحقيقي في نظر “أفلاطون” ليس العالم الذي نعيش فيه، بل هو عالم سابق، وعالمنا صورة لذلك العالم الذي يسميه عالم المثل . (شومان، الزاهراني،2012، ص)

  • التطبيقات التربوية للفلسفة المثالية
  • الأهداف التربوية:

تتمثل اهداف التربية المثالية في الاتي: (اليماني،2004، ص66)

  1. تركز المثالية على الاهتمام بالعقل، على أساس انه الواقع الإنساني، وهي تتفق مع النظرة الازدواجية للفلسفة المثالية، فالباقي هو العقل او الروح، لذا يجب ان يكون الانسان معقولا، ولا يصدر احكامه الا عن حكمة وتعقل. وعلى هذا يكون غرض وهدف التربية المثالية هو الارتفاع المتدرج نحو الوصول الى اثبات المطلق، ومحاولة الوصول الى اقصى درجات الكمال الروحي ليكون اهلا للوصول الى الكمال المطلق، والهدف الأعلى، وهو سعادة الفرد، والخير للدولة، والغرض الاجتماعي كذلك مهم وهو ان يصل الفرد الى كمال ذاته، وذلك بان تشتمل على قيم ومثل يشترك فيها الناس جميعا.
  1. تختلف الأهداف التربوية باختلاف الطبقة التي ينتمي اليها الفرد، فالمواطن الحر تناسبه التربية الحرة التي تهدف الى تنمية العقل، بوصف ان الذكاء اهم ما يميزه عن غيره، وتهدف التربية الحرة الى خلق المواطن المثقف القادر على مواجهة المشكلات وحلها بنجاح، والذي يمكنه ان يسلك السلوك الصحيح في أي جماعة، ويعامل كل فرد بأدب، وهو قادر على التحكم برغباته وذاته.
  2. الهدف التربوي ثابت في هذه الفلسفة على الاطلاق، لذا المنهج ثابت غير قابل للتطور معتمدا على ان المعرفة توصل اليها الحكماء ومن ثم يمكن نقلها من جيل الى اخر، لأنها ثابته لا تتغيرـ كما ان علم النفس والاخلاق والمنطق والدين والعلوم تعد من اهم مواد هذا المنهج.
  3. ان التربية العقلية لكي تصل الى فهم الحقيقة المطلقة يجب ان تكون على شكل قوالب معرفية ثابته، وليست على شكل نماذج تجريبية، تبعا لذلك لا يكون التعليم تجديدا وابتكارا، ولكنه تحقيق النمط الفكري الذي يهدف تدريجيا الى تحقيق الفكرة المطلقة بالنسبة للحقيقة او الخير اللذين وضعا سلفا.
  4. تهدف التربية المثالية الى التربية الفردية والجماعية، فالحياة الخلقية لا تتعارض فيها مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، اذ ان هذه الفلسفة تقرر خلود القيم الروحية، وتؤكد على عمومتها على جميع الافراد، بمعنى ان القيم والمثل العليا الخالدة حين يجهد الفرد عقله لكي يمثلها فإن ذلك يكون من خلال وسط جماعي، فالفضيلة تتكون من المعرفة او الأفكار الكلية للوصول الى الكمال العقلي.
  5. تهدف المثالية الى رفع المكانة الشخصية او تحقيق كمال الذات، فهي تضع الفرد في المكان الأول والمركز الأهم، وهذا لا يعني انها تلغي دور الجماعة، ولكن عندما ترتقي بالإنسان روحيا وجسديا فهي بذلك تنتمي الى الجماعة أيضا، والغرض الاجتماعي مهم لديها، إذا تعمل على ان يصل الفرد الى كمال ذاته، وذلك بان تشتمل على قيم ومثل يشترك فيها الناس جميعا.
  • المنهج

إن المنهج التي تتبعه الفلسفة المثالية منهج ثابت غير قابل للتطور، وهو قابل للنقل من جيل إلى جيل، لأن الحقائق والمعرفة التي توصل إليها الأولون ثابتة ومطلقة. كما أنه يمكن في المستقبل الوصول إلى المنهج الكامل وذلك بعد أن يتوصل الحكماء أو كبار رجال الدين إلي معرفة جميع الحقائق الضرورية ليحيا الإنسان حياة سعيدة. إن منهج المدرسة المثالية مقفل، وتطوره مقيد بحدود ولا يمكن تعديلها إذ يبقي القديم على قدمه، ويحتوي المنهج الدراسي على مواد العلوم الإنسانية لأنها تساعد على صقل قيم الطالب وتنمية روحه وتهذيب أخلاقه، بينما تحظي العلوم الطبيعية بدرجة أقل أهمية إذ لا صلة لها بالإنسان وروحه، ويغلب على المنهج الدراسي في الفلسفة المثالية الثبات وعدم التطور. فيسير المنهاج المثالي على مبدأ القديم على قدمه، وعدم قابليته للتطوير بمعني أن ما توصل إليه الأجداد من تراث ثابت ومطلق، لهذا تهدف المثالية إلى حشو أدمغة التلاميذ بالمعلومات والحقائق الثابتة المطلقة.

ويهتم المنهج المثالي بتدريب العقل على التفرقة بين الغث والسمين، والوضيع في جميع المجالات التعليمية كما ينبغي تعويد المتعلم على رؤية الجمال، وتذوق القيم في كل الموضوعات المنهج، كما ينبغي تعويده على الاتصال بذوي الأخلاق الكريمة حتى تستهويه الأخلاق الفاضلة والخصال الحسنة.

ويهتم المثاليون بالرياضة البدنية، لا من أجل الجسم، فهم لا يهتمون بالمادة، وإنما من أجل العقل، فالعقل السليم في الجسم السليم، فخدمة العقل ورعايته والعناية به لا تكتمل إلا إذا نال الجسم حظاً من الرعاية والعناية التي تجعله خليقاً بخدمة العقل وازدهاره، وانطلاقه إلى عالم المثل العلوي. (الشهاري،2012، ص 136-137)

  • طرق التدريس

إن الفلسفة المثالية تنظر إلي طرائق التدريس نظرة قديمة أثبت العلم الحديث أنها نظرة ضيقة وخاطئة، ولا تعالج موقفاً علمياً، ولا تسهم في تطوير قدرات الإنسان، وهذه النظرة قائمة على تطوير ملكات الطفل بالحفظ، والتلقين، والاستظهار، وهكذا إن هذه النظرة تجزأ القدرات العقلية للإنسان، وتجعلها تعمل بشكل منفرد في البناء العقلي للإنسان، كما تقتصر على الحفظ والتلقين والاستظهار بوصفها طريقة تعليمية في تطوير قدرات الإنسان، إذ تركز اهتمامها على جمع المعلومات فحسب، وتهمل الجوانب العقلية الأخرى، والترابط بين القدرات العقلية.

وقد أهملت هذه الفلسفة النظرة التكاملية لشخصية الإنسان، وقد غاب عنها أن القدرات العقلية للإنسان ما هي إلا جزء من كل متكامل، وأن هذا الجزء يؤثر ويتأثر بكل الجوانب الأخرى، ومع كل ذلك فإن طريقة الحفظ، والتلقين أثبتت جدارتها في بعض المواد التعليمية تحديداً كحفظ نصوص أدبية، أو شيئاًَ من القرآن الكريم، وبعض الأرقام كجدول الضرب في الرياضيات. (الشهاري،2012، ص142)

  • المعلم

يحتل المعلم مكانه عظمى في الفلسفة المثالية لذا يجب ان يكون المعلم:

  • متصفا بالأخلاق الحميدة
    • ذو تحصيل عالي، وداريه علمية كافية لأنه الشارح لقوانين القوى الكبرى
    • الناصح الحكيم ومكتشف المجهول
    • صاحب شخصية جذابة، وقائد أكاديمي متنوع.
    • قدوة للمثل الأعلى، لكي تؤثر شخصيته بالتلاميذ
    • في مكان الاب وله نفس القوة والمسؤولية.
    • مهمته التربوية توليد الأفكار والمعاني من عقل التلميذ، حيث ان المعاني فطرية كامنة في الانسان، وتحتاج الى تنميتها.
    • قدوة حسنة لتلاميذه من الناحية الخلقية والعقلية على السواء.

     

     

    • التلميذ
    • نظرت الفلسفة المثالية الى التلميذ على انه كائن روحي غايته الرئيسية في الحياة هي التعبير عن طبيعته الخاصة
    • يجب ان يتعلم التلميذ احترام القيم الروحية وقيم الافراد الاخرين.
    • يجب ان يتعلم التلميذ احترام المجتمع الذي ولد فيه ويحترم وطنه.
    • يجب ان يهدف التعليم الى تنمية عقل وروح التلميذ.
    • على المدرسة ان تؤكد على أهمية الأنشطة العقلية والاحكام الخلقية والجمالية وتحقيق الذات والحرية الفردية والمسؤولية الفردية والانضباط الذاتي
    • لابد من التركيز على قيمة العقل وتهذيب الروح والسيطرة على الأفكار.
    • على التلميذ ان يدس البيئة المحلية التي يعيش فيها حتى يتسنى له ان ينمي في نفسه إحساسا قويا بالولاء للمثل العليا السياسية لمجتمعه ولأمته.
    • النشاط اللاصفية

    الفلسفة المثالية لا ترى أهمية للنشاطات اللاصفية في منهجها الدراسي، بسبب نظرتها الازدواجية. كما ترى أن النشاطات اللاصفية لا تسهم في تدريب عقول الطلبة أو ملئها بالحقائق بل تهتم ببناء الجسم السليم الذي تعده هذه الفلسفة أقل بكثير من العقل الإنساني، وإذا قبلت بهذه النشاطات اللاصفية فإنها تقبلها على أساس أنها شر لابد منه.

    إن اهتمام الفلسفة المثالية الرئيس هو ملء عقل الطالب بالمعلومات والحقائق، مما جعلها لا تهتم بغير هذا الجانب من شخصية الطالب، ومن ثم أهملت الاهتمام بالنشاطات التي تطور جوانب الشخصية الأخرى الجسمانية، والاجتماعية، والثقافية، والانفعالية…. إلخ.

    ومن هنا عدت الفلسفة المثالية أن النشاطات اللاصفية غير مهمة، وإذا تم الأخذ بها فإنها تنظر إليها نظرة ثانوية (الشهاري،2012، ص 145)

    • التقويم

    يقيم التلميذ في هذه الفلسفة بالامتحانات الرسمية كوسيلة لمقارنة انجاز التلاميذ وفرزهم إلى أذكياء وأقل ذكاء المعلم هو الذي يحكم على انجاز التلاميذ وفق المقاييس المقننة التي تقررها جهات خارجية أو المعلم ذاته ويستخدمون في ذلك أسئلة المقال والتسميع والقدرة على الحفظ والاستظهار للنصوص (الخوالدة،2013م، ص68)

    • العقاب البدني

    تؤمن هذه الفلسفة باستعمال العقاب البدني في سبيل الوصول إلى أهدافها والمحافظة على النظام والهدوء في الصف لأن ذلك من شأنه أن يدرب ملكة الصبر أو الإرادة عند التلاميذ وهي لا تؤمن بالطرق الحديثة التي تتبع في الإرشاد أو التوجيه من أجل الوصول الى حل للمشكلة فقد أهملت العمل الجماعي لحل مشاكل الطلبة كما أهملت الأبعاد الحقيقية لمشاكلهم.

    أجازت المثالية مفهوم العقاب البدني دافعا للتعلم، وقد ترتب على هذا المفهوم مشكلات نفسية وجسمية وعقلية ووجدانية وغير ذلك من سلبيات وصعوبات تعمل على التقليل من أثر التعلم عند الطلاب (الشهاري،2012م، ص 144).

    • الانعكاسات التربوية للفلسفة المثالية:

    يذكر (اليماني،2004، ص68) أبرز الانعكاسات التربوية للفلسفة المثالية وهي:

    1. الاعلاء من شأن العقل لأنه أساس الواقع الإنساني وغرض التربية المثالية، وهدفها هو الارتفاع المتدرج نحو الوصول الى الثبات المطلق، ومحاولة الوصول بالإنسان الى اقصى درجات الكمال الروحي ليكون اهلا للوصول الى الكمال المطلق والهدف الأعلى، وهو السعادة للفرد والخير للدولة
    2. ان الهدف الاجتماعي مهم لان الفلسفة مع انها اكدت خلود القيم الروحية الا انها اكدت أيضا اشتراك الافراد بهذه القيم، بمعنى ان العقول المختلفة إذا ابتدأت التفكير من نقطة واحدة تصل الى نتائج متشابهة، وعمومية الحقائق على هذا النحو تحتم ان المجتمع لكي يصل الفرد فيه الى الكمال ذاته لابد ان يشتمل على قيم ومثل يشترك الناس فيها جميعا.
    3. التربية المثالية هي عملية تدريب أخلاقي لأفاق تربوية تنمي الاستعدادات الطبيعية في الانسان، والهدف الأول في التربية هو اعداد الطالب عقليا وخلقيا بغية تحقيق جميع القيم والمثل التي تريدها. ولتحقيق هذا الهدف العام لابد ان يركز المنهج المثالي على الفلسفة والمنطق والرياضيات والدين.
    4. لا تحتل التربية غير النظامية أي مركز لأنها لا تسهم في تدريب عقول التلاميذ او ملئها بالحقائق اعتماد على ان المعلم يجب ان يحيط بكل ما هو خير وسام، ولا يتاح هذا في التربية الغير نظامية، وعليه فان المدرس يتلخص دوره في ملء عقول التلاميذ بالحقائق والمعلومات الثابتة، اذ يقوم بتهيئة الجو المناسب ليعلمهم، ويجهز لهم البيئة المثلى للعيش والحياة، ثم بأخذ بيدهم ويرشدهم بنظرياته ودروسه الى اقصى درجات الكمال الذاتي فيحقق بذلك هدف التربية.
    5. وبناء على ما تقدم انفا فانه يمكن قيام نظام تربوي موحد لا يتأثر باختلاف النظم الاقتصادية والاجتماعية في العالم، وبهذا تفصل الفرد عن بيئته، وتلاده الى ذاته ليتجه الى العالم الاخر، وتصبح مفاهيم القرد ومبادئه الخلقية، ومعايير احكامه في ميادين الحق والخير والجمال منبثقه من داخله، وبذلك تنفصل الذات عن البيئة الثقافية التي نعيش فيها، وتصبح عنصرا خارجا عنها منذ ظهورها على مسرح الحياة واختفائه منها.
    • الانتقادات التي وجهت للتربية المثالية:

    في هذا السياق تذكر (الشهاري،2012، ص 148-149) أن النقد الموجه للفلسفة المثالية يتركز بشكل أساسي في عدة جوانب أهمها أنها:

    – أهملت الجوانب المهارية والأنشطة الإنسانية الأخرى، وركزت على الجانب المعرفي.

    – أعلت من شأن الروح، وأهملت أمر الجسد، ولذلك فهي ركزت على المعلومات والمعارف، وجعلت لها كياناً مستقلاً بعيداً عن اهتمام الطالب وميوله مما أدى إلى انفصال التلميذ والمدرس عن البيئة الاجتماعية والمادية التي يعيش فيها كل منهما.

    • أن المنهج مصمم من أجل صقل العقل، وصفاء الروح، ونقل التراث الثقافي، وتقدم المواد الدراسية بصورة منطقية مرتبة لكنها لا تدرس على أساس فهم العلاقات فالتاريخ مثلاً يدرس بوصفه تاريخاً أي حسب التعاقب الزمني، لا على أساس أنه منهج مشكلات الحاضر وتوقعات المستقبل، ولا يهتم أصحاب المنهج المثالي بتعلم المهارات لاعتقادهم بأن هذا التعلم يفسد التلميذ ويتلف عقليته. ولذلك فالمثاليون يضعون المنهج الدراسي ثابتاً مطلقاً غير قابل للتغيير، وذلك إيماناً منهم بأن الطبيعة الإنسانية ثابتة لا تتغير.
    • تنظر إلى طرائق التدريس نظرة قديمة أثبت العلم الحديث أنها نظرة ضيقة وخاطئة، ولا تعالج موقفاً علمياً، ولا تسهم في تطوير قدرات الإنسان، وهذه النظرة قائمة على تطوير ملكات الطفل بالحفظ، والتلقين، والاستظهار، ومع كل ذلك فإن طريقة الحفظ، والتلقين أثبتت جدارتها في بعض المواد التعليمية تحديداً كحفظ نصوص أدبية، أو شيئاً من القرآن الكريم.
    • أهملت هذه الفلسفة النظرة التكاملية لشخصية الإنسان، وغاب عنها أن القدرات العقلية للإنسان ما هي إلا جزء من كل متكامل، وأن هذا الجزء يؤثر ويتأثر بكل الجوانب الأخرى.

    –  نظرت إلي المعلم نظرة آلية بحتة حيث جعلته أكثر جموداً وأقل مرونة، وتنظيماً في العملية التعليمية، بمعني إجادته لآلية ملء عقول الطلبة بالحقائق والمعلومات فحسب.

    – تعاملت هذه الفلسفة مع قضية تعليم الطفل للهدوء والتنظيم داخل الصف الدراسي بتطرف، حيث اعتمدت العقاب البدني، وعللت ذلك بأن هذه الوسيلة كفيلة بتعليم الصبر عند الطالب، وأهملت بذلك إنسانية الطالب التي قد تستجيب عن طريق الإرشاد والتوجيه في تغيير سلوكها.

    – نظرتها ضيقة في التعامل مع مفاصل العملية التعليمية، وإلغاء وظائف مهمة لأطراف رئيسة في هذه العملية، فهي لا تؤمن بالمشاركة في العملية التعليمية، كأولياء الأمور ومجالس الآباء مثلاً، لأنها تعتمد فقط على المعلم، فهو الحاكم بأمره في الصف حتى أصبح هو محور العملية التربوية، والمصدر الرئيسي لعملية التعلم.

    – ترى أن النشاطات اللاصفية غير مهمة، وإذا تم الأخذ بها فإنها تنظر إليها نظرة ثانوية، لأن اهتمام الفلسفة المثالية الرئيس هو ملء عقل الطالب بالمعلومات والحقائق، ومن ثم أهملت الاهتمام بالنشاطات التي تطور جوانب الشخصية الأخرى الجسمانية، والاجتماعية، والثقافية، والانفعالية.. الخ.

    الفلسفة البراغماتية وتطبيقاتها التربوية

     

    • مقدمة

    يعيش العالم في القرن الحالي تقدمًا ملحوظًا في مجال الفكر المادي، وهذا الفكر هو امتداد لما كان عليه في القرن الماضي، حيث ظهرت فلسفات عديدة، وكان على رأس هذه الفلسفات الفلسفة البراغماتية وتعد هذه الفلسفة من أهم الفلسفات التي ظهرت في منتصف التاسع عشر وحتى الوقت الحالي.

    وتعتبر هذه الفلسفة بنظرتها ومبادئها وأفكارها التي تبناها ثروة على كل الفلسفات التي سبقتها والتي تؤمن بالأمور النظرية للطبيعة الانسانية على أنها مرنة ووظيفية  (الطيطي وآخرون، 2002م، ص93).

    وتعتبر الفلسفة البراغماتية من الفلسفات المهمة؛ لأنها عبرت عن واقع المجتمع الأمريكي وعن مدى نجاح أفراده في التكيف مع الواقع الذي يعيشونه، وكان لهذه الفلسفة رواد أمثال تشارلز بيرس، ووليم جيمس، وجون ديوي.

    • نشأة الفلسفة البراغماتية

    تعود الجذور الأولى للفلسفة البراغماتية إلى زمن هراقليطس اليوناني الذي يؤمن بفكرة التغير المستمر وبأن الحقيقة الثابتة المطلقة لا وجود لها ويرجعها آخرون إلى غيره من الفلاسفة التجريبيين المحدثين لكنها في الحقيقة فلسفة حديثة قائمة على أفكار قديمة (ناصر، 2010، ص87).

    ومن الأصول التي استمدت منها هذه الفلسفة مبادئها منها: الحركة الواقعية في القرن التاسع عشر ومبادئ روستو الطبيعية، والحركات النفسية التي قادها بستالوتزي وهربارت وفروبل والحركة العلمية والحركة الاجتماعية والمبادئ الديمقراطية وخصائص المجتمع الامريكي والنتائج العلمية ومن هذه المصادر جميعًا اشتقت الفلسفة البراغماتية (ميادة الباسل، 1997م، ص295).

    أما عن نشأة البراغماتية المعاصرة كمذهب عملي كانت في الولايات المتحدة الأمريكي مع بداية القرن العشرين: وقد وجدت في النظام الرأسمالي الحر الذي يقوم على المنافسة الفردية خير تربة للنمو والازدهار، حيث تشكلت أمة جديدة في أمريكا من المهاجرين الذين قدموا إليها من مختلف بقاع العالم، حيث ساهم المجتمع الأمريكي لحداثته في تشكيل أفكاره ومنطلقاته من بعثات التبشير والأفكار الفلسفة المختلفة، حيث ساهم هذا الفكر في البناء ودخل في صراع مع الطبيعة من خلال الاعتماد على النفس والتحرر من القيود وحب المغامرة والاستكشاف، واستخدام العقل واحترام العمل اليدوي والتطلع إلى التغيير والتجديد إلى  المستقبل باستمرار (جعنيني، 2010، ص185-186).

    • مفهوم الفلسفة البراغماتية

    البراغماتية مشتقة من اللفظ اليوناني برجما (PRAGMA)، وتعني عمل الشيء، وفعله أو الفعل المؤثر، وهناك وجهة نظر أخرى نادى بها بعض رجال الفكر وهي ترى أن أصل الكلمة مشتقة من كلمة (pramirikos) والتي تعني العملية (practicabillity) (ميادة الباسل، 1997، ص295).

    وعرفها المعجم الفلسفي بأنها: مذهب يرى أن معيار صدق الآراء والأفكار إنما هو في قيمة عواقبها عملًا وأن المعرفة أداة لخدمة مطالب الحياة، وأن صدق قضية ما هو كونها مفيدة، والبراغماتي بوجه عام: وصف لكل من بهدف إلى النجاح، أو إلى منفعة خاصة، والفلسفة البراغماتية فهي فلسفة تصور العصر العلمي الذي نعيش فيه اليوم بصفة عامة، وتصور الحياة العملية التي يعيشها الأمريكيين في مدينتهم الصناعية الحديثة بصفة خاصة (الحجيلي 1431هـ، ص278).

    ويتضح لنا أن البراغماتية كفلسفة تتخذ من العمل والنفعية معيارًا لها، وهي تقدم مدرسة فلسفية تؤكد أن القيمة والعقائد والمعايير الاجتماعية ينبغي أن تكتسب من وجهة نظر عملية.

    • رواد الفلسفة البراغماتية
    • جون ديوي: يعتبر المؤسس الحقيقي للبراغماتية، وهو أول من أسسها كمنهج فلسفي وليس كمذهب ينطوي على نظريات، كان تجريبيًا يحب الحياة العملية إذ تأثر بالمنهج التجريبي الانجليزي، ومنتقد المنهج التجريبي التقليدي.
    • وليم جيمس: قام بتهذيب هذا المذهب وإعادة صياغته، وتوسيع نطاقه ليشمل الاعتقادات الدينية، حيث أوضح أن البراغماتي لا يعنيه كيف تأتي الأفكار والمعتقدات، غير أنه يهمه أن يسأل عن صحة هذه الأفكار وصدق هذه المعتقدات.
    • تشارلزبيرس: ذاعت شهرته باعتباره تربويًا يريد بناء مناهج تربوية على أساس الاجتماعية الجديدة، كما كانت فلسفته أقوى قوة عقلية في الولايات المتحدة بعد التكنولوجيا .
    • مبادئ الفلسفة البراغماتية

    المتتبع للفلسفة البراغماتية يرى أنها تحتوي على مجموعة من المبادئ وتتباين بصورة عامة تبعًا للفلاسفة الذين ينتمون لها، ولكنها تشترك في مجموعة من المبادئ، ومن أهمها:

    1- تعتبر هذه الفلسفة أن الوصول إلى حقيقة الكون ووجوده أمرًا مستحيلًا فلا دليل على أن الحقائق ثابتة لا تتغير.

    2- لا يتم معرفة الأشياء ومعناها الحقيقي إلا بالتجريب.

    3- يستطيع الانسان التحكم بتشكيل مستقبله عن طريق استخدام الخبرة الانسانية في السيطرة على البيئة.

    4- القيم نسبية وليست ثابتة، فالقيمة تؤخذ بمعيار المنفعة أو اشباع حاجات ضرورية وملحة.

    5- الطريقة العلية أفضل الوسائل والأساليب لاختبار ومعالجة الافكار.

    6- أن الديمقراطية أسلوب حياة وعمل ومن خلال استخدام العقل.

    7- يرى البراغماتيون أن العقل نشيط وايجابي وليس سلبي فهو لا يستقبل المعرفة بل يعالجها بتفاعل مع البيئة.

    8- ترى هذه الفلسفة أن المجتمع الذي نعيش فيه متغير، وأن الانسان بمساهمته الفعالة والخلاقة يقوم بتطويره وبناءه وحل مشكلاته (الطيطي وآخرون، 2002م، ص93).

    أسس الفلسفة البراغماتية

  • التربية: ترى البراغماتية أن التربية هي الحياة نفسها، إلى حركة تعليم ونمو وتجديد للخبرة في اطار النظام الاجتماعي وطبيعة البشرية التي تؤكد على الوحدة العضوية بين المنطق والانسان وقدرة الانسان على التعلم وتفاعله مع العلاقات الاجتماعية والتباين في الطبيعة الانسانية
  • طبيعة الانسان: ترى البراغماتية أن الانسان ليس منفصلًا عن الطبيعة بل هو جزء لا يتجزأ عنها تحكمه العلاقات بين الطبيعة والمجتمع وإن حركة الطبيعة لأفكارنا مستمدة من حالة واحدة وأنه حالة بيولوجي ذات امكانات منظورة بحكم تفاعله مع معطيات البيئة من حوله.
  • مفهوم الكون: ينكر البراغماتيون الثنائية في تكوين الكون فهم لا يؤمنون بوجود جانب غير مدرك بالحواس بل الكون من وجهة نظره متعين وليس مجرد، فهم ينكرون الجانب الروحي تمامًا.
  • الحقيقة :وهي وليدة التفاعل الانساني مع البيئة، لذا فإن الانسان والبيئة المسؤولون عن الحقيقة والبراغماتية تميل إلى الانسانية في مزاجها وكأنها تتماشى مع المبدأ السفسطائي في الثقافة اليونانية القديمة «الانسان مقياس كل شيء».
  • القيم: ليست ثابتة ولا نهائية مرتبطة على الوجود الاجتماعي غير المكتمل في هذه الحياة لذلك لا بد من نسبيتها وتفسيرها وهناك قيم اجتماعية وأخلاقية وجمالية ودينية
  • المعرفة: ينكر البراغماتيون كل ما قبلي في المعرفة ويرون أن مشكلة المعرفة هي لا زالت مجرد معرفة نظرية دون فائدة حيوية عملية
  • التطبيقات التربوية للفلسفة البراغماتية
  • الأهداف التربوية
  • المنهج
  • أساليب التعليم
  • المعلم
  • المتعلم
  • التقويم
  • الأهداف التربوية في ضوء الفلسفة البراغماتية

ترى الفلسفة البراغماتية أن أهداف التربية تساعد الفرد في نموه وفي تعلمه وفي تكيفه مع بيئته وحياته. وتؤكد على ألا تكون هذه الأهداف مفروضة من الخارج؛ لأنها عندئذ لا تمثل أهداف الفرد الحقيقية ولا تنبع من نشاطاته فالأهداف الحقيقة عندها هي تلك التي يحددها الفرد بنفسه أو يشترك في تحديدها في ضوء خبراته السابقة وحاجاته.

  • وأهم الأهداف التربوية عند البراغماتية:
  • مساعدة الفرد على النمو المتكامل لشخصيته وعلى تفتح استعداداته وطاقاته وتنميتها.
  • مساعدة الفرد على التكيف المستمر مع بيئته الاجتماعية والطبيعية وتزويده بالخبرات التي يتطلبها هذا التكييف.
  • إعداد الفرد للحياة المستقبلية دون إهمال لمتطلبات حياته الحاضرة.
  • إعداد بناء الخبرة الاجتماعية وتحسين المجتمع وتطوره من خلال تنظيم عملية المشاركة في الوعي الاجتماعي وتوافق نشاط الفرد على أساس هذا الوعي.
  • إكساب الفرد المعرفة التي تعمل على تنظيم الخبرة والتوجيه للخبرة التالية.
  • إكساب الفرد لاهتمامات التي تتعلق بمظاهر الحياة السليمة التي تجعله أكثر سعادة وتسهم في ارتفاع مستوى بنائه الشخصي.
  • تمكن المجتمع من صياغة أغراضه الخاصة وتنظيم وسائله وموارده (التل وشعراوي، 2007م، ص43).
  • الغاية عند البراغماتي

هي مساعدة الطفل ليصبح ذا قيمة اجتماعية في الحاضر والمستقبل والعيش بتوافق مع الآخرين خلال تطوره الفردي ومساندتهم على فهم بيئتهم وحل المشكلات بأنفسهم بصورة علمية ومهارات كيف تتعلم باستمرار واحترام الديمقراطية وقيمها وممارستها في الاطار السياسي والاجتماعي (الخوالدة 2013م، ص111).

  • الصفات التي تتميز بها الأهداف:

يجب أن يبنى هدف التربية على الفعاليات الذاتية للمتعلم، بما في ذلك استعداداته الفطرية وعاداته المكتسبة، وينبغي أن يكون قابلًا للتحول إلى طريقة للتعاون مع فعاليات المتعلمين، وما لم يؤد الهدف إلى وضع أساليب معينة للعمل فلا قيمة له، فإذا كانت تطبيقه واجبًا في كل حال فما جدوى ملاحظة التفاصيل التي ليس لها في الأمر عد ولا حسبان، كما ينبغي على المربين الحذر من الأهداف التي يزعم بأنها عامة أو نهائية، فلا شك في أن كل هدف مهما بلغ من التحديد يبقى هدفًا عامًا بما يتفرع عنه من العلاقات لأنه يفضى إلى ما لا حصر له من الأشياء (علي، 1995).

  • المنهج في ضوء الفلسفة البراغماتية

إن المنهج في الفلسفة يعد عنصرًا أساسيًا في العملية التربوية لأنه محور انتقاء الغايات والوسائل كما انه أداة العملية التربوية التي تعين المتعلم على مواجهة المشكلات اليومية وحلها بطريقة وظيفية فعالة، ويتضمن العديد من أوجه النشاطات على أنه ينبغي عند وضع المنهج أن يكون صحيحًا وسليمًا يتضمن المتعلم الانتفاع به انتفاعًا حرًا داخل المدرسة وفي أثناء حياته اليومية.

وتشكل المنهاج الدراسي وحدة ديناميكية هادفة وليست مجرد تنظيم معرفي جامد، أما العمليات المعرفية ومواردها تحدد في الفلسفة البراغماتية في حدود الاعتبارات العملية أو الفرضية وليس هناك مجال للقول بأن المعرفة تحدد في حدود الاعتبارات النظرية التأملية الدقيقة أو الاعتبارات الفكرية المجردة (التل، وشعراوي، 2007م، ص45).

تطالب الفلسفة البراغماتية أن المنهج الدراسي لا يقتصر على القراءة والكتابة والعد بل يشمل الطبيعة والأشغال والرسم، إذ يعتقد البراغماتيون أن هذه الأنشطة تعمل على تنمية الفضائل الأخلاقية وضبط النفس والاستقلالية (الفرحان، 1999م).

ويضيف جعنيني (2004، ص203-204) أن البراغماتية لا تعطي اهتمام بالتراث الثقافي وتركز فقط على الحاضر والمستقبل، كما أنها لا تهتم بتقديم مناهج منتقاة ومرتبة من قبل الكبار وموضوعاتها تقليدية  فهي تقدم المعرفة مفصولة عن التجربة ومجزئة إلى أقسام، وترى المنهج مجموعة من المهارات والفنون اليدوية العملية، وحل للمشكلات، واهتمامها ببناء المناهج على أساس تعاوني من قبل المختصين والعمل على تطويرها من خلال الخبرات النافعة.

ومن وجهة نظر البراغماتية فالمنهج يجب أن يتكامل مع الأنشطة اللاصفية التي تشبع ميول الأطفال ومواهبهم لضرورتها الملحة من أجل نمو متكامل لذلك ركزت المناهج على استخدام المختبرات والمكتبات بشكل واسع (الطيطي وآخرون، 2002م، ص95).

وإن الكتب المدرسية هي أساليب جديدة يمكن أن تطبق في مجال المشكلات الجديدة أيضًا، والبراغماتي يقبل معظم المواد الدراسية في المنهج شريطة أن تكون منظمة بصورة منطقية للمتعلمين الذين هم في مرحلة المنطق التجريدي ولكن الصغار لا يتفق معهم التنظيم المنطقي للمادة بل يتفق معهم التنظيم السيكولوجي للمادة في ضوء احتياجات المتعلمين واستعداداتهم وحتى يتمكن المتعلم من التعلم لأن المادة قد نظمت في ضوء استعدادات وخصائصه السيكولوجية (الخوالدة، 2013م، ص113).

  • أساليب التعليم في ضوء الفلسفة البراغماتية

يرى البراغماتيون أن الطالب عبارة عن حزمة من نشاط الاتجاهات النظرية المكتسبة ويعد نشاط الطفل أساس كل تدريس عنده حيث يرون أن الطفل نشط تلقائي وأنا كل ما يفعله التدريس في رأيهم هو أن يوجه هذا النشاط حيث النشاطات الهادفة الفعالة المنظمة مفضلة على النشاطات طائشة الآلية فليس  الهدف من التعليم تعلم الطفل ما لا بد له من تعلمه وإنما تشجيعه لكي يعرف بنفسه نتيجة نشاطه الذهني التجريبي، كما يرى البراغماتيين أن النشاط المرغوب فيه الذي يؤدي إلى سلسلة من التغيرات (التل، وشعراوي، 2007م، 46).

كما تهتم البراغماتية باحترام الرغبات الذاتية ودمجها في العملية التعليمية، وتعطي اهتمامًا كبيرًا بتعليم الأطفال كيف يحلون مشكلاتهم اعتقادًا منها بأن ذلك سيزود الطالب بالمعرفة والمهارات (جعنيني، 2004م).

وتعتقد البراغماتية أن الطفل يتعلم عن طريق النشاط أكثر منه عن طريق التلقين ويعزز البراغماتية أساليب التعليم عن طريق التجريب والمحاولة والأخطاء وحل المشكلات التي تقوم على الطبيعة البيولوجية والاجتماعية والافادة من تعاون الطلبة في الفريق للتعلم التعاوني لتعلم الطلبة مهارات الاعتماد على النفس والبحث العلمي (الخوالدية، 2013م، ص113).

نبه جون ديوي إلى أساسيات يرى ضرورة التنبه إليها وصياغتها قبل الشروع في اختيار الطريقة المناسبة للتدريس منها:

  • الربط بين خبرات المتعلمين والمعرفة النظرية والعمل التطبيقي.
  • مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين.
  • مراعاة ميول المتعلمين ودوافعهم الطبيعية ومحاولة استغلال هذه الميول في جذب انتباههم ودفعهم إلى النشاط الذاتي الأخلاقي.
  • ضرورة منح التعلم حرية الحركة حتى يتمكن من التعبير عن سجاياه على أن تعمل هذه الحرية كوسيلة لخلق القدرة على الضبط الذاتي لديه وتنمية حريته الحقيقية وتنمية قدراته على تنفيذ الغايات المختارة على أساس التفكير السليم وقدرته على تحديد الأهداف وتقدير قيم الرغبات (التل وشعراوي، 2007م، ص46).
  • المعلم في ضوء الفلسفة البراغماتية

إن المعلم في التربية البراغماتية هو:

  • موجه ومرشد ولا بد أن يفهم طبيعة المتعلمين.
  • يفسر المعلومات ويتجنب الحشو والتلقين.
  • يعلم المتعلمين استراتيجيات التعلم وطرق التفكير.
  • يدفع الطلبة إلى التجريب وفحص الأفكار الجديدة ويكون مشارك في المناقشات.
  • يشجع المتعلمين على التعلم الذاتي ومشاركة الآخرين دون أن يكون هناك أي نوع من المراقبة الشديدة.
  • التنويع في طرق التعليم وذلك لاستشارة طاقاتهم في المواقف التعليمية.
  • التشجيع على التعلم من خلال العمل وحل المشكلات.

ترى البراغماتية أن المعلم حتى يؤدي رسالته على أكمل وجه فإنه ينبغي عله أن يتصف بعدد من الصفات منها:

  • الاستقامة في العلم والابتعاد عن الحياء والارتباط والاحتجاز لأن ذلك يسهم في تيسير المادة الدراسية للمتعلمين.
  • الابتعاد عن الاعتزاز بالنفس وفرط الشعور بالذات بسبب العوامل التي تؤدي بناء الحواجز النفسية بينه وبين المتعلمين.
  • استيعاب المادة الدراسية التي يوم بتدريسها وأن تكون حاضرة في ذهني وهو ينصرف إليها ويكون مشغول تفاعل المادة مع حاجات المتعلمين وقدراتهم وليس مع المادة نفسها.
  • المعرفة الوثيقة بالظروف البيئة المحيطة (الطبيعة والتاريخية والاقتصادية وغيرها) حتى يتمكن من استغلالها وجعلها مصادر تعليمية.
  • القدرة على تعزيز الاتجاهات التي تؤدي على النمو المستمر وتفهم المتعلمين بوصفهم أفرادًا فهمًا يقوم على العطف ويدرك ما يدور فعلا في أذهانهم.
  • اختيار التنوع في المواد العلمية المقررة على الطالب وتشجيعه التنوع العمليات في التعامل مع الأسئلة ولا يفرض عليه عاميات فكرية (التل وشعراوي، 2007م، ص50).
  • المتعلم في ضوء الفلسفة البراغماتية

تفضل البراغماتية أن يكون الطالب شخصية نامية ومتطورة، ولديه المقدرة على التواصل الاجتماعي واثبات الذات والاسهام في حل المشكلات مستقلًا ونشطًا ولديه من المهارات الكامنة لحل المشكلات والحصول على الخبرات جيدة واحترام حقوق الآخرين واحسان التواصل معهم بصورة ديموقراطية وإعطاء الطالب الحرية في الاختيار والعمل وتفهم البراغماتية بأن طبيعة الطالب صيغة بيولوجية واجتماعية قابلة للتعلم والنمو من خلال التفاعل الذكي مع معطيات البيئة وامكانيات التعلم في نماذجها الاجتماعية والخبرات التي يحصل عليها من البيئة (الخوالدة، 2013م، ص12).

ولقد جعلت البراغماتية من المتعلم محورًا أساسيًا في العملية التعليمية وطالبت بأن ينبع النظام من الطفل نفسه واحساسه بالمسؤولية وذلك من خلال المشاركة والتوعية بأهمية النظام المدرسي.

  • التقويم في ضوء الفلسفة البراغماتية

إن عملية التقويم في الفلسفة البراغماتية مهمة للغاية ويتحمل مسؤوليتها المعلم أمام طلابه والمجتمعات التي ينتمي إليها ويستخدم المعلم البراغماتي الامتحانات المدرسية التشخيصية والتحليلية والعلاجية والهدف من التقويم هو الحصول على تغذية راجعة نتخذ منها مؤشرًا على النتاجات النهائية للعملية التعليمية، ويميل البراغماتي إلى تبني الأدوات الديموقراطية في عملية التقييم سواء أكانت الاختبارات قائمة على المجتمعات المعيارية (التي ينسب فيها الطالب إلى الآخر) أو المجتمعات التي تقوم على المجتمعات المرجعية (التي ينسب فيها الطالب إلى نفسه).

وعادة يركز التقييم البراغماتي على قياس قدرة الطلبة على حل المشكلات وانجاز المشاريع والتطبيقات العملية وتشخيص أساليب التعليم وكيفية تعلم الطلبة (الخوالدة، 2013م، ص114).

  • نقد الفلسفة البراغماتية

من الانتقادات الموجهة للفلسفة البراغماتية:

  • حصر مطالب الانسان في النواحي المادية ورفض الجانب الروحي فالتقدم الحضري هام ومطلوب لكن وحده لا يكفي فلا بد من التقدم في جانب الروح (لبن، ص80).
  • أن أهم مبدأ تقوم عليه البراغماتية هو القطيعة مع الماضي، وعدم الالتفات إليه، وأن على البراغماتي أن يدير ظهره بكل عزم وتصميم وإلى غير رجعة لعدد كبير من العادات الراسخة المتأصلة العزيزة على الفلاسفة المحترفين (جيمس، 2008م، ص71).
  • في الوقت نفسه ينطلق البراغماتيون في أفكارهم من فلسفات قديمة نادى بها كبار الفلاسفة، فهي بذلك تناقض نفسها في البعد عن الماضي والادعاء بالجدة والحداثة وفي الوقت نفسه تكرر أقوال الفلاسفة القدامى وتتبنى آرائهم (الحجيلي، 1432ه، ص110).
  • أن شرط اعتبار وجود الدين وأصوله عند البراغماتية لا أهمية له عن من يسأل عن قيمة الدين لأن قيمته فيما ينتجه، فالدين عند البراغماتين ليس موضعًا للبحث إذ يعد تجاوزًا للعقل في تفكيره وارهاقًا له، كونه يحول الدين إلى قيمة مادية ملموسة، قد يكون ذات يوم لها نفع وفي يوم آخر لا نفع لها (الحجيلي، 1431ه، ص113-114).
  • ينظر البراغماتيون إلى القيم الثابتة كالحق والخير كما ينظرون إلى السلعة التي تطرح في الأسواق، مما فتح الباب أمام المنافسة والصراع وتمجيد العنف، فالحق أو الخير معياره المنفعة المادية التي ستعود من ورائها وليس معياره القيمة في ذاتها (لبن، ص79).
  • ويرى زيادة وآخرون (2006م، ص256-257) أن:
  • التأكيد على الخبرة الذاتية في علمية التعلم لكل مادة تعليمية.
  • أن التأكيد على الخبرة الذاتية يؤدي إلى سيادة الاتجاه التجريبي وبالتالي لا يشجع على التفكير المجرد وهو عنصر هام في استيعاب العلوم الحديثة.
  • البراغماتية تجعل الطفل هو أساس علمي تربوي حيث تجعل اهتماماته وميوله هي التي تحدد المادة التعليمية وتغفل عن العوامل الاجتماعية وهذا يدعم البراغماتيين إلى رفض التحديد المسبق للعملية التعليمية وتخطيط مراحلها.

 

 

المراجع[+]

شارك المقالة:
السابق
ما هي العوامل التي مكنت امريكا من التربع على عرش هذا النظام العالمي
التالي
كل ماتريد معرفته عن الفلسفة المثالية