تاريخ الاسلامي

تاريخ التعليم في العصور الأسلامية

تاريخ التعليم في العصور الأسلامية

تاريخ التعليم في العصور الأسلامية

 

مفهوم التربية والتعليم

والتعليم عند العرب قبل الإسلام

  • التربية ليست بنت يومها أو وليدة حاضرها،
  • وإنما هي نتاج اجتماعي تاريخي تمتد جذوره بعيداً في أعماق الماضي،
  • ولها أصولها التاريخية التي تعين على فهم القضايا التربوية في سياقها الثقافي المتكامل.

مقدمة

الفكر التربوي… كان ولا يزال قوة دافعة تدفع العملية التربوية وتوجهها وتسير بها نحو غاياتها المنشودة.

فالفكر التربوي يُعنى بطموحات الأفراد التربوية وما يهدفون إلى تحقيقه من غايات دينية وأخلاقية واجتماعية من خلال نظمهم وتطبيقاتهم التربوية

مقدمة

وبما أن العملية التربوية مشروطة دائماً بظروف الزمان والمكان ومن ثم فان فهمها يقتضي معرفة هذه الظروف

التي هي جزء أساسي من دراستنا للتربية نفسها، فعناصر العملية التربوية بما في ذلك

الغايات والمناهج وطرق التدريس وغيرها تتأثر إلى حد كبير بنظم المجتمع المختلفة وتؤثر فيها ثم تعود وتتأثر بها

 

مفهوم التربية

تُعرّف التربية لغويا بمعنى:

  1. ربا يربو : زاد ونما.
  2. ربى يربي : نشأ وترعرع.
  3. ربى يربي : أصلحه وتولى أمره.

مفهوم التربية

المفهوم اللغوي للتربية يتكون من العناصر التالية:

  1. المحافظة على فطرة الناشئ.
  2. تنمية مواهبه واستعداداته كلها وهي كثيرة ومتنوعة.
  3. توجيه كل من الفطرة وكذلك المواهب نفسها نحو الصلاح والكمال اللائق.
  4. التدرج في العملية. 

مفهوم التربية

التربية بالمفهوم الاصطلاحي لها تعريفات ودلالات نختار بعضها :

1- أبو حامد الغزالي (1059- 1111م) : يرى أن صناعة التعليم هي أشرف الصناعات التي يستطيع الإنسان أن يحترفها وان أغراض التربية في نظره هي الفضيلة والتقرب إلى الله.

2- الفيلسوف الألماني كانت (1724- 1803م) : يرى التربية ترقية لجميع أوجه الكمال التي يمكن ترقيتها في الفرد.

3- جون ديوي (1859- 1952م) : يرى أن التربية هي الحياة، وهي عملية تكيف بين الفرد وبيئته، وهي صوغ اجتماعي مقبول من الجماعة. 

مفهوم التربية

التعريفات المختلفة تتفق بعض الأفكار المشتركة أهمها الآتية:

  1. تقتصر التربية على الجنس البشري دون غيره من الكائنات.
  2. تعتبر التربية فعل بشري لمن يفعله ولمن يقع عليه الفعل، بغض النظر عن عمره.
  3.  تعتبر التربية عملية موجهة للوصول إلى هدف مرجو الوصول إليه.

 

 

مفهوم التربية الإسلامية

نظرة الإسلام إلى التربية أوسع من التعريفات التي نجدها في كتب التربية والمعاجم :

ذلك إن أن مفهوم التربية في الإسلام يجعل منها منهج للحياة ونظام يرتكز

على تكوين الشخصيات المتميزة بواسطة تزويدهم بالأفكار والمفاهيم الإسلامية الحافزة (كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)

ومن هذا يتضح أن الهدف من التربية الإسلامية هو إكساب النشئ والأفراد عامة النظم الاخلاقية والدينية.

مفهوم التعلم والتعليم

مفهوم التعلم: (Learning) هو عملية دائمة ومستمرة تحصل للإنسان ـ ولا تقتصر  على التعلم المدرسي ـ وتتضمن كل ما يكتسبه المرء من معارف ومعان وافكار واتجاهات وعواطف وميول وقدرات وعادات ومهارات سواء كان ذلك بالتعلم المدرسي المقصود أو بالتعلم غير المقصود.

التعلم مجهود شخصي ونشاط ذاتي يصدر عن المتعلم نفسه

مفهوم التعليم: (Teaching): مجهود لمعونة شخص آخر على التعلم، وهو عملية حفز واستثارة قوى المتعلم الفعلية ونشاطه وتهيئة الظروف المناسبة التي تمكن المتعلم من التعلم.

مفهوم العلم

العِلْم: نقيض الجهل، وعلمت الشيء علمًا أي عرفته. ويأتي العلم بمعنى الفقه، فالعلم بالشيء هو الفقه فيه،

 يمكن النظر إلى العلم في معناه ومقاصده  وممارساته، من منظورين:

المنظور الأول: العلم بوصفه متصلاً باليقين أو الإيمان

المنظور الثاني: ينظر إلى العلم بوصفه نشاطًا إنسانيًا بحتًا ينتج عن سعي الإنسان للتعرف على نفسه

وما يحيط به من ظواهر معتمدًا على مناهج وأدوات تحقق معرفة تتفاوت في الصواب والخطأ.

 

االعلم من المنظور الإسلامي :

مفهوم العلم في القرآن

يأتي العلم في القرآن الكريم بمعنى العلم بالوحي أي القرآن والسنة، كما في قوله تعالى: (ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير) .

وقد يأتي العلم حصرا في القرآن الكريم حسب تفسير ابن كثير لقوله تعالى: (فما اختلفوا حتى جاءهم العلم) .

ويأتي العلم كذلك بمعنى عِلْم بالدين، كما في قوله تعالى: (قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين). يقول القرطبي إن الذين أوتوا العلم هنا هم الملائكة وقيل الأنبياء وقيل المؤمنون. أما الذي أوتوه فهو عِلْم الدين.

العلم من المنظور الإسلامي : مفهوم العلم في القرآن

وقد يأتي العلم أيضاً على خلاف هذه المعاني، كما في قوله تعالى: (فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا يستهزئون) ، فالعلم هنا هو المناقض للعلم الذي جاءت به الرسل، وقيل من عِلْم الدنيا كما في قوله سبحانه: (يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا)

القرآن الكريم تضمّن أيضًا آيات تشير إلى العلم بمفهوم دنيوي يتصل بمعاش الإنسان، كتعليم الله سبحانه لآدم الأسماء كلها، وتعليم داود استعمال الحديد. تعليم سليمان منطق الطير. وفي قوله تعالى: ( علم الإنسان ما لم يعلم). مطلق الدلالة للعلم تجعله يشمل علومًا كثيرة تتصل بمعاش الإنسان وسعيه في الحياة الدنيا إلى جانب علوم الوحي.

 

 – العلم من المنظور الإسلامي :

مفهوم العلم في السنة

الدلالة الأولى للعلم في السنة هي (العلم بأمور الدين)،. عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر. ومن سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سهل الله به طريقًا إلى الجنة. وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم) . فميراث الأنبياء هو العلم بالدين

– العلم من المنظور الإسلامي : مفهوم العلم في السنة

أما الدلالة الثانية فهي العلم بالمعنى الدنيوي الدال على التحصيل الإنساني بالتجربة والتفحص،

كما في قوله: (أنتم أعلم بأمر دنياكم) في الحديث المعروف حول تأبير النخل في صحيح مسلم.

وفي رواية أخرى أنه قال: (إنما أنا بشر. إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به. وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر) .

تصنيف العلوم

  • العلم
    • العلوم الإنسانية والاجتماعية
      • التاريخ
      • الاجتماع
      • اللغات
      • السياسة
      • النفس
      • الاقتصاد
    • العلوم الطبيعية والحيوية
      • الفيزياء
      • الكيمياء
      • الفلك
      • طبقات الأرض
      • علم النبات
      • علم الحيوان
    • العلوم الرياضية
      • الحساب
      • الجبر
      • الهندسة
      • المنطق الرياضي
    • علوم الوحي
      • التفسير
      • الحديث
      • الفقه
      • أصول الفقه
      • العقيدة

 

 مفهوم العلم

بعيداً عن الصراع الذي حدث حول مفهوم العلم في أوروبا

العلم :

مفهوم عام يشمل النظريات والتطبيقات العملية للمعارف المنَظّمَة، التي تم جمعها وتصنيفها، أو اكتشافها وتطويرها، ودراسة العلاقات بينها، ضمن مناهج وطرائق محددة.

خلاصة واستنتاج

العلم ليس حصرا في المعارف المعتمدة على التجربة

 التربية والتعليم عند الشعوب القديمة

  • لم تخلو أمة من الامم من أن يكون لها تجربة في التربية والتعليم، وتتفاوت الامم في تقدم تجاربها، وتوثيق تلك التجارب.
  • تتوافر معلومات عن التربية عند البابليين أو الكنعانيين مثلاً،
  • عني البابليون بالتربية والتعليم فكانوا يلقنون ناشئتهم القراءة والكتابة ومبادئ العلوم.
  • وقد عثر المنقبون في مدينة بابل على آثار مدرسة ترقى إلى عهد حمورابي.

التربية عند العرب قبل الإسلام

وأما عن العرب في العصر الجاهلي فجُلّ ما وصلنا عن التربية إشارات في الشعر والأمثال،

وهي تتصل أساسا بمفاهيم المروءة والفروسية، وهذه تتصل بالبيئات القبلية في الغالب.

التربية عند العرب قبل الإسلام

يفترض أن تكون المعرفة بالكتابة والحساب ضرورتان في المجتمعات المستقرة التجارية كما هو الحال في:

1- الدول العربية التي نشأت في أطراف الجزيرة العربية،

2- المجتمع القرشي بمكة،

يتبين هذا في بعض الإشارات الأدبية.

التربية عند العرب قبل الإسلام

ورد في الأخبار أن بعض اليهود قد علم كُتّاب العربية. وكان يعلمون الصبيان بالمدينة في الزمن الأول، فجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدة يكتبون*.

ــــــــــــــــــــــــ

1) البلاذري، فتوح البلدان، 479. ابن قتيبة، المعارف، 192. الطبري، التاريخ، 3/ 377، ط دار المعارف. ياقوت، البلدان، 4/ 807 . الأصفهاني، الأغاني، 2/ 101.

التربية عند العرب قبل الإسلام

ذكر بعض أهل الأخبار، أن المدينة كانت متأخرة بالنسبة إلى مكة في الكتابة والقراءة. بل ذهب بعضهم إلى أنه لم يكن في الأنصار من يُحسن الكتابة.

هذا القول يصطدم مع ما ذكروه هؤلاء الإخباريين أنفسهم من أن عدداً من أهل المدينة قد أجادوا الكتابة، ومنهم:

سويد بن الصامت الأوسي، وسعد بن زرارة، والمنذر بن عمرو، وأُبي بن كعب،  وغيرهم ممن أشرت إليهم المصادر .

 

  • خبر وفد نجران الذي قدم على الرسول، فيه إفادة بوجود مواضع لتعليم أمور الدين، وتثقيف الناس بما يلزم من ثقافة.
  • فقد ورد أن أسقف نجران كان حبرهم، وإمامهم، وصاحب مدارسهم.
  • «صاحب مدراسهم»، أي: الموضع الذي يتدارسون فيه،
  • والغالب أن يكون ذلك المكان في الكنيسة على الطريقة المتبعة في ذلك العهد، كما صار المسجد موضعًا للتعليم.

التربية  والتعليم في صدر الإسلام

مكونات تاريخ التربية والتعليم  في الحضارة الإسلامية

  • الرسالة الإسلامية
  • العادات والاخلاق العربية
  • الترجمة عن الحضارات الأخرى

جوهر التربية الإسلامية

رفع الإسلام مكانة العلم

الحث على مكارم الاخلاق

فرض نظافة الجسم وحث على سلامته.

سؤال

هل تقدمت التربية على التعليم في الإسلام أم سارا معا؟

تواصل العملية التربوية والتعليمية

عرفنا مما استعرضناه من تاريخ التربية والتعليم عند العرب قبل الإسلام وجود القراءة والكتاب والحساب ورواية الشعر والقصص وأخبار الماضين.

وأن ثمة من يطلب تعلم ذلك، كما أن ثمة من يقدمه له، وأن الطرفين يلتقان في مكان. 

وشارك في طلب العلم وتقديمه الحضر أكثر من البدو، كما شارك في هذه العملية أهل الكتاب والأحناف كذلك.

التربية والتعليم في صدر الإسلام

  • مع ظهور الإسلام كانت كلمة «اقرأ» هي أول كلمة اوحي بها من محكم التنزيل.
  • عدد الآيات الكريمة في القرآن الكريم التي تذكر كلمة العلم أو أحد اشتقاقاتها كبير جداً. من هذه الآيات

«يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات»

«شهد الله أن لا إله إلا هم والملائكة وألو العلم قائما بالقسط»

  • كما اتخذ رسول- الله e كتابا يكتبون ما يتنزل عليه من وحي .
  • فلما كانت معركة بدر جعل r بدَلَ فداء الذين يعرفون القراءة والكتابة من أسرى قريش، أن يعلم عددا من المسلمين القراءة والكتابة، ومنها يستفاد أن نسبة الأمية كانت عالية في المسلمين الأولين ولا يوجد من يعلمهم، كما تشير إلى اهتمام النبي r بالقراءة والكتابة

وفي احاديث رسول الله  صلى الله عليه وسلمحظ على العلم وطلبه منها

« العلماء ورثة الأنبياء»

«من سلك طريقا يلتمس بها علما سلك به طريقا من طرق الجنة وأن الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم» 

في زمن النبي e وجد أول شكل لنموذج تعليمي

فرسول الله e يقول «بعثت معلما» وكان مسجده او مجالسه في حله وترحاله هي «حلقات العلم»  

وكان صحابته e يتلقون عنه كل شيء في رضاه وفي غضبه، ويتابعون معلمهم في كل صغيرة وكبيرة «خذوا عني منسككم».

وكانوا يجلسون في مجلسه يتعلمون منه وكان على رؤوسهم الطير من شدة انجذابهم وغليه وحرصهم على ما يقوله. 

 

 

كانت بدايات طلب العلم في الإسلام هي قراءة القرآن وحفظ آياته وفهم معانيه. أحد الصحابة يقول « كنا نحفظ العشر آيات لا نجاوزها»

هذا الاسلوب التعليمي في شكله ومضمونه أوجد أمرين في المجتمع الإسلامي الأول هو تدوين القرآن وتعميمه في المجتمع. والثاني انه أوجد فئة أو طبقة القراء في المجتمع وهم حفظة القرآن الكريم وما لهم من دور في نشر العلم والتعليم. فالقراء يعدون أول المعلمين ذلك انهم يعلمون الناس قراءة القرآن وحفظه عن ظهر قلب.

 

 

أما في عهد الخلفاء الراشدين فقد ثبت ان الخلفاء كانوا يرسلون القراء إلى البلاد المفتوحة، لأجل تعليم الناس القرآن الكريم، إما عن طريق التلقين والحفظ اولاً، أو عن طريق الكتابة ثانياً.

ليس لدينا ما يثبت أن جميع القراء كانوا يحسنون الكتابة، ذلك أن القارئ أساساً هو حافظ ليس أكثر، اما مهارته في الكتابة فشيء ثانوي مكمل، وعدم وجوده لا يقيق التلاوة والحفظ.

 

 

ولاشك أن تدوين القرآن الكريم كان من اهم الأعمال الدينية والعلمية في تاريخ الإسلام. والملاحظ انه عندما وقع استشهاد كثير من القراء في حروب الردة على سبيل المثال أدرك الخلفاء ومعهم كبار الصحابة أهمية ذلك على العلم والدين، فسارعوا في زمن الخليفة أبو بكر إلى كتابة القرآن الكريم  في نسخة واحدة ثم في زمن الخليفة عثمان t تنسخ منه نسخ وتوزع على الامصار ونسخه من جديد وإرسال فكان ذلك حافزا لحركة طلب العلم والاهتمام بالكتابة في المجتمع الإسلامي.

 

 

إلى جانب القرآن الكريم واحاديث رسول الله e فقد وجدت مواد تعليمة أخرى فهذا الصحابي الجليل عبدالله بن عباس (ت؟؟؟) الذي نذر حياته في سبيل العلم والتعلم والتعليم وهو «حبر الامة» ودعا له رسول الله e قائلاً « اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل»

فيما تشير الروايات أنه «كان يجلس يوما للفقه ويوما للتأويل ويوما للمغازي ويوما للشعر ويوما لأيام العرب واخبارها»

صورة موقف تعليمي من عصر الصحابة

يقول أحد رفقاء ابن عباس عنه: رأيت الناس وقد اجتمعوا على بابه حتى ضاق بهم الطريق، فما أحد يقدر أن يجيء ولا أن يذهب،   فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه، فقال لي: ضع لي الوضوء، فتوضأ وجلس، وقال أخرج إليهم، فادع من يريد أن يسأل عن القرآن وتأويله ..فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم .. ثم قال إخوانكم فخرجوا ليفسحوا لغيرهم .. ثم قال اخرج فادع من يريد أن يسأل عن الحلال والحرام  … فكان مثل ذلك من دخول مجموعة ثانية ثم خروجهم … ومن بعد ذلك  دخلت مجموعة ثالثة تسأل عن الفرائض  ومن بعدهم دخلت مجموعة رابعة تسأل عن العربية والشعر  

التربية والتعليم في صدر الإسلام

فئة القراء كانت أوائل المعلمين في تاريخ الإسلام، وكانت المساجد هي أول المدارس.

وكان تعليم القرآن يتم في المسجد، أما تعليم القراءة والكتابة فكان في أماكن اخرى كالبيوت وغيرها

وكان تعليم القرآن مجاني طلبا للأجر والثواب أم تعليم القراءة والكتابة فلم يكن كذلك.

لم تقتصر مواد التعليم على القرآن الكريم بل شملت حديث النبي e  وسيرته وأخبار العرب قبل الإسلام والشعر العربي ومبادئ الحساب  

التربية والتعليم في صدر الإسلام

أما الجوانب التربوية فكان منطلقها من توجيهات الإسلام من جهة ومن عادات العرب من جهة أخرى، انطلاقا من قوله e «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام ما فقهوا»

فكان سنة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعها المرؤة ، والتسامح هي الركائز التربوية للمجتمع.    

 

الكتاتيب والمؤدبين

                        مفهوم ” المُكْتِب ” – مفهوم “الكُـتّاب” – مكانة المعلمين – اجور المعلمين – الاهتمام بتعليم الصبيان – اماكن التعليم – المواد التعليمية – مواعيد التعليم – العقوبات التي تقع على الصبيان مفهوم الأدب – مهنة المؤدب – التعليم في قصور الخلفاء – مكانة المؤدبين – المواد التعليمية – التركيز على السلوك – العقاب – أجور المؤدبين

وقد ذكر اللغويون عدداً من الدلالات لمفاهيم مثل:”المُكْتِب” و”الكُـتّاب” و”المُعلِم”،

قال الخليل بن أحمد: “الكُـتّاب”: موضع تعليم، والجمع كتاتيب،

وقال المبرد: المكتب موضع التعليم، و”المُكْتِب”هو المعلم والكُـتّاب الصبيان،

ومنه يستفاد ان كلمة :”مُكْتِب” و”كُـتّاب” استعملتا للدلالة على المكان الذي كان يتعلم فيه الصبيان

كلمة “مُعلِم” تشير في أول ما اطلقت إلى من يقوم بتعليم الصبيان، ربما تشمل كذلك قراء القرآن والفقهاء، ومن بعد شملت كذلك معلمي الحرف والمهن.

وقد توسعت مهنة تعليم الصبيان في العهد الأموي وما بعده. وممن بدأ حياته معلماً للصبيان الحجاج (ت95ﻫ) الوالي الأموي المشهور.

وقد تطلق على الكُتاب مسميات أخرى في بعض المناطق،

ولم يكن الكُـتّاب مكاناً تخصصه الدولة لتعليم الصبيان بل كان معهداً خاصاً يقيمه من له رغبة مقدرة في بيته، أو في مكان عمله، أو في أي مكان آخر، ويستقطب في العادة أبناء العامة والطبقة الوسطى، من الراغبين في تعلم القراءة والكتابة.

وفي صدر الإسلام كان الصغار يجلسون في المسجد مع الكبار، ولكن لما كان الأطفال لا يتحفّظون عن النجاسة، فقد ظهر من يقول بأن يكون تعليمهم خارج المسجد، استناداً لحديث النبي r: «جنّبوا مساجدكم صبيانكم»()، ذلك أن الصبيان لا يحترزون من النجاسة، وربما يلوثون حيطان المسجد بعبثهم، أو يتسبّبون في نجاسة أرضه().

وغم كون الكُتاب منفصل عن المسجد، لكنه في الغالب لم يكن بعيدا عنه، أو هو في السوق او في الشوارع العامة التي يسهل الوصول إليه()

كانت نظرة المجتمع للمعلمين تتسم بالتقدير، نظراً لما يقومون به من تعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة، لا سيما ما يتصل بالقرآن الكريم وعلوم الدين والمعارف الضرورية.

وقد اتجه بعض العلماء لترسخ أصول عملية التعلم والتعليم لمساعدة المعلمين والمتعلمين على الإفادة من العملية التعليمية فجاء كتاب آداب (آداب المعلمين والمتعلمين) لابن سحنون المغربي (ت256ﻫ) معبراً عن أسلوب أهل المغرب، وقريباً منه فعل الجاحظ (ت255ﻫ) في المشرق عندما وضع رسالة المعلمين.

وتطور التعليم في مواده، بدءا بتعليم الصبيان الصلاة، وقراءة القرآن، والشعر والكتابة، ثم الحساب، وأوليات النحو والعروض. هذا إلى جانب مهارات عملية كالسباحة والرمي.

قال r: «علّموا الصبي الصلاة ابن سبع، واضربوه عليها ابن عشر» 

 

 

وكان بعض المعلمين يُعلّمون حِسْبَةً، ولا يأخذون على تعليمهم أجراً، في حين يتقاضى آخرون أجوراً على تعليم الصبيان من بيت المال، فعمر بن الخطاب خصص للمعلمين (15 درهما) في كل شهر، وغالبا ما كان المعلمين يأخذون أجورهم من آباء الصبيان نقداً، وبعضهم كان يأخذ أجرا قد يكون خبزاً أو من طعام اهل البلد مثل: التمر أو القمح أو سواها من المحاصيل المتوافرة في البيئة المحلية. ويدخل في الأجرة ما كان يدفعه اولياء الامور لمعلم الكُتّاب في المناسبات والمواسم، أو عند ختم أبنائهم القرآن الكريم.

كما أن اتخاذ اجور للتعليم يدل على رغبة الناس في التعليم واستعدادهم للإنفاق على ذلك، إلى جانب ظهور الرغبة في طلب العلم الدنيوي ابتغاء لمنافع دنيوية

كما تعفّف بعض المعلمين عن أخذ أجور عن التعليم رغبة منهم في الأجر والثواب، وكانوا يقومون بأعمال أخرى إلى جانب التعليم يسترزقون منها.

وإن كانت مسألة الأجر عن التعليم قد ظلت في دائرة النقاش إلى زمن الإمام مالك (ت179 ﻫ) الذي أفتى بجواز أخذ الأجرة مستنداً إلى أنه لم يجد أحداً كره تعليم القرآن بأجر.

وقد تطوع بعض المحسنين لفتح كتاتيب خاصة للأيتام، او تكفل بعضهم بنفقة التعليم لهم

اما النظام اليومي للتعليم فكان يبدأ من بعد صلاة الصبح إلى ما قبل صلاة الظهر ثم من بعد صلاة الظهر إلى العصر.

وهذا يشمل سائر أيام الاسبوع سوى يوم الخميس الذي يقتصر امر التعليم فيه على الصبيحة فقط،

اما يوم الجمعة فقد كان يوم راحة للطلاب.

أما طول مُكْث الصبي في الكتاب فهو أمر ينسجم مع نشاطه ومثابرته وذكائه في تلقي الدروس من معلمه.

ووقد جرت العادة عند المعلمين أن يعاقبوا الصبيان ممن تجاوزا سن السابعة على تقصيرهم في واجباتهم او خطأهم في ادائها أو التخلف عن الدروس أو سوء الخلق، أو نسيان اللوح،

وغالبا ما تتناسب العقوبة مع الذنب،

وهي تبدأ بوعظ، ثم الوم ثم التوبيخ ثم الضرب او الحبس،

وكان الضرب بالدرّة أو العصى.

مؤدبو أبناء الخلفاء والولاة

كلمة “مؤدب” من الفعل “أدب” ومنه “أدَّبَه” بمعنى (علّمه رياضة النفس، ومحاسن الأخلاق)، وهي للكبير والصغير على حدٍ سواء.

و”المؤدبون” وهم معلمو أولاد الخلفاء والأمراء والخاصة، وهو مصلح شاع منذ العهد الأموي، ولم تكن إبان عهد الخلفاء الراشدين،

وذلك له صلته بنظام الوراثة في الحكم، لأجل تهيئة الأمراء وأبناء الخاصة وإعدادهم للمهام التي تنتظرهم في المجتمع والدولة.

مما جعل لهؤلاء المؤدبين مكانة كبيرة في المجتمع، مما كان سببا في اختيار الخلفاء لهم لكي يؤدبوا أبناءهم في القصور. ومن أمثلة هؤلاء المؤدبين

دُغفل النسابة (ت65ﻫ) الذي أدب لأولاد معاوية بن أبي سفيان،

الشعبي (ت103ﻫ ) مؤدب أبنا الخليفة عبدالملك بن مروان،

الزهري (ت124ﻫ) مؤدب أبناء الخليفة الوليد بن عبدالملك،

والمفضل الضبي (ت178ﻫ) مؤدب المهدي، والادب العربي مدين لهذه العلاقة بين المؤدب وتلميذه بما نتج منها وهو كتاب المفضليات المشهور، الذي اختار أشعاره المفضل ليثقف بها المهدي.

وكان الكسائي (ت189ﻫ) مؤدب الأمين والمأمون. وكان ابن السكيت (ت244ﻫ) صاحب كتاب “إصلاح المنطق”، يؤدب وُلْدَ ابن طاهر.

وكان اختيار الخلفاء يقع على مشاهير العلماء في صنوف العلم المختلفة لكونوا مؤدبين لأبنائهم.

وكان دور المؤدب يتجاوز تعليم أبناء الخلفاء والولاة المعارف النظرية إلى الاخلاق والسلوك والآداب الاجتماعية

وقد سمح الخلفاء والأمراء للمؤدبين بمعاقبة أبنائهم حتى لو كانت العقوبة جسدية،

عندما لا يواظبون على التعليم،

أو عندما يتجاوزا حدود الأدب،

شرط أن لا تكون العقوبة أمام الحاشية،

كما جعل الخلفاء للمؤدبين رواتب شهرية،

ليست محددة بمبلغ معين، بل تقديرها يرجع للخليفة نفسه، من جهة ونشاط المؤدب من جهة أخرى.

وغالبا ما كان يزيد الحليفة المؤدب مواد عينية، وتسهيلات أخرى في امور العيش كتوفير بيت أو خادم او نحوها.

ويتسع نطاق مواد التعليم لأولاد الخلفاء والخاصة ليشمل إلى ما يلزم للحياة العامة مثل:

  1. الأنساب
  2. والأخبار
  3. والآثار
  4. والمغازي
  5. والخطب.
  6. هذا إلى العناية بالأخلاق القويمة والآداب العامة.

الحلقات  والمكتبات

 

مفهوم الحلقة أو المجلس – موضوعات التعليم في الحلقات والمجالس – أساليب التعليم في الحلقات – أوقاتها – تمويلها – مكانة المعلمين فيها – أثرها في المجتمع – مجالس العلم – المكتبات – بيت الحكمة – دور العلم – الدور التعليمي لهذه المؤسسات

الحلقة كل شيء استدار ومنه حلقة الحديد ونحوها، مثله يقال الحلقة للجماعة المستديرون من الناس، تعبير عن استدارتهم في الجلوس للتشاور أو الحديث أو العلم.

ومما ورد في صحيح البخاري أنه بينما رسول الله r جالس في المسجد، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله r فوقفا على الرسول r فرأى أحدهما فرجة في الحلقة، فجلس، وجلس الآخر خلفهم)

وفي مسجد رسول الله r كانت الحلقة مستديرة وتشبه الإسورة، وقد لا تكتمل الاستدارة في الحلقة، فيبقى فراغاً ربعها أو ثلثها أو نصفها أحيانا، لكنها تسمى حلقة.

اما المجلس فهو موضع الجلوس وهو المكان الذي يطلق على مكان جلوس العالم، ومجلس فلان في الوقت الذي تكون فيه حلقته.

عند النظر في الفرق بين كلمة حلقة وكلمة مجلس

فإنه لأغراض الاستخدام العام فإنهما مترادفتين،

أما في سياق الحديث عن النشاط التعليمي فإن لكل منهما دلاتها الخاصة.

تدل الحلقة على ما كان دوريا ومنتظما ولمدة طويلة من دروس العلم في موضوع محدد،

ومن ذلك حلقة عبدالله بن مسعود (ت32ﻫ) في الكوفة لتعليم القرآن،

وحلقة عبدالله بن عباس (ت68ﻫ) للفقه في مكة،

وحلقة يونس بن حبيب في لبصرة (ت182ﻫ).

أما المجلس فيعقد لمرة واحدة غالبا وقد يتكرر لمرات دون انتظام أو تخصص في الموضوع.

وجامع البصرة مشهور كمركز علمي، ففيه تقام حلقات البحث والمناظرة والدرس،

وإلى هذه الحلقات يرجع أصل كثير من الفرق الدينية والأدبية. 

كالمعتزلة الذين اعتزل  زعيمهم واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري

وأما التعليم في مرحلته المتقدمة فكان مركزه الأول المساجد الجامعة ثم توسع إلى المساجد الخاصة.

وفيها تعقد حلقات التدريس. وكانت هذه متنوعة، بدءً بحلقات الدراسات القرآنية (القراءة، التفسير)

وحلقات الحديث وحلقات الفقه،

وحلقات النحو والعربية، ومجالس الأدب.

ثم أضيفت فروع أخرى مثل الدراسات والكلام والمنطق.

وقد يكون التعليم في بيوت العلماء.

وقد اتبعت أساليب متنوعة للتعليم في هذه الحلقات والمجالس أهمها احد امرين: السماع والعرض،

فالسماع لن يتلقى المتعلمين عن شيخهم ما يلقيه عليهم،

أما العرض فهو أن يقرأ المتعلم على مسمع شيخه فيُقره على ما قرأ.

ولكي يجاز المتعلم فأقل العرض هو ثلاث مرات.

ونظام الحلقات مستمر يوميا في المساجد مرتبط بأوقات الصلاة في الصباح والمساء،

وتعقد اكثر من جلسة لاستكمال الموضوع الواحد،

وقد يكون في المسجد الواحد أكثر من حلقة في موضوعات متعددة.

وقد يلتحق كل متعلم بحلقات التعليم وفق ما يناسبه، مدة قد تطول او تقصر، تحددها رغبته في مواصلة الموضوع أو التوقف عنه.

ومع الفتوحات وتوسع نطاق الدولة الإسلامية انتشرت حلقات التعليم ومجالسه في الأمصار،

فتكونت في البداية دروس على المستوى المحلي في علوم الحديث والفقه والتفسير واللغة والنحو والمغازي والسيرة.

بعض هذه الدروس أخذ شهرة مما دفع المتعلمين إلى الرحلة في طلب العلم، في الامصار المختلفة بعدت ام قربت

وهي ظاهرة عامة في القرن الثاني للهجرة.

وربما كان أكثر الدوافع من وراء ها هو تتبع الأحاديث النبوية والتثبت من صحتها وصدق رواتها.

وكان المتعلم ينفق من ماله على أسفاره وتنقلاته في طلب العلم والإقامة في البلاد التي يصل إليها طلباً للعلم.

ولم تقتصر هذه الرحلات على مدينة بعينها بل شملت أهم المراكز العلمية في صدر الاسلام. مثل:

مكة والمدينة والبصرة والكوفة والشام وفلسطين وبغداد وخراسان وأصبهان ومصر والمغرب والأندلس.

أما الوضع المعاشي للعلماء الذين يقومون على هذه الحلقات والمجالس،

فكان متفاوتا، ذلك انه لم يكن لهم مصدر دخل لقاء عملهم هذا، وكانوا ينفقون من عمل أيديهم،

وفي حالات كانت الدولة تخصص لهم بعض المخصصات،

أو هي أعطيات من الخلفاء ليس أكثر في أحيان اخرى،

وكان بعض العلماء يرفض أن يأخذ من السلطة شيئا حفاظا على استقلاليته، بعيدا عن اهداف السلطة واغراضها.

وهذا جعل بعض هؤلاء العلماء في وضع معيشي صعب أحيانا،

في حين كان البعض في وضع ميسور،

مما اوجد نوع من التعاون بينهم لتجاوز قسوة المعيشة،

فكانت الصلات بينهم مستمرة.

وقد تَميّز العلماء بمكانة عالية في المجتمع الإسلامي، عند العامة والخاصة على حد سواء،

نظرا لدورهم الثقافي وأهمية الرسالة التي يقومون بها في المجتمع وحاجة الناس لهم في الازمات والملمات.

ولم يكن يحظ القصاص بنفس المكانة التي فيها العلماء.

نظرا لارتباط القصاص بالسلطة والدعاية للخلفاء وخوضهم في الدعاية السياسية،

وعدم تورعهم عن الكذب في الروايات والأحاديث أحياناً.

وقد كان للناس حلقات في المساجد والأسواق للدراسة والجدل وإنشاد الشعر

لم تتطور لتصبح مثل المربد في البصرة وهو الصورة الإسلامية لعكاظ الجاهلية.

في هذه الحلقات العلمية أفادت في:

  • تعميق الفهم للإسلام وظهور الاجتهادات المختلفة فيه،
  • كما نشأت فيها علم الكلام والاعتزال،
  • ونشأت فيها النحو والمنافسة في معرفة اللغة، والتفسير ومبادئ الفقه، وروي الحديث والشعر والأدب.
  • مهدت لرحكة التدوين وكتابة الثقافة العلوم الإسلام.

يصعب تقدير أعداد المتعلمين في الحلقات والمجالس إلا انها كانت كبيرة،

 لا سيما في الحلقات الذات الصلة بمواضيع القرآن الكريم والحديث في العهود الأولى.

المكتبات ودورها في التربية والتعليم

وظهرت مؤسسات تعليمية أخرى إلى جانب تعليم الصبيان ونظام الحلقات والمؤدبين في القصور، منها المكتبات

وكان لبعض العلماء مثل:ابن عباس     وموسى بن عقبة        وابن جريج      وابو عمرو بن العلاء     وسفيان الثوري    وابن لهيعة   مكتبات خاصة.

وكانت هذه المكتبات مفيدة لخدمة التعلم والتعليم بالقراءة في المساجد أو البيوت أو بالإعارة.

كما شهد العصر الاموي ظهور نوع جديد من المكتبات هو مكتبات الخلفاء أمثال معاوية بن أبي سفيان خالد بن يزيد عمر بن عبد العزيز والوليد بن يزيد.

ثم ظهرت في القرن الثاني المكتبات التي يرعاها الخلفاء العباسيين مثل:

“بيت الحكمة” في بغداد الذي أنشأه أبو جعفر المنصور (ت158ﻫ) في دار الخلافة ببغداد، وتولاه بنفسه، وجعله مركزاً للترجمة إلى اللغة العربية. وزوده بكتب اليونان التي جلبه من بلاد الروم في العلوم المختلفة كالطب والهندسة والحساب والفلك، وكلّف المترجمين بنقلها إلى اللغة العربية.

بيت الحكمة 

وفي عهد هارون الرشيد (ت193ﻫ) تضاعفت الكتب فيها أثر فتح بعض مناطق بيزنطة، وقد أوكل إلى يوحنا بن ماسويه (ت243ﻫ) ترجمتها،

فأصبحت مهمة بيت الحكمة لا تقتصر على حفظ الكتب بل تجاوزتها إلى وجود المترجمين النسّاخين والخازنين الذين يتولون تخزين الكتب، إلى جانب والمجلدين وغيرهم من العاملين.

وقد بلغ نشاط بيت الحكمة ذروته في عهد الخليفة المأمون (زمن المأمون 198 – 218هـ) الذي أولاه عناية فائقة، ووهبهُ كثيراً من مالهِ ووقته، واختار له العلماء المتمكنين من اللغات. وقد استقدم له من قبرص خزانة من كتب الروم. وبذلك كان بيت الحكمة خزانة كتب والمخطوطات، ومركزاً للترجمة والتأليف البحث ومرصداً للنجوم. ومن أهم ما ميّز بيت الحكمة هو توافر المصادر وتعددها بين الكتب التي ألفت للخلفاء، والكتب التي نسخت، مما جعله مَجمَعَاً علمياً. وقد ظل بيت الحكمة قائماً حتى أجتاح المغول بغداد سنة (656هـ/1258م)، حيث تم تدمير معظم محتوياته والتي كانت تبلغ يومئذٍ مئات الألوف من الكتب.

ويمكن الإشارة إلى “دور العلم” التي أنشأها أمراء وأفراد ممولون منذ القرن الثالث،

وفيها عادة مكتبة وقاعات للدرس لفائدة طلبة العلم. وكثرت هذه المؤسسات في القرن الرابع.

وتوسع الفاطميون خاصة في إنشاء “دور العلم” أو الحكمة.

وتشتمل هذه، إضافة إلى المكتبة على غرف للتدريس والمطالعة ومخصّصات للطلبة الذين يدرسون فيها.

وتوسّعت إلى تدريس الفلك والطب إضافة للعلوم الإسلامية. 

ما يرد من إشارات في المصادر لا تفرق بين المكتبة وأماكن البحث والدرس بالمفهوم المعاصر،

ﻓ”بيت الحكمة” ودار العلم وغير ذلك من المعاهد لا يصح تسميتها مدارس أو كليات.

إلا إذا فسرنا هذه المسميات تفسيراً يناسب الموضوع التعليمي،

علما ان الصفة الغالبة على هذه المؤسسات انها كانت مكتبات في الدرجة الاولى، يجتمع فيها العلماء والمتعلمون للمطالعة والمدارسة والتعلم    ن 

الرحلة في طلب العلم وأثر البادية ودور الوقف

الرحلة في طلب العلم

روي عن أبي الدرداء (ت32ﻫ) انه قال: «لو أعيَتْنِي آية من كتاب الله، فلم أجد أحداً ليفتحها عليّ، إلا رجل ببرك الغماد لرحلت إليه»

وقال الشعبي (ت103ﻫ): «لو أن رجلاً سافر من أقصى الشام إلى أقصى اليمن، ليسمع كلمة حكمة، ما رأيت ان سفره ضاع»

هذه هي الروح التي سرت في العرب والمسلمين في صدر الإسلام، بذل الغالي والنفيس في طلب العلم والرحلة لتحقيقه، واصل الحاجة إلى الرحلة عدم وجود الورق، وصعوبة وجود الكتب، وقلة الثقات في العلوم، والحاجة إلى تحقيق بعض الامور من اصولها، كالرجوع إلى البادية في بعض مسائل اللغة، أو اللحاق بالصحابة في الأمصار، أو سماع الرواة في البلدان.

وقد بدأت الرحلة في علوم الشريعة، فكان المحدثون انشط الناس في الرحلة في طلب العلم وذلك لان الصحابة تقرقوا في الامصار بعد الفتح، فكان لابد من الرحلة للوصول إليهم، ابتغاء التحقيق في الحديث وروايته.

ومن امثلة الرحلة العلمية ما فعله يحيى الليثي (تﻫ)، فإنه رحل من الاندلس إلى المشرق، فسمع من الليث بن سعد (ت175ﻫ) في مصر، وسمع الموطأ من الإمام مالك (ت179ﻫ) في المدينة، وسمع من سفيان بن عيينة (ت198ﻫ) في مكة.

أما الإمام البخاري (ت256ﻫ) فقد رحل في تحقيق كتابه “الجامع الصحيح” إلى أكثر محدثيّ الأمصار في خراسان والعراق والحجاز والشام ومصر.

وقد امتد نشاط الرحلة في طلب العلم إلى علوم اللغة والفلسفة، فرحل الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت173ﻫ) والكسائي (ت189ﻫ) والأصمعي (ت216ﻫ) إلى الصحراء لسماع اللغة والأدب، ورحل ابن سهل البلخي (ت251ﻫ) إلى العراق وما جاورها ولقي العلماء واقتبس عنهم علوم الدين والطب والفلسفة، ورحل حُنين بن إسحاق (ت260ﻫ) إلى بلاد الروم، فتعلم اليونانية وإلى الشام ومصر فجمع الكتب النادرة.

أثر البادية والجزيرة العربية

يُروى أن عمر بن الخطاب t قال: «العرب مادة الإسلام »() ثم قال أبو فراس الحمداني: «الشعر ديوان العرب»() وقياساً على ذلك، يمكن القول إن البادية أو الجزيرة العربية هي معدن لغة العرب ومنشأ أخلاقهم. 

فإن قال قائل إن أثر الجزيرة في هذا الشأن قد انتهى بخروج العرب إلى الأمصار بعد الإسلام، كان الجواب بشواهد عدة، تثبت أن بادية الجزيرة العربية ظل لها شأنها بعد الإسلام كما كان قبله. فعلماء اللغة والأدب في القرن الثاني والثالث الهجريين خرجوا إلى البادية يجمعون اللغة من مظانها، وكان الخلفاء والأمراء من الأمويين والعباسيين يرسلون أبناءهم إلى البادية لتقويم لغتهم وصحة أجسامهم.

الوقف مصدر تمويل التعليم

وقف بمعنى حبس، ومنه وقف الأرض أو الدار حبسها في سبيل الله‘ فهي موقوفة، والجمع أوقاف،()

ومن تعريفاته المتداولة قولهم: (هو حبس مال يمكن الانتفاع به، مع بقاء عينه، على مصرف مباح)(). ومنهم من عرّفه فقال: (تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة) ().

حقيقة الوقف أنه وجه من وجوه الخير، وقد جرت العادة على تقسيمه إلى قسمين: وقف عام ووقف خاص، فالوقف العام وهو ما يعرف أيضا بالوقف الخيري إي لعامة المسلمين، وهو ما وقف على المساجد والمدارس والأربطة والمشافي وابن السبيل وفي سبيل الله وغيره من وجوه الإحسان. أما الوقف الخاص فهو ما يُعرف بالوقف الذري أو الأهلي أي لذرية شخص بعينه، سواء كان الموقف قريباً لهم أو كان أجنبياً عنهم، وغالباً ما يرجو الموقف من هذا الوقف شيئا من أنواع الخير له كالصدقة أو قراءة القرآن أو حج أو أضحية او نحو ذلك.

ونظام «الوقف» هو الصيغة التاريخية التي ابتكرها المسلمون يجمعون فيها بين التقرب إلى الله ويشاركون بناء مجتمعاتهم وإعمار أرضهم وبلادهم،

تستند مشروعية الوقف إلى الكتاب والسنة والإجماع. أما من القرآن الكريم فيدل على مشروعية الوقف عموم قوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) . وقد بادر بعض الصحابة إلى التصدق بأحب أمواله إليه، عند نـزول هذه الآية. فهذا أبو طلحة كان أكثر الأنصار بالمدينة نخلاً، وكان أحب أمواله إليه بُيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله r ، يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، فلما أنـزلت (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)  قام أبو طلحة وقال: يا رسول الله: إن الله يقول : (لن تنالوا البر…الآية)، وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله)، فقال r : اجعلها (أي ريعها) في قرابتك.

وما روي عن النبي r  قال: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له”. ويُوضح معنى الصدقة الجارية ما ورد عنه r: “إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً نشره أو ولدًا صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهراً أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه بعد موته”.

وقد روي عن النبي r انه لما قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: “من يشتري بئر رومة، فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة”، قال عثمان  t: “فاشتريتها من صُلب مالي، ومعنى الحديث أن عثمان اشترى البئر وجعلها وقفاً على المسلمين.

وما روي  من أن عدداً من الصحابة تصدقوا بدورهم ومساكنهم، وجعلوها وقفاً في سبيل الله أو على ذريتهم.

كان أول وقف في الإسلام هو مسجد قباء الذي أسسه النبي r حين قدومه إلى المدينة مهاجراً. ثم المسجد النبوي الذي بناه r بالمدينة بعد أن استقر به المقام.

وأول وقف خيري عرف في الإسلام هو وقف سبع بساتين بالمدينة، كانت لرجل يهودي اسمه مخيريق ، أوصى بها إلى النبي r حين عزم على القتال مع المسلمين في غزوة أحد، قال في وصيته: “إن أصبت ، فأموالي لمحمد، يضعها حيث أراه الله، فقتل، وحاز النبي r تلك البساتين السبعة، فتصدق بها، أي حبسها. ومضى الصحابة  yعلى ما سنته r، وعملوا بما حث عليه من الإكثار من الصدقة والإنفاق مما يحبون، وسجلوا أروع الأمثلة في التطوع بأحب أموالهم إليهم.

من تلك الأمثلة وقف عمر بن الخطاب t، وقيل هو ثاني وقف في الإسلام، ففي الحديث أنه أصاب أرضاً بخيبر، فجاء إلى النبي r وقال: يا رسول الله: أصبت مالاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس منه، فبم تأمرني؟ فقال: “إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها”. فتصدق بها عمر على ألا تباع ولا توهب ولا تورث، وتكون (أي منافعها وثمارها) في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل، ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول. ثم تتابعت الأوقاف بعد ذلك في أوجه البر والخير.

وفي العصر الأموي حدث تطور كبير في إدارة الأوقاف، وفي عهد العباسيين أصبحت للأوقاف إدارة خاصة مستقلة عن القضاء،

وكانت اهم الوجوه التي يوقف عليها: بناء المساجد والجهاد في سبيل الله ، والوقف والمواسم الدينية،  على المدارس، وعلى المكتبات، وفي الخدمات الصحية، وفي خدمات الرعاية الاجتماعية، للّقطاء كإيواء الأيتام ورعايتهم، او المقعدين والعميان والشيوخ والعجزة.

وقد كانت بناء المدارس ورعايتها من أكبر أبواب الوقف

ولدينا العديد من الأمثلة على عظمة ورقى المسلمين في هذا الصدد. من امثلة ذلك ما روى في كتب التاريخ حول:

روى الرحالة الشهير ابن جبير: أنه شاهد في بغداد نحو ثلاثين مدرسة، كل واحدة منها في قصر وبناية كبيرة…. أشهرها وأكبرها “المدرسة النظامية”. ولهذه المدارس أوقاف وعقارات للإنفاق عليها وعلى العلماء والدارسين فيها، وكان وقف “نظامية بغداد” خمسة عشر ألف دينار شهرياً، وتخرج منها أكابر العلماء.

تحدث ابن جبير عما شاهده من هذه المدارس في القاهرة  ودمشق وغيرها بأنه تأسست المدارس الموقوفة الخاصة بأبناء الفقراء والأيتام واللقطاء.

ويعطي ابن خلدون أمثلة على ما كان في بغداد وقرطبة والكوفة والبصرة والقيروان وفاس من مراكز علمية، ويتحدث عما شاهده في القاهرة من التطور العلمي وازدهار المدارس.

ويذكر التاريخ فضل صلاح الدين الأيوبي في إنشاء المدارس العلمية في جميع المدن التي كانت تحت سلطانه، في مصر ودمشق والموصل وبيت المقدس.  ن

 

 

موقف الدولة والمجتمع من التربية والتعليم

كان التعليم في مرحلته الأولية في الكتاتيب (جمع كُتّاب) وبيوت المعلمين وقد يكون في المسجد أو في محلات عامة.

وقد لوحظ بجلاء اهتمام رسول الله e والخلفاء من بعده بالتربية والتعليم  للرجال والنساء لأهل المدينة وللأمصار للمسلمين ولمن دخول الإسلام للعرب والعجم

ومن مظاهر التقدم في التعليم وضع قواعد الخط العربي واتخاذ اللغة العربية لغة رسمية للدولة، في زمن بين امية.

فالخط العربي الذي عُرف في الحجاز قبل الإسلام منقول عن اهل الحيرة والأنبار يرجع بأصله إلى خط المسند ومن هذا الخط الحجازي نشأ الخط الكوفي بعد الإسلام.،

ويمتـز عن الحجازي بتجويد شكله وهندسة حروفه، من هنا كان الخط الحجازي يستخدم في الكتابة المعتادة أما الخط الكوفي فيستخدم في الكتابة الزخرفية. 

أشهر الذين كتبوا في صدر الإسلام هم أربعة: زيد بن ثابت (ت45ﻫ) وسعيد بن العاص (ت59ﻫ) وعبدالله بن الزبير (ت73ﻫ) وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام،

وهم الذين كتبوا المصاحف لعثمان t، وكانت الكتابة بلا إعجام (أي تَنقيط) ولا شكل (أي علامات الإعراب)

إلى أن وضع أبو الأسود الدؤلي العلامات للشكل وإلى أن وضُعت بأمر الحجاج نُقط الإعجام.

وقد تم ذلك في خلافة عبدالملك بن مروان، ولا يستغرب أن يكون للحجاج دور في ذلك، فقد اشتغل بتعليم الصبيان، ولاحظ صعوبة عدم التنقيط للمعلم والمتعلم على السواء،

وقد جاء بعد تحسين الكتابة (أي الخط) وضبط الكلام العربي بوضع القواعد له،

والمعروف أن أبا الأسود الدؤلي (ت69ﻫ) كان كاتبا لعبد الله بن عباس حينما كان أميراً على البصرة،

وقد روي عن أبي الأسود قال: دخلت على عليّ t، فرأيته مطرقا، فقلت: فيم تتفكر يا أمير المؤمنين ؟

قال: سمعت ببلدكم لحنا فأردت أن أضع كتاباً في أصول العربية.

فقلت: إن فعلت هذا، أحييتنا.

فأتيته بعد أيام، فألقى إليَّ صحيفة فيها: الكلام كله اسم، وفعل، وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل،

ثم قال لي: زده وتتبعه، فجمعت أشياء ثم عرضتها عليه.

وقال أبو عبيدة: أخذ أبو الأسود عن علي العربية. فسمع قارئا يقرأ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فقال: ما ظننت أمر الناس قد صار إلى هذا، فقال لزياد الأمير: ابغني كاتبا لَقِنًا فأتى بمئة رجل فاختار منهم رجلا من قبيلة عبد القيس

فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة أعلاه، وإذا رأيتني قد ضممت فمي، فانقط نقط بين يدي الحرف، وإن كسرت، فانقط نقطة تحت الحرف، فإذا أتبعت شيئا من ذلك غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين. فهذا نَقْطُ أبي الأسود.

إن ضبط الخط العربي ووضع قواعد للغة العربية يعد من أهم الخطوات الكبرى في تقدم التعليم في تاريخ الإسلام، فقد سهّل مهمة المعلم والمتعلم، ونشّط حركة التدوين، ولا يخفى أن وجود الكتابة هو أساس كل نظام تعليمي.  

إن ضبط الخط العربي ووضع قواعد للغة العربية يعد من أهم الخطوات الكبرى في تقدم التعليم في تاريخ الإسلام، فقد سهّل مهمة المعلم والمتعلم، ونشّط حركة التدوين، ولا يخفى أن وجود الكتابة هو أساس كل نظام تعليمي.

وقد جاء اتخاذ اللغة العربية لغة رسمية بوصفه خطوة كبيرة في إطار تقدم التعليم، فقد جاء العرب إلى الشام والعراق ومصر، وابقوا الناس على ما هم عليه،

وبلغ بهم التسامح أن جعلوا سجلات دولتهم بأيدي كُتّاب من الروم والكِلدان والقِبط، يكتبونها بلغة البلد، وبحسب ما تعودوه في زمن سادتهم السابقين،

واستمر العرب على هذ السياسة إلى زمن عبدالملك بن مروان، فأمر أن تكون لغة دواوين الدولة باللغة العربية دون سواها، فكان لا بد من توحيد لغة هذه الدولة المترامية الأطراف على لغة أهلها وحكامها.

ومع ظهور طبقة معلمي الصبيان والمؤدبين وحلقات العلماء ظهر من يقول أن معظم من اشتغل بالتعليم كانوا من الموالي، مستندين في مقولتهم هذه إلى أن العرب انشغلوا بالحرب والجهاد ونشر الاسلام، إضافة إلى احتقار العرب للمهن والحرف، وهي مقولة مجانبة للصواب.

فلا شك أن عددا ممن اشتغلوا بتعليم الصبيان كانوا من غير العرب، وبعضهم كانوا من النصارى، أو من اليهود العرب. ولكن عمل هؤلاء كان يقتصر على الناحية المدنية. أي تعليم القراءة والكتابة والحساب وقليل من الشعر والأخبار. أم التربية والتثقيف والتهذيب فكانت موكولة إلى القراء، أي قراء القرآن الكريم. 

كما أن التمييز بين هاتين الطبقتين من المشتغلين بالتعليم والتهذيب، يفسر التضارب الذي يرد في المصادر حول مكانة المعلمين، فالنوادر التي يرويها الجاحظ على سبيل المثال، لا يمكن أن تكون موجهة لأناس كانوا يعلمون القرآن الكريم، والراجح أن الناس كانوا يتجرأون على المعلمين من أهل الكتاب، أو من غير العرب.

كما تذكر المصادر أسماء رجال كبار اشتغلوا بتعليم الصبيان مثل: الوالي الأموي الكبير الحجاج بن يوسف (ت95ﻫ)

والكاتب الشهير عبدالحميد الكاتب (ت132ﻫ)

والراوية القارئ أبو عمرو بن العلاء

فهذه الطبقة من المعلمين التي يصفها ابن خلدون (ت808ﻫ) في كلامه عن المعلمين بقوله: «أهل الأنساب والعصبية» فهؤلاء لا ينطبق عليهم ما كان الناس يتناقلونه عن حمق المعلم، وقلة عقله.

ولم تقتصر الاتجاهات التربوية في زمن بني أمية على الاهتمام بأخبار القبائل، وإحياء أعراف العرب وعاداتهم وأشعارهم، كما يحلو للبعض أن يظهر ذلك،

بل كان القرآن والحديث مادة أساسية. فما هو واضح أنه كنت النهضة العلمية والتعليمية زمن بني أمية في مستهلها، ليس في العلوم الشرعية وحدها بل كذلك في العلوم العقلية واللغوية وسائر المعارف، فهذا عبدالملك بن من مروان الخليفة الاموي كان أحد الفقهاء السبعة في المدينة المنورة. وكان يتردد في تولية ابنه الوليد بعده لأنه كان لا يعرف النحو.

يُخيّل للبعض أن حركة التدوين والتأليف والنقل تمت كلها في العصر العباسي،

وهو رأي مجانب للصواب فلم تظهر هذه الحركة طفرة، فمن المعروف أن شيئا من التدوين قد تم زمن بني أمية،

وأن الناس كانوا يبحثون في أخبار العرب، وأن عبيد بن شرية كان همه أن يبلس قصص العرب حلة جديدة، ويرويها في المجالس.

وأن طبقة من المسلمين كان لا يلتقي الواحد منهم بالآخر دون ان يسأله رواية حديث عن رسول الله r.

فالنشاط العلمي في أول عهد بني العباس له مقدمات في عهد بني أمية.

فمن نتائج إصلاح الخط العربي واتخاذ اللغة العربية لغة رسمية، أدى ذلك إلى ظهور حركة مهمه تناولت درس القرآن الكريم والحديث الشريف واللسان العربي،

وكان ذلك تحت رعاية الحجاج بن يوسف في البصرة، ثم في الكوفة. إذ المشهور أنه بعد ان استتب الامر للحجاج في العراق، وجه قسطا من عنايته إلى صناعته القديمة وهي التعليم، فنشأ درس النحو.

كما ظهرت في أواخر العصر الأموي بدايات تدوين الحديث الشريف.

وكان أول من ترجم إلى العربية من لغات الأعاجم بأمر الأمير الأموي خالد بن يزيد (ت90ﻫ)  فقد تُرجمت له كتب في الكيمياء من اليونانية والقبطية، وكتب هو ثلاث مقالات في الموضوع نفسه،

فالنهضة العلمية في عهد بني العباس لم تنشأ دفعة واحد بل كان لها مقدمات جاءت زمن بني أمية.

بلغ بنو العباس بالتدوين والترجمة والتأليف والبحث والمناظرة درجة عالية،

ولم يكن أمر طلب العلم في زمنهم مقصوراً على فئة دون أخرى، بل اشترك فيه كل الناس من الخليفة إلى البدو في الصحراء، وكان للنساء في ذلك نصيب غير قليل.

وساعد في ذلك أمران سياسة بني العباس التي أخذت إطارا إسلامياً بالدرجة الاولى وعربياً بالدرجة الثانية، فالمعروف أنهم قرّبوا الفرس، وتقرّبوا من الفقهاء. والأمر الآخر هو ازدياد الثروة وتعلق الناس   

وكان من اغراض التربية والتعليم في العصر العباسي الأول عدة أمور منها:

 التوصل إلى الوظائف العليا في الدولة وهو أمر يحتاج إلى معرفة علوم الدين وعلوم الدنيا معا،

وثانيها الحصول على الثروة والمكانة،

وثالثها طلب العلم لذاته. وكان التنافس في هذه الاتجاهات الثلاثة على أشده، لا سيما مع دخول غير العرب من اهل البلاد المفتوحة، مع ما لهم من خبرة سابقة في معرفة العلوم، وبالمقابل فهم لا يقلون قدرة في تعلم اللغة العربية وعلوم الشريعة.

لقد أدت هذه العوامل لنضوج الحركة العلمية في زمن بني العباس فتسارعت حركة تدوين علوم الشريعة وعلوم اللغة العربية، وصار المتعلم لا غنى له عن درس التفسير والقراءات والحديث والفقه بالدرجة الاولى

والنحو واللغة والبيان والأدب بدرجة ثانية

وجاء بعد ذلك نقل العلوم القديمة من فلسفة وهندسة وطب وكيمياء وموسيقى.

وعاصر ذلك نشؤ الفرق وتطورها مثل الخوارج والشيعة والمرجئة والزهاد والمتصوفين ولكل فرقة ناحيتها الدينية والعلمية، ولها كتبها، ولها طريقتها في نشر دعوتها، وتعليم أتباعها.

لقد انعكس ذلك كله على التربية والتعليم فلم يكتف الناس بآثار العرب، ومثل الإسلام، بل أراد كل متعلم أن يكون له نصيب من الثقافات الجديدة.

فالمعلم الذي كان يقصر همه على تعليم القراءة والكتابة الحساب وشيء من الأخبار والقصص، أصبح لا شأن له، وصار الناس يتطلعون إلى المعلم الكبير، الذي يعرف القرآن والحديث، كما يعرف اللغة والأدب، ويعرف كذلك الفلسفة والكيمياء.

وقد يحدث أن فئة تعادي نوعا من أنواع العلوم وتحارب أصحابه، وتحاول أن تستعين بسلطة الدولة أو غيرها في محاصرته ومنعه.

ويظهر أن التعليم أصبح علاقة أو صلة روحية بين المتعلم والمعلم، وأن أغراضه أن ينال المتعلم قسطا كافيا من الثقافة العامة لا نوعاً من المعرفة، والحديث عن الاجور التي يأخذها بعض المعلمين، لا يقلل من صواب هذا الرأي، فالأجور كانت دائما شخصية تتوقف على المعلم وحاجته إلى المال ورغبته فيه.

ويظهر أن التعليم كان خاصا لا عاما، فليس التعليم موَحداً، أي يسري على الجميع، فلا الأسلوب التعليمي، ولا المادة التعليمية، ولا نتائج التحصيل لها ضوابط،

بل كل ذلك يتوقف على مقدرة المعلم، وثقافته، واستعداد طلابه. وليس على أي شيء آخر، مثل: رقابة الدولة أو غيرها، أو البرامج التي تضعها بعض المدارس أو الشهادات التي تصدرها.

فالدولة لم تقم في أي وقت بمراقبة التعليم، ولم تضع له البرامج، ولم تصدر الشهادات باسمها، او باسم أي إدارة من إداراتها، في أي مرحلة من مراحل التعليم.

ويلاحظ كذلك أن الاهتمام بالتعليم المتقدم للكبار (العالي) كان أشد وأكثر من الاهتمام بالتعليم الابتدائي، فنظام التعليم نشأ نشأة معكوسة، أي بدأ بالتعليم العالي قبل أو أكثر من التعليم الابتدائي أو معه في نفس الوقت.

وكان التعليم حراً ومفتوحا للجميع، وينتظر أن يتأثر بالتطورات الفكرية والحزبية، إذ اتخذت لها، كما فعل الإباضية ابتداء، وكما فعل الإسماعيلية بعدئذ. نظمها التربوية الخاصة التي تخدم أفكارها وعقائدها.

ولكن النظام التربوي في أسسه وإطاره كان واحداً، فهو يستمد مفاهيمه الرئيسية من منابع إسلامية واحدة، ويخضع لمؤثرات ثقافية واجتماعية عامة، ويتطور في نطاق ثقافة عربية إسلامية واحدة.

وكانت مؤسسات التعليم عند الفاطميين وثيقة الصلة بالدعوة الفاطمية، كما هو الحال في “الجامع الأزهر” (فتح 361هـ/972 م)، وفي “دار العلم” التي أنشأها الحاكم (395هـ/1006م). وقد أدى هذا إلى اتخاذ اتجاه مماثل في النظاميات في المشرق.   ن

دور المساجد في التعليم ونشأة المدارس في العالم الإسلامي

المساجد ودورها في التربية والتعليم

جرت الإشارة سابقا للمهمة ثلاثية الأبعاد التي تقع على كاهل المسجد في التاريخ الإسلامي، فأول أركانها العبادة وثانيها الإدارة وثالثها التعليم، ومع كل المؤسسات التعليمية التي ظهرت في الحضارة الإسلامية في عصورها المختلفة فقد ظل للمسجد دوره في التعليم وتبادل العلم.

نظرا لما يُعرف عن المسجد من انفتاح وعدم اختصاصه بفئة معينة ، ولكثرة المنتفعين بالعلم من رواد المسجد. كما ان النظرة إلى المسجد بانه أفضل الأماكن للعم والتعليم،

يقول بن الحاج:

( لا يخلو موضع التدريس من ثلاثة احوال إما ان يكون بيتا او مدرسة أو مسجداً، وافضل مواضع التدريس المسجد لان الجلوس للتدريس إنما فائدته ان تظهر به سنة او تخمد به بدعة او يتعلم به حمكم من احكام الله علينا، والمسجد الي يحصل فيه هذا الغرض متوفر، لانه موضع الناس رفيعهم ووضيعهم وعالمهم وجاهلهم، بخلاف البيت فإنه محجور على الناس إلا من أبيح له، وذلك لاناس مخصوصين،

وإن كان العالم قد أباح بيته لكل من أتى، لكن جرت العادة ان البيوت تُحترم وتُهاب، فكان المسجد اولى، لانه في توصيل الاحكام وتبليغها للأمة، وكذلك أيضا إلى هذا المعنى يكون المسجد أفضل من المدرسة لوجهين:

أحدهما الاقتداء بالسلف، حيث كان أخذ العلم في المساجد. والوجه الثاني: الان المدرسة لا يدخلها في الغالب إلا آحاد الناس، بالنسبة للمسجد، لانه ليس كل الناس يقصد المدرسة، وغنما يقصد أعمهم المساجد)() .

وقد اسهمت كثير من المساجد في حركة التعليم وأشهرها:

المسجد الحرام بمكة المكرمة

والمسجد النبوي في المدينة المنورة

وجامع المنصور ببغداد الذي اسسه ابو جعفر المنصور سنة 145ﻫ، وبلغ من شهرته أن الخطيب البغدادي حينما حج شرب ماء زمزم وسأل الله أن يحقق لح ثلاثة امو منها أن يعطى فرصة في أن يملي الحديث الشريف في جامع المنصور.

وجامع دمشق الذي بناه الوليد بن عبد الملك (الجامع الاموي)

وجامع القيروان بيونس، وجامع قرطبة بالأندلس،

وجامع القرويين في المغرب،

وفي مصر على سبيل المثال: 

جامع عمرو بن العاص الذي بناه عقب الفتح سنة 20ﻫ،

وقد قام بالمهمة التعليمية في مصر حتى قيام الدولة الطولونية في مصر (254-292ﻫ)

جامع بن طولون الذي بناه مؤسس الدولة الطولونية سنة 259ﻫ،

وعندما دخل الفاطميون مصر سنة 358ﻫ، أنشأوا الجامع الأزهر، تم بناؤه سنة 361وأصبح المسجد الرسمي لنشر عقائد المذهب الفاطمي، وقد حظي الجامع الازهر بعناية ورعاية كبيرة جدا من الفاطميون العصر المملوكي

ثمة مسجد الظاهر بيبرس الي أنشأ سنة 667ﻫ

وجامع الامير حسن وجامع الناصر قلاوون

المدرسة في الأصل هي البيت أو الموضع الذي يُدرس فيه القرآن، ودرس بمعنى فهم وتعلم وحفظ، كما تأتي بمعنى قرأ: يقال درست الكتاب أي ذللته بكثرة القراءة حتى سهل حفظه، ودرست السورة أي حفظتها ودرست أي تعلمت، كقوله تعالى: (وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست) ومنه حديث رسول الله r: ( تدارسو القرآن) أي اقرأوه وتعهدوه لئلا تنسوه.

وترد الإشارة إلى كلمة “مدارس” عند العرب قبل الإسلام فقد ورد في حديث اليهودي الذي زنى (فوضع مِدْراسُها كفه على آية الرجم)

 المِدْراس صاحب دراسة كتبهم،

وفي حديث آخر (حتى أتى المِدْراسَ)  وهو البيت الذي يدرسون فيه.

ومن أقدم الإشارات إلى المدرسة بمعناها التعليمي ما جاء في قول دُعبل الخُزاعي (ت246ﻫ) في بعض الأبيات

مدارس آيات خلت من تلاوة           ومهبط وحيٍ مقفر العرصات

أي الأماكن التي تخصص لإقراء القرآن وتلاوة آي الذكر الحكيم.

كانت قيم التّعلُّم والتّعليم من أهم القيم التي رسّختها رسالة الإسلام منذ عهدها الأول، وميزة من الميزات التي اتصف بها المجتمع الإسلامي في عصوره المختلفة،

وقد حفظ لنا التراث الإسلامي جانباً من هذه الحركة العلمية في بذل العلم وطلبه، وبناء المدارس وعمارتها.

وقد دُوّن في هذا المجال عدد من الكتب تخصّصت في الفكر التربوي والفكر التعليمي، منها:

كتاب الجاحظ (ت255ﻫ)، “رسالة المعلمين”.

كتاب ابن سحنون (ت256ﻫ)، “آداب المعلمين”.

كتاب أحمد بن أبان بن السيد الأندلسي (ت382ﻫ)، “العالم والمتعلم”

كتاب القابسي (ت438ﻫ)،”الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين”.

كتاب الزرنوجي (ت600ﻫ) “تعليم المتعلم وطرق التعلم”()

بالإضافة إلى ذلك هناك بعض الكتب التي خُصّصت للحديث عن الممارسات التعليمية وأحوال المدارس وأخبارها، منها:

 ما كتبه ابن الساعي (ت674ﻫ) بعنوان: “أخبار الرُبط والمدارس” ويبدو أن ابن الساعي قد اقتصر في كتابه على مدارس بغداد وربطها.

ثم يأتي الحسن بن أحمد بن زفر الأربلي (ت726ﻫ) بكتابه الموسوم “مدارس دمشق وربطها وجوامعها وحماماتها” الذي ذكر فيه أن مدينة دمشق قد ضمت 91 مدرسة،

ثم يأتي بعد من دمشق أيضاً كتاب “الدارس في أخبار المدارس” للشهاب أحمد بن حجي السعدي الشافعي (ت816ﻫ)

ومن دمشق أيضاً يأتي النُعيمي (927ﻫ/1520م) بكتابيه:”الدارس في تاريخ المدارس” و “دور القرآن في دمشق” وفيهما أخبار كثيرة عن مدارس دمشق ودور القرآن ودور الحديث فيها.

وقد أفاض مؤلفو هذه الكتب وسواها في أخبار مجالس التعليم والتدريس والمناظرة في الربط والزوايا، وتناولوا ما اشتملت عليه خزائن الكتب من مقتنيات، وترجموا لمن أسسها، ومن تولى التدريس فيها، من المدرسين والقراء، كما تحدثوا عن دور القرآن ودور الحديث ومدارس الطب ومدارس الفقه على مذهب واحد أو المشتركة بين مذهبين أو ثلاثة أو تلك التي جمعت المذاهب الأربعة. وما حظيت به هذه المدارس من عناية من الواقفين والعلماء والأمراء وسائر فئات المجتمع.

تبيّن هذه المصادر أن مركز الحركة العلمية في ديار الإسلام ظل جزءاً من المساجد أو بجوارها، وظلت مقتصرة على الناشئة وصغار السن في صدر الإسلام وعصوره الأولى. لقد حفلت بغداد منذ أواسط القرن الخامس الهجري بعدد كبير من المدارس المستقلة عن الجوامع أو المساجد.

وتشبه المدرسة في التراث الإسلامي إلى حد كبير المدارس الثانوية أو الدراسة الجامعية في العصر الحديث،

وقد انفصلت عن المساجد منذ القرن 5ﻫ/11م أو قبله بقليل،

والمشهور أن المدارس في العالم الإسلامي ظهرت على يد الوزير نظام الملك السلجوقي (ت485ﻫ/1092م) الذي اشتهر عصره برواج العلم وعلو أهله   وهو ما ذهب إليه ابن خلكان (ت681ﻫ) من كون نظام الملك هو أول من أنشأ المدارس، فبنى مدرسة بغداد سنة 447ﻫ ثم تابعه الناس، ووافقه الذهبي (ت748ﻫ) في ذلك.

في حين يرى السبكي (ت771ﻫ) () ومعه المقريزي (ت845ﻫ) أن المدارس قد أنشأت في ديار الإسلام قبل زمن نظام الملك، فبداية إنشائها كان مع بداية القرن الخامس الهجري، فأهل نيسابور هم أول من بنى مدرسة في الإسلام عُرفت بالمدرسة البيهقية، إضافة إلى أربع مدارس أخرى في المدينة نفسها على ما يراه المقريزي.()

وقد رصد بعض الباحثين المدارس التي سبقت النظامية فوجد أن هناك ما يقارب ثلاثاً وثلاثين مدرسة في بلدان المشرق الإسلامي.()

أما الدولة الفاطمية فقد شُغلت بنشر مذهبها، فأنشأت لذلك ما عُرف ﺑ”دور العلم” لا سيما في عهد العزيز الفاطمي (حكم ما بين 395 – 386ﻫ)، وكانت حلقات الدرس تعقد في الجامع الأزهر أو في منزل الوزير بن كلس، ويرى حسن ابراهيم حسن أن الفترة الفاطمية لم تعرف المدارس بمعناها الرسمي الذي بدأ ظهوره في نيسابور ثم تتابع في سائر المشرق()

وازدهرت حركة إنشاء المدارس في كل من الشام ومصر على يد كل من نورالدين زنكي (ت569ﻫ/ 1174م) وصلاح الدين الأيوبي (ت589ﻫ/1193م)

وقد أشار ابن جبير في رحلته التي تزامنت مع وجود الدولة الأيوبية وفي حياة صلاح الدين الأيوبي ،

وقد أشار ابن جبير إلى نحو من ثلاثين مدرسة في بغداد حينما زارها سنة 580ﻫ وأن ولها مبان مستقلة شببها بالقصور لفخامتها، وأن لها أوقافا كثيرة ينفق منها على المدرسين والطلبة.()

وعندما زار الشام أشار إلى وجود عشرين مدرسة في دمشق وست مدارس في حلب(). وشهدت مصر إنشاء العديد من المدارس على يد صلاح الدين قبيل سقوط الدولة الفاطمية وبعهدها. وتوالى إنشاء المدارس على يد أمراء الدولة الأيوبية، وترد الإشارة إلى ما يقارب أربعا وعشرين مدرسة()

ويرى المقريزي أن أول مدرسة أنشئت بمصر هي المدرسة الناصرية نسبة إلى الناصر صلاح الدين

وقد بلغت المدارس ذروة تطورها عندما بنى المستنصر بالله العباسي (ت640ﻫ) المستنصرية، يذكر ابن الفوطي (ت723ﻫ) في حديثه عن المستنصر أن كتباً صُنّفت عن المستنصر والمستنصرية لكنها فُقدت، ثم هو يرى أن إنشاء المدرسة المستنصرية من أجَلّ فضائل المستنصر التي لم يُسبق إليها لاسيما انه جعلها على المذاهب الأربعة، ووقف عليها أوقافاً حاصلها نحو من ستين ألف دينار() ويبدو أن أخبارها كثيرة فهو يعتذر عن التفصيل فيها.

وقد صنّف ابن الساعي (ت674ﻫ) كتاباً مستقلاً عن المدرسة المسنتصرية سماه “شرط المستنصرية” فصّل فيه أحوالها وأخبارها

وقد أدى الغزو المغولي على المشرق والغزو الصليبي على الأندلس إلى هجرة العلماء إلى الشام ومصر لتشهد مصر والشام حركة واسعة في بناء المدارس،

حتى بلغت من الكثرة بما يتعصي معه حصرها لكثرتها على ما يقول ابن بطوطة.()  وفي ذلك يقول القلقشندي (ت821ﻫ/ 1418م): “أنهم شيدوا من المدارس “ما ملىء الاخطاط وشحنها”.

كانت أغلب المدارس المملوكية مخصصة للمذاهب الأربعة لذلك اتسم تصميم المدرسة بطراز خاص في العمارة الإسلامية تمثل في صحن اوسط تتوسطه نافورة تتعامد عليه أربعة إيونات خصص كل منها لأحد المذاهب

وقد كان لهذه المدارس مباني متميزة بعضها مازالت بقاياه شاهداً عليه إلى العصر الحديث تتنوع هذه المباني في مساحاتها، غير أن تخطيطها يكاد يكون متشابها، فعمران المدرسة لا يخرج عن جملة من العناصر أهمها: وجود ساحة أو رحبة أو فناء واسع يعرف بالصحن تحيط به حجرات في الطابق السفلي وغرفات في الطابق الأعلى، وربما كانت بعض المدارس معلقة أي في الطابق الأعلى وحده.

كما احتوت أغلب المدارس على أروقة أمام الحجرات والغرفات، وقد تكون هذه الأروقة مزخرفة ومقرّصة، أي تكسوها المقرنصات. وقد تتشابه مخططات الأواوين والمداخل في المدارس إلى حد كبير، كما تتشابه في الأحجام والدهاليز والقاعات.

المدرسة النظامية والمدرسة المستنصرية

المدرسة النظامية

أسس هذه المدرسة نظام الملك الوزير السلجوقي عام 457هـ / 1067 م. وكان موقعها على نهر دجلة ببغداد بين باب الأزاج وباب الباسلية.

ولقد أنفق نظام الملك على بنائها مائتي ألف دينار، وبنى حولها أسواقاً تكون وقفاً عليها.

ولقد اتخذت المدرسة في بنائها شكلا رباعي الأضلاع، وهي على قاعات لها قباب، تحيط بصحن في وسطها، وفي الجانب المواجه للقبلة يوجد المصلى، وبه المنبر، وفي الأروقة الملحقة بالمبنى كانت توجد أماكن لنوم الدارسين. كما ألحق بها أيضا دورات مياه ومطبخ ومخازن، وحجرات الدراسة تحيط بصحن المدرسة. وألحق بالمدرسة مكتبة.

ولقد توالت الحروب على بغداد، فأهمل أمر النظامية حتى اندثرت في مطلع القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي،

وصار موقعها أحد الأحياء الكبيرة في بغداد، وبقي إيوان بابها حتى عام1332هـ / 1914 م.

أهداف المدرسة

هدفت المدرسة النظامية منذ نشأتها الأولى لإزالة آثار الأفكار الشيعية التي خلفها البويهيون والفاطميون إبان حكمهم.

ومن ثم كان التعليم الديني استنادا إلى المذهب السني، وحسب قانون الوقف نشر المذهب الشافعي. وكان نص الوقفية يؤكد على أن كل من يعمل بالمدرسة يجب أن يكون شافعياً.

طلبة المدرسة

كان عدد الطلاب في النظامية محدودا، إذ اعتاد الطلبة على ارتياد المساجد لتلقي علومهم الأساسية.

وكان الطلبة يجلسون القرفصاء أثناء الدرس، مستخدمين الركبة كقمطر للكتابة والأوراق في اليد اليسرى، بينما في اليد اليمنى القلم. وكانت الدفاتر التي يدون فيها المعلومات تقوم مقام الكتاب المدرسي.

وعن أمور معاشهم فقد وفرت لهم النظامية المسكن والمأكل في المدرسة،

وكذلك كان ينالهم دائما نصيب من الأوقاف التي توقف على المدرسة،

ولقد تخرج من النظامية عدد من العلماء الذين نالوا شهرة بعد ذلك منهم:

ابن عساكر، المؤرخ المشهور

والعز بن عبد السلام، الفقيه الكبير

وابن رافع الأسدي الذي درس بالنظامية ثم عين معيدا بها.

وأبو علي ابن منصور الخطيب المعروف (بالأجل) الذي أصبح مدرسا بها.

(ما يميز أساتذة المدرسة)

ضمت المدرسة النظامية مدرسون على ثلاث طبقات، هم المدرسون وكان لكل واحد منهم نائبان، ثم المعيدون الذين يعيدون الدرس، والوعاظ.

كان الأساتذة يعينون بها نظير مرتبات تدفع لهم، وبذلك كانت النظامية أول معهد علمي يتقاضى معلموه أجرا على تعليم العلوم.

وكان لكل مدرس على الأقل مساعد،

وإلى جانب أعضاء هيئة التدريس كان يوجد عدد من الكتبة والخدم، فضلا عن أمين المكتبة ومسجل وإمام لمصلى المدرسة.

وكان المدرسون والمعيدون والوعاظ وأمناء المكتبة من أكابر علماء عهدهم، فمن العلماء الذين درسوا في النظامية

الإمام قطب الدين الشيرازي وهو أول من درس فيها،

والإمام الغزالي ودرس بها أربع سنوات ما بين عام 484هـ / 1095 م. إلى 488هـ / 1099 م.

والإمام الجويني، وأبو نصر الصباغ، وأبو القاسم الدبوسي،

وأبو سعيد النيسابوري، والسهروردي، وابن البرهان، وأبو يعقوب الهمداني، وابن الجوزي،  ومن المعيدين محمد السلماسي،

وابن رافع الأسدي المعروف بابن شداد.

وكان يميز علماء النظامية الزي الإسلامي الذي انفرد باللونين الأسود والأزرق، وكان مرتدي هذا الزي يحظون بقدر كبير من الاحترام من العامة.

مكتبة المدرسة : ألحق بمبنى المدرسة النظامية بناء خاص بالمكتبة عرف باسم دار الكتب أعطاها نظام الملك الوزير السلجوقي مؤسس المدرسة اهتماما خاصا، زودها بكل غريب ونادر وقد كتب هو بنفسه كتابا في الحديث أودعه عند زيارته الأولى لها عام 479هـ / 1087 م.

ولقد كانت المدرسة ومكتبتها من الأشياء القليلة التي نجت من الخراب والدمار الذي اجتاح بغداد على يد المغول سنة 656هـ / 1258 هـ.

ولقد ضمت المكتبة أكثر من عشرة آلاف مجلد في موضوعات شتى إلا أنه غلب عليها الفقه والسنة واللغة والأدب وعلم الكلام.

وقد شغل منصب أمين المكتبة فيها علماء لهم شأنهم كان من أوائلهم

أبو يوسف الإسفراييني يعقوب بن سليمان بن داود. الذي كان فقيها أديبا شاعرا خطاطا.

وعندما توفي جاء بعده الإبيوردي: أبو مظفر محمد بن أحمد، وهو أديب مشهور كان مكثرا من التصانيف والتأليف يتمتع بشخصية ذات همة عالية وله طموحات أوصلته إلى السلطان محمد بن ملكشاه، ملك خراسان ليصبح واحدا من رجال الدولة.

وكان من بين أمناء المكتبة المشهورين أيضا الخطيب التبريزي أبو زكريا، يحيى بن علي بن محمد الشيباني، وقد كان أديبا له العديد من الكتب المهمة وكان إلى جانب أمانة المكتبة يدرس الأدب والفلسفة في المدرسة. وقد توفي عام 502هـ / 1109 م. وهو على رأس العمل.

وقد كان أكرم الدين أبو سهيل آخر أمين لهذه المكتبة.

وفي سنة 510هـ / 1117 م. نشب حريق في المدرسة وسرعان ما قام الطلاب بنقل كتب المكتبة حماية لها من النار التي التهمت مبنى المكتبة مما استوجب إعادة تشييده واعاده ترتيب الكتب فيه على رفوف جديدة.

ومع مرور الوقت أصاب المكتبة تصدع وإهمال مما جعل الحاكم العباسي الرابع والثلاثين الناصر لدين الله يأمر بإعادة إعمارها ونقل إليها ألوفا من الكتب والمجلدات النفيسة سنة 589هـ / 1193 م. بل ويقال إنه بنى لها مبنى جديدا.

الإجازات العلمية

كان المتبع في المدرسة النظامية هو أن يتلقى الطالب العلم زمنا طويلا فإذا آنس في نفسه القدرة على التصدي للعلم أعلن ذلك بين زملائه وشيوخه فتعقد له حلقة من العلماء لمناقشته وإجازته.

وكان الطالب يحصل على إجازة أو إجازات تجيز له رواية حديث أو تدريس كتاب أو الإفتاء من شيخه الذي تلقى عليه العلم.

سلسلة المدارس النظامية هي المدارس التي أطلق عليها اسم الوزير “نظام الملك” التي أسسها في عهد السلاجقة العظام. وأكبر هذه المدارس هي المدرسة النظامية التي تأسست في بغداد.

ويوجد مثيلها في مدن أصفهان ونيسابور وبلخ وهراة والبصرة والموصل وآمل. ومن أهل العلم الذين نشأوا في المدارس النظامية محمد الغزالي وعمر الخيام والخاقاني والسعدي.

وكانت لجهود واهتمام ألب أرسلان ونظام الملك عظيم الأثر في تأسيس المدرسة النظامية ببغداد؛ حيث كانت المدارس النظامية ببغداد مؤسسات تعليمية عظيمة، أما المدارس الأخرى فهي بمثابة مدارس تقدم تعليماً متوسطاً أو عالياً، حسب مستوى المعلمين العاملين بها.

وقد أرست المدارس النظامية قواعد قوامها الدين والحقوق وتعليم اللغات، كما أدرجت العلوم الفلسفية ضمن برامجها قبل أن يمر وقتاً طويلاً.

وكان رد الفعل القوي على العلوم الفلسفية قد ظهر بالتحاق الغزالي الذي عمل بالتدريس ورئيساً للمدرسة النظامية ببغداد في الفترة من 1901م-1905م.

وكانت المدارس النظامية تعتمد اعتماداً كلياً على الأوقاف، ولكنها قد شيدت بأكملها على نفقة الدولة.

وكانت المدارس النظامية ببغداد تشترط أن يكون معلموها على المذهب الشافعي.

المؤثرات الفكرية: كانت المدارس النظامية تربي الطلاب الذين يأتون إليها من كل بقاع العالم وحتى من الأندلس على المذهب السني، والدعاية له، وتدعيم وتقوية الأفكار والأعمال المشتركة في المجتمع. كما أعدت رجالاً للقيام بوظائف في الدولة السلجوقية. كانت المدارس النظامية نموذجاً للمدارس الإلخانية والعثمانية وغيرها من المدارس في العالم الإسلامي.

المدرسة المستنصرية

أنشئت المدرسة المستنصرية في بغداد بعد المدرسة النظامية بنحو نصف قرن، وقد أسسها الخليفة المستنصر بعد سنتين من توليه الخلافة.

وقد بنيت على شاطئ دجلة من الجانب الشرقي بجانب قصر الخلافة بالقرب من المدرسة النظامية.

 وقد أنفق الحاكم عليها بسخاء شديد، وكان الحاكم المستنصر بالله ممن يحبون العلم وينفقون على أهله ويحبون جمع الكتب وقراءتها.

وقد ظل العمل في بنائها ست سنوات كاملة فجاءت محكمة البناء راسخة في الماء فسيحة البناء. ولما كملت أبنيتها، رتب لها البوابين والفراشين والخدم والطباخين،

وأسكن لكل مذهب اثنين من الفقهاء وجعل لهم أربع معيدين، وأجريت لهم بها الجرايات الوافرة وما يحتاجون إليه من الطعام،

وجعل فيها طبيبا حاذقا ماهرا، وجعل عنده عشرة من الطلبة يشتغلون عليه في علم الطب، وجعل لهم الأكحال السائلة وبني لهم مكان فاخر مقابل للمدرسة يجلس فيه الطبيب فيقصده المرضى فيداويهم.

وبنيت في حائط هذا المكان دائرة وصور فيها صورة الفلك وجعل فيها فتحات لطاف لها أبواب لطيفة، وفي الدائرة بازان من ذهب في طاستين من ذهب ووراءهما بندقتان من شبّة لا يدركهما الناظر، فعند مضي كل ساعة ينفتح فما البازين ويقع منهما البندقتان، وكلما سقطت بندقة انفتح باب من أبواب تلك الطاقات والباب من ذهب فيصير عند ذلك مفضفضا، وإذا وقعت البندقتان في الطاستين تذهبان إلى مواضعهما ثم تطلع أقمار من ذهب في سماء لازوردية في ذلك الفلك مع طلوع الشمس الحقيقية تدور مع دورانها وتتغيب مع غيبوبتها فإذا جاء الليل فهناك أقمار طالعة من ضوء خلفها كلما تكاملت ساعة تكامل ذلك الضوء في دائرة القمر ثم يبتدئ في الدائرة الأخرى إلى انقضاء الليل وطلوع الشمس فيعلم بذلك أوقات الصلاة.

وقد افتتحها الخليفة ومعه الوزراء وكبار موظفي الدولة في احتفال رسمي مهيب عام 631هـ / 1234 م. ونظم الشعراء في ذلك أشعارا.

وما يزال بناء المستنصرية قائما حتى يومنا هذا في بغداد على شاطئ دجلة وإن كان قد لحقه كثير من التعديل والتبديل وتغير الوظيفة.

هدفت الدراسة في المستنصرية إلى الاهتمام بالعلوم الشرعية،

ومحاولة الجمع بين المذاهب الفقهية في مكان واحد فكان هذا عملا عظيما ولم يكن له مثيل من قبل

كما اهتمت المدرسة كذلك بتدريس الحديث الشريف، والقرآن الكريم وكان فيها داران أحدهما للحديث والثانية للقرآن الكريم،

ولم يغب عن ذهن المستنصر باني المدرسة أن يهتم بالعلوم الأخرى، فجعل مدرسا للفقه ورتب له عشرة تلاميذ يكونون معه ليتعلمو منه هذه المهنة خاصة لما وجد أن غير المسلمين قد برعوا في هذا المجال، وكانوا يسيئون استخدامه ثم رتب كذلك معلما للرياضيات والتركات

طلبة المستنصرية

كان يتم اختيار طلاب المستنصرية من المدارس المختلفة أو من الذين اشتهروا بالتأليف والتصنيف أو التدريس، فيثبتون طلابا فيها وقد كانوا أيضا يفدون إلى المدرسة من مختلف المدن في العراق أو البلاد الإسلامية، فكان منهم طلاب من تكريت وبرزين و الموصل والأندلس ومصر وقونية و أصفهان وخراسان وغير هذا من البلاد الإسلامية المختلفة.

وقد كان الطلاب لا يقتصرون في دراستهم على فرع واحد من فروع المعرفة، بل كان الواحد منهم يدرس الفقه ثم يذهب لسماع الحديث في دار الحديث أو يذهب إلى دار القرآن ليتعلمو علوم القرآن.

كان يطلق على الطالب في المستنصرية اسم الفقيه،

وقد شرط الحاكم المستنصر في طلاب المستنصرية عدة شروط منها أن يكون عدد الطلاب بها (248) رجلا، وأن يكون من كل مذهب من المذاهب الأربعة عدد (62) فقيها(طالبا) على أن يكون لكل طالب في كل شهر ديناران، وقد كان عدد طلاب الحديث عشرة طلاب، وطلاب دار القرآن ثلاثون طالبا أما طلاب مدرسة الطب فكانوا عشرة طلاب. فكان العدد الإجمالي للطلاب في المدرسة المستنصرية يقارب مائتي طالب.

وقد اهتم المستنصر بالطلاب فوقف على المدرسة وقفا جليلا، واجتهد أن يرفه عنهم بأمور لم يسبق إليها ليتمكنوا من التفرغ للبحوث العلمية، فرتب لهم كافة ما يكفيهم من الأطعمة والأشربة، والنفقات ورتب لهم فيها البيوت والمساكن. فكانت الأطعمة تو زع عليهم يوميا مطبوخة زيادة على الحلوى، والفاكهة، والصابون،

وما كان يهيأ لهم من الفرش والسرج، والورق، والأقلام للاستنساخ وعدا الماء البارد الذي كان يهيأ لهم في الصيف، والحمام الساخن الذي كان يهيأ لهم في الشتاء.

لقد ضمت المستنصرية العديد من العلماء الكبار والذين كان لهم أكبر الأثر في ازدهار الحياة العلمية في بغداد وغيرها من البلدان الإسلامية، وقد كان لعلماء المستنصرية الفضل الأكبر في نشر الثقافة الإسلامية في أحلك العصور وأشدها ظلمة فقد كانوا خلال فترة الحكم المغولي أي منذ سقوط بغداد بيد هولاكو سنة 656هـ / 1258 م. حتى تدميرها بيد تيمورلنك سنة 803هـ / 1401 م. يحملون مشاعل العلم، وينشرون نتاج الفكر الإسلامي مدة قرن ونصف القرن، وقد كان هؤلاء يتخيرون من كبار المدرسين والشيوخ في العراق والشام ومصر وغيرها من البلاد الإسلامية ممن حصلوا على إسناد عال أو انتهت إليه رئاسة العلم أو عرفوا بالبحث والاستقصاء عن الحقائق العلمية في البلاد التي سافروا إليها.

ولقد وصل المستوى الذي كان عليه المدرسون درجة عالية حتى أن المعيدين فيها كانوا ينتقلون أحيانا للعمل كمدرسين في مدارس أخرى مثل المحب بن نصر البغدادي، ومجد الدين بن الساعاتي التغلبي، وشمس الدين الأصفهاني،

أما المدرسين في غيرها فكانوا لا ينتقلون إلا للإعادة فيها.

كما كان المعيدون فيها ممن اشتهروا بالتأليف، وبرعوا في العلوم والآداب وتقلدوا المناصب المختلفة.

أشهر علماء المستنصرية

أبو عبد الله الحصيني، وعز الدين الموصلي، ويعقوب الأنصاري الخزرجي من علماء اللغة العربية.

ومن علماء الفقه ذو الفقار القرشي، وصفي الدين الأرموي البغدادي من الشافعية،

وعماد الدين الباتني البغدادي، وعبدالعزيز الصنهاجي، وأبو عبد الله السبتي المغربي من المالكية،

وابن القصاب البغدادي، ومصدق البغدادي، ومعاوية الموصلي من الحنابلة،

وفخر الدين العراقي، وسيف الدين الطرازي، وابن البديع التكريتي من الحنفية.

وقد كان مجموع أعضاء هيئة التدريس في المدرسة ناظر أو وال وهو بمثابة رئيس الجامعة وعشرون مدرسا ومعيدا بمدرسة الفقه واثنين من الشيوخ والمعيدين بدار القرآن ثلاثة من الشيوخ، والقراء في دار الحديث، وطبيب واحد، ونحوي واحد بمشيخة العربية، ومدرس واحد للرياضيات.

أما تعيين المدرسين فقد كان يتم وفق مراسم معينة حيث يتم ذلك بعد صدور قرار من الخليفة للتعيين ثم يخلع عليه خلعة التدريس بدار الوزير، وقد يركب بغلة فيحضر إلى المدرسة بالخلعة، ويرافقه صاحب الديوان ومعه الولاة والحجاب والأكابر وصاحب البريد وجميع أرباب المناصب، احتراما له واحتفاء به ثم يجلس على سدة التدريس، فيخطب ويلقي بحثه ويحضر الأئمة والفقهاء والأعيان درسه، وتكون عليه الطرحة على عمامته، فإذا عزل من التدريس توجه إلى داره بغير الطرحة.

نظام الدراسة

تعد المستنصرية أول جامعة في العالم الإسلامي اهتمت بدراسة علوم القرآن والسنة النبوية، والمذاهب الفقهية وعلوم العربية والرياضيات، وقسمة الفرائض والتركات ومنافع الحيوان وعلم الطب وحفظ قوام الصحة

كما أنها أول جامعة إسلامية جمعت فيها الدراسات الفقهية على المذاهب الإسلامية الأربعة: الحنفي والشافعي والحنبلي والمالكي في بناية واحدة هي مدرسة الفقه،

وكانت المدراس الفقهية قبل هذه المدرسة تختص كل منها بتدريس مذهب معين من المذاهب الأربعة، فكانت هذه مزية للمدرسة المستنصرية.

كما تميزت المستنصرية بشيء آخر حيث أضيف إلى مدرسة الفقه مدارس للطب، ودار للحديث وأخرى للقرآن،

وكانت هذه المدارس من قبل موجودة ولكنها منفصلة بعضها عن بعض وبهذا فإن مدرسة المستنصرية كانت أشبه ما تكون بالجامعة.

مكتبة المستنصرية

تعتبر مكتبة المستنصرية من أهم الأقسام العلمية في المستنصرية حيث كانت مرجعا عاما لطلاب المستنصرية، ولطالما قصدها الكثيرون منهم وترددوا عليها وأفادوا من كنوزها العلمية والأدبية نحو قرنين من الزمن، وقد كانت المكتبة في مكان القاعات الكبيرة الواقعة في الحد الأسفل من عمارة المدرسة، ويفصل بينها وبين مدرسة الفقه دهليز طويل عال ولم يكن بها نوافذ بل كان بها فتحات في السقف تكفي للإضاءة والتهوية.

وقد نقل إليها المستنصر من الكتب النفيسة المحتوية على العلوم الدينية والأدبية ما يقدر بثمانين ألف مجلد سوى ما نقل إليها فيما بعد،

وقد رتبت هذه الكتب بحسب الفنون ليسهل تناولها ولا يتعب من يريد المطالعة في الحصول على ما يريد منها.

ولقد كانت تعد هذه المكتبة من أعظم دور العلم العامة في القرنين السابع والثامن الهجريين / الثالث عشر الميلادي خاصة في العهد الذي كان ابن الفوطي أمينا عليها فيه، وقد كانت المكتبة تضم خازنا للكتب ومشرفا على الخازن وأيضا مناولا للكتب.

كانت المكتبة من أهم أقسام المدرسة، وقد بني لها بناء مخصوص ضمن مبانيها. وكانت القاعات الكبيرة الواقعة في القسم الشرقي من عمارة هذه المدرسة، يفصل بينها وبين مدرسة الفقه دهليز طويل عال، وهذه القاعات ترتفع بارتفاع طابقين، ولم تكن لها نوافذ بل كانت فيها فتحات سقفية لا تزال عامرة تكفي للإضاءة والتهوية. وبعد أن اكتمل بناء المكتبة أمر الخليفة بتزويدها بالمجموعات اللازمة من مكتبته الخاصة بالقصر.

وقد بلغ مجموع ما نقل إليها أول مرة ثمانية آلاف مجلد. وقد بلغ عدد أحمالها مائتين وتسعين حملا. ثم أضيف إليها بعد ذلك من الإهداءات ما جعل مجموعاتها يرتفع إلى ثمانين ألف مجلد؛ حيث أهديت إلى المكتبة كتب من كبار رجالات الدولة والوجهاء والمؤلفين والواقفين.

وقد طلب الحاكم من أمين مكتبة القصر عبد العزيز بن دلف وابنه ضياء الدين التوجه إلى المكتبة المستنصرية وإثبات الكتب واعتبارها، وترتيب مؤلفاتها فقاما بذلك، ونظماها قدر الإمكان ورتباها حسب فنونها، ليسهل تناولها ولا يتعب مناولها، وقد

تعاقب على خزانة المكتبة شخصيات عظيمة عالمة من بينهم

ابن الفوطي، وعلي بن عثمان الساعي، وفخر الدين محمد بن سعيد الحداد.

ولقد خربت هذه المكتبة، وانتهبت مجموعاتها في وقت ما بين القرن التاسع والحادي عشر الهجري. ن

الخانقاة والزاوية والرباط والبيمارستان
ودورها في التربية والتعليم

مؤسسات أخرى شاركت في التربية والتعليم

لقد شاع التصوف في العصور الإسلامية على اختلافها، وتعلق الناس بطرز من أهل العلم والدين، أخذوا طريق الزهد والتصوف،

وأكثر الناس من بناء مؤسسات ودور للصوفية عرفت بأسماء متعددة من خانقاه، وزاوية، ورباط، ومشهد، وقبة، وتكية، ومصطبة وغيرها، وقد اختلى الصوفيون في هذه المراكز للعبادة.‏

تعددت أماكن الصوفية في أسمائها وتشابهت في معانيها ووظيفتها عدا الفروق البسيطة من ناحية التمويل وحرية الدروس، وغير ذلك.

مما أدى إلى اختلاط الأمر على بعض الباحثين ولم يستطيعوا التمييز بين أسمائها.‏

وقد شهدت المؤسسات التربوية الصوفية نوعين من أعداد الصوفيين، “نوع أصيل سار في طريق العلم سير العلماء، واجتهد في الطلب، وحصل العلم الغزير، ومالت نفسه إلى الزهد واحتقار الدنيا فانخلع عنها وخلص للعبادة والمجاهدة الصوفية،

كما نرى عند الحارث بن أسد المحاسبي (ت 243ﻫ)، وأبي نصر السراج (ت 378ﻫ)، وأبي طالب المكي  (ت386ﻫ)، وعبد الكريم بن هوازن القشيري (ت 465ﻫ)، وأبي حامد الغزالي (ت 505ﻫ)، ومحيي الدين بن عربي (ت 638ﻫ).‏

ونوع آخر اتجه إلى العلم حتى حصل منه زاداً يسيراً، ثم انصرف إلى المجاهدة الصوفية (أي إنفاق الوقت الطويل في التعبد والتهجد ومجاهدة النفس لكسر جماحها كما يقولون) عن إخلاص أو بدون إخلاص،

وسعى إلى كسب الجاه بين الجماهير بمظاهر من التقى والقدرة على القيام بما تصور الناس أنه خوارق أو كرامات، فالتف حولهم العوام وتمسكوا بهم تمسكاً شديداً، وصانعهم الحكام إما عن جهل بحقيقة الدين أو عن خبث للسيطرة على قلوب الجماهير…

ونفر من الصوفيين الصادقين اتجهوا عملياً فكونوا من مريديهم جماعات صوفية تنتهج طريقاً خلقياً قويماً وتتبع منهجاً محدداً في العبادة فيجتمع المريدون بشيخهم في أوقات معينة بعد الظهر والمساء للذكر والقيام بعبادات وأذكار يقومون بها معاً، وسموا تلك العبادات التي يمارسونها والنظام الذي يحكم جماعتهم (طريقتهم الخاصة) وشيئاً فشيئاً تحولت الطريقة إلى شيء أشبه بجمعية دينية اجتماعية تعليمية.‏

الخانقاه: كلمة فارسية ومعناه بيت، وقيل خونقاه أي الموضع الذي يأكل في الملك ثم اصبحت تطلق على البيت او الدار التي يختلي فيها الصوفية للعبادة. وقد ظهر الخوانق في ديار الإسلام في القرن الخامس.

الزاوية: مصدرها الفعل انزوى ينزوي، بمعنى اتخذ ركنا من أركان المسجد للاعتكاف والتعبد، وقد أنشئت الزوايا أول الامر ملحقة بالمساجد وكان للإمام الشافعي في جامع عمرو بن العاص زاوية عُرفت به درس فيها فقه مذهبه كما كان في الجامع نفسه عدة حلقات دراسية أطلق عليها زوايا.

الرباط: هو في الاصل نوع من الثكنات العسكرية التي تبنى على الحدود وقرب الثغور يقيم فيها المرابطون للدفاع عن بلاد الإسلام من الأعداء. ومع الزمن اتسع مفهوم الجهاد ليدخل من ضمنه جهاد النفس، وأصبحت كلمة رباط تطلق على المكان الذي يسكنه المتقشفون من الصوفية.

المشاهد والقباب: هي المباني التي تقام على القبور منها مثلا مشهد الإمام الحسين ، أو القباب التي تبنى في المقابرعامة

ولقد اختلفت الناحية العلمية في الخوانق عنها داخل الربط والزوايا والمشاهد ،

إذ كانت الدراسة بالخوانق تأخذ شكلاً منظماً يتبع نظم وشروط الواقف، بخلاف الزاوية أو الرباط  أو القباب إذ كان الأمر مفوضاً لشيخ كل منهما،

لذلك كثرت فيهما الدروس في فروع مختلفة من العلوم.‏

وقد بدأت الخانقاه تأخذ صورة المعهد العلمي الذي يقوم فيه الصوفية بجانب قيامهم بوظيفتهم الأساسية وهي التصوف وما يتبعها من أمور متعلقة بها من الأذكار وغير ذلك إلى العمل على طلب العلم وحضور الدروس التي يعينها لهم الواقف على الخانقاه وقد بدأ هذا التغيير طفيفاً أول الأمر.‏

وكانت المراكز الصوفية دوراً يسكنها المتصوفة للعبادة والتزهد والدراسة والطعام، وسكنها الفقهاء والغرباء وأحياناً كبار العلماء، وكانت بعض الأحيان مركزاً لاجتماعات العلماء، أو مقبرة لأصحابها والمريدين، وصارت مأوى للعاجزين من أصحاب العاهات، وكبار السن العميان، وللنساء المطلقات، واليتامى والفقراء.‏

وهكذا أصبحت المراكز الصوفية تؤدي خدمات اجتماعية ودينية وثقافية كالوعظ والإقراء والتحديث والإفتاء، ومنح الإجازات العلمية، وتصنيف الكتب.‏ لقد لعبت الأربطة دوراً تربوياً إذ برزت بوصفها مؤسسات للتربية العسكرية والدينية،

فالناحية العسكرية ظهرت بسبب وجود دول على الحدود تتربص بالمسلمين، وتوافد المجاهدون إليها يرابطون فيها فيتدربون عسكرياً ويحرسون ويشاركون في القتال.

أما الناحية التربوية فظهرت بما يقوم به المريدون من التعبد، ولما يتلقونه من إرشاد وتوجيه من شيوخهم. ‏

لم تخل المؤسسات التربوية الصوفية من مؤلفات بعض الفلاسفة والعلماء والأدباء والفقهاء واللغويين والنحاة وغيرهم مثل:

كتاب الفصول والغايات لأبي العلاء المعري (ت449ﻫ)

كتاب الفنون لأبي الوفاء علي بن عقيل البغدادي الحنبلي (ت513ﻫ)

كتاب التاريخ المجاهدي (نسبة إلى مجاهد بهروز) لمؤلفه وجيه الدين أبي جعفر السهروردي (ت532ﻫ)، الذي كان شيخ الصوفية برباط الأمير سعادة.

كتاب عوارف المعارف الذي ألفه الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي (ت632ﻫ).

وكان للصوفية رأي في الكتاب كوسيلة تعليمية رغم تأليفهم له

فهم لا يتعلمون بوساطة هذه الكتب على الطريقة المدرسية، بل إن ما كتبه كبار مشايخ الصوفية أنفسهم لا يستخدم كحافز مقوٍ للتأمل، والإنسان لا يصير بمجرد قراءته متصوفاً، بل إن ما كتبه كبار الصوفية لا يفهمه إلا من كان أهلاً لفهمه.‏

وقد ضمت الكثير من المؤسسات الصوفية خزائن الكتب ووقفوا عليها الكتب، وعينوا لها القوَّام والخزَّان ومن يقوم بصيانتها وترتيبها ومناولتها، وهذا ما ساعد على نشاط حركة التأليف فيها والمطالعة.‏

لم تقتصر المؤسسات الصوفية على العبادة والزهد وتأليف الكتب والإقراء والتحديث والإفتاء والمحاضرات

تنوعت واختلفت بتنوع الرجال واختلاف العصور بحيث صارت عالماً ثقافياً له خصائصه الواضحة المتميزة في الحضارة الإسلامية،

فقد نشأت في الربط ألحان خاصة من الموسيقى والغناء، تلك الألحان التي تتناسق وتتجاوب مع نفوسهم في ورعهم وخشوعهم وذكرهم، وقد بقي إلى اليوم لحن السماعي وهو لحن من ألحان الصوفية في أثناء إقامة السماع في ربطهم

وقد ألفت الكتب الموسيقية فيها “كما فعل الشيخ شمس الدين الذي ألف كتاباً في فن الموسيقى سماه (غاية المطلوب في علم الأنغام والضروب)

أما المعلم الشيخ فقد اعتقد المتصوفة أنه شرط جوهري من شروط التصوف

فالتأثير الروحي أو بتعبير الصوفيين (البركة) لا تأتي إلا بوساطة (شيخ)، ومن هنا كانت السلسلة، وفي رأيهم السلسلة هي البركات تنتقل من شيخ إلى مريد يوشك أن يصبح شيخاً، فيؤثر بدوره في مريد أو مريدين

ولذلك رأى القشيري ضرورة الشيخ فقال: “يجب على المريد أن يتأدب بشيخ، فإن لم يكن له أستاذ لا يفلح أبداً،

ويشرف الشيخ على المؤسسة التربوية الصوفية ، ويُعيّن بأوامر من السلطان وينبغي أن يكون من العلماء المشهورين بالتصوف وأن يسير في عمله سيرة حسنة، وأن يكون قدوة طيبة لمن هم تحته من المتصوفة، متصفاً بالديانة قادراً على إلقاء الدروس على الطلبة من الكتب الدينية المشهورة”.

وربما يسمى كبير الجماعة الصوفية بشيخ الشيوخ أو شيخ العارفين، ويبدو أن شيخ الشيوخ كان يتولى تعيين الشيوخ في الربط العائدة له والإشراف عليهم، وكان يوصي بتعيين من يخلفه بعد وفاته.‏

وقد وضعت شروط خاصة لعمل المعلمين في المؤسسات الصوفية فمن خلال وثيقة وقف السلطان الغوري نرى أنه رصد ستة آلاف درهم تصرف لرجلين من أكابر العلماء أهل الدين والورع والفقه، يقررهما الناظر في وظيفتي مشيخة التصوف بالخانقاه المذكورة بالسوية، خارجاً عن السكن المعيَّن لشيخ نوبة العصر، والمبلغ المعيّن لشيخ نوبة الصبح في نظير السكن، واشترط بعض الواقفين أن يكون مدرس من الحنفية هو نفسه شيخاً للصوفية،

ويشترط أن يكون له قدم عال في سلوك طريق الصوفية، ويكون حسن الهيئة، حسن الاعتقاد، حافظاً لنقول الفقهاء، واختلاف المذاهب، ونصوص الإمام أبي حنيفة ومن بعده من أصحابه.‏

ولقد وجدت فئة من المعلمين المتصوفين الذين جلسوا في الخوانق والزوايا والربط، يحفِّظون التلاميذ القرآن، ويدرّسونهم مبادئ الدين، ويعوِّدونهم على ممارسة شعائر الطريقة، ولم تكن مهمتهم معرفة تلاميذهم تربوياً، بقدر معرفتهم بربهم دينياً، (ولهذا لم يكن تعليمهم إلا تعاليم دينية)، ولم يكن عمله إلا عبادة، فلم يسعوا وراء الأجر، واكتفوا بما يقدم إليهم من أموال الواقفين والمحسنين.‏

وقد اشتهر من رجال الصوفية المعلمين “يحيى بن معاذ الرازي (ت258ﻫ) وكان أول من ألقى دروساً عامة في التصوف،

أما الجنيد (ت 297ﻫ) فأهميته في تاريخ التصوف فلا ترجع إلى مذهبه فحسب وإنما هي ترجع أيضاً إلى أنه كان يذيع تعاليم الصوفية ويعلمها

اختلف عدد الصوفية في المراكز التربوية حسب الاتساع، وريع الوقف، وقد تراوح هذا العدد في الخانقاه بين مائة صوفي وعشرة نفر من الصوفية.‏

واشترط في نزلاء الخانقاه من الصوفية بإجماع معظم الوثائق أن يكونوا من العارفين بطرائق الصوفية وآدابها بغض النظر عن جنسهم وأعمارهم.‏

أما مواعيد حضور الصوفية فقد حرص بعض الواقفين “على تقسيم الصوفية إلى قسمين يحضر أحد القسمين وظيفة التصوف في الصباح، والقسم الثاني يحضر في العصر، ولكل من القسمين شيخ خاص”.

وهناك واقفون آخرون زادوا في وظيفة التصوف بجعل الحضور خمس مرات في كل يوم وليلة عقب كل صلاة.

وكذلك من الواقفين “من زاد في معلوم بعض الصوفية مقابل إسناد أعمال إضافية لهم مما يتعلق بالصوفية

وحرص الواقفون على تحديد كل ما يتعلق بوظيفة التصوف بدقة تامة، بما في ذلك طريق جلوس المتصوفة حول شيخهم، وكيف يضعون القرآن الكريم مرفوعاً على كرسي، وكيف يقرؤونه ويختمونه.‏

وهكذا يتضح لنا غلبة الطابع الصوفي على المراكز الصوفية من ربط وزوايا وخوانق مشاهد وقباب ، وأنه كان لها دورها في حياة الناس الثقافية والاجتماعية والدينية في العصر الذي ندرس، فقد كانت ملتقى للعلماء والمفكرين الدارسين والباحثين والمناظرين

وصفوة القول بالنسبة للمتصوفة وناحية دورهم التربوي وإسهاماتهم الطيبة في هذا الميدان،

لا يسعنا أيضاً إلا أن نقول من النواحي الأخرى أن المتصوفة تركوا أبوابهم مشرعة لأفكار وعادات واتجاهات دخيلة على المجتمع الإسلامي،

واستغلتهم قوى غريبة فشجعت فيهم الصور المنحرفة عن الإسلام والتي عن طريقها رسخت هذه العناصر جذورها وقوّت قواعدها.‏

من الأمثلة الخوانق في مدينة القاهرة خانقاه سعيد السعداء التي أنشأها صلاح الدين الايوبي سنة 569ﻫ. وخانقاه ركن الدين بيبرس التي بنيت سنة 706ﻫ. وخانقاه شيخو التي بنتي سنة 707ﻫ.

وفي مصر كذلك نجد الاربطة التالية رباط أبن أبي منصور ورباط البغدادية ورباط الآثار.

وفيها من المشاهد المشهد الحسيني، وهو مكان مسجد الحسين، مشهد السيدة نفيسة، والقبة المنصورية 

 

 

تصنيف العلوم عند العرب وطرق تدريسها

يشير عدد المؤلفات والرسائل الكثيرة التي خلفها العلماء المسلمون عن تصنيف العلوم ، عبر التاريخ الإسلامي ومن غير انقطاع أو توقف في أي مرحلة من مراحله، يتبين لنا غزارة المادة العلمية وتنوعها من مؤلف لآخر، ومن مرحلة تاريخية لأخرى، مما يؤكد عمق انشغال المسلمين بهذا الموضوع منذ المراحل الأولى التي واكبت تأصيل العلوم العربية الإسلامية.

يعد “علم التصنيف” واحدا من أهم المباحث العلمية التي ازدهرت بشكل ملحوظ في الحضارة الإسلامية ؛ فقد أصبح بعد فترة وجيزة من انطلاق الحركة العلمية في المجتمع العربي، علما قائما بذاته له مبادئه وأصوله وأهدافه، بالإضافة إلى ممثليه من العلماء والفلاسفة والمفكرين، الذين تصدوا للتعريف به، وبيان مقاصده، وطرقه، ومناهجه في تنظيم المعرفة وحصر مجالاتها وأوجه تحصيلها، وكذا مسالك ترتيبها أصولا وفروعا وأجزاء.  

التصنيف في اللغة:

التصنيف في اللغة هو: “تمييز الأشياء بعضها من بعض، وصنف الشيء: ميز بعضه من بعض، وتصنيف الشيء جعله أصنافا”.

و”صنف الأشياء: جعلها صنوفا وميز بعضها من بعض، ومنه تصنيف الكتب، وشجر مصنف: مختلف الألوان والثمر”.

وجاء في: “تكملة المعاجم العربية” الذي وضعه المستشرق الهولندي دوزي (1820-1883م) ما نصه: “صنف: رتب الكتاب حسب مواده وموضوعاته، ويقال الكتب المصنفة، وهي الكتب التي رتبت بهذه الطريقة…

أشهر التقسيمات هي القسمة الثنائية:

لعل من أبرز مبادئ التقسيم الأولى التي أرساها علماء التصنيف العرب، وعلى رأسهم ابن خلدون تلك القسمة الثنائية المشهورة التي تفصل بين العلوم العقلية والعلوم النقلية،

أو بين العلوم الشرعية والعلوم الحكمية (نسبة إلى الحكمة أي الفلسفة).

ولقد تعددت المصطلحات الدالة على هذه القسمة لتشمل ـ على سبيل المثال ـ العلوم الشرعية في مقابل العلوم غير الشرعية عند الإمام الغزالي

أو علم الدين وعلم الدنيا عند جابر بن حيان،

أو العلوم الحكمية الفلسفية والعلوم النقلية الوضعية عند ابن خلدون.

وقد يقال علوم الشريعة في مقابل علوم العجم.

أصل العلوم النقلية كلها هي الشرعيات من الكتاب والسنة التي هي مشروعة لنا من الله ورسوله وما يتعلق بذلك من العوم التي تهيئها للإفادة،

أصناف العلوم النقلية أو الشرعية كثيرة منها علم القراءات وعلم التفسير وعلم الحديث رواية ودراية وعلم أصول الدين وعلم الفقه وعلم أصول الفقه.

يتبع العلوم النقلية علوم اللسان العربي، الذي نزل به الوحي، وهي علوم ضرورية لفهم الكتاب، وعلوم اللغة أصناف منها النحو والادب والبلاغة والمعاجم

أما العلوم الحكمية أو الفلسفية أو العقلية أو علوم الأوائل أو القدماء أو علوم العجم.

فهي العلوم التي يمكن أن يقف عليها الإنسان بطبيعة فكره إلى موضوعاتها ومسائلها وبراهينها ووجوه تعلمها، وهي غير مختصة بأمة من الامم وهي موجودة في البشر منذ الخليقة.

أصناف العلوم الحكمية متنوعة مثل: علم الطب، وعلم الفلك، وعلم الكيمياء، وعلم الرياضيات،

وقد نظر المسلمون في هذه العلوم الحكمية وجعلوها في مراتب:

1- علوم مفروضة (فرض عين): كالعلوم المتعلقة بالعقيد والإيمان بالله، وما هو معلوم من الدين بالضرورة مثل الحلال والحرام والفرائض

2- علوم مفروضة (فرض كفاية): تشمل التعمق في علوم الدين مثل الفقه أو علوم اللغة كما تشمل العلوم التي تتحقق بها مصالح العباد مثل الطب والفلك.

3- علوم محرمة: وهي العلوم الباطلة مثل السحر

4- علوم مباحة: مثل الشعر والتاريخ  

 وقد انعكس هذا التقسيم للعلوم عند المسلمين على الاهتمام بالعلوم:

1- أدى إلى اقتصار الاهتمام ببعض العلوم وتجاهل البعض الآخر وإهماله.

2- أدى إلى اضطرب مفهوم العلم

3- ادى إلى تبني نمط معين من العلوم في المدارس  وقد استمر ذلك إلى العصر الحديث.

ربما يكون هذه هو احد المآخذ على التعليم القديم. 

طرق التدريس

هناك طرق تدريس متعددة، أغلب هذه الطرق مستمدة من طرق تحمل الحديث النبوي.

لم تكن أي من الطرق التدريسية مفروضة على المدرس فرضاً، وإنما كان كل شيخ يستخدم الطريقة التي يراها مفيدة لطلابه.

تنقسم طرق التدريس إلى نوعين رئيسين:

الأول: خاصة بالمرحلة الاولى

الثاني: طرق تدريس خاصة بالعلوم المختلفة.

وهي تشمل سائر العلوم شرعية أو لغوية، سوى الكتابة والقراءة وتحفيظ القرآن

طرق خاصة بالمرحلة الاولى:

طريقة تعليم الكتابة والقراءة وتحفيظ القرآن

خطوات هذه الطريقة هي التالية:

1- حفظ أسماء الحروف الهجاء العربي.

2- حفظ أشكال رسم حروف، وتميّيز المعجم منها من المهمل. (المنقط من الحروف وغير المنقط)

3- كتابة الحروف جميعها.

4- تهجئة الحروف حرفاً حرفاً في المنصوب والمجرور والمرفوع والمجزوم، مرة بحركة واحدة ومرة بحركتين

5- يبدأ الصبي بعد ذلك في كتابة كلمات وتهجية حروفها مع حركات كل حرف.

6- يتحول الصبي إلى كتابة الجملة مهذه المرحلة في ختامها يأهل الصبي إلى مرحلة تالية وهي حفظ القرآن الكريم

قد تستغرق هذه المرحلة عاماً أو عامين.

طريقة تحفيظ القرآن الكريم.

فإذا أتقن الصبي الكتابة، بدا بعدها بالقرآن. ويكون ذلك بالخطوات التالية:

يكون بكتابة آيات مختارة في اللوح، (طبيعة الآيات وعددها يتم بإشراف المدرس أو المعيد) في وقت محدد،

تصويب كتابة ما عين له من الآيات مع المدرس تمهيدا للحفظ.

ترديد الآيات المعينة إلى ان يتم له الحفظ.

تسميع (عرض) ما حفظه عن ظهر قلب في اليوم التالي.

بعد تراكم الحفظ يحدد المدرس للطالب يوما للمراجعة والتثبيت.

تكرر هذه العملية يوميا إلى يتم للطالب حفظ القران الكريم كاملا.

يقام احتفال للطالب عند ختم القرآن الكريم، يُسمى الختمة أو الإصرافة. في أقطار إسلامية يسمى بأسماء مختلفة.

ثانياً: طرق العلوم المختلفة (مثل: علوم الشريعة واللغة وسواها)

التلقين: تقوم على تلقين المتعلم ما يُراد حفظه بتكراره عدة مرات، وهي طريقة متبعة في حفظ القرآن قائماً على القراءة السليمة والنطق الصحيح.

يعد الحفظ أول مراحل العلوم، وغالباً ما يستعمل الحفظ للمتون والمختصرات.

القراءة أو العرض (التسميع) من حفظ الطالب أو من كتاب وفيها يتأكد المدرس من حفظ الطالب أو من صحة قراءته. . وغالبا ما تلي هذه الطريقة طريقة الحفظ.

وكانت هذه الطريقة وسيلة لفرض كتب معينة يدرسها الطلاب بمعونة الاساتذة، مما ادى إلى شهرة كتب بعينها لا سيما في عصور الركود وإغلاق باب الاجتهاد.

طريقة الإملاء: وهي تقوم على إملاء المدرس الدرس على طلابه. فيكتبوه ثم يأخذوا في استذكاره. وهذ يقتضي أن يكون الإملاء فقرة فقرة وحديثاً حديثاً من اتصال السند، وبعد كل فقرة يقوم المدرس بالشرح، وفي النهاية يقوم الاستاذ بقراءة الأمالي أو تقرأ عليه.

أفرزت هذه الطريقة عددا مهما من الكتب في المكتبة العربي سميت بكتب الأمالي مثل الأمالي لأبي علي القالي أمالي الشريف الرضي وأمالي ابن الحاجب.

واحيانا يملي المدرس على طلابه ما يراه مكملاً للكتاب الذي يدرسونه.

طريقة الشرح: واساسها المدرس يقوم بتوضيح الدرس للطلاب وغالبا ما يقرأ احد الطلاب النص ثم يأتي دور المدرس في التوضيح ما كان غامضا او مغلقا من النص.

أحياناً يقوم المعيد بالقراءة ولبس الطلاب. 

كان الطلبة يدونون على هامش الكتاب بعض الإيضاحات التي يقدمها المدرس. وأحيانا يتولى المعيد الشرح والتوضيح.

طريقة المناظرة: وهي تقوم على النقاش والمحاور والجدل. وتكون في الغالب بين العلماء في مجالسهم،

وقد كانت المناظرة من طرق التعليم المتميزة فهي توظف سائر الطرق الأخرى، فهي تشحذ الذهن وتوي الحجة وتمرن على سرعة التعبير وسلامة القول وتعود على الثقة بالنفس، ولهذا كانت العناية بها كبيرة وقد ألفت فيها مؤلفات كثيرة.

فيما يلي اقتباس من ابن خلدون يتحدث عن طرق التعليم لا سيما لمناظرة:

وبقيت فاس وسائر أقطار المغرب خلوا  من حسن التعليم. وعز عليهم حصول الملكة الحذق في العلوم. وأيسر الطرق لهذه الملكة فتق اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلمية، فهو الذي يُقرّب شأنها، وبه يحصل مرامها، فتجد طالب العلم منهم بعد ذهاب الكثير من أعمارهم في ملازمة المجالس العلمية سَكوتاً لا ينطقون ولا يفاوضون، وعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة، فلا يحصلون على طائل من ملكة التصرف في العلم والتعليم. ثم بعد تحصيل من يرى منهم أنه قد حصل، تجد ملكته قاصرة في عمله أن فاوض أو ناظر أو علّم، وما أتاهم القصور إلا من قِبل التعليم، وانقطاع سنده، وإلا فحفظهم أبلغ من حفظ سواهم، لشدة عنايتهم به، وظنهم أنه المقصود من الملكة، وليس كذلك.

 

 

هيئة التدريس في تاريخ التعليم في الحضارة الإسلامية

انقسمت هيئة التدريس في تاريخ التعلم

إلى قسمين:

هيئة التدريس خاصة بالمرحلة الاولى من مراحل التعليم (الكتاب)

هيئة التدريس الخاصة بالمراحل التالية في المدارس والخانقاة والزاوية الرباط البيمارسان

هيئة التدريس في المرحلة العالية

يتولى التدريس فيها هيئة غالبا ما تكون على مراتب:

 الصدر: هذه الوظيفة هي أعلى رتبة يصل إليها المدرسون، ولا يصل إليها إلا وقد مر بالماحل التعليمية المختلفة قبل، ومن يصل لهذه المرتبة يعد استاذا متخصصا في المادة التي يدرسها بل هو من أكابر أئمة

وهو من يقوم بتخريج من دونه من المدرسين وليس بالضرورة أن يكون في كل مدرسة من المدارس على اختلافها أن يوجد صدر.

المدرس: هو من يتصدى للتدريس في المواد المختلفة من تفسير وحديث ونحو وصرف ونحوها.

المعيد: يأتي المعيد في المرتبة الثانية بعد المدرس، ويقوم بالمساعدة في العملية التعليمية عن طريق إعادة الدرس بعد فراع المدرس منه ولعل هذه المهمة هي التي من اشتق الاسم، أو تصحيح أخطاء الطلبة ومتابعة واجباتهم ، وربما يقوم المعيد بالقراءة بين يدي الشرح، وقد يسبق المدرس لإشغال الطلبة وتهيئتهم للدرس، أو لمراجعة الدرس السابق معهم، أو قد يتأخر بعد المدرس لمراجعة الدرس أولا بأول.

وظيفة المعيد أساسية في المدارس، وإذا اقتصرت المدرسة على المعيدين فإن هذا شكل من تدني المستوى التعليمي. 

المفيد: هي وظيفة ليست عامة في كل المدارس وليس عنها معلومات كثيرة ومهمة المفيد هي البحث في معلومات إضافية للصالح الطلاب وإن كان بعض الباحثين في تاريخ التعليم ينفي وجودها أساسا ويعتبر الإفادة هي صفة من صفات المعيد ليس أكثر.

ثقافة هيئة التدريس

تتناسب ثقافة هيئة التدريس مع المستوى التعليمي الذي يتولونه. فتدريس المرحلة الأولى لا يحتاج تخصصا معرفيا عميقا بقدر ما يحتاج طرق أسليب تربوية تقرب المعار لهؤلاء الطلاب الصغار،

مع ذلك ثمة من ويجد بين معلمي هذه المرحلة من كان على قدر كبير من المعرفة والتوسع في المعلومات

تشير المصار إلى الحجاج بن يوسف الثقفي

الكميت الشار المعروف

هيئة التدريس للمرحلة الثانية غالبا ما كان التخصص وعمق المعرفة هي المعيار في اعتمادهم للتدريس في هذه المرحلة.

في صدر الإسلام اقتصر ثقافة هيئة التدريس في المرحلة الثانية على العلوم الإسلامية

في العصر العباسي دخلت علوم اللغة ثم علوم الفلسفة فلم يعد مقبولا عدم معرفة هيئة التدريس في هذه المرحلة بهذه العلوم.

الأمثلة على هذا الصنف من المدرسين كثيرة لكن نضرب المثال بما يشبه الطرفة

“كشاجم” لقب لمدرس في العصر العباسي وهو لقب منحوت من عدة علوم كان يجيدها الكاف للكتابة والشين للشعر والألف للإنشاء والجيم للجدل والميم للمنطق ويقال أنه طلب علم الطب فلما مهر فيه . زيد في اسمه طاء من طبيب فقيل “طكشاجم”

ومثال آخر مثلا العلم الكبير ابن دقيق العيد فقد قيل في ترجمته : قلّ ان تجد العيون مثله زهدا وورعا وتصميما وتحريا واجتهادا وعبادة وتوسعا في العلوم” وفي مكان آخر قيل عنه ” كان شيخ الدهر بلا منازع ووحيد العصر بغير دفاع، الجامع للعلوم الشرعية والعقلية واللغوية حافظ الوقت، وخاتمة المجتهدين”

وهذه الصفة الموسوعية ربما يشترك فيها عدد كبير من العلماء في ديار الإسلام في القرون السابقة كابن خلدون والابن حجر والخطيب البغدادي والسيوطي مثلا

بالمقابل وجد أمثلة من المدرسين الذين تولوا التدريس في هذه المدارس وكانوا دون المستوى فذكر ذلك في تراجمهم وهنا ينص على جهلهم ببعض العلوم كما قيل عن بعض المدرسين “فأفضح بين الناس لجهله بالحديث”

أو قد يدرس مادة لا يتقنها فيصبح مثار سخرية الطلاب كما حصل لبعضهم فقالوا ” درس الحديث بالقبة المنصورية فتكلم الناس في ذلك وصار الطلبة ينقلون إلى ابن سيد الناس وقائعه ويقولون صحف في كذا ووهم في كذا

أسباب ذلك تعود إلى

الطمع في الاوقاف التي كانت على المدارس او للمدرسين

النص على المستوى العلمي أحيانا وعدم النص عليه أحيانا أخرى

التنازل من المدرس لبعض أقاربه

الاستنابة أن ينوب عن المدرس من يقوم بالتدريس

تعيين هيئة التدريس وعزلها

عندم كان التدريس في المساجد كان من يقوم بالتدريس كمن يقومون بالإمامة غنما يقومون بها احتسابا أي من دون اجر. وعليه لا يحتاجون من يعينهم ولا من يهزلهم

كان الكفاءة هي التي تقدم صاحبها أو تؤخره ولذلك قيل: “من تصدى قبل أونه فقد تصدى لهوانه”

ولذلك كان من واجبات المحتسب مراقبة من يتصدون للتدريس وهم ليسوا أهل لذلك.

وبعد ظهور المدارس في القرن الخامس الهجري أصبحت هناك أشكال كثير لتعيين المدرسين منها:

التعيين بمعرفة الحكام

التعيين بمعرفة الواقف

التعيين بمعرفة ناظر الوقفالتعيين بواسطة قاضي القضاة

التعيين بواسطة نظام التنازل

التعيين عن طريق الوراثة

التعليين عن طريق التبادل

التعيين بواسطة الاستنابة

التعيين بتزكية المدرس السابق

عزل المدرس:  قد يشكو الطلبة قوادح في مدرسهم فيصرف عنهم ويولى عوضه مدرس آخر

علاقة المدرسين ببعضهم كانت في الغالب إيجابية ولكنها لم تخل من بعض السلبيات أحيانا. لأسباب منها التكالب على وظيفة التدريس ، أو رغبة البعض في حصرها في أسرته واقاربه.

ومن الأمثلة المشرقة في ذلك فقد ذكر انه لما بنى السلطان الظاهر مدرسته بالقاهرة سأل العز بن عبد السلام ان يكون مدرسا بها فقال إن معي تدريس الصالحية فلا أضيق على غيري، فسأله ليشترط في وقفها ان تكون لاولاده فقال إن في البلد من هو أحق منهم”

وقد كان مصدر الصفات السلبية مرده للحدس والتخاصم بسبب

المكانة عند السلاطين

الاستئثار بالمنصب

التنافس على العائد والاموال

التنافس على السكن الذي يخصص للمدرس

آداب التدريس

الفرق بين آداب التدريس وطرق التدريس

طرق التدريس التي جرى الحديث عنها في بداية المحاضرة لا تضمن نجاح العملية التعلمية بالضرورة،

فلا بد أن يضيف عليها من شخصيته وتمكنه أسلوبه وهو ما يسمى آداب التدريس بعضها عام وبعضها يختلف من مدرس لآخر:

الطهارة قبل الدخول إلى مجلس التدريس

استقبال القبلة أثناء التدريس

ادب الجلوس

طلاقة الوجه مع الهيبة

البدء بالاستعاذة والبسملة والحمدلة ثم بقراءة شيء من القرآن الكريم

تقدير العلماء عند كرهم

عدم التعصب لمذهبه

أن يكون صوته مسموعا للجميع

ان يلزم طلابه بأدب البحث

عمد الخروج إلى المسائل الجانبية

ان يراعي مستوى الطلبة الدارسين

وهذا مثال على آداب التدريس ما ذكره ابن خلدون في المقدمة إذ يقول: تحت عنوان:  وجه الصواب في تعليم العلوم وطرق إفادته  …

            اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين؛ إنما يكون مفيدا، إذا كان على التدريج شيئا فشيئا وقليلا قليلا، يُلقي عليه أولا: مسائل من كل باب من الفن، هي أصول ذلك الباب، ويَقرُب له في شرحها على سبيل الإجمال، ويراعى في ذلك قوة عقله، واستعداده لقبول ما يرد عليه، حتى ينتهي إلى آخر الفن. ثم يرجع به إلى الفن ثانية، فيرفعه في التلقين، عن تلك الرتبة إلى أعلى منها، ويستوفي الشرح والبيان، ويخرج عن الإجمال، ويذكر له ما هنالك من الخلاف، ووجهه، إلى ان ينتهي إلى آخر الفن. فتجود ملكته، ثم يرجع به وقد شدّ فلا يترك عويصا ولا مبهما ولا مغلقا إلا وضحه، وفتح له مقفله، فيخلص من الفن وقد استولى على ملكته.

ومن آداب التدريس التي تتصل بالمدرس كذلك

أن لا يدخل إلى الدرس إلا وقد استجمع كل استعداده النفسي فلا يكون جائعا ولا عطشا ولا مهموما ولا غاضبا ولا ناعسا ولا قلقا.

أن يكون بعيدا عن البرد الشديد او الحرد الشديد

لذلك بعض الشروط الوقفية للمدرس تصرح للطلا بالتغيب فب البرد القارس اوالمطر أو الريح العاصفة  

ان يلتفت المدرس إلى الحاضرين جميعا

أن يعطي الدرس حظه من الشرح

التواضع وعدم ادعاء العلم، وقول لا اعلم في الوقت الذي يكون من المناسب قولها

ان يقصد وجه الله في التعليم وليس لغرض آخر.

أن يضرب الامثلة لتقريب المعاني ما أمكن ذلك

فإذا ختم يقول ما يشعر الطلاب بذلك

 

 

 

العلاقة بين هيئة التدريس والطلبة

امتازت العلاقة بين المدرسين والطلبة غالبا بالصفة الايجابية والصلة القوية ويمكن النظر لهذه العلاقة من خلا ل مستويين:

الاول مستوى يختص بمعلمي الكتاتيب:

الثاني مستوى يختص بمعلمي المرحلة المتقدمة

علاقة معلمي الكتاتيب بتلاميذهم:

نظرا لخصوصية هذه المرحلة من طلب العلم فقد وضعت شروط ومواصفات كثيرة في الفكر التربوي الإسلامي يجب توافرها في معلم هذه المرحلة وقد توسّعت هذه الوصايا لتشمل كل جوانب الاهتمام سواء الحالة العلمية أو النفسية أو الصحية أو الأخلاقية أو الدينية على السواء.

الاهتمام بالحالة العلمية للصبي داخل الكُتّاب، فلا يَِصرف المعلم الوقت في الكلام، بل ينفقه في تعليم الصبيان، فإن استأذنوا للخروج لا يتركهم يخرجون جماعة بل فردى حتى لا يحصل لهم اللهو.

 الاهتمام بالحالة النفسية للصبي في الكُتّاب: بأن لا يَترك المعلم احداً من الصبيان يأتي إلى الكُتّاب بغذائه ولا بفضة فينكسر خاطر الصبي الفقير، كما لا يسمح لابن الغني أن يحضر دكة ليجلس عليها في الكُتاب،  وفي حال العقوبة يراعى البعد النفسي.

الاهتمام بالحالة الدينية للصبي: فقد كانت اوقات التدريس مرتبطة، وغالبا ما احتوت المدرسة وظيفة للإمام والخطيب والمؤذن، وكان المعلم يلتفت لسلوك طلابه.

الاهتمام بالحالة الخُلقية للصبي في الكُتاب: كان يعد إصلاح السلوك والاخلاق مقصدا اساسيا في الكُتاب فكان معلم الكتاب يلتفت إلى خصالهم، وربما فاقت العقوبة على الأخلاق العقوبة على عدم حفظ المعرفة.

الاهتمام بالحالة الصحية للصبي: فإن أصاب الصبي وجع في الكتاب، وعلم صِدقه، صرفه لبيته للراحة والعلاج.

علاقة المدرسين بالطلبة في المرحلة المتقدمة:

الاهتمام بالناحية العلمية: من حفظ المتون والمعارف والدروس. 

الاهتمام بالناحية الإنسانية وهذا يؤسس لعلاقة قائمة على المحبة والمودة لا علاقة قائمة على الرهبة والخوف. يقول الغزالي: وأن يصبر على جفاء ربما وقع أو سوء أدب من بعض الطلبة وأن ينصحهم بلطف لا بتعنيف وتعسف وان يعفو عن مسيئهم، ويصفح. قاصدا بذلك حسن تربيتهم، وتحسين خلقهم، وإصلاح شأنهم.

الاهتمام بالناحية الدينية والاخلاقية: بناء الشخصية كل متكامل وفي هذ السياق يقول الغزالي: وان يهتموا بأخلاقهم اهتمامهم بعقولهم وان يزجرهم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما امكن ولا يصرح بالزجر إلا عند الضرورة”

لابن جماعة في ذلك ترتيب لطيف إذ يقول في ذلك : مراقبة الطلبة في آدابهم وهديهم واخلاقهم باطنا وظاهرا، فمن صدر من ذلك ما لا يليق من ارتكاب محرم او مكروه أو ما يؤدي إلى فساد حال أو ترك اشتغال أو إساءة أدب في حق الشيخ أو غيره، أو كثرة كلام بغير توجيه ولا فائدة، او معاشرة من لا تليق عشرته أو غير ذلك، عرّض الشيخ بالنهي عن ذلك بحضور من صدر منه غير معرض به ولا معين له. فإن لم ينته مهاه عن ذلك سرا، فإن لم ينته نهاه عن ذلك جهراً، وغلظ القول عليه إن اقتضاه الحال لينزجر هو وغيره، ويتأدب كل سامع، فإن لم ينته فلابأس حينئذٍ بطرده والإعراض عنه إلا أن يرجع” .    

الاهتمام بالناحية النفسية ومن النصائح أنه إذا سلك الطالب في التحصيل فوق ما يقتضيه حاله أو تحمِله طاقته وخاف الشيخ ضجره أوصاه بنفسه وذكره بقول النبي r “إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى” ونحو ذلك مما يحمله على الأناة والاقتصاد في الاجتهاد، ولا يشير على الطالب بتعليم ما لا يحتمله فهمه أو سِنه، ولا بكتاب يقصُر ذهنه عن فهمه، وإذا غلب على ظنه انه لا يفلح في فن، أشار عليه بتركه والانتقال إلى غيره مما يرجى فيه فلاحه” ولا يُفضّل بعض الطلبة على بعض بل ينظر إليهم جميعا نظرة واحدة

مكانة المدرسين الاجتماعية

لتحديد معالم هذه المكانة يجب أن نقسم المدرسين إلى ثلاث طوائف:

معلموا الكتاتيب: يبدو أن نفرا من القسم احترف هذه المهنة بثقافة ضحلة ودون ان يكون اهلا لها مما جلب سمعة سيئة واصبح يُضرب “بمعلم الصبيان” المثل في الضعة والمهانة.

المؤدبون وهم ومعلمو أبناء الخاصة وهم طبقة لها احترامها، وكانوا غالبا من العلماء المبرزين في علومهم وفنونهم.

المعلمون بالمساجد والمدارس: وقد كان لهذه  الفئة من المدرسين مكانة مرموقة ومركز اجتماعي بين الناس،

فقد كان يصدر تعيينهم احيانا من قبل الحكام أحيانا كثيرة يكون القضاة هم المدرسون،

أما مظاهر تقدير واحترام الناس لهؤلاء العلماء فأمثلته كثيرة لا تحصى منها أنه لما مات الحسن البصري تبع أهل البصرة كلهم جنازته فلم يبق بالمسجد من يصلي العصر ولم تترك صلاة منذ كان الإسلام إلا يومها .

 مثال آخر ان الخليفة الرشيد طلب الامام مالك ليأتي غليه فأجابه « ان العلم يؤتى» فسار الرشيد إلى منزل الإمام مالك        

الإجازات العلمية

الإجازة العلمية في أصلها طريق لتحمل الحديث النبوي عن الرواة، إذ كان المحدثون منذ عهد مبكر يعطون طلابهم شهادات بما رووا عنهم من احاديث، ويجيزون لهم روايتها عنهم. ثم انتقلت هذه العادة من الحديث إلى سائر العلوم، فأصبحت الإجازة يمنحها المدرس إلى تلميذه، تثبت حضوره عليه او سماعه منه أو قراءته عليه وجاء وقت اتسع مفهوم الإجازة لتؤدي دور الترخيص بالصلاحية للمهنة العلمية أو الوظيفة كالفتيا أو التدريس او القضاء أو القيام بمهنة الطب توى.             

فاصبح للإجازات أهمية كبيرة لأنها أصبحت طريقا إلى العبور إلى الوظيفة

وقد كان الناس لا يثقون بمن يأخذ علمه من الكتب وكان يسمى “الصحفي” وهي كلمة ذات مدلول سلبي وقتئذٍ.

وكانت تتحدد مكانة الطالب بما لديه من إجازات من عدد من الشيوخ في علوم مختلفة

لم تكن المدة التي يقضيها الطالب لكي يتحصل على إجازة معينة محددة، بل كانت تعتمد على جهد الطالب وقدراته.

ربما اضطر الطالب إلى السفر إلى مدن مختلفة رغبة في الحصول على إجازات علمية مرموقة.          

في اول الامر كانت الإجازات تُكتب بأسلوب بسيط، وغالبا ما تُكتب على الكتاب نفسه.

وفي القرون المتأخرة أصبح ثمة تأنق وتطويل في كتابة الإجازات

أنواع الإجازات

الإجازة بالفتيا والتدريس لمذهب معين هو مذهب الطالب

الإجازة بتدريس مادة من المواد

الإجازة العامة

الإجازة في الطب

الألقاب العلمية

إذا كانت الإجازات العلمية مقياس للتحصيل العملي فإن الألقاب العلمية هي مقياس آخر في الدرجات المتقدمة، وهذه الألقاب لا تأتي نتيجة اختبارات او امتحان عام بل تتحصل نتيجة المكانة العلمية الراسخة التي يلمسها المجتمع. ومن هذه الألقاب

الإمام: وهو أسمى الألقاب ويدل على تمكن صاحبه ومن الامثلة الائمة الأربعة وقد ]شار إمام الأئمة وإمام البلغاء وإمام المتكلمين

الحافظ ولقب كبار علماء الحديث يحفظ من الاحاديث  400.000 أو 10.000 أو 100.000

ألقاب أخرى: الحِبر   الرُحلة   الشيخ   العالم  الفقيه   المجتهد   المدقق   المفوه   الحجة         

الحالة المالية لهيئة التدريس

علّم رسول الله r  صحابته والامة والناس اجمعين في زمانه بتكليف من الله U ثم انتشر الصحابة يعلمون الناس لم يقبلوا اجرا على جهدهم وتعليمهم مكتفين بالأجر الحسن من الله تعالى. وضلت هذه القدوة هي الاصل ومن امثلة ذلك،

قال أبو بكر الخوارزمي محدث نيسابور: أنفقت في الحديث مائة ألف درهم وما كسبت به درهما

ثم دخلت مسألة الاجر المادي فرضت نفسها، فأصبحت تدفع المرتبات للمدرسين، وكانت هذه الخطوة ضرورة وذات بعد اجتماعي لتنظيم حياة الاساتذة والطلاب. من جهة ثانية فقد انقصت هذه الخطوة من حرية الاستاذ واخضعته لميول الولاة أو الواقفين.

من جهة اخرى وفرت الرواتب على العالم وقته فلا يضيع في طلب الرزق

شكلت الاوقاف المصدر الرئيس لتمويل المدارس والمؤسسات التعليمية

اختلفت مرتبات المدرسين استنادا إلى رتبهم        

الحالة المالية لمعلمي الكتاتيب: فمعلمي الكتاتيب الخاصة كانوا يأخذون  اجرتهم من الصبيان الذين يدرسون عندهم. مثل ذلك إذا كان الكتاب مخصّصا للأيتام  فتكون أجرة المعلم من الوقف . 

مثال: ففي المكتب او الكتاب الذي أنشاه السلطان المنصور قلاوون رتب فيه فقيهين وكان مرتب كل منهما فر كل شهر (30) درهما وفي كل يوم (3) أرطال من الخبز.

الحالة المالية لمعلمي الكتاتيب الخاصة: فقد نعم هؤلاء بالغنى والرخاء

الحالة المالية لمعلمي المرحلة المتقدمة: لقد كان دخل هذه الفئة دخلا مرموقا وكانت تعيش معيشة عالية المستوى       

 

 

 

سن التعليم في مراحل التعليم

لم يكن هناك سن محدد لدخول الصبي الكتاب، أي المرحلة المبتدئة من مراحل التعليم.

من بعض الإشارات نلمس منها أن البعض يرسل أطفاله في سن مبكرة جدا، لذلك يتحدث بعض العلماء بأنه لا يجوز أن يدخل الصبي الذي لا يقدر أن يمسك ضرورة نفسه إلى الكُتاب

اما السن التي يرى العلماء أنها السن المفضلة للدخول الكتاب فهي سن السابعة.

وإن كان حرص الاباء على تعليم ابنائهم يجعلهم يبكرون بهم قبل هذا السن، وفي ذلك شواهد في كتب التراجم كثيرة.

ينتهي بعض الأطفال من الكتاب في سن مبكرة كما دخلوا في سن مبكرة، لكن بعضهم يستمر وجوده في الكتاب كثيراً، لا سيما الايتام، ولذلك شرطت بعض الوقفيات عدم البقاء في الكتاب للأيتام او لغيرهم بعد سن البلوغ.

 

ثانيا: سن التعليم للمرحلة المتقدمة: لم تكن ثمة سن محددة لبداية هذه المرحلة او نهايتها والامر متوقف على استعداد الطالب واجتهاده، ومدى استيعابه للعلوم التي يدرسها فقدرته على إثبات شخصية علمية تمكنه من الحصول على “إجازات” .

وكان الطالب في هذه المرحلة ينضم إلى حلقة من الحلقات بالمساجد او المدارس فإذا أتقن انتقل إلى حلقة اخرى وهكذا. 

وكان بعض المدرسين لا يقبل في حلقته إلا مستوى معين من الطلاب

 

اعداد الطلبة في الكتاب أو المدرسة

لم تكن اعدا الطلاب محددة برقم معين في الكتاب عامة او كتاب الأيتام،

بعض حجج الوقف تشير إلى أعداد الطلاب في الكتاب من مثل: (60) أو (50) أو (40)

اعداد الطلاب في المرحلة المتقدمة:

عندما كانت الحلقات في المسجد لم يكن ثمة عدد محدد، كان عدد الطلاب في حلقات المساجد يتباين كثرة او قلة تبعا لشهرة المدرس وقدراته العلمية

 

اما المؤسسات التعليمية الاخرى فإن تحديد العدد مرده إلى العدد الذي يحدده الواقف في حجة الوقف لأن ذلك مرتبط بمقدار ريع الوقف فلا يمكن تجاوز العدد المحدد، فكان المتبرع بالمدرسة قد حدد عدد المدرسين وعدد الطلاب معا. وعليه يمكن القول أن اعداد الطلاب في المساجد كانت أكثر منها في المدارس نظرا لتحديد عدد القبول في المدرسة

تشير بعض الوقفيات إلى اعداد الطلاب (20) (50) واحيانا تكون الحلقة للعلم الواحد (5) أو (6)

أيام الدراسة

أيام الدراسة في الكتاتيب: كانت الدراسة تكون على مدى خمسة في الأسبوع وتكون العطلة في يومين هما يوم الثلاثاء ويوم الجمعة.

وغالبا وتحدد الأيام الدراسية من الأسبوع في حجة الوقف

 

أوقات الدراسة اليومية:

في المرحلة المبتدئة كانت أوقات الدراسة تمتد من أول النهار (الضحى) إلى أذان العصر، وهذا يختلف من بلد إلى آخر حسب ظروف المناخ والحرارة.

أما اوقات الدراسة في المرحلة المتقدمة: فهي تختلف من مؤسسة إلى أخرى فإن كانت المؤسسة وقفية كانت شروط الواقف هي الضابط للدوام اليومي إن كانت ليست وقفية كان رغبة المدرس هي الضابط للدوام اليومي

 

ملاحظات عامة على اوقات الدوام

ارتبطت اوقات الدوام غالبا بأوقات الصلاة الخمسة

وتمتد غالبا من طلوع الشمس إلى أذان الظهر، واحيانا تمتد إلى أذان العصر

 

مناسبات توقف الدراسة أو تعطيلها

في مؤسسات المرحلة المبتدئة (الكتاتيب ونحوها): إلى جانب العطلات الأسبوعية هناك ، الاعياد مثل عيد الفطر وعيد الاضحى وفي بعض الأقطار تضاف من وجهة نظرهم أعياد أخرى مثل المولد النبوي

وقد تستمر الإجازة يوم او يومين او ثلاثة قبل العيد وبعده

 

توقف الدراسة في مؤسسات المرحلة المتقدمة:

تخضع لشرط الواقف وغالبا ما تشمل الاعياد

كما تشمل إجازة سنوية تشمل الشهور التي تسبق رمضان وتتبعه (رجب وشعبان ورمضان وعشرين يوما من شوال وعشرين يوما من ذي الحجة)

أما التوقف العارض عن التدريس فيكون لأسباب منها المطر  الشديد وشدة البرد وشدة الريح

إلى جانب العطلات لصالح فريضة الحج أو زيارة بيت المقدس

وهناك العطلات لأسباب مرضية . الغياب المسموح به إذا انقطع الطالب ثلاثة أيام متواصلة قُطع (فُصل) أنزل مكانه طالب آخر.

 

مخصصات الطلبة ومكافآتهم

(“الجراية” وجمعها جرايات أو “المعلوم” وتجمع على معاليم)

وهي تشمل مواد عينية كالطعام والشراب واللباس أو مخصصات نقدية

لم تقتصر هذه المخصصات للطلبة في المرحلة المبتدئة أو الأيتام بل شملت الجميع حسب الإمكانات المتوافرة

أمثلة المكتب او الكتاب الذي أنشأه السلطان الظاهر بيبرس سنة 662ﻫ فقد كان “يصرف للأيتام الخبز كل يوم والكسوة لفصلين وسقاية تعين على الطهارة”  وفي مكتب السلطان قلاوون 683ﻫ  مثل ذلك أو قريبا منه

ومن امثلة مخصصات الطلبة في المرحلة المتقدمة في جامع ابن طولون وفي سنة 697ﻫ كان الوقف يوزع على الطلاب

طلبة التفسير عددهم 15 المبلغ المخصص 250 درهم

طلبة الحديث عددهم  30  المبلغ المخصص 320 درهم

طلبة الفقه عددهم 30 المبلغ المخصص 500 درهم

طلبة الطب عددهم 10 المبلغ المخصص 150

وقرر الواقف شرطاً أن لا يزيد نصيب الطالب الواحد عن 30 ولا يقل عن 10

آداب الطلبة:

مع الاستاذ مع زملائه الطلاب

مع كتب العلم

في السكن

آداب الطالب مع استاذه

أن يجله ويحترمه فلا يناديه إلا بكل توقير وتقدير

الانقياد للشيخ والاستجابة له

أن يصبر على كل طلباته

أن لا يقبله إلا في أحسن مظهر

أن ينتبه أثناء الدرس بكليته مواجها له وليس مجانب

الاستئذان في حاجة

لا يقطع كلامه

إذا مشى معه فلا يسبقه بل يتبعه

آداب الطالب مع زميله ومنها : أن يتذاكر مواظبو مجلس الشيخ ما وقع فيه من الفوائد والضوابط والقواعد وغير ذلك، وأن يعيدوا كلام الشيخ فيما بينهم فإن في المذكرة نفعا عظيما، وان يكون غرض الطالب في المذاكرة مع الاقران والزملاء طلب التحقيق والمعونة لا المغالبة والمكابرة بل الغرض أن يستفيد ويفيد وألا يصادق من زملائه إلا المجد الورع وصاحب الطبع المستقيم ويفر من الكسلان والمعطل، فإن الطبع سراق.

ومن واجب الطالب المجد أن يُرغّب بقية الطلبة في التحصيل، ويدلهم على مظانه، ويصرف عنهم الهموم المشتغلة، ويهون عليهم مؤنته، ويذاكرهم بما حصله من الفوائد والقواعد والغرائب، وينصحهم بالدين. فبذلك يستنير قلبه، ويزكو عمله. ومن بخل عليهم، لم يثبت علمه، وأن ثبت، لم يثمر. 

ومن الآداب كذلك أنه إذا حضر مجلس العلم فلا يتخطى رقاب الحاضرين إلى قرب الشيخ، بل يجلس حيث انتهى به المجلس، ولا يقيم أحدا من مجلسه، أو يزاحمه قصدا، … ولا يجلس في وسط الحلقة، ولا أمام أحد إلا لضرورة، ولا يفرق بين رفيقين، إلا إذنهما. فإن قَدم زمليهم، رحبوا به، وافسحوا له.

أداب الطالب مع كتب العلم

ومنها انه إذا قام بنسخ الكتب فلا يقصر اهتمامه بالمبالغة بحسن الخط، وإنما بصحيحه وتصحيحه، ويستحب إعارة الكتب، ويستحب للمستعير شكر المعير، ولا يطيل مقام الكتاب عند، بل يرده ولا يتصرف فيه بأي شكل. … وان يحسن ترتيب الكتب، وأن يراعي شرف العلوم التي تحويها هذه الكتب مثل: القرآن والحديث.

آداب الطالب في السكنى وقد عرف نظام التعليم السكن الداخلي لطلبة العلم فظهرت له آداب كثيرة

وسائل التحصيل :

تحدثنا عن طرق التدريس التي كان يتبعها المدرسون في تعليم طلبتهم، انسجاما مع ما قلناه في بداية الفصل من الفرق بين التعلم والتعليم فنتحدث عن وسائل التحصيل للعلوم كما عرفها وطبّقها طلبة العلم. وقد تعدّدت هذه الوسائل وأهمها:

طريقة الحفظ: التي تعتمد على اختزان النصوص في الذاكرة، او عن ظهر قلب،

قد اشتهرت هذه الطريقة نظرا للاعتماد عليها كثيرا في التعامل مع القرآن الكريم والسنة الشريفة.

تعد أعلى مراتب طلب الحيث هي مرتبة الحافظ

كما اعتادت العرب على حفظ أشعارها، بل إن الثقافة الشفهية كانت هي الاصل في القرون الاولى

فإذا كانت علوم الشريعة ومعها علوم اللغة هي التي أخذت الصدارة في منهاج التدريس عند المسلمين على تتابع العصور.  علمنا إن طريقة الحفظ كانت هي الطريقة الاولى للتحصيل.

وهذا يسوغ ذلك الاهتمام بطرق الحفظ وكيفية تجاوز العوامل التي تفسد الحفظ ثم انواع الأطعمة أو قلة النوم أو كثرة المعاصي

وقد اشتهر من الطلاب العلم والعلماء من يحفظ من اللقاء لمرة واحد ومنهم من يحفظ من مرتين أو ثلاثة.

الطريقة الثانية: الدراية (الفهم) الزمخشري يقول العلم مدينة أحد بابيها الدراية والثاني الرواية

وتراجم العلماء صفة المدح لهم بالقول عن احدهم أنه كان “يجمع الرواية والدراية”

الطريقة الثالثة: السؤال والمناقشة:

لاشك ان السؤال باب أساسي من ابواب العلم ، وقد زخرت أدبيات الحضارة الإسلامية بفوائد السؤال كقولهم: “مفتاح العلم المسألة”، في حين عُدّ الحياء في طرح الأسئلة من آفات طلب العلم

الطريقة الرابعة المناظرة:

وان كانت المناظرة طريقة للتدريس فهي كذلك طريقة للتحصيل فلا أقدرُ على استيعاب العلم من عرضه وتقديمه والدفاع عما تعرفه

الطريقة الخامسة الرحلة في طلب العلم:

وقد جرى الحديث في بداية الفصل عن الرحلة في طلب العلم بوصفها أحد المميز لنشأة الحركة العلمية والتعليمية في ديار الاسلام

كما انها تظل دائما طريقا ربما لا بديل عنه لتحصيل بعض العلوم التي لا توجد في الاماكن القريبة

عقوبات المتعلمين

ولم تكن العقوبة مفروضة لذاتها بل كانت بقصد تعديل سولك الطالب

تأتي العقوبة متناسبة مع الموقف من ناحية ومع شخصية الطالب من ناحية ثانية

وما ورد في الفكر التربوي في سياق العقوبة ما يأتي: فرب صبي يكفيه عبوسة وجهه عليه، وآخر لا يرتدع إلا بالكلام الغليظ والتهديد، وآخر لا ينزجر إلا بالضرب والإهانة كل على قدر حاله،

وإذا أقام المؤدب الادب على الصبي فلا يتناول: عرضه، ولا شتم أبويه، بل يؤدبه كما يؤدبه والداه، وهما يرحمانه ويشفقان عليه وذبان عنه في كل احواله…

وإذا غاب المؤدب عن الكتاب ، يستنيب عليهم اكبرهم سناً واعقلهم، بشرط أن يأمره ألا يضرب أحدا منهم في غيبته ولا ينهره،

وهناك تحذير من الممارسات السيئة في استخدام العقوبة من قبل جهال المؤدبين والمدرسين

وليحذر الحذر الكلي من فعل بعض المؤدبين (في القرن الثامن الهجري) وهو انهم يتعاطون آلة اتخذوها لضرب الصبيان مثل عصا اللوز اليابس والاسواط والفلقة وما أشبه ذلك مما احدثوه وهو كثير ولا يليق هذا بمن ينسب إلى حملة الكتاب العزيز

وقد تكلم ابن خلدون في مقدمته تحت عنوان أضرار الشدة على المتعلمين

مقابل العقوبات للمسيئين فقد تقدم جوائز ومكافآت للمحسنين

أهداف التربية الإسلامية

            هدف ديني *** هدف علمي صرف  *** هدف دنيوي نفعي  *** هدف حزبي   

2)تاريخ التعليم في العصور الأسلامية 5/1/2021

المراجع[+]

شارك المقالة:
السابق
تاريخ الخليج العربي
التالي
الدولة العباسية الأولى