الخليج العربي

تاريخ الخليج العربي

تاريخ الخليج العربي

تاريخ الخليج العربي

سبب تسمية الخليج العربي 

 

تنسب منطقة الخليج العربي إلى الممر المائي الذي تطل عليه دول تلك المنطقة خاصة من جهة الساحل الغربي له, والحقيقة أن نسب هذا الممر المائي إلى العرب أو تسميته بالخليج العربي لم يكن من قبل العرب أنفسهم وإنما عرفت هذه التسمية منذ أقدم العصور.

فأقدم اسم معروف لهذا الخليج هو اسم “بحر أرض الإله” حتى الألف الثالث قبل الميلاد. ثم أصبح اسمه “بحر الشروق الكبير” حتى الألف الثاني قبل الميلاد. وسمي “بحر بلاد الكلدان” في الألف الأول قبل الميلاد. ثم أصبح اسمه “بحر الجنوب” خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد.

سماه الآشوريون والبابليون والأكاديون: “البحر الجنوبي” أو “البحر السفلي. وقد سماه الفرس “بحر فارس” وقيل أن هذه التسمية عرفت في أول الأمر من قبل الملك الفارسي دارا الأول (521-486 ق.م) في كلامه “على البحر الذي يربط بين مصر وفارس.

أما أول من أطلق عليه الخليج العربي هو المؤرخ الروماني بلينيوس في القرن الأول الميلادي , تلك الفترة التي كانت تلك المنطقة بالكامل بما فيها سواحل هذا الخليج الشرقية والغربية , عربية أو فارسية تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية.

ولا شك أن هذه التسمية التي أطلقها الرومان على الخليج في ذلك الوقت إنما ترجع إلى سيطرة العرب على المراكز التجارية والملاحية على امتداد هذا الممر المائي لفترات كبيرة في التاريخ في ذلك الوقت. وما يؤكد ذلك طبيعة السواحل الشرقية لهذا الخليج والتي تمتد لمسافة حوالي مأتى كيلو متر تشغل معظمها سلسلة من الجبال صعبة المنافذ إلى الداخل مما عزل سكان فارس والسلطة المركزية عن حياة البحر وممارسة الأنشطة البحرية بشكل كبير, إضافة إلى ما اشتهر به الفرس منذ أقدم العصور بخوفهم من البحر وقلة أنشطتهم فيه سواء المدنية أو العسكرية.

وبسبب عدم خبرة الفرس بالأنشطة البحرية التى كانت دائما نقطة ضعفهم هي الأسطول الأمر الذي بسببه تلقوا هزائم عديدة في ميدان  المعارك البحرية على يد عناصر أو أمم أقل منهم بكثير في القوى, مثلما حدث أمام بلاد اليونان في العصر الكلاسيكي أثناء ما يعرف بالحروب الميدية.

وقد دفع ذلك الكثير من المؤرخين حتى في الغرب إلى القول بأن الخليج ليس فيه شيء فارسي سوا أسمه فقط وأن اسم الخليج العربي يمثل حقيقة جغرافية ثابتة.

تشكل منطقة الخليج العربي، وما فيها من المدن القديمة والحديثة أهمية كبرى حضاريا واقتصاديا , إلي جانب ما لهذه المنطقة من تأثير قوى علي الأوضاع السياسية والاقتصادية في العصر الحديث ليس فقط في الشرق الأوسط وإنما في العالم .

 فقد كان لهذه المنطقة تواجدها القديم الضارب في أعماق التاريخ، وكانت علي مر العصور مصدرا للخيرات التي أغرت بعض القبائل للنزوح إليها واستيطانها، كما وفدت إليها أسر قدمت من بلاد عربية كثيرة.

وقد سكنت هذه القبائل منطقة الخليج ووجدت في رحابها رخاء العيش وأمن الحياة، وامتدت فروعها إلي الوقت الراهن، وطوال تاريخها ظلت منارة للعلم ومصدرا للخير وملاذا لمن جار عليهم الزمن.

وقد كان الخليج كمعبر مائي يشكل دائما فاصلا بين سكان الساحل الشرقي والأخر الغربي في الثقافة والدين وحتى في الظروف الطبيعية والجغرافية, رغم التشابه في الأنشطة التجارية والتقارب المكاني .

ولم يذكر التاريخ اسم شعب استوطن الخليج العربي وسيطر على موانئه وسواحله وفرض السيادة التامة على مياهه واستفاد منها مثلما فعل العرب ذلك. وكانت الصلات بين الجزيرة العربية والعراق وسواحل الخليج وأيضا السواحل الأفريقية والصينية تمتد إلى قرون عديدة قبل بدأ التاريخ الميلادي بفضل نشاط العرب في تلك المنطقة وحسن استخدامها كمنطقة وسطى من خلال النشاط التجاري الذي ربط العالم القديم وأيضا الحديث من خلال ذلك المعبر المائي الهام.

ويمتد الخليج العربي على شكل ذراع بحري في اتجاه شمالي غربي إلى جنوبي شرقي , بين مدينة الفاو على الطرف الجنوبي للعراق ورأس مسندم على مضيق هرمز الذي يتصل بخليج عمان, فالبحر العربي. وتبلغ مساحة الخليج سبعة وتسعين ألف وأربعمائة وخمسين ميلا مربعا. ويحتل الخليج العربي موقعا فريدا حيث تشكل سواحله الغربية المنافذ الطبيعية للأقاليم الداخلية, كما يتصل من الناحية الشمالية بنهري دجلة والفرات عبر شط العرب. وتتركز الأهمية الإستراتيجية للخليج نفسه في كونه جسرا أو معبر بين الغرب والشرق, وطريق مواصلات فريد بين أوروبا والشرقين الأدنى والأقصى.

وتتميز السواحل الغربية للخليج العربي بكونها مناطق سهلية باستثناء منطقة قاعدة شبه جزيرة قطر وأقصى جنوب مضيق هرمز. ويتكون معظم الشاطئ العربي من شواطئ رملية، مع العديد من الجزر الساحلية الصغيرة التي يضم بعضها البحيرات داخلية.

بينما يختلف الساحل الشرقي بتركيبته الجبلية، مع وجود كثيف للمنحدرات؛ وفي حالة وجود الشواطئ فهي ضيقة جدا لا تشكل إلا شقا ساحليا رفيعا في حالة تواجدها وتكبر قليلا لدى مصادفتها مصبات الأنهار الصغيرة على حدود الخليج العربي.

والسهل الساحلي يتوسع شمالا في منطقة بوشهر ضمن إيران، ليتحد بعد ذلك مع سهول دلتا أنهار دجلة والفرات الواسعة.

وتعد مياه الخليج العربي غير عميقة نسبياً، إذ يبلغ أقصى عمق فيها 360 قدماً. فمياهه لا يرتفع بها الموج، وبالرغم من ارتفاع درجة حرارته وارتفاع نسبة الرطوبة في مناخه، فنادراً ما يتعرض لعواصف أو دوامات هوائية، ولذلك فهو يوفر بيئة بحرية ملائمة للملاحة البحرية. كما أن مياه الخليج العربي ضحلة، ونادراً ما تتجاوز عمق 90م , وقد تصل في مناطق قليلة جدا إلى أعماق تزيد على 110 أمتار وذلك في مدخله وفي الأماكن المعزولة في الجزء الجنوبي الشرقي.

وتوضح خريطة القمر الصناعي الاختلاف بين الساحلين الشرقي والغربي للخليج العربي من حيث طبيعة التضاريس .

ويحوي الخليج العربي على أكثر من 130 جزيرة أكبرها جزيرة قشم  الإيرانية التي يستوطنها عرب إيران ثم جزيرة بوبيان  الكويتية وتبلغ مساحتها 863 كم2، ثم تأتي بعدها جزيرة البحرين وتبلغ 620 كم2.

الاختلاف الواضح بين تضاريس الساحل الغربي والشرقي للخليج العربي

وقد تميز الخليج العربي قبل اكتشاف البرتغاليين طريق رأس الرجاء الصالح في نهاية القرن الخامس عشر, بموقعه الجغرافي المتميز ومركزه التجاري الذي يربط شرق العالم بغربه , حيث ازدهرت الملاحة العربية بين موانئ الخليج العربي وموانئ المحيط الهندي مستفيدة من الرياح الموسمية الصيفية , حاملة البضائع الهندية والصينية وغيرها من سلع جزر الهند الشرقية وجنوب شرق آسيا نحو موانئ الخليج العربي والبحر الأحمر والساحل الشرقي الأفريقي , ومستفيدة من الرياح الموسمية الشتوية , حاملة البضائع الفارسية والأفريقية وغيرها نحو الموانئ الهندية. 

وكانت البضائع الشرقية المنقولة بالسفن العربية عبر المحيط الهندي والخليج العربي ترد إلى البصرة ثم تتجه برا قاصدة حلب مارة ببغداد وحمص وحماة حيث تنقلها السفن الايطالية إلى الموانئ الأوروبية . وقد وجدت هذه البضائع وهى في طريقها إلى موانئ البحر المتوسط سوقا رائجة في موانئ الخليج العربي.

وتفوقت التجارة المنقولة عبر الخليج العربي على مثيلتها في البحر الأحمر – ذي الشعاب المرجانية والسواحل المجدبة-, فبلغت ثلاثة أمثالها في معظم الأحيان على الرغم من قصر المسافة بين السويس والإسكندرية بمقارنتها بين البصرة وحلب, وعلى الرغم من شدة الحرارة خلال فصل الصيف وتعرض القوافل التجارية لغارات القبائل البدوية .

خريطة طبيعية  لدول منطقة الخليج

وقد عرفت الدول الأوروبية الخليج العربي للمرة الأولى من خلال المحاولات التي بذلها البرتغاليون في القرن السادس عشر للتخلص من احتكار العرب في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط للوساطة في التجارة بين أسيا وأوروبا.

وقد كانت التجارة بين الشرق والغرب منذ أقدم العصور تسلك طريقين رئيسيين هما : طريق البحر الأحمر ومصر, وطريق الخليج العربي والشام , وكلاهما كانا تحت سيطرة العرب. وكانت المشكلات والخلافات السياسية أحيانا تغلق إحداهما أو كليهما, وحين كان الطريقان يغلقان في وقت واحد فان مدد البضائع الشرقية كان ينقطع عن أوروبا إلا بالقدر الذي كان يمكن فيه سلك طريق وعر وغير أمن عبر أسيا الوسطى.

وأهم وأكبر المراكز الأوروبية التي كان لها نصيب كبير من تجارة المشرق هي البندقية وجنوا, وقد فقدت جنوا مكانتها في عالم التجارة الشرقية نتيجة سقوط القسطنطينية على أيدي الأتراك في 1453 م , ثم بعد فترة وجيزة أدى الخلاف بين المماليك في مصر وبين البندقية إلى فقدان البندقية ما كان قد تبقى لها من مزايا في المنطقة.

وكان واضحا أن اكتشاف طريق جديد غير معهود يصل إلى الهند سيعود بثروة كبيرة على الدول التي ستستطيع الاستفادة منه, وكانت البلد الذي كرس نفسه للبحث عن مثل ذلك الطريق هي البرتغال.

ولا شك أن أهمية موقع الخليج العربي بلاضافة إلى ما أكسبه العرب من أهمية بحسن استغلالهم لموقعه طوال قرون عديدة قديما وحديثا, كان سببا في جذب انتباه القوى الاستعمارية على مدار  التاريخ قديما حديثا للاستفادة من هذا الموقع المتميز والسيطرة على هذا المعبر الهام من جهة , ومن جهة أخرى إنهاء احتكار سيطرة العرب عليه.

ولذلك يتضح أن أهمية تلك المنطقة كانت موجودة بشكل كبير قبل اكتشاف البترول, وأن اكتشافه أضفى عليها أهمية كبرى وزاد من اهتمام العالم كله بهذه المنطقة, التي تضاعف تأثيرها في العالم بأثره بعد ظهور خام البترول, وأصبحت تتصدر أولويات الدول الاستعمارية الكبرى.

 

الأستعمار

تعرضت منطقة الخليج العربي منذ القرن السادس عشر الميلادي إلى غزو استعماري قامت به بعض الدول الأوروبية, حيث كان العرب , خاصة في منطقة الخليج , يتحكمون في طرق التجارة الرئيسية وخاصة التجارة البحرية من الهند إلى أوروبا. وقد قامت كل من البرتغال وأسبانيا بأول المحاولات في ذلك الاتجاه عندما قامت كل منهما ببدايات حركة الاستكشافات الجغرافية طمعا – كما ذكرنا من قبل – في التخلص السيطرة العربية على طرق التجارة البحرية التي كانت خاضعة في ذلك الوقت لحكم المماليك .

وقد نجحت المحاولات البرتغالية والاسبانية في السيطرة على منافذ تجارة الشرق في الخليج العربي والبحر الأحمر والتحكم بمضيقي هرمز وباب المندب. وقد كان لتشتت القوى الإسلامية والعربية في الشرق , إضافة إلى كثرة الصراعات والحروب التي كانت عاملا مساعدا في تنفيذ خطة البرتغاليين وانتشارهم في المنطقة. وبعد نجاح البرتغاليين في اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح ووصلهم إلى الهند في مطلع القرن السادس عشر الميلادي, عملوا على التحكم بالطرق الملاحية عبر المحيط الهندي والخليج العربي, والبحر الأحمر وأصبح الخليج وجنوب الجزيرة العربية مجالين للتنافس الاستعماري.

الاستعمار البرتغالي

فكانت البرتغال أول الدول الاستعمارية الغازية للمنطقة العربية بصفة عامة ومنطقة الخليج بصفة خاصة، فقد كون البرتغاليين إمبراطورية استعمارية قوية أثناء حركة الكشوف الجغرافية فنشروا تجارة الرقيق وجلبوا العبيد من أفريقيا خاصة غربها وباعوهم في أسواق أوروبا ثم عبروا رأس العواصف المسمى حاليا برأس الرجاء الصالح 1492م  ووصلوا إلي شرق أفريقيا ثم تابعوا إلي الهند فاحتكروا التجارة وسيطروا على الطرق الملاحية وانشئوا العديد من الشركات التجارية في الشرق ، يضاف إلي ذلك حملات التبشير والتنصير بالقوة التي مارسوها بدافع من الحقد على الإسلام والمسلمين.

وقد بدأ البرتغاليون بمهاجمة ميناء – غوا – على الساحل الهندي واستولوا عليه وبذلك وضعوا لهم أول موطأ قدم في الشرق  لأن هذه المدينة الهندية -غوا- كانت أول مستعمرة أوروبية في الشرق كله, وذلك بعد زوال كل المستعمرات الصليبية من قبل, كما كانت هذه المدينة أيضا نقطة وثوب برتغالية إلى الخليج العربي, وظلت كذلك حتى بعد أن فازت الهند باستقلالها في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

ثم توالى استيلاء البرتغاليين على العديد من المدن الهامة في المنطقة, فاستولوا على جزيرة – سقطرى – العربية ذات المركز الاستراتيجى الخطير بالنسبة إلى المحيط الهندي , وكذلك منافذ البحر الأحمر وبحر العرب. وكان البرتغالي -الفونس ألبوكرك- صاحب هذه الانتصارات. 

واتجه القائد البرتغالي – البوكرك – بعد ذلك نحو الخليج العربي  قاصدا  الاستيلاء على – رأس الحد – ولكن بسبب مقاومة الشيخ سيف الدين حاكم جزيرة هرمز اضطر البرتغاليين لعقد الصلح الذي بمقتضاه اعترفوا بحكم الشيخ سيف الدين على الجزيرة.

وعند هذه النقطة تتضح سياسة إيران التي كانت دوما ضد العرب وبالتالي وقفت في هذا الصراع إلى جانب البرتغاليين وتحالفت معهم ضد العرب وضد الشيخ سيف الدين وأجبرته على قبول الحماية البرتغالية.

ويشير الاتفاق الذي تم بين القائد البرتغالي – ألبوكرك – والشاه الإيراني – إسماعيل الأول – إلى طبيعة المصالح المشتركة بين إيران والبرتغال حيث جاء في هذا الاتفاق ما يلي:

  • أن تقدم البرتغال بعض السفن للشاه لتمكينه من غزو البحرين والقطيف.
  • أن تقدم البرتغال مساعدتها للشاه لقمع ثورة مكران في مقابل موافقة الشاه على احتلال البرتغال لميناء جوادر على ساحل بلوشستان.
  • أن تتحالف البرتغال وفارس ضد الدولة العثمانية.
  • يتنازل الشاه عن هرمز و يعترف بالحماية البرتغالية عليها.
  • وعد البرتغاليون الشاه بفتح – جاوه – للتجارة الفارسية, ورغم ذلك تشير المصادر إلى أن – ألبوكرك – أخبر سفير الشاه في عام 1515م بأن أي تاجر فارسي يضبط في أي مقاطعة أخرى في الهند باستثناء – جاوه – سيفقد بضائعه ويخضع لغرامات باهظة.
  • ويشير هذا الاتفاق ليس فقط لتحالف إيران مع البرتغال ضد العرب ولكن أيضا لأطماع الإيرانيين الاستعمارية في منطقة الخليج العربي.

ثم استولى البرتغاليين بعد ذلك على مدينة صور ثم مسقط رغم المقاومة العنيفة التي وجدها البرتغاليون والتي بسببها دمروا واحرقوا كل ما واجههم في تلك المدن حتى المسجد الكبير في مسقط أحرقوه وأقاموا كنيسة مكانه. وهناك الكثير من المصادر التي تتحدث عن الخراب والدمار الذي أوجده البرتغاليون في تلك المنطقة.

وبعد الإرهاب والترويع الذي مارسه البرتغاليون أصبحت المدن والموانئ العربية في الخليج مثل – قلهات , مسقط , صحار , صور , بمثابة محطات برتغالية لحماية جزيرة هرمز والدفاع عن تجارتها, وبقى نظام الحكم المحلى في هرمز تحت الحماية البرتغالي, ونتج عن ذلك أن الكثير من السكان غادروا هرمز إلى الموانئ الأخرى في الخليج العربي مما أثر على ازدهار هرمز وعمرانها. وقد شعرت هرمز بالضائقة الاقتصادية بسبب تحكم البرتغاليين بالطرق التجارية المؤدية إليها تنفيذا لخطتهم التي استهدفت إغلاق الخليج العربي وعزله عن التجارة الشرقية.

وبسبب احتلال البرتغاليين منطقة الخليج العربي انهار النشاط البحري لعرب الخليج وهو مصدر رزقهم الوحيد أثناء تلك الفترة .وكانت القوى الإسلامية إبان تلك الفترة تتمثل في المماليك الذين حاولوا التصدي للخطر البرتغالي لكنهم انهزموا في معركة ديو البحرية عام 1509 م وكانت قواهم قد ضعفت وانهارت أمام الدولة الفتية وهي الدولة العثمانية التي كانت مشغولة في صراعها مع الدولة الصفوية من جهة ومع دولة المماليك من جهة أخرى لذلك كانت السيادة العثمانية على منطقة الخليج العربي سيادة اسمية .

ونشير هنا إلى موقف المدن الهندية من هذا التغير الجذري في منطقة الخليج العربي وكسر الاحتكار العربي للتجارة, فلم تتأثر المدن الهندية كثيرا بهذا التغيير لأن النشاط البرتغالي لم يؤثر على مصالحهم فبعد أن كانت مهنة النقل التجاري احتكارا خالصا للعرب في المحيط الهندي, أصبحت الآن في يد البرتغاليين ولذا لم تجد المدن الهندية ضيرا في بيع بضائعهم للبرتغاليين بدلا من العرب. وكما يذكر البعض فقد جمع العداء المشترك للإسلام بين الحكام الهندوس والبرتغاليين.

معركة ديو البحرية

شعر المسلمون بان حركة البرتغاليين تضر بمصلحة الدولة الإسلامية لان البرتغال بدئوا بإنشاء سلسلة من المراكز التجارية على الساحل الهندي بين سنتي 1500- 1505 م ( بداية القرن السادس عشر م ) كما تجاوزوا الحد الأحمر باستيلائهم على جزيرة هرمز على مدخل الخليج العربي عام 1507م وغيرها من النقاط الإسلامية الإستراتيجية.
فأرسل السلطان قنصوه الغوري سلطان مصر حملة بحرية كبيرة ضد البرتغاليين تحت قيادة حسين الكردي نائب السلطان في جدة, في عام (1505م), حتى وصل إلى جزيرة (ديو) ثم (شول).

والتقى السلطان المملوكي مع الأسطول البرتغالي بقيادة (لورنزو دي الميدا) وذلك في عام (1508م) فكان النصر حليفه فى البداية, ولكن عزز البرتغاليون قوتهم و احتلوا المزيد من المواقع الإسلامية على الساحل الهندي في أول عام (1509م) ومنها غوا ودايول كما احتل البرتغال مدينة ديو الهندية مما أثر سلبا على التجارة الإسلامية فعقدت المعاهدات بين الدولة العثمانية ومصر, وسلاطين الإمارات الهندية الذين طلبوا مساعدة الدولة الإسلامية إضافة إلى مدينة البندقية وتم إرسال أسطول مشترك من هذه الدول بمساعدة تقنية بحرية من البندقية.

وانضمت القوى الجديدة إلى حسين الكردي, ولكن باغت البرتغاليون الأسطول في الثالث من فبراير عام 1509م وشنوا هجوما غير متوقع على الأسطول الإسلامي مما أدى إلى تدمير الأسطول فكانت معركة ديو البحرية معركة حاسمة وفاصلة حيث كانت إيذاناً بانتهاء سيطرة المسلمين على خطوط التجارة البحرية مع أسيا ولذا تعتبر واحدة من أهم المعارك البحرية في التاريخ وبهزيمة المسلمين فيها شرع البرتغاليون في احتلال الموانئ الإسلامية الرئيسية واحتكروا البحر لمدة 100 عام.

وقد شهدت الفترة ما بين عامي 1507- 1650 م صراعا بين القوى العربية في الخليج وبين البرتغاليين, وقد استخدم البرتغاليون في تلك الفترة اعنف أساليب الإرهاب بكل وسائل القوة لإخضاع  العرب لنفوذهم. وخلال تلك الفترة حاول العثمانيين تضييق الخناق على البرتغاليين والوقوف أمام مشروعهم الاستعماري.

فقد أدرك السلطان العثماني سليمان القانوني فداحة الأضرار الناجمة عن إبعاد العرب عن أسواق التجارة في الشرق.

 

والجهود التي بذلها العثمانيين في ذلك رغم قوتها واتساع نطاقها لم تؤدى إلى نتائج حاسمة, ولكنها نجحت في منع الاستعمار البرتغالي من الامتداد إلى الداخل, كما حطمت إمكانية قيام جبهة مسيحية برتغالية حبشية ضد القوى العربية الإسلامية في البحر الأحمر وشمال أفريقيا.

فأرسلوا حملة يقودها سليمان باشا الخادم  الذي استولى على مسقط وحاصر شبه جزيرة مسندم ومضيق هرمز وحرض أهل القطيف على الثورة ضد البرتغاليين, وقد تمكنت الدولة العثمانية من السيطرة على مسقط وجزيرة قشم ولكنها عجزت عن السيطرة على مضيق هرمز.

كما شهدت الفترة ما بين 1552 – 1554م العديد من المواجهات بين الأسطولين العثماني والبرتغالي عبر الخليج العربي والبحر الأحمر وانتهت بهزيمة العثمانيين, الذين استطاعوا بعد ذلك تحقيق بعض الانتصارات على البرتغاليين فيما بين 1557 – 1581م خاصة في البحرين ومسقط .

وقد استطاع العثمانيين أيضا بعد ذلك السيطرة على منطقة الإحساء, كما فقد البرتغاليين البحرين مرة أخرى فى عام 1534م عندما أرسل حكام البحرين والإحساء والبصرة مبعوثين عنهم إلى بغداد للترحيب بالسلطان العثماني سليمان القانوني.

وعندما بدأ الزحف العثماني يؤتى ثماره على حساب الوجود البرتغالي رأت بريطانيا أن ازدياد التوسع العثماني في مياه الخليج يشكل خطر يهدد مركزها ونفوذها في المنطقة, لذلك سارعت إلى عقد اتفاقيات حماية مع حكام وشيوخ منطقة الخليج العربي لإضعاف النفوذ العثماني في المنطقة.

 وقد عملت القوتان الأوربيتان الانجليزية والهولندية خلال الربع الأول من القرن السابع عشر على إقصاء النفوذ السياسي والتجاري البرتغالي من الخليج العربي.

على الرغم من اتخاذ البرتغاليين كل الإجراءات للدفاع عن أنفسهم بعد أن أحسوا بخطورة القوى المنافسة لهم عن طريق عدة إجراءات مثل إغراق الأسواق الفارسية بكميات كبيرة ومتنوعة من البضائع للتأثير على التجارة الانجليزية, ورغم ذلك حقق الانجليز أربحا, ولم تأتى هذه الخطوة بأي نتيجة.

وفى الربع الأول من القرن السابع عشر تمكن الانكليز مع حلفائهم الإيرانيين من إخراج البرتغاليين من الخليج العربي نهائياً عام 1622م  ليفرضوا سيطرتهم عليه و لعدة قرون.

 

 

الهولنديون في الخليج

بدء التواجد والتفكير الهولندي في آسيا خصوصاً والشرق عموماً في أواخر القرن السادس عشر، فقبل أن تحصل هولندا على اعتراف اسبانيا باستقلالها، أخذت تساهم في العمليات الكشفية حول العالم الجديد، في نفس الوقت الذي أخذت تتمرد فيه على الأسعار الاحتكارية التي كان البرتغاليون يفرضونها على المستهلك الأوروبي ، خاصة بعد أن اتضح للهولنديين أن تحدى قوة البرتغال في البحار الشرقية أصبح أمرا ليس صعبا.

وقد عقد كبار التجار الهولنديين بأمستردام في سنة 1592م اجتماعاً قرروا فيه إنشاء شركة للتجارة مع الهند. ومنذ ذلك الحين أخذت هولندا تتطلع للوصول إلى الشرق. وفى سنة 1595م خرج أول أسطول هولندي إلى أسيا ، والذي بلغ جزر الهند الشرقية، ثم عاد بعد غيبة دامت سنتان ونصف. وأن كان قد فقد عدداً من طاقمه، إلا أن الفوائد المادية من وراء البضائع التي جلبت كانت خير تعويض لذلك.

ولم تكن هذه الرحلة بداية لرحلات عديدة فحسب، بل أنها كانت محركاً لإنشاء شركة الهند الشرقية المتحدة، والتي أسست بمرسوم صدر في 20 مارس 1602م من الحكومة الهولندية. والذي خولت بمقتضاه حق احتكار التجارة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بردع أي معاملة سيئة يتعرض لها الهولنديون وكذلك حق عقد معاهدات مع حكام الشرق باسم الحكومة الهولندية، وبناء القلاع وتعيين الحكام والقضاة في المواقع التابعة وتطبيق القانون وتوفير النظام في مثل تلك المناطق.

منذ تأسيس الشركة، وهي تتطلع إلى تركيز عملياتها في الشرق. وكانت المشكلة في كيفية الوصول لذلك الهدف، خصوصاً أن آسيا في ذلك الوقت بها كيانات سياسية بالصين – والهند – واليابان –  لا يستهان بها، ويصعب على الشركة تحديها في ذلك الحين، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كان البرتغاليون هناك، وقد أقاموا أسس دفاعية على يد البوكيرك، ما زالت سليمة، ولم يمسسها سوء. ولهذا حرص الهولنديون على تجنب الاصطدام بالكيانات السياسية في المنطقة، وكذلك القوى الأوربية الكائنة بها.

وسرعان ما اكتشف الهولنديون أن هناك ثغرة لدخول المنطقة، تتمثل في أرخبيل الملايو، والتي عن طريقها تم اختراق خطوط الدفاع الآسيوية.

وقد وجد الهولنديون في هذه المنطقة المقومات الأساسية التي تلزمهم بالسيطرة عليها، فهي منطقة واسعة، تضم عدداً كبيراً من الجزر الخصبة للغاية. والتي تمتد بخط منحى يمتد من سومطرة إلى الفلبين. وتعد أكثر المناطق الآسيوية جاذبية وأهمية في الشرق كله والتي تتجلى في إنتاجها للتوابل النفيسة إلى جانب المعادن والصمغ والأعشاب الطبية.

وكان للهولنديين في ذلك الوقت اليد العليا في أوروبا في مجالات التجارة والملاحة والمال، وفى الشرق كان البرتغاليون قد خارت قواهم. وإذا بشركة الهند الشرقية البريطانية، التي تأسست في 1601 م قد بدأت نشاطها في منطقة شرق آسيا، وعلى الرغم من كونها كانت المنافس الوحيد للشركة الهولندية، إلا أن إمكانياتها الملاحية والمالية كانت محدودة ولا تمكنها من التصدي للشركة الهولندية، حيث أن الأخيرة تمتعت برأس مال ثابت يفوق بكثير رأس مال نظيرتها الإنجليزية، هذا إلى جانب امتلاكها لعدد كبير من السفن التي تميزت بإمكانياتها التصنيعية والتسليحية، والتي جعلتها أكثر قدرة على المناورة من غيرها من السفن الأوربية المعاصرة لها.

ومما سهل على الشركة من مهمتها في المياه الشرقية، أنها قامت على دمج عدة شركات تجارية هولندية، كانت قد وصلت من قبل إلى الشرق، ونجحت في إقامة علاقات طيبة مع بعض الحكام في أرخبيل الملايو، وأسس أغلبها مقرات تجارية وقلاع، في ترنيت، وبانتام، وجزر باندا، ورثتها الشركة في هذه المناطق، بمجرد إتمام عملية الدمج. لكل هذا قررت الشركة الهولندية الاتجاه إلى أرخبيل الملايو، حيث يمكنها من القيام بعمليات واسعة لتجارة التوابل، وحيث الظروف المتوفرة للسيطرة على هذه المناطق، والتي ستساعدها على احتكار تجارتها.

وحتى تنفرد الشركة بتجارة منطقة أرخبيل الملايو، عملت على مناهضة الوجود البرتغالي وكذلك الإنجليزي ولذلك أصدرت أوامرها إلى موظفيها في الشرق بضرب المعاقل البرتغالية أينما وجدت، وبناء القلاع أينما اقتضت الضرورة ذلك، والتخلص من منافسة شركة الهند الشرقية الإنجليزية بكل الوسائل. وقد تحققت كثير من أهداف الشركة الهولندية في خلال فترة لم تتجاوز الخمس عشرة سنة، حيث دمروا البرتغاليين، وطردوهم من جزر كثيرة، كذلك أبعدوا الإنجليز عن المنطقة بالكامل بعد أن عجزت شركة الهند الشرقية الإنجليزية عن منافسة الشركة الهولندية.

وقد أدت سياسية المناهضة الهولندية للوجود الأوربي بالأرخبيل وخصوصاً للبرتغاليين، إلى أحداث تقارب بين الحكام المحليين والقادمون الجدد، بشكل مكن الهولنديين من تسديد ضربات ساحقة للبرتغاليين.

وفى سنة 1641م  تم للهولنديين انتزاع ملقا حصن البرتغال الحصين في الشرق، والتي بضياعها من يد البرتغاليين تمزق النظام الدفاعي الذي وضع أسسه البوكيرك، خاصة بعد أن أقصى الهولنديون الوجود البرتغالي في سريلانكا سنة 1654، واحتلالهم لكوتشين -مؤسسة البرتغال الأولى – في سنة 1660م.

وبعد ذلك أخذ الهولنديون يقومون من كولمبو بحملات منظمة على كل أثر للبرتغاليين في المياه الهندية، ولذلك أخذت تتساقط محطاتهم التجارية الواحدة بعد الأخرى في يد الهولنديين. ولم يكتفِ الهولنديون بذلك بل استولوا على سيلان و جزر الصوند ووضعوا أيديهم على تجارة البن والشاي إضافة إلى الفلفل و بعد ذلك نفذوا إلى الخليج العربي و نافسوا البرتغاليين فيه و لم يبقى للبرتغاليين بعد ذلك سوا بعض الممتلكات مثل غوا في الهند و مكاو في الصين. مما ساعد على انهيار الإمبراطورية البرتغالية التجارية بشكل سريع تحت أقدام التحديات الهولندية في الشرق.

ومنذ النصف الثاني من القرن السابع عشر بدأ البرتغاليون يخسرون الأسواق في منطقة الخليج بسبب المنافسة الانجليزية والهولندية. كما تمكن الانجليز والهولنديون والفرس أيضا في إلحاق الهزيمة بهم في المحيط الهندي والخليج العربي.

وبالفعل بدأ البرتغاليون في فقدان مضيق هرمز الذي استعاده الشاه الايرانى عباس بمساعدة الانجليز. وهكذا خسر البرتغاليون أفضل ممتلكاتهم في الشرق فكان إيذانا بنهاية التفوق البرتغالي في الخليج. ولذلك كان طرد البرتغاليون من مضيق هرمز احد المعالم البارزة في تاريخ المنطقة.

  • ولكن رغم هذا التفوق السريع للهولنديين في المنطقة إلا انه لم يستمر طويلا لعدة أسباب أهمها:
  • التنافس الانجليزي الهولندي : فأطماع الانجليز في السيطرة على التجارة في الشرق والخليج العربي كان لا بد أن تقودهم إلى نزاع مع الهولنديين الذين حلوا محل البرتغاليين في جنوبي شرقي آسيا و قد ازدادت حدة التنافس بين الانجليز و الهولنديين بعد تأسيس شركة الهند الشرقية الانجليزية التي احتكرت التجارة من رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب أفريقيا إلى مضيق ماجلان في جنوب أمريكا الجنوبية.

وعلى الرغم من وضع الانجليز القوى في الخليج العربي في الربع الأخير من القرن السابع عشر فإنهم لم ينفردوا في السيطرة على منطقة الخليج العربي بل تقاسموا النفوذ البحري والتجاري مع الهولنديين و بعض الكيانات العربية مثل عرب عمان وأيضا مع البرتغاليين أنفسهم في بعض الأوقات.

– هناك عامل أخر هام سارع بنهاية النفوذ والسيطرة الهولندية وهو سياسة شركة الهند الشرقية الهولندية نفسها, فبعد أن استقرت الأمور للشركة الهولندية في أرخبيل الملايو، وأصبحت هولندا في بداية القرن السابع عشر أكبر قوة أوربية في البحار الشرقية، راحت الشركة تعمل على احتكار تجارة التوابل، ودفعها هذا الاحتكار إلى السيطرة على عمليات الإنتاج وتنظيمها بشكل جعلها تتحكم في السوق. فأخذت تتدخل في تحديد الكميات المنتجة من التوابل, وتقوم بإتلاف ما زاد منها عن الحد المطلوب. وقد امتدت عملية الإتلاف لتشمل أشجار التوابل نفسها.

هذه السياسة كان لها أكبر الأثر في وقف قوة الدفع الهولندية في البحار الشرقية في أواخر القرن السابع عشر. وإذا كانت شركة الهند الشرقية الهولندية قد تمكنت من احتكار تجارة التوابل طيلة القرن السابع عشر، إلا أنها لم تتمكن من الحفاظ على مستوى قوتها إلى ما بعد ذلك وذلك للتحديات العديدة التي أوصلت نشاطها التجاري إلى طريق شبه مسدود.

ونجمت أولى التحديات التي واجهت الشركة عن سياستها بالمنطقة حيث ترتب عليها ازدياد الضرائب – بالإضافة إلى الضرائب التي كانت تدفع من قبل للسلطات الحاكمة وتحولت إلى الهولنديين – وإلزام الأهالي بتسليم المحصول إجبارياً للشركة، وإتلاف ما يزيد منه عن حاجة الشركة وحرمان السكان المحليين من ممارسة التجارة، وتحطيم سفنهم وتدميرها، بلاضافة الى شيوع الفقر والبؤس وشلل الحياة الاقتصادية، والتي أدت في النهاية إلى انتشار أعمال القرصنة بشكل خطير كان له تأثيره على تحركات الشركة ونشاطها بالمنطقة.

كما ازدادت نفقات الشركة عن ايرادتها، وذلك نتيجة سوء نظام الحسابات، وخيانة موظفي الشركة وافتقارهم إلى النزاهة، بعد اتساع الإمبراطورية، هذا إلى جانب ارتفاع الفوائد التي كانت تدفعها الشركة لحملة أسهمها والتي تراوحت بين 20% و40% والتي كان لها دور في تعثر نشاط الشركة المالي، خاصة بعد أن اتسعت الممتلكات وازدادت النفقات العسكرية والسياسية.

– أيضا تركيز الشركة لكل نشاطاتها التجارية حول التوابل النفيسة وتمسكها بذلك. في الوقت الذي تغيرت فيه طبيعة الطلبات الأوربية على السلع الآسيوية، وبذلك عجزت الشركة عن التكيف مع الوضع الجديد خاصة، بعد أن ازداد الوجود الأوربي بالمياه الآسيوية، وخاصة الوجود البريطاني الذي احتكر تجارة المنسوجات الآسيوية بالأسواق الأوربية.

وما تعرضت له هولندا من مصاعب سياسية وعسكرية كبرى كان له تأثير واضح على نشاط الشركة في البحار الشرقية، فبسبب اشتراك هولندا في حرب الاستقلال الأمريكية عام 1780م  ضد بريطانيا ومساهمة شركة الهند الشرقية الهولندية بالشرق في الصراع ضد بريطانيا , الأمر الذي أصبح علامة فارقة في تاريخ الشركة، تكبدت الشركة بسبب ذلك خسائر فادحة أفقدتها سيلان ومواقع كثيرة بالشرق.

وبهذا قابلت الشركة مزيد من التحديات التي أثرت في كل الحالات على ميزانية الشركة، التي سارت في طريق الإفلاس بسبب قلة الإيرادات في وقت كانت المصروفات تتضاعف، وهذا أضطر الشركة إلى الاقتراض إلى حد أعجزها عن الاستمرار، لذلك تقدمت الحكومة الهولندية باقتراح لإنقاذ الموقف، بحيث تأخذ الحكومة الهولندية على عاتقها مسؤوليات الدفاع، والسماح بالتجارة الخاصة، والحد من احتكار الشركة التجاري، وأن تدفع الحكومة ديون الشركة التي بلغت حوالي 140 مليون جلدر.

وقد تمت هذه التسوية مقابل أن تتخلى الشركة عن جميع ممتلكاتها وتوابعها في الأرخبيل للحكومة الهولندية. وبقبول ذلك انتهى دور شركة الهند الشرقية الهولندية في 1798م، وورثت الحكومة الهولندية ممتلكات الشركة.

وبعد وقوع هولندا  تحت حكم فرنسا ازداد موقفها تأزما وضعفا ألأمر الذي مكّن انجلترا من القضاء على قوتها التجارية ومن ثم وضع الانجليز يدهم على ممتلكات هولندا في الهند و استولوا على سيلان ثم على المواقع التجارية الهولندية في الخليج العربي.                                                                                       

 

الفرنسيون في الخليج

بدأ اهتمام الفرنسيين بالتجارة مع الشرق منذ بداية القرن السادس عشر شأنها شأن القوى الأوروبية الكبرى في ذلك الوقت بعد حركة الكشوف الجغرافية. ولم يكن الوجود الفرنسي في بحار الشرق عامة والخليج العربي بصفة خاصة ملحوظا إذا ما قورن بالدول الأوروبية المنافسة الأخرى مثل البرتغال وهولندا وانجلترا. وقد وصلت أول رحلة تجارية فرنسية إلى الهند في مطلع القرن السادس عشر ولكنها بالطبع واجهت بمعارضة قوية من البرتغاليين أصحاب الزعامة في المنطقة في ذلك الوقت.

وكانت فرنسا في محاولاتها الاتصال بمنطقة الخليج العربي حريصة على إبراز دورها في مجال حماية الكاثوليك في أسيا, ففي عام 1626م أرسلت فرنسا إلى إيران سفيرا وكلفته بالقيام بثلاث مهام:

  • إقامة تحالف مع إيران
  • حماية المسيحيين الكاثوليك الموجودين بها
  • إقامة علاقات تجارية مع إيران لفتح المجال بعد ذلك لمنطقة الخليج.

غير أن هذه المحاولة قد فشلت بسبب عدم مقدرة السفير الفر نسى تجاوز القسطنطينية.

وربما وجدت فرنسا أن الستار الديني قد يكون عاملا مساعدا لها للنفوذ من خلاله إلى منطقة الخليج العربي في الوقت الذي كان التنافس التجاري شديد بين قوى استعمارية أخرى سبقت فرنسا إلى المنطقة وبسطت نفوذها بالفعل.

بعد فشل تلك المحاولة بثلاث سنوات أرسلت فرنسا إلى موسكو في محاولة لفتح طريق تجارى بين فرنسا وإيران عبر بلاد البلطيق وروسيا وبحر قزوين, ولكن لم تأتى هذه المحاولة بنتائج ملموسة.

ثم أرسلت فرنسا في عام 1628م إلى إيران بعثة تبشيرية برئاسة أحد أباء الكنيسة حاملا رسائل من الملك لويس الثالث عشر إلى الشاه عباس الأول.

وقد حظيت هذه البعثة بحفاوة الشاه الايرانى عباس الأول, الذي سمح للبعثة أن تنشأ مراكز تنصيرية في كل مكان بأصفهان وبغداد التي كانت تابعة للدولة الصفوية في ذلك الوقت, وكان للفرنسيين بعد ذلك دورا هاما في مجال الإرساليات الدينية بفارس لوجود عدد كبير من الرهبان الفرنسيين هناك.

وهكذا نفذ الفرنسيون الى منطقة الخليج العربي من خلال ذلك النشاط الديني الملحوظ.

ولأن النشاط التجاري كان الهدف الأساسي للمحاولات الفرنسية للتواجد في الشرق والخليج العربي فقد حاولت فرنسا منذ عهد الملك هنري الرابع 1589-1610م أن يكون لها نصيب في التجارة الشرقية بعد أن أدركت أهمية مشاركتها في هذا المجال مع القوى الاستعمارية الأوروبية المنافسة.

فقام الملك الفرنسي هنري الرابع في 1601م ( بعد عام من تأسيس الشركة الانجليزية ) بمحاولة لتأسيس شركة فرنسية للتجارة مع الهند على غرار شركتي الهند الشرقية البرتغالية والاسبانية ولكنه فشل.

واستمرت المحاولات الفرنسية في هذا المجال حتى نجحت في عام 1664م (بعد حوالي أكثر من نصف قرن) في تأسيس شركة الهند الشرقية الفرنسية وذلك بمبادرة شخصية من وزير المالية الفرنسي كولبير بهدف تطوير مجالات التجارة الفرنسية مع بلاد الشرق.

واصدر الشاه الإيراني عباس الثاني مرسوما بمنح الشركة الفرنسية امتياز بإعفائها من من الرسوم والجمارك لمدة ثلاث سنوات, بالإضافة إلى حقوق ممارسة الأنشطة التجارية الممنوحة للأجانب الآخرين.

وقد أتفق الطرفان الفرنسي والإيراني على تبادل المصالح والخدمات, فتعهد الفرنسيين بإغداق العطايا والهدايا على الشاه الذي بدوره وعد الفرنسيين بإبرام معاهدة رسمية للتجارة مع فرنسا في حال حدوث ذلك سواء من ملك فرنسا أو من الشركة نفسها.

وكان متوقعا أن يزيد النفوذ الفرنسي من خلال هذا الوفاق مع الشاه الإيراني, ولكن حدث العكس وبدلا من أن تسعى فرنسا من خلال الملك والشركة للسير في هذا الاتجاه المدعم لوجودها في الخليج العربي وتوطيد علاقتها مع الشاه الإيراني, حدث العكس. 

فقد أهمل الملك الفرنسي وأيضا الشركة الفرنسية إرسال ما وعدوا به الشاه الإيراني من هدايا الأمر الذي أغضبه وهدد بوضع حد لنشاط الفرنسيين بالمواني الفارسية هذا بالإضافة إلى انشغال فرنسا بمشكلات القارة الأوروبية وخوضها عدة حروب خاصة في عهد لويس الرابع عشر, فضلا عن انشغال الشركة الفرنسية بفتح أسواق تجارية لها في سيام والصين.

وخلال القرن القرن السابع عشر لم تتح للشركة الفرنسية الفرصة الكاملة للمشاركة بشكل كبير في تجارة فارس والخليج العربي بسبب المنافسة والمعارضة الشديدة من القوى الأوروبية الأخرى. 

وانتهت المنافسة الفرنسية الهولندية في المنطقة لصالح الهولنديين, الذين سبقوهم إلى المنطقة ولذا فلم يفسحوا لهم المجال. ورغم وجود وكالة فرنسية في بندر عباس إلا أن نشاط الشركة الفرنسية في الميناء كان يغلب عليه الركود.

وجاءت فرصة أخرى لفرنسا لتحسين علاقتها بالفرس عام 1699م عندما حاولت الحكومة الفارسية أن تحصل على مساعدة عسكرية من فرنسا لتحقيق مشروعها في الاستيلاء على مسقط لوضع حد لنشاط اليعاربة في عمان, وكانت كل من هولندا وانجلترا قد رفضتا مساعدة الفرس في ذلك في الوقت الذي كانت فيه المساعدات البرتغالية غير فعالة لتحقيق هدف الفرس.

وقد تضمن العرض الفارسي لفرنسا الدخول في حلف عسكري مع فرنسا لاحتلال مسقط على أن تكون النفقات مناصفة بينهما, هذا بالإضافة إلى الامتيازات التجارية لفرنسا.

وكان هذا العرض الفارسي بمثابة صفقة عظيمة تفوق كل التسهيلات والامتيازات التي حصلت عليها هولندا وانجلترا. ورغم ذلك فالمذكرة والعرض الفارسي لم يجد صدى لدى فرنسا ولا نعرف هل بسبب عدم وصول هذا العرض أصلا إلى باريس, أم وصوله متأخرا. ويؤكد الباحثين أن وثيقة هذا العرض الفارسي ليس لها أثر في المحفوظات والوثائق الفرنسية حتى ألان.

ويجب أن نذكر هنا أن القوى الاستعمارية في منطقة الخليج خاصة هولندا وانجلترا كانتا تسعيان دائما لإعاقة أي تقارب أو علاقة بين فرنسا وإيران تقرب فرنسا من الخليج العربي.

ورغم نجاح فرنسا في إبرام عدة معاهدات مع الفرس إلا أن انجلترا وهولندا كانا دائما يمارسان كل ما أمكن من ضغوط لإفشالها.

ويرى الكثير من الباحثين أن أن نظرة الفرنسيين إلى فارس أو إيران إلى منطقة الخليج ارتكزت على كونها طريقا استراتيجيا إلى مستعمراتها في الهند أكثر منها سوق لتصريف البضائع أو سوقا للتجارة الفرنسية.

ويؤكد ما سبق أن الفرنسيين كانوا يعملون لامتلاك الأراضي والسيطرة السياسية ولذلك اتصفت أعمال شركة الهند الفرنسية بنوع من الصفات التي تجمع بين الحماقة والتجبر والتخطيط السيئ ولذلك واجهت صعوبات كبيرة.

فرنسا وعمان

كانت تقارير الخارجية الفرنسية التي ترد إلى الحكومة من مستعمرتها جزيرة موريشيوس تنصح بضرورة إيجاد علاقات تجارية مع الحكام العرب على سواحل الخليج العربي وعلى وجه الخصوص مع سلطنة عمان بسبب موقعها الهام على مدخل الخليج العربي. وأول اتصال لفرنسا مع سلطنة عمان يرجع إلى عام 1759م في عهد الإمام أحمد بن سعيد عندما قامت سفينتين فرنسيتين قادمتين من جزيرة موريشيوس بمهاجمة السفن التي تحمل العلم الانجليزي في ميناء مسقط, ثم الهجوم على الوكالة البريطانية في بندر عباس وتم تخريبها بالكامل.

وقد تدخل الإمام احمد بن سعيد لحل هذه الأزمة, حيث كان حريصا على إقامة طيبة مع فرنسا لمواجهة الخطر الانجليزي والهولندي الذي كان يهدد بلاده.

وأعرب الإمام احمد عن رغبته في زيادة التبادل التجاري مع فرنسا كما طلب إرسال مندوب فرنسي إلى مسقط, وبالطبع استجابت فرنسا إيمانا منها بأهمية مسقط كمحطة لتموين سفنها القادمة من موريشيوس في طريقها إلى الهند.

ورغم هزيمة فرنسا أمام انجلترا بعد حرب السنوات السبع (1756-1763) التي أجبرتها على التنازل عن كل ممتلكاتها في شبه القارة الهندية بمقتدى معاهدة باريس 1763م , إلا أن فرنسا ظلت حريصة على مواصلة الحفاظ على علاقتها بحكام مسقط.

وقد ساءت العلاقات الفرنسية العمانية بعد ذلك بسبب عمليات القرصنة التي مارستها السفن الفرنسية ضد نظيرتها العمانية أو ضد السفن الأجنبية الأخرى الراسية في المواني العمانية.

ونتج عن ذلك رفض مسقط إقامة أي وكالة تجارية فرنسية بها مثلما حدث في 1785م.

والجدير بالذكر هنا أن الحكومة العمانية قد تغاضت كثيرا عن أعمال القرصنة الفرنسية ولم ترد بعنف على هذه الهجمات فقد كانت عمان هي الأخرى حريصة لأخر مدى على علاقتها التجارية بفرنسا, لأن الأسطول العماني كان يقوم بعملية نقل البضائع بين الخليج وبين المستعمرات الفرنسية, ومن ثم كان التبادل التجاري أكثر ربحا لأهل عمان, وهذا يفسر سبب تغاضى سلطان عمان عن الاعتداءات الفرنسية بل واستعداده لإقامة وكالة فرنسية بمسقط مرة أخرى في عام 1785م في نفس الوقت الذي رفض فيه طلبا انجليزيا بهذا الخصوص.

وقد رأت الحكومة الفرنسية في ذلك الوقت أن البحر الأحمر أكثر أهمية لها من الخليج العربي حيث كان لها ممثلون تجاريون في المدن المصرية يمكنهم الاتصال بجزيرتي موريشيوس و بوربون وإكمال الحلقة التجارية وصولا إلى فرنسا. كما كانت ترى فرنسا أن البحر الأحمر سيكون هو المنفذ لحملتها العسكرية التي تخطط لإرسالها إلى الهند, والتي كانت حملتها الأولى على مصر في 1798م هي الخطوة التمهيدية لها.

وما لبث أن تغيرت وجهة النظر الفرنسية وتنبهت مرة أخرى لأهمية الخليج العربي وضرورة وجود مراكز لها على سواحله لتتمكن من مواجهة بريطانيا.

وبناءا على اقتناع فرنسا مرة أخرى بأهمية الخليج العربي فقد سعت إلى 1- ضرورة إنشاء قنصلية لها في مسقط 2- إرسال بعثة إلى  فارس لمراقبة الطرق المؤدية إلى الهند.

وعلى هذا الأساس دعمت فرنسا الإمام سلطان بن احمد لحكم عمان في 1792م وبمجرد وصوله إلى الحكم قامت فرنسا بإجراءات إنشاء قنصلية لها في مسقط وأعلنت صراحة أن الغرض من إنشاء هذه القنصلية هو التجسس على حركات الانجليز في الهند ودراسة الأحوال الداخلية في عمان والجزيرة العربية والطرق التي يمكن أن يستخدمها الفرنسيون في حال غزوهم للشرق.

وتركزت أهمية مسقط لفرنسا في ذلك الوقت أنها:

  • مكان استراتيجي لمراقبة شرق إفريقيا والهند والخليج
  • يمكن للقنصل الفرنسي بها أن يبعث الرسائل بطرق متعددة برا وبحرا شرقا وغربا
  • وجود قنصلية بمسقط تسهل التعامل مع جذر موريشيوس وبوربون ومع المندوبين الفرنسيين في سوارت وكانتون ومدراس في الهند
  • يمكن للقنصل الفرنسي في مسقط المساهمة في زيادة التجارة الفرنسية في الخليج إضافة إلى جمع المعلومات الهامة لفرنسا.

ولاشك أن فرنسا كانت تعطى اهتماما كبيرا لعمان باعتبارها نقطة تحكم وسيطرة على الطريق الموصل إلى الهند للقادم من الخليج العربي من ناحية أو القادم عن طريق المحيط الهندي والبحر

 الأحمر من ناحية ثانية. ووجودها في عمان يمكنها من مراقبة انجلترا وإدارة الصراع بينهما بما يحقق مصالح فرنسا. كما تمثل أملا لها في استعادة مستعمراتها التي فقدتها بسبب هزائمها أمام انجلترا من قبل.

وقد تركز نشاط فرنسا في الخليج العربي  في معظمه في عمان, ولم يكن لها نشاط يذكر مع أي منطقة عربية أخرى على الخليج سوى ممثل سياسي لها في بغداد.

وفى الغالب كان الممثل السياسي الفرنسي في بغداد أحد رهبان الإرساليات الدينية الفرنسية, التي ترك لها في أغلب الأحيان مباشرة النشاط التجاري الفرنسي .

ونلاحظ أن علاقة فرنسا بمنطقة الخليج العربي كان يحكمها علاقة فرنسا بدول أوروبا خاصة انجلترا, فكل الخطوات السياسية والتجارية التي اتخذتها فرنسا خارج القارة الأوروبية عموما والخليج العربي خصوصا كانت نتاج التنافس الاستعماري بينهما.

ورغم أن فرنسا كانت لديها الإمكانيات الكبيرة التي تجعلها أكبر قوة استعمارية في القرن السابع عشر, نظرا لتعداد سكانها الكبير الذي يفوق باقي الدول الأوروبية, بلاضافة إلى إمكانياتها الاقتصادية والمعدنية, فضلا عن امتلاكها أفضل جيش في عهد الملك لويس الرابع عشر, إلا أنها لم تحقق النجاح الملحوظ في منطقة الخليج العربي بالمقارنة مع القوى الاستعمارية الأخرى.

فقد اتجه اهتمام الفرنسيين دائما للقارة الأوروبية بسبب الصلة الوثيقة التي تربط فرنسا ببعض الشعوب الأوروبية, ولذلك كانت الحروب الأوروبية تستنفذ القسم الأكبر من طاقة فرنسا .

ولعل ما يلفت النظر في علاقة فرنسا بالجانب العربي أن تلك العلاقة كانت دائما غير واضحة, فعلى الرغم من أن أمراء العرب في سواحل الخليج العربي والجزيرة العربية كانوا على استعداد لصداقة فرنسا بسبب الأطماع البريطانية في بلادهم, إلا أن السياسة الفرنسية لم تتخذ هدفا واضحا في علاقتها بالخليج إذ كان طابع هذه السياسة حتى منتصف القرن الثامن عشر يتسم بالتردد وعدم الثبات. كما أن بريطانيا لم تتوان في الوقوف بالمرصاد لكل المحاولات الفرنسية الرامية إلى مجابهة النفوذ البريطاني الذي كان يزداد بصورة واضحة في كل مناطق الخليج.

أطماع الاستعمار الأوروبي 

كانت الثورة الصناعية التي اجتاحت أوروبا المحرك الأساسي لتصارع الدول وظهور سياسة الاستعمار التي كانت تسمى بالاستعمار الاقتصادي والتجاري، إلى جانب ضعف الدولة العثمانية الذي أتاح المجال لتكالب دول الاستعمار الأوروبي على المنطقة، مما ترتب عليه تغير سياسة بعض الدول تجاه الدولة العثمانية، وأكبر هذه الدول هي بريطانيا التي غيرت سياستها من المحافظة على وحدة الدولة العثمانية إلى التسابق لاقتسامها وتفتيت أراضيها، ومن ثم بدأ الصراع الدولي للسيطرة على المنطقة.

وكان هذا الصراع صراعاً سياسياً واقتصادياً ودينياً من أجل امتلاك أكبر جزء من ممتلكات الدولة العثمانية، وخاصة الخليج العربي، ليصبح بذلك منطقة إستراتيجية مهمة للإنجليز حيث يقع في الطريق إلى الهند.

وقد بدأت محاولات الانجليز للوصول إلى الشرق في النصف الثاني من القرن السادس عشر لرغبتهم الشديدة للمشاركة في التجارة الشرقية, ولكن تخوفهم من القوة البرتغالية في البحار الشرقية في ذلك الوقت دفعهم إلى البحث عن طرق أخرى لا يسلكها البرتغاليون, فبدئوا بالمتاجرة مع الشرق عن طريق روسيا وبحر قزوين ثم أرسلوا عدة حملات تجارية ولكنها لم تحقق نجاحا ملحوظا.

واستمر الوجود البرتغالي في مناطق الخليج العربي لأكثر من مائة عام وعانت منه عُمان ومنطقة جلفار (رأس الخيمة ( حتى البحرين، حيث كان للقاعدتين العسكريتين في مسقط (قلعة الأدميرال وسانت جوا(  دوراً كبيراً مع القاعدة البحرية في هرمز في السيطرة على المنطقة. وبقي الحال على هذا لمدة أكثر من مائة عام، حتى بدأت كل من (هولندا وبريطانيا) الحصول على مكاسب في الخليج . وفي عام 1622م تمكن الشاه عباس الصفوي بمساعدة أسطول بريطاني تابع لشركة الهند الشرقية الإنجليزية من الانقضاض على القاعدة البرتغالية في هرمز وطرد البرتغاليين.

وأيضا كان لانتشار البروتستنتية في أوروبا نتائج بالغة الأهمية في العلاقات بين الشرق والغرب في القرن السادس عشر, فقد رفضت الشعوب الأوروبية البروتستنتية الاعتراف بمنحة البابا للبرتغال باحتكار التجارة الشرقية في عام 1454م . وتمكنت انجلترا في نهاية القرن السادس عشر من هزيمة الأسطول الاسباني ( الأرمادا ) وأصبح في مقدورهم الوصول إلى المياه الشرقية ومنافسة البرتغال واسبانيا في الأسواق الشرقية .

وبدأ الانجليز في إنشاء مراكز تجارية لهم وسط معارضة شديدة من البرتغاليين مستغلين رغبة السكان المحليين في التخلص من الحكم البرتغالي بلاضافة إلى عداء الفرس والهنود والعرب للبرتغاليين, وتمكنوا من إلحاق الهزيمة بهم في منطقة الخليج العربي.

وأصبح المجال ممهدا لانجلترا التى أسست شركة الهند الشرقية على غرار الشركة البرتغالية لتسير على نفس الخط الاستعماري من خلال السيطرة على التجارة.

دور شركة الهند الشرقية البريطانية

وقد صدر قرار ملكي في 31 ديسمبر سنة 1600م من ملكة بريطانيا إليزابيث بتأسيس شركة الهند الشرقية، ومنحت الملكة هذه الشركة امتياز التجارة في الهند والشرق، وكان لهذه الشركة دور كبير في النفوذ والسيطرة الانجليزية ليس فقط على الخليج العربي ولكن على المنطقة بأسرها.

وتعود العَلاقة بين شركة الهند الشرقية ومنطقة الخليج العربي إلى بدايات تواجدها في الهند، حينما حدثت زيادة في الإنتاج وفائض من الأقمشة الصوفية الإنجليزية لديها ووجدوا لها سوق في إيران.

وحصل رجال الشركة على فرمان من الشاه عباس الصفوي في عام 1619م بفتح وكالة للشركة في ميناء جاسك عند مدخل الخليج العربي بعيداً عن مضايقات البرتغاليين في مضيق هرمز، وبعد ذلك كان فتح وكالة في شيراز وأخرى في مدينة أصفهان وكان ذلك في عام 1617م.

وفي عام 1620م منع البرتغال سفن شركة الهند الشرقية من دخول ميناء جاسك، وحدث الصدام بين السفن الإنجليزية والسفن البريطانية، وساعدت شركة الهند الشرقية الشاه عباس الصفوي على طرد البرتغاليين بشكل نهائي من جزيرة هرمز عام 1622م وبعد تلك الأحداث نقلت الشركة وكالتها من جاسك إلى ميناء بندر عباس.

وفي عام 1763م نجح رجال شركة الهند الشرقية في الحصول على الموافقة من الايرانيين من أجل فتح وكالة جديدة لهم في منطقة بوشهر، وهذا العمل نقل مركز نشاط الشركة في أواخر القرن الثامن عشر من مدخل الخليج العربي عند جاسك وبندر عباس إلى أعلاه في البصرة وبوشهر، وبذلك أصبحت بريطانية صاحبة السيادة التجارية في هذه المنطقة بلا منازع وجعلت حكومة بومباي من ميناء بوشهر المقر الرئيسي لها في الخليج العربي.

وفي بداية عام 1813م توقف النشاط التجاري للمعتمد البريطاني في بوشهر وتحول عمله إلى الجانب السياسي، كما حرصت حكومة بومباي على فتح وكالة لها في مسقط والتي كان يصل نفوذها من جزيرة كشم حتى ساحل أفريقيا الشرقي والتي تسيطر على مدخل طريق تجاري وبريدي له أهمية، غير أنّ حكام دولة البوسعيد فى عمان كانوا لا يشجعون عملاً مثل هذا، وعندما تقدمت شركة الهند الشرقية عام 1785م إلى حاكم عُمان السيد حمد بن سعيد تطلب منه فتح وكالة لها، تم رفض هذا الطلب.

وكانت عمان من خلال ميناء مسقط تقوم بعملية توزيع تجارة الهند القادمة إلى الخليج العربي، في حين ميناء البصرة كان يقوم بتوزيع تجارة أوروبا الآتية عبر الطريق الصحراوي، وقد شاركت سفن عُمان السفن البريطانية والهندية في عملية النقل البحري.

وفي عام 1643م عرفت شركة الهند الشرقية بريد الصحراء بين البصرة وحلب منذ افتتاح وكالة البصرة فيها، حيث كانت تخرج القوافل من غرب الفرات ثم تعبر بادية الشام نحو حلب حيث تتولى الوكالة البريطانية التابعة لشركة شرق البحر الأبيض المتوسط عملية نقل البضائع والبريد بسفنها إلى الجزر البريطانية.

وكان يستغرق وصول البريد ما بين الهند وبريطانيا عبر ذلك الطريق خمسة أشهر بينما كان يستغرق من طريق رأس الرجاء الصالح 11 شهراً. وكان كل مقيم سياسي بريطاني في البصرة قد عمل على توثيق عَلاقاته مع شيوخ القبائل في البادية.

إن تأسيس شركة الهند الشرقية جاء نتيجة للتوسع التجاري الذي شهدته إنجلترا في النصف الأخير من القرن السادس عشر بعد انتصار الإنجليز على الأسطول الإسباني في معركة أرمادا عام 1588، حيث اندفع الإنجليز للبحث عن أسواق جديدة لتجارتهم المتنامية.

وكانت عمليات الاستغلال الناجحة التي قام بها البرتغاليون في الشرق قد هيأت المزيد من الدوافع والمحفزات للإنجليز لأن يستغلوا فرص توسيع تجارتهم.

وقد ازدهر مركز الشركة هذا حيث أصبحت تدار جميع العمليات التجارية من خلاله، ولا سيما في فترة انتقال مركز الشركة من بندر عباس للبصرة بصورة مؤقتة على أثر التهديد الهولندي للشركة.

                ولكن شركة الهند الشرقية التي احتكرت تجارة الشرق لهذه الفترة جوبهت بمنافسة لم تكن متوقعة من قبل شركة إنجليزية جديدة برئاسة وليم كورتين الذي أفلح في الحصول على ترخيص من الملك تشارلس الأول للقيام بالعمليات التجارية في الشرق.وكان لابد من احتدام الصراع بين الشركتين البريطانيتين ولكن توصلتا معا إلى دمج أعمالهما عام 1649 ليصبحا شركة موحدة تتقاسمان الأرباح مناصفة.

أما انعكاسات تلك التطورات على منطقة الخليج العربي، فقد هيأت الظروف للشركة الموحدة مناخاً ”إيجابياً“ لتوسيع نشاطها لا على فارس وحدها، بل على معظم السواحل العربية في الخليج العربي.             

            وعلى الرغم من مقاومة التجار الفرس لشركة الهند الشرقية ومنافسة الهولنديين ثم الفرنسيين لها، فإنها استطاعت أن تتفوق وتبسط نفوذها بقوة في المنطقة، وذلك بفضل الدعم الذي حصلت عليه الشركة من خلال المرسوم الذي حصلت عليه في عام 1657 والذي يعطيها الحق في التجارة مع الشرق. وقد استمر دعم استمر دعم الحكومة البريطانية للشركة وأصدر الملك شارل الثاني مرسوماً عام 1661 أعطى الشركة امتيازاً أعظم بكثير مما كانت قد حصلت عليه في الفترات السابقة.

كذلك استطاعت الشركة القضاء على المنافسة الأخرى لها، سواء الهولندية أو الفرنسية .وهكذا أصبح الميزان التجاري في منطقة الخليج العربي لصالح شركة الهند الشرقية الإنجليزية، وأصبحت المناطق المطلة على الخليج العربي من الأسواق الرئيسة للشركة، وصارت العملات الذهبية تخرج من مناطق الخليج العربي دون قيود بما فيها اللؤلؤ.

            وغدت شركة الهند الشرقية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر دون أيّ منافسة أجنبية تذكر في الخليج. وقد حلت البصرة محل “بندر عباس” مركزاً رئيساً للشركة في الخليج العربي اعتباراً من عام 1763.

والحقيقة أن المنافسة للنفوذ الانجليزي في المنطقة لم تكن من قبل البرتغاليين فقط وإنما كانت هناك قوى أخرى تعمل على إضعاف الوجود الانجليزي في الخليج العربي ومن أهمها ألمانيا وفرنسا وروسيا. وعلى الرغم من المواثيق والمعاهدات التي كانت تعقد بين بريطانيا وغيرها من الدول الكبرى، إلا أن بريطانيا كانت في أغلب الأحيان تتحايل من أجل خرق تلك التعهدات لتستأثر بالخليج وحدها، وقد نجحت في إبعاد فرنسا عن طريقها، كما نجحت في إحباط مشروع ألمانيا الذي عرف تاريخياً بخط حديد برلين –بغداد لينافس النفوذ البريطاني في المنطقة.

   المنافسة الألمانية والروسية والفرنسية:

وكانت ألمانيا وليدة الثورة الصناعية التي جعلت منها دولة قوية وخاصة بعد أن توحدت على يد بسمارك، وقد اتخذ الصراع الألماني البريطاني طابعاً تجارياً عن طريق نشر البضائع الألمانية المشهورة بجودتها وكفاءتها التي لا تنافس، مما شكل خطراً هدد الوجود الاقتصادي البريطاني في المنطقة، ومن ثم كان دخول روسيا دولة معارضة لإتمام مشروع خط حديد برلين – بغداد الذي كان يشكل خطورة على سير الخطوط الحديدية الروسية في القوقاز وبقية المناطق، بل إن النفوذ الألماني سيحول دون وصول روسيا إلى المياه الدافئة في الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط.

ولذا كان الصراع صراعاً دولياً لتحدي الوجود البريطاني المهيمن على الخليج، وهو ما دفع روسيا لتنفيذ محاولتها للوصول إلى الخليج، ورغبتها في إنشاء ميناء وقاعدة حربية في الخليج، فاختارت روسيا فارس بحكم الجوار الجغرافي والحدود الطويلة المشتركة بينهما، لتكون قاعدة انطلاق نحو طموحها للبحار المفتوحة والمياه الدافئة، فأصبحت فارس محوراً أساسياً للوصول إلى الخليج العربي.

ولم يقتصر نشاط روسيا على الأمور العسكرية فقط للنفوذ إلى فارس والسيطرة عليها، بل بدأت تخوض مجالات أخرى تمثلت في إرسال القناصل بصورة مستمرة، وإقامة شبكة من خطوط السكك الحديدية والخطوط الملاحية والشركات التجارية والبعثات الروسية على هيئة ضباط عسكريين وزيارات مسئولين وأطباء للبحث عن منفذ لهم على الخليج العربي، فكان التركيز على فتح القنصليات في مدن فارس والخليج يشكل نشاطاً دبلوماسياً مهماً اعتمدت روسيا عليه لرعاية مصالحها.

وسعت روسيا أيضاً لإنشاء خط ملاحي روسي لربط موانئ روسيا بالخليج لتقوية التبادل التجاري بين المنطقتين، بالإضافة إلى الطب الذي استخدمته روسيا ذريعة للتدخل في شؤون فارس والخليج، فأصبحت هذه المهنة مرتبطة بأمور سياسية للتأثير في سكان المنطقة، مما أثار حفيظة بريطانيا وقلقها، بخاصة أن الأطباء كانوا يرسلون التقارير السياسية الرسمية إلى الحكومة الروسية، وكان الهدف هو مضايقة الإنجليز وعرقلة الطريق البري التجاري بين الهند وخراسان للحد من انتشار التجارة الإنجليزية.

والجدير بالذكر أن بريطانيا هدفت إلى إضعاف فارس تمهيداً لزيادة السيطرة عليها، والتدخل في شؤونها، وبخاصة أن الخطر الروسي ليس خطراً عسكرياً فحسب، بل هو استعمار اقتصادي لمنطقة الشرق الأدنى، فبدأت المناورات العسكرية البحرية الإنجليزية، لاستعراض قوة البحرية البريطانية لوقف النشاط الروسي، كما بدأت في إثارة القلاقل في وجه الروس في العراق وداخل روسيا الوسطى، لتشتيت القوات الروسية، ومنعها من الاقتراب من الخليج .

وقد أسفر الصراع الروسي الإنجليزي للسيطرة على المنطقة عن فشل محاولات روسيا في تحقيق أهدافها في مختلف مناطق الخليج بما فيها المحمرة، وعن اقتسام النفوذ في فارس: شمال فارس لروسيا وجنوبها لبريطانيا.

وهكذا امتازت العلاقة بين روسيا وبريطانيا بالتصادم، وكانت الأراضي العربية مجالاً واسعاً لهذا التصادم.

وبسيطرة بريطانيا على الخليج ضمنت لنفسها امتلاك الطريق التجاري الكبير المتمثل في الخليج، وفي منطقة ما بين النهرين.

أما فرنسا التي أنشأت شركة الهند الشرقية الفرنسية سنة 1664م للتجارة، وأقامت علاقات جيدة مع العمانيين من خلال معاهدة تجارية مع سلطان مسقط سمحت لها بإقامة وكالة فرنسية تشرف على تجارة فرنسا في الشرق، كما أقامت محطة لتزويد الأسطول الفرنسي بالمياه، وفي أثناء وجود نابليون في مصر عام 1798م حاول الاتصال بسلطان مسقط إلا أن الإنجليز عرقلوا جهوده.

وجاءت خسارة فرنسا لأسطولها البحري في الإسكندرية عام 1799 كبداية لنهاية المنافسة بينهما لصالح بريطانية وسيطرتها الاستعمارية على جميع الطرق البحرية في بحر العرب, خاصة  بعد سقوط جزر موريشيوس عام 1818 وطرد الفرنسيين منها كليا, وتمثلت الإستراتيجية البريطانية الاستعمارية على المنطقة بالتحالف مع شيوخ المنطقة مقابل استمرار نفوذ بريطانيا وتجارتها فيها, . لقد رسمت الإستراتيجية البحرية البريطانية قوسا بحريا كانت الهند مركزه للسيطرة المطلقة على المحيط الهندي وبحر العرب للحيلولة دون دخول أي منافس استعماري يهدد مصالحها.

 

اليعاربة وكفاحهم ضد الاستعمار البرتغالي

كان العمانيون إحدى القوى الرئيسية التي لعبت دورا كبيرا في الصراع الدولي في منطقة الخليج العربي خلال الحقبة التاريخية ابتدأ من القرن الخامس عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر.

وكان لموقع عمان الحساس والهام اثر كبير في هذا الدور, فمن الناحية الجغرافية تطل عمان بسواحلها الطويلة على البحر العربي وخليجي عمان والخليج العربي, ولذلك كان اتصالهم مباشرا بالمحيط الهندي والسواحل الإفريقية والأسيوية .

وكان للعمانيين دور كبير في حركة التجارة والنقل بين الشرق والغرب. وقد انعكس هذا الدور على السياسة العمانية تجاه القوى الاستعمارية بشكل مختلف من قوى لأخرى كما ذكرنا من قبل.

وبسبب موقع عمان على مدخل الخليج العربي فكانوا هم أول من تلقى صدمة الاستعمار البرتغالي الشرسة في عهد القائد البرتغالي البوكر, الذي مارس أعمال السلب والتدمير والخراب في المنطقة كما سبق وذكرنا. ولم يستطع العمانيون في ذلك الوقت الدفاع عن بلادهم لأن سرعة الهدم كانت أكبر من سرعة تجميع القوى وتنظيم المقاومة فوقع عليهم هذا العدوان كالصاعقة.

وبعد أن سقطت معظم المدن العمانية الساحلية في أيدي البرتغاليين في بداية القرن السادس عشر, بدأ العمانيون في تنظيم جهودهم لإخراج البرتغاليين وقد بذلوا في ذلك جهودا كبيرة. وقد حاول العمانيون تحقيق هذا الهدف بمفردهم تارة وبمساعدة الأتراك تارة أخرى ولكن دون جدوى بسبب التفوق الكاسح للبرتغاليين في ذلك الوقت طوال القرن السادس عشر. ثم بدأ العمانيون في الاستفادة من الاحتكاك بالبرتغاليين في صناعة السفن واستخدام المدفعية وبدأت المقاومة تؤتى أثارها بالتدريج منذ أواخر القرن السادس عشر على أيدي الأئمة اليعاربة.

وكانت قبيلة اليعاربة كغيرها من القبائل العربية التي استقلت كل واحدة بمنطقتها بعد ضعف الإمامة بعمان وتغلب بني نبهان عليها. وقد اشتهر رؤساء وحكام اليعاربة بسمعتهم الدينية واهتمامهم بقضية بعث الإمامة وإعادتها إلى سابق عهدها على أساس المذهب الأباضى, وتولى ناصر بن مرشد بن مالك أبى العرب الحكم بداية من عام 1624م ولذلك سمي حكمهم باليعاربة والذي دام حتى عام 1743م.وكانت عودة الإمامة لليعاربة نقطة هامة في تاريخ عمان حيث أصبحت في زمنهم أقوى دولة في المحيط الهندي والخليج العربي ولها أملاك في سواحل الهند والجزيرة العربية وشرق أفريقيا وسواحل إيران.

نشر اليعاربة الأمن في سواحل المنطقة وكانت أساطيلهم مصدر الرعب للقراصنة. وقد أدى الاستقرار الذي نعمت به المنطقة إلى زيادة الإنتاج ووفرة المحاصيل وساهم في ذلك توقف الهجمات الاستعمارية وسيل المغامرين الأوربيين من هولندا والبرتغال وانجلترا مؤقتا بسبب الحروب التي كانت دائرة في أوروبا في ذلك الوقت. أما الجانب السلبي فقد تمثل في الأتراك والإيرانيين الذين كانوا يحاولون إضعاف أي قوة عربية وكان اليعاربة هم من وقع على عاتقهم الصمود أمام القوى الطامعة الخارجية وتعتبر دولة اليعاربة والعهود الأولى من دولة البوسعيد من أزهى عصور عمان.

حروب اليعاربة ضد البرتغاليين

تصدى الإمام ناصر بن مرشد لاستعمار الأجنبي المتمثل في القوات البرتغالية التي كانت تحتل السواحل العمانية وقواعدهم في مسقط وصحار ورأس الخيمة تسيطر على مدخل الخليج العربي والإيرانيون فى عونهم. واستطاع الإمام أحمد توحيد الجبهة الداخلية وقضى على المعارضة وواجه البرتغاليين واستولى منهم على رأس الخيمة وكانت ضربة قاسمة ثم استسلم البرتغاليون أمامه في مسقط وصحار عام 1649م على أن يدفعوا الجزية مقابل استمرارهم فى المنطقة. وبعد وفاته واصل ابن عمه الإمام سلطان بن سيف مقاومته للوجود البرتغالي حتى استطاع في 1650م أن يرغم البرتغاليون على تسليم قلعتهم التي لا تقهر ثم الرحيل عن البلاد.

وقد ساهم انتصار العثمانيين على البرتغاليين في جلاء البرتغاليين عن  باقي مراكزهم في الخليج العربي. ولم يكتفي الإمام سلطان بهذه الانتصارات التي تحققت له على البرتغاليين وإنما أخذ في مهاجمتهم فى سواحل الهند أيضا, وبعد وفاته واصل خلفاؤه بمواصلة القتال ضد البرتغاليين وكذلك الإيرانيين الذين اتفقوا مع البرتغاليين على الحرب ضد العرب. ونتيجة هذه الانتصارات فقد اتصل باليعاربة سكان شرق أفريقيا الذين كانوا يعانون من بطش الاستعمار البرتغالي, يطلبون منهم النجدة لتخليصهم من البرتغاليين, وبالفعل قام العمانيون بمساعدتهم ونجحوا في طرد البرتغاليين من شرق أفريقيا.

البوسعيد

تنسب أسرة البوسعيد الى احمد بن سعيد مستشار الامام سيف بن سلطان, الذى كان يعانى من كثرة الدسائس والاضطرابات فى اخر أيامه فاعتمد على احمد بن سعيد فى ادارة البلاد وتميزت ادارته بالحزم والقوة واليقظة. وبسبب النزاعات الداخلية بين مدعى الامامة وبين الامام سيف بن سلطان تدخلت ايران من خلال المساعدة التى طلبها سيف بن سلطان منهم ضد خصومه فكانت فرصة لايران للتدخل فى عمان وأيضا السيطرة على بعض المدن العمانية الهامة مثل مسقط والمدن المحيطة بها. وقد ازداد هذا التدخل والنفوذ الايرانى بعد وفاة الامام سيف بن سلطان.

البوسعيد و الفرس

في تلك الفترة الصعبة والحرجة تمكن احمد بن سعيد من الصمود أمام الهجوم الفارسي رغم نفاد إمداداته حتى انتهى الأمر بالصلح مقابل رحيل الفرس حتى مسقط. ثم استطاع احمد بن سعيد من محاصرة الفرس في مسقط واستطاع في النهاية طرد الفرس من مسقط وأصبح بعدها المخلص الوحيد للبلاد من شر الفرس الذين تم طردهم نهائيا في 1744م مؤسسا بذلك أسرته الحاكمة التي عرفت بأسرة البوسعيد. وبعد أن استقر الوضع في عمان بدأ احمد بن سعيد فى تأسيس جيش دائم وتأسيس قواعد قضائية واقتصادية وإدارية كان لها دور كبير في ازدهار وقوة عمان آن ذاك.

وقد  اتسمت العلاقات الفارسية بالدولة البوسعيدية بالتنافس من أجل الحصول على السيادة البحرية , فمن المعروف إن فارس قد سعت ومن خلال فترات مختلفة من تاريخها نحو تحجيم القوة البحرية العمانية . لقد واجه الأسطول الفارسي في عهد نادر شاه مشاكل عديدة منها اعتماده بالدرجة الأولى على المساعدات الأجنبية في بنائه , وكذلك افتقاره إلى وجود الخبرات المحلية المتمرسة في فنون الملاحة مما دفع بقيادة الفرس إلى الاستعانة بالبحارة العرب لقيادة هذا الأسطول.

وبعد وفاة نادر شاه خلفه في الحكم كريم خان زند الذي حاول السير على نهج سلفه نادر شاه التوسعي في منطقة الخليج العربي , ومن هذا المنطلق بعث كريم خان برسالة الى الإمام أحمد طالبا منه دفع الجزية السنوية ,متعللا بما يدعيه بتبعية عمان إلى فارس , ولكن الإمام أحمد بن سعيد رفض المطالب الفارسية باسلوب رجال السياسة المتمرسين الذين يعرفون كيفية مخاطبة التطلعات الاستعمارية, وذلك برفض المطالب الفارسية جملا وتفصيلا.

وبدء الإمام في التخطيط لاستخدام القوة التي قد يلجأ إليها عدوه وقام بالتحاف مع خصوم الفرس وخاصة الأتراك ,وبسبب ضعف منافسي الإمام وموت كريم خان , استطاع الإمام أحمد بن سعيد استعادة مركز عمان القوي في منطقة الخليج العربي , لذلك نفهم من السطور السابقة أن العلاقة ما بين الدولة البوسعيدية وفارس , علاقة عدائية من قبل الفرس الذين كانوا يطمعون في خيرات عمان , خصوصا وأن عمان أصبحت لها في ذلك الوقت قوة بحرية كبيرة.

ومع مطلع عام 1189هـ/1775م قام الفرس بالهجوم على البصرة بحجة سوء المعاملة التي يلقاها ‏الفرس والضرائب التي تفرض عليهم وهم في طريقهم إلى الأماكن المقدسة في النجف ‏وكربلاء.

 ولم تجد القبائل العربية في البصرة حرجاً من الاستنجاد بالإمام احمد بن سعيد الذي ‏وضع إمكانات بلاده تلبية لنداء أخوانه في البصرة وأعد أسطولاً . وعلى الرغم من نيران المدفعية الفارسية التي صوبت نحو العمانيين إلا أنهم قد تمكنوا ‏من دخول شط العرب في منتصف عام 1775م .‏

لقد حقق الإسطول العماني الحماية الكاملة لمنطقة شط العرب وأمن المساعدات القادمة ‏من عمان وفي أوائل عام 1776م إنسحب الإسطول العماني عائداً إلى بلاده خوفاً من ‏أن تكون فارس تعد العدة للهجوم على عمان .

لقد كان إنقاذ البصرة وأهلها من الهجوم الفارسي سبباً كافياً لتقدير العثمانيين الدور ‏العماني لذا فقد تقرر أن تمنح عمان مكافأة سنوية من خزانة البصرة وقد إستمرت هذه ‏المكافأة منذ عهد الإمام أحمد بن سعيد وحتى عهد السيد سعيد بن سلطان

علاقة البوسعيد مع القوى الأوروبية

وقد كان الصراع الدولي في تلك الفترة صراعا من أجل الحصول على مناطق النفوذ والامتيازات، وبذلك نجد الصراع الذي قام بين بريطانيا وفرنسا حول عمان ذات الموقع الاستراتيجي المميز، ومحاولة كلا منها ضمها إلى مناطق نفوذها، ولقد فطن الإمام احمد بن سعيد إلى التطلعات الاستعمارية الأوروبية ورسم سياسة خارجية لعمان ارتكزت على مبدأ الحياد وتميزت العلاقة الفرنسية البريطانية بالاستقرار، إلا أن هذا الاستقرار تعرض لبعض الهزات وخاصة عندما نشبت حرب السنوات السبع (1756-1763م) بين البلدين، في هذه الفترة حدث نوع من الاضطراب في المياه العمانية .

والجدير بالذكر أن الإمام احمد بن سعيد كان أول من بدأ بالتعامل التجاري مع فرنسا في جزيرة مورشيوس التابعة للسلطة الفرنسية وبعض المستعمرات الفرنسية الأخرى حيث كانت السفن العمانية تذهب محملة بالسكر وتعود محملة بالسمك المملح والبن، ونتيجة للتطورات التجارية بين عمان والمستعمرات الفرنسية في المحيط الهندي في تلك الفترة، أبدى الإمام أحمد بن سعيد رغبته في أن ينشئ الفرنسيون وكالة تجارية في ميناء مسقط دون مقابل .

وكانت طبيعة العلاقة بين فرنسا وعمان طبيعة تجارية, وقد أدرك الإمام احمد بن سعيد أهمية الصداقة الفرنسية, ورغم تعرض هذه العلاقات إلى التوتر في عهد سعيد بن ناصر بسبب بعض أعمال القرصنة من قبل السفن الفرنسية. وقد بلغت العلاقات الفرنسية العمانية ذروتها عندما اقترحت فرنسا  تعيين وكيل دائم لها في مسقط, ولكن لم ينفذ هذا الاتفاق رغم ترحيب الجانب العماني بسبب الثورة الفرنسية التي قضت على النفوذ الفرنسي في الشرق الأدنى. ثم أصدرت فرنسا بعد مرور الثورة مرسوم بتأسيس قنصلية في مسقط ولكن وقفت انجلترا بالمرصاد لإفشال كل المساعي الفرنسية الهادفة للتقارب مع العمانيين.

أما على الصعيد البريطاني، فعندما نزلت حملة نابليون بونابرت على مصر وكانت تستهدف الإنجليز في الهند، استغلت بريطانيا مشاعر المسلمين ضد الحملة الفرنسية على مصر لمنع فرنسا من التغلغل في عمان والخليج وبالفعل تمكن الانجليز من توقيع معاهدة بين سلطان بن احمد حاكم مسقط وبين شركة الهند الشرقية الانجليزية في 1798م. وقد تضمنت هذه المعاهدة نصوص من شأنها تقوية العلاقات بين عمان وبريطانيا للقضاء على النفوذ الفرنسي والهولندي. وأهمية هذه المعاهدة أنها أول معاهدة تعقدها انجلترا مع حكام عرب الخليج وتتسم بالطابع السياسي .  

 

وتحت حجة منع تجارة الرقيق أبرمت بريطانيا مع البو سعيد معاهدة أخرى في 1802م تعهد فيها بإيقاف تجارة الرقيق، ثم معاهدة تجارية في عام 1839م.

وفيما يبدو أن الأوضاع الداخلية كانت وراء قبول العمانيين للموافقة على هذه المعاهدات رغبة في العون البريطاني المدعم لفريق على حساب الأخر أثناء الصراع الداخلي العماني. وقد ثار الشعب العماني في 1808م ضد هذه المعاهدات مع بريطانيا وحقق قدر من النجاح بتقليص هذه العلاقات ولكنها لم تكن بالقوة التي تستطيع أن تقطع تلك العلاقات نهائيا.

ورغم المعاهدات التى أبرمها العمانيون مع القوى الاستعمارية المختلفة الا أن أبرز هذه المعاهدات وأكثرها فاعلية هى المعاهدات مع فرنسا التى كانت تعكس سياسة عمان فى الحفاظ على علاقات طيبة مع فرنسا لاضعاف ومواجهة النفوذ البريطانى الذى كان واضحا قوته وتركيزه على منطقة الخليج . ولكن بعد هزائم فرنسا أمام انجلترا فقد انفردت بريطانيا فى الميدان دون منازع فكان السعى للتقرب العمانى مع انجلترا من أجل حاجة البوسعيد الى قوة كبيرة تسانده فى مشاكله الداخلية وتحقيق طموحاته فى السيطرة على الخليج العربى والبحرين.

 

وقد أطلقت تسمية القواسم أو ( الجواسم ) بشكل عام على كل القبائل القاطنة في المنطقة الواقعة ما بين رأس مسندم شمالا و أبوظبى جنوبا, التي كانت تخضع في ولائها إلى شيخ القواسم. وبعض الآراء تشير إلى أن القواسم قبائل وفدت من العراق بعد هجرتها من أواسط الجزيرة العربية. وهناك أراء أخرى متعددة ولكن بعيدا عن اختلاف الآراء حول أصل القواسم إلا أنها جميعا أجمعت على أنها عربية الأصل, وأن هذه القبائل استطاعت منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر السيطرة على جزء كبير من مدخل الخليج العربي ومن رأس مسندم إلى دبي.

وبالفعل شكل القواسم إحدى أهم القوى البحرية في الخليج العربي خلال تلك الفترة وبدايات القرن التاسع عشر. وهى الفترة التي شهدت ازدياد الهيمنة البريطانية في الشرق بصفة عامة على باقي منافسيهم من القوى الأوروبية.

وامتد نشاط القواسم البحري إلى بحر العرب والبحر الأحمر وسواحل الهند الغربية. ويعتبر الزعيم رحمة بن مطر (1722 – 1760 م) هو أقوى وابرز زعماء القواسم تذكره المصادر .

وقد اصطدم القواسم بالبوسعيد في نهاية النصف الأول من القرن الثامن عشر أثناء الاضطراب الداخلي والحرب الأهلية في عمان عندما احتدم الصراع بين أحمد بن سعيد وبلعرب بن حمير وفى هذا الصراع وقف القواسم في صف بلعرب بن حمير , الأمر الذي دفع احمد بن سعيد بعد أن انفرد بحكم عمان , أن يحاول أن يخضع القواسم ودخل معهم في اشتباكات عسكرية حققت له بعض الانتصارات ولكنها لم تكن حاسمة ومحققة للغرض بسبب المشاكل الداخلية في عمان, الأمر الذي خدم القواسم في ذلك الوقت.

مقاومة الفرس

ورغم الخلاف وأحيانا الصراع بين القواسم والبوسعيد إلا أنهما قد تعاونا معا لمقاومة الأطماع الاستعمارية في المنطقة .

فقد تعاون القواسم مع العمانيين لمقاومة الأطماع الفارسية التي تمثلت في تهديدات الفرس بقيادة كريم خان للساحل العربي في عام 1772م . وأمام هذه التهديدات المتكررة تعاون الشيخ راشد بن  مطر مع إمام عمان مرة أخرى في 1775م مع القواسم ضد الفرس وهاجموا ميناء بندر عباس وقاموا بتدمير سفينتين فارسيتين ومخزن للذخيرة.

وقد سعى القواسم إلى تحرير الساحل الشرقي والجزر القريبة منه من الاحتلال الفارسي, وفور سقوط الدولة الصفوية في 1722م قام الشيخ راشد بن مطر بالاستيلاء على باسيدو في جزيرة قشم عام 1726-1727م وجعلها قاعدة تجارية كبرى كان لها اكبر الأثر على عوائد ميناء بندر عباس والفوائد المتأتية منه.

وبسبب نشاط القواسم في الخليج العربي وسيطرتهم على بعض المراكز الهامة فيه بدا الانجليز في الانتباه إلى هذا الخطر المحلى الذي يهدد مصالحهم الاستعمارية في المنطقة.

فعلى سبيل المثال فان الانجليز كانوا يحصلون على نصف إيرادات ميناء بندر عباس, وبعد موت نادر شاه في عام 1747م وتدهور  البحرية الفارسية بدا القواسم يمارسون نفوذا كبيرا يمهد لبسط سيادتهم على مسرح الأحداث بشكل بارز.

ويجب الإشارة هنا إلى أحد العوامل الهامة التي ساعدت العرب والقواسم بشكل كبير في تفوقهم على الفرس, وهو اعتماد الفرس على البحارة العرب في اسطولهم بسبب قلة خبرة الفرس من ناحية ومهارة العرب في النشاط البحري من جهة أخرى, الأمر الذي أستغله العرب في الانتفاضة ضد الفرس وقت الأزمات الفارسية سواء الداخلية أو الخارجية.

حدث أخر هام في تلك الفترة وهو علاقة المصاهرة التي نشأت بين قائد الأسطول الفارسي (ملا شاه) , الذي أصبح لديه اسطول خاص, وبين القواسم من خلال زواج ابنة ملا شاه بالشيخ رحمة بن مطر القاسمى. فقد كانت لهذه المصاهرة أهمية كبرى حيث كانت بداية لتحالف هذا القائد مع القبائل العربية النشطة في المنطقة, وأصبح بمقدور القواسم الاستفادة من هذا الأسطول الخاص بملا شاه واستخدامه ضد خصومهم ومنافسيهم في الخليج العربي, فقد ازدادت قوة القواسم بشكل كبير في تلك المرحلة كما ازدادت قوة الملا شاه أمام منافسيه في فارس حتى استطاع تحرير جزيرة هرمز واتخاذها حصنا له.

وفى عام 1777م تولى صقر بن راشد زعامة القواسم وهو الذي يعرف بأنه مخطط النهضة القاسمية الحديثة, فقد عزز قوته بعدة تحالفات مع قوى وقبائل عربية عديدة .

وقد أشارت التقارير البريطانية إلى خطر اسطول القواسم, الذي بلغ في بداية القرن التاسع عشر, ثلاث وستون سفينة كبيرة غير عدد السفن الصغيرة, وهى القوة التي ستمكنه ليس فقط من الاستمرار في التوسع ولكن أيضا في مد نفوذه إلى مناطق تمثل لبريطانيا أهمية قصوى في استمرا إمبراطوريتها في الشرق. وشكل ذلك مكمن الخطر لبريطانيا, التي بدأت تنظر إلى القواسم بعين العداء.

ومنذ ذلك الوقت وبريطانيا تنتظر الفرصة المناسبة للقضاء على هذا الخطر الجديد , وجاءتها الفرصة بعد تمكنها من إنهاء المنافسة  الاستعمارية بينها وبين فرنسا لصالحها, كما استغل الانجليز حالة العداء التي كانت قائمة بين سلطان عمان والقواسم, فاستعانوا بسلطان عمان لتدمير القواسم.

وجاءت الفرصة عندما طالب الزعيم القاسمى حسين بن على حكومة بومباي بدفع ضريبة على السفن البريطانية المارة في الخليج, الأمر الذي استفز البريطانيين .

الحملات البريطانية على القواسم

في أوائل عام 1809م أصدر الحاكم العام للهند أوامره إلى حاكم بومباي بالإعداد لحملة عسكرية هدفها تدمير كل السفن الحربية التابعة للبحرية القاسمية مع محاولة تجنب الاشتباكات البرية معهم.

وبالفعل انطلقت هذه الحملة في نفس العام من ميناء رأس الخيمة مع إعطاء الأوامر للمقيم البريطاني في مسقط بإقناع سعيد بن سلطان حاكم عمان بتقديم الدعم لهذه الحملة وتأمين حصولها على المرافق والإمدادات.

وكانت بريطانيا فى طلبها الدعم من البوسعيد تؤكد على أن هذه الحملة هدفها مساعدتهم ضد القواسم.

وابرز ما يمكن ملاحظته في ذلك الوقت أن نية بريطانيا كانت مبيتة للقضاء على القوة الأساسية للقواسم وهى القوة البحرية, فقد كانت أهم الأوامر لقيادة الحملة هي محاولة التوصل إلى اتفاق مع القواسم, بعد تدمير اسطولهم بالطبع, على عقد معاهدة معهم بالتأكيد ستكون معاهدة فرض الشروط والاستسلام وليس معاهدة طرفين متكافئين.

كما كانت بريطانيا تهدف أيضا إلى عزل القواسم عن الوهابيين لكي يسهل ضربهم من ناحية وعدم إيصال العلاقات الانجليزية الوهابية لمرحلة العداء الصريح لما يمثله ذلك من خطر على المصالح البريطانية في المنطقة.

أما عن موقف سلطان بن سعيد من الحملة البريطانية ومطالبها, فلم يكن متحمسا وكان متشائما من نتائجها ربما بسبب الهزيمة التي لاقاها على يد قوات القواسم قبل وقت قليل.

وقد تحركت الحملة البريطانية واشتبكت مع قوات القواسم, التي استبسلت وقاومت تلك الحملة بشكل كبير أنهك قوى الانجليز.

ووجد قائدي الحملة البريطانية أن المقاومة العنيدة للقواسم لن تأتى بنتائج حاسمة فلجئوا إلى إحراق المدينة ( رأس الخيمة )وأوقع البريطانيين أشد الانتقام بالمدينة ومارس الجنود الانجليز السلب والنهب, كما أحرقوا السفن الراسية في الميناء.

ورغم حرق المدينة والعنف البريطاني إلا أن الأوامر قد صدرت إلى الحملة بالانسحاب بأقصى سرعة بسبب ما تردد عن وصول قوة عربية كبيرة تقترب من المدينة. وبدا القواسم يجمعون أنفسهم أثناء انسحاب الحملة ملوحين بالقتال ورافضين الاستسلام الذي كان يسعى إليه الانجليز.

فتوجهت الحملة البريطانية إلى الشمال قاصدة ( لنجة ) الميناء القاسمى المزدهر على الجانب الشرقي من الخليج العربي, ولم تلق الحملة أية مقاومة حيث أن سكان المدينة قد انسحبوا إلى المرتفعات القريبة منهم, فدخل الجنود البريطانيون المدينة الخالية وقاموا بإحراقها وتدمير سفنها.

عند هذه النقطة من الاشتباكات بين الحملة البريطانية والقواسم جرى الاتفاق مع حاكم مسقط لتنظيم هجوم مشترك على باقي المدن والقلاع القاسمية.

وبسبب الهجوم المكثف على معظم المراكز والموانئ التابعة للقواسم والتي تمت في وقت واحد اضطر القائد العربي (الملا حسين) إلى الاستسلام وترك جزيرة قشم إلى احد شيوخ بني معين وهو حليف لحاكم مسقط فأصبحت من ممتلكاته.

وأكملت الحملة بمعاونة القوة البحرية العمانية مهاجمة باقي مراكز القواسم.

ورغم تدمير الكثير من دفاعات القواسم وشدة القصف من الجانب الانجليزي لقلاع ومراكز القواسم إلا أن مقاومتهم كانت قوية بشكل ملفت للنظر ولم يستطع الانجليز, رغم تفوقهم العسكري, تحقيق أهدافهم بشكل كامل. وبسبب استمرار تلك المقاومة الباسلة كان عقد معاهدة معهم من قبل الانجليز أمر غير وارد.

وبذلك فشلت الحملة البريطانية في تحقيق أهدافها, وكل ما حققته هو إيقاع الدمار ببعض الموانئ القاسمية وحرق بعض السفن.

أعتقد البريطانيون أن الضربة القاسية التي تعرض لها القواسم على أيدي الحملة السابقة جعلتهم غير قادرين على مواصلة نشاطهم البحري ومهاجمة السفن البريطانية مرة أخرى.

ولكن ما حدث هو العكس فأقتصر انجاز هذه الحملة على مجرد إعاقة نشاط القواسم مدة قصيرة فحسب. وما لبث أن استعادوا نشاطهم مرة أخرى بل وبشكل كبير واستطاع القواسم تعويض خسائرهم في السفن التي فقدوها على أيدي الانجليز ومنذ عام 1820م ازدادت قوتهم حتى أصبحوا من جديد أقوى قوة بحرية على طول خط الملاحة في الخليج العربي.

وعادت تقارير الحاكم البريطاني في بومباي تحذر من تزايد نشاط القواسم, الذي لو استمر على ما هو عليه سيتمكن من السيطرة المطلقة على الخليج العربي مما سيعرض مركز بريطانيا إلى خطر أكيد. فأعد البريطانيين حملة من عدة سفن وأرسلوها لإنذار زعيم القواسم بوقف نشاطه, ورفض القواسم الإنذار البريطاني وهاجمتهم السفن البريطانية ولكنها فشلت في إخضاع القواسم الأمر الذي أدى إلى ازدياد نشاطهم.

وقد دفع ذلك بريطانيا إلى إبقاء قوة بحرية دائمة في المنطقة وإتباع نظام الحراسة لقوافل سفنها التجارية.

ثم تطور الوضع ودخلت بريطانيا مع القواسم في صراع عنيف من خلال القطع البحرية للطرفين أكثر من ثلاث سنوات شمل سواحل الخليج العربي والهند.

ولم يجد البريطانيين سوى الإعداد لحملة عسكرية كبرى لتحطيم هذا الخطر وهذه القوى الكبرى. وجاءت الفرصة بعد انهيار الدولة السعودية الأولى على القائد الألباني محمد على, وبسقوطها فقد القواسم الحليف القوى الذي كان يمنع بريطانيا من توريط نفسها في حرب في الجزيرة العربية . ومنذ عام 1819-1820م بدأت المرحلة الحاسمة في الصراع بين القواسم وبين البريطانيين.

وفى نهاية عام 1918م حشدت بريطانية حملة عسكرية ضخمة توجهت إلى الخليج العربي وليس أمامها سوى هدف واحد هو تدمير أسطول القواسم مهما كانت نوعية سفنه وتدمير كل مستودعات القواسم العسكرية والبحرية في موانئ ساحل عمان.

وقد حصلت بريطانيا على تعهد حاكم مسقط سعيد بن سلطان بمرافقة تلك الحملة بنفسه مع فرقة عسكرية من مسقط بهدف القضاء على القواسم نهائيا.

ورغم الاستبسال من القواسم إلا أن التفوق هذه المرة كان واضحا وحاسما من قبل الانجليز, وبعد خمسة أيام من القتال دخلت القوات البريطانية رأس الخيمة ثم توالت المراكز القاسمية الأخرى السقوط أمام القوات البريطانية وتم أسر القائد القاسمى حسين بن على. ودمرت القوات البريطانية المدن القاسمية حتى أصبحت خرابا.

وأجبر القواسم على قبول المعاهدة التي عرفت بالمعاهدة العامة في يناير 1820م. وقد تألفت هذه المعاهدة من إحدى عشر مادة بمقتضاها أصبح لدى البحرية البريطانية حقا مشروعا في السيطرة على تحركات السفن العربية.

وبمقتضى هذه المعاهدة تغير اسم الساحل العماني إلى الساحل المهادن وأدخلته بريطانيا في دائرة نفوذها بشكل مباشر ومطلق.

وبهذه المعاهدة, وما أعقبها من معاهدات أخرى عقدتها بريطانيا مع الأطراف الأخرى, انهار النشاط البحري للقواسم وغيرهم من قبائل ساحل عمان.

وبذلك استطاعت بريطانيا أن ترسخ هيمنتها على المنطقة.

السعوديين

وصلت طلائع السعوديين إلى ساحل الخليج العربي في عهد الإمام محمد بن عبد العزيز بن محمد بن سعود في الربع الأخير من القرن الثامن عشر وبدئوا في الاستقرار هناك.

ومن الثابت أن اهتمام أل سعود بساحل الخليج العربي يرتبط بجهود الشيخ محمد بن عبد الوهاب قائد دعوة الإصلاح التي استقطبت الكثير من القبائل إلى جانب أل سعود, الأمر الذي غير موازين القوى في المنطقة لصالح أل سعود. وتذكر المصادر أن أهل الإحساء كانوا من أوائل المؤيدين للوهابيين وهم الذين بايعوا الأمير سعودا على السمع والطاعة.

وقد بدا اهتمام أل سعود بساحل الخليج العربي من سهول الإحساء حيث أن حكامها (بنو خالد) قد ناصبوا العداء للدولة السعودية فترة كبيرة, وقاموا بغزوها عدة مرات, وهو الأمر الذي حفز آل سعود لنشر الدعوة الإصلاحية في شرق الجزيرة العربية التي كانت تسودها مذاهب لا تتفق مع مع مبادئ الدعوة الوهابية.

وقد حظيت المنطقة الشرقية باهتمام أل سعود لثروتها الزراعية إضافة إلى أهميتها الإستراتيجية . وبالفعل انتصر أل سعود على قبيلة بني خالد وتوسع في الإحساء ثم القطيف وبذلك نجحت الدولة السعودية في الوصول إلى البحر.

وقد أثار توسع أل سعود, خاصة في المنطقة الشرقية, القوى الخارجية التي لها مصالح في الخليج. وأبرز تلك القوى شركة الهند الشرقية البريطانية والدولة الفارسية, خاصة وأن الدولة السعودية الفتية أصبحت ذات حدود مع بقية إمارات الخليج.

وقد شجعت نجاحات أل سعود السابقة ودفعتهم إلى التطلع إلى جبهات الخليج العربي فتمكنوا من الاستيلاء على قطر التي أصبحت جزءا من الدولة السعودية الأولى, ثم حاولوا بسط نفوذهم على الكويت, ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك في تلك المرحلة.

وكانت كل من الدولة الفارسية والدولة العثمانية تنظران إلى الدولة السعودية بعين الحسد على المكاسب الكبيرة والسريعة التي حققتها في المنطقة وهو الأمر الذي دفعهما معا إلى مساندة ودعم حاكم  مسقط سلطان بن احمد البوسعيدى وتشجيعه على مناوئة آل سعود, وأغروه بتقديم المساعدة والدعم. وقد حاول حاكم مسقط الاتفاق مع أمير مكة ضد أل سعود, ولكن جاءت هذه المحاولة متأخرة حيث قد انتقلت السيادة إلى مكة الأمر الذي أدى في النهاية الى رضوخ حاكم مسقط إلى الدولة السعودية بعد الاتفاق على قيامه بدفع الجزية السنوية للدولة السعودية.

كما أحدثت انتصارات الدولة السعودية ردود فعل متباينة من قبل القوى الاستعمارية: فالفرس اهتموا باستيلاء السعوديين على الإحساء بسبب انتهاء حكم بنو خالد الذين كانوا مرتبطين بعلاقات حميمة مع الفرس ومذاهبهم الدينية. وقد ظلت الدولة الفارسية في دعمها للسلطان العماني في مواجهة آل سعود حتى تم القضاء على الدولة السعودية الأولى من قبل القائد الألباني محمد على, ليشكل ذلك شعورا بالطمأنينة لدى الحكومة الفارسية حيث رأت أنه في زوال دولة فتية, كادت أن تنجح في توحيد منطقة الخليج برمتها, مصلحة لها.

أما بريطانيا فقد انتهى التنافس بينها وبين فرنسا على عمان في صالحها من خلال الاتفاقيات التي عقدتها مع سلطان مسقط, والتي كانت في حقيقة الأمر موجهة ضد التوسعات السعودية في المنطقة.

ويجب الإشارة هنا إلى الصدام بين الانجليز والقواسم, الذين ازداد نشاطهم ونفوذهم في الخليج العربي والمعروف أن القواسم كانوا حلفاء لآل سعود. وحاولت بريطانيا أن تتعامل مع القواسم على أنهم مستقلين عن السعوديين, ولكن كما ذكرنا من قبل أن الانجليز كانوا دائما يضعون في حساباتهم أل سعود في تعاملهم مع القواسم خشية التورط في حرب في المنطقة.

والحقيقة أن أن بريطانيا كانت مدركة لقوة آل سعود في المنطقة, وفى نفس الوقت لم تكن ترغب في تنامي هذه القوة. أما الدولة العثمانية فقد كان وصول قوات سعود بن عبد العزيز إلى الإحساء بمثابة الصدمة لحاكم بغداد العثماني, وقد حدثت بين الطرفين العديد من الصدامات والمعارك انتهت بالصلح, ثم التوتر حتى سقوط الدولة السعودية الأولى .

الدولة السعودية الثانية

بعد سقوط الدولة السعودية الأولى استطاع بنو خالد استعادة الإحساء وبسطوا نفوذهم عليها حتى اشتعلت الاشتباكات مرة أخرى بينهم وبين السعوديين حتى جاء الإمام تركي بن عبد الله الذي استطاع الانتصار على بني خالد وضم الإحساء مرة أخرى إلى الدولة السعودية الثانية, ثم بايعه أهل القطيف مجددين ولائهم له ثم وفد إليه زعماء القبائل في رأس الخيمة , وبدأت الدولة السعودية الثانية بمد نفوذها مرة أخرى على عمان والعديد من مناطق الخليج. وقد بذل الإمام فيصل بن تركي جهودا كبيرة للاتفاق مع العديد من حكام إمارات الخليج متخذا سياسة الحلول السلمية تارة والعسكرية تارة أخرى.

ولم تترك بريطانيا الدولة السعودية الثانية تزداد قوة ونفوذ في المنطقة فأخذت تعمل على التدخل في علاقة السعوديين بالحكام العرب في الخليج, فكانت تستغل الخلافات بين السعوديين وبعض القبائل لتدعم هذا الخلاف مثلما حدث مع حاكم البحرين بوقوفها إلى جانبه وتدعيمه ضد الدولة السعودية.

أما بالنسبة للدولة العثمانية فتشير بعض المصادر إلى أن الإمام فيصل بن تركي وافق على تبعيته للدولة العثمانية بشكل اسمي فقط. وبريطانيا كانت سياستها تجاه الإمام فيصل تسير وفق مصالحها في الخليج العربي.  

فقد كانت سياسة بريطانيا تعارض بشدة أى دولة قوية تحاول مد نفوذها في الخليج وساحل عمان, وقد حدث ذلك مع الدولة السعودية نفسها حيث كانت تقف بريطانيا ضدها وعملت على الحيلولة دون استيلاء الإمام فيصل على مسقط وصحار ووقفت بجانب حاكم البحرين كما ذكرنا من قبل.

وقد توسعت الدولة السعودية الثانية وضمت واحة البريمى, وظل السعوديون الموحدون على براعتهم في استقطاب القبائل العربية في شمال عمان والساحل المتصالح, وحاولت بريطانيا تأليب القبائل العربية على آل سعود.

وقد استمرت سياسة الدولة السعودية في محاولة تحقيق التضامن مع القبائل العربية رغم عدم رضا بريطانيا عن هذه السياسة. وبرز التفوق السعودي بمد سيطرته على مسقط وشيخ البحرين والبونعيم والقواسم . وواجهت بريطانيا ذلك بعدم الاعتراف بأي سيادة سعودية على مشيخات الخليج العربي. وقد اتسمت الفترة بين 1853-1865م بتركيز الإمام فيصل لسياسته بتثبيت سلطاته في البريمى والإحساء ومناطق عديدة داخل عمان .

وقد خلف الإمام فيصل ابنه الأمير عبدا لله بن فيصل والذي تذكر المصادر انه كان يعتبر نفسه من رعايا الإمبراطورية العثمانية.

وعقد الأمير عبد الله بن فيصل سلسلة من الاتفاقيات مع الحكومة البريطانية شملت مسقط والبحرين والإمارات المتصالحة, وتركزت هذه الاتفاقات في معظمها على عدم إلحاق الأذى أو الضرر بالرعايا البريطانيين المقيمين في الأراضي الواقعة تحت سيطرة الأمير عبدا لله بن فيصل, وعدم مهاجمة القبائل المتحالفة مع الحكومة البريطانية.

وقد تدخلت بريطانيا أيضا لتشعل من الخلاف الداخلي بين الأمير عبدا لله بن فيصل وأخيه سعود بن فيصل حتى انقسمت نجد إلى قسمين مما أدى إلى تدخل القوى الاستعمارية وهى بريطانيا والدولة العثمانية .

الدولة السعودية الثالثة

بذل الملك عبد العزيز آل سعود جهودا كبيرة في توحيد الجزيرة العربية ونقل مجتمعاتها البدوية والقبلية إلى نظام يتسم بالاستقرار والقوة تحت راية مركزية وطنية قوية على أجزاء الجزيرة وسواحل الخليج العربي. وكما ذكرنا من قبل فان بريطانيا لم تكن راضية عن نشوء الدولة السعودية التي نافستها في الخليج وبسطت سيطرتها عليه خلال المرحلة الأولى والثانية.

وفى عام 1901م قام الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل بتجديد الدولة وظل يواصل بسط نفوذ آل سعود في المنطقة, فقام المندوب البريطاني في البحرين بتحذيره من أي تدخل في شئون ساحل عمان.

والواقع أن سياسة عبدا لعزيز آل سعود كانت ترمى إلى إقامة علاقات ود وتفاهم مع البريطانيين من جانب , والسعي لطرد العثمانيين من الإحساء والقسيم من جانب أخر.

وقد امتدت سيطرة آل عبد العزيز آل سعود على جميع مناطق الربع الخالي حتى جنوب الرياض, ومن الشرق امتدت حدوده إلى الإحساء. وكان الأتراك يرغبون في إبقاء نجد بعيدة عن آل سعود, وقاموا  أيضا بإشعال الفتن والعداءات الداخلية للسعوديين, ولكن  استطاع الملك عبد العزيز تحقيق عدة انتصارات وتهدئة القبائل والسيطرة على ساحل الخليج العربي بأكمله من الكويت حتى البحرين.

وأمام هذا النجاح للدولة السعودية عقدت كل من انجلترا والدولة العثمانية اتفاق في 1913م تنسحب بموجبه تركيا من قطر في رسالة إلى الملك عبد العزيز بعدم التطلع إليها. وتشير المصادر إلى أن الملك عبد العزيز لم يهتم بهذا الاتفاق بسبب انشغاله مع العثمانيين الذين عقد معهم اتفاق عام 1914م بمقتضاه أعترف عبدا لعزيز آل سعود بالسيادة العثمانية على نجد والإحساء وبتعينه والى عثماني على نجد طيلة حياته على أن يرثه في الحكم أولاده.

وقد استمرت الخلافات بين العثمانيين وبين الانجليز بشأن الحدود الشرقية لنجد دون حل حتى بداية الحرب العالمية الأولى.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن سياسة بريطانيا تجاه الأمير عبد العزيز آل سعود طوال فترة الحرب العالمية الأولى كانت تسير نحو تحقيق مصالحها بالدرجة الأولى في الخليج العربي, ولكن الأمير السعودي كان منتبها لذلك. فقد أدرك الأمير عبد العزيز أن السياسة البريطانية تهدف إلى تقسيم الجزيرة العربية فسارع إلى تشديد حصاره على حائل ليفوت الفرصة على بريطانيا, التي كانت ترى أنه إذا تمكن عبدا لعزيز من ضم حائل وتلك المناطق التي يسعى إليها فسوف يشكل هذا تهديدا مباشرا لمصالحها في الخليج العربي.

وأخذت بريطانيا على إثارة مشاكل الحدود للدولة السعودية فتم وضع منطقة محايدة بين الكويت ونجد. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تخطيط الحدود السعودية الكويتية يعتبر نموذجا يحتذي به في منطقة الخليج, وقد ساعد على نجاحه العلاقات الأسرية القديمة بين آل سعود وال صباح التي اتسمت بالوئام والود.

ويجب الإشارة أيضا إلى اهتمام الملك عبد العزيز بواحة البريمى و وبعد قضائه الفترة 1902-1925م في تثبيت دعائم حكمه, فقد استغل استنجاد أهل البريمى بالأمير عبدا لله بن جلوى أمير الإحساء الذي بعث بقوة إلى البريمى حتى استطاع جمع الزكاة من البريمى حتى1929م.

وتجدر الإشارة إلى موقف بريطانيا والدولة العثمانية من خلال الاتفاقية التي تمت بين تركيا وبريطانيا في 1913م, والتي كانت  قد تعرضت لحدود نجد الجنوبية, حيث يمتد خط الحدود طبقا لذلك من جزيرة الردفونية جنوب العقير إلى الربع الخالي, ويفصل هذا الخط نجد عن شبه جزيرة قطر والإمارات ( المتصالحة ) وعجمان ومسقط, وكانت جميعها خاضعة للنفوذ البريطاني, غير أن المملكة العربية السعودية لم تعترف بهذه الاتفاقية فيما بعد مستندة إلى أن الاتفاقية نفسها لم تبرم حتى قيام الحرب العالمية الأولى والتي أصبحت فيها الدولة العثمانية خصما لبريطانيا.

وقد نظرت المملكة العربية السعودية أيضا إلى هذا النزاع باعتبارها صاحبة حق في السيادة على المنطقة المتنازع عليها بحكم ولاء القبائل لها فضلا عن الحق التاريخي, وأن تاريخ الحكم السعودي في عهده الأول و الثاني يشير إلى أنه كان حركة مضادة لحكم العثمانيين, وبالتالي فان السعودية المعاصرة ليست من ورثة الدولة العثمانية, وهى – أي السعودية – غير ملزمة بأي اتفاق تكون قد عقدته الدولة العثمانية مع أطراف أخرى على نحو ما سبقت الإشارة إليه سابقا.

وهكذا نجد أن القوى العربية في منطقة الخليج العربي كان لها دور كبير في مقاومة القوى الاستعمارية العاتية في المنطقة , كما تنوع أسلوب المقاومة من قوى عربية لأخرى ما بين الأسلوب السياسي والديني والعسكري. وقد ساهمت هذه القوى العربية بشكل كبير في مجرى الإحداث على المستوى المحلى والأقليمى وأيضا العالمي.

 

سبب أهمية الخليج العربي

ترجع أهمية الخليج العربي التجارية لموقعه الجغرافي الذي ساهم في التجارة العالمية عبر العصور. فهو يقع في قلب العالم القديم ويسيطر على الطرق البحرية التي تربط بين الشرق والغرب. وكان الخليج العربي أحد المنافذ البحرية للمحيط الهندي، مما جعله حلقة وصل بين الهند والدول التجارية المستوردة لمنتجاتها في الغرب. وقد أدى التجار العرب دور الوسطاء في نقل هذه التجارة؛ كما كان عرب الخليج يمتازون بالملاحة البحرية ويعملون في الصناعة التقليدية البدائية والزراعة البسيطة التي كانت تغطي الحاجات المعيشية في تلك الفترة.

استمر العرب في نقل التجارة التقليدية؛ كما استفادوا من تجارة العبور (الترانزيت) بين المحيط الهندي والبحر المتوسط مروراً بالخليج العربي والبحر الأحمر. وتركزت التجارة في كل من مملكة هرمز العربية وعمان والبحرين والبصرة، إلى أن جاء الاستعمار البرتغالي وسيطر على الطرق والمراكز التجارية منذ عام 1507 حتى تحرير مسقط سنة 1650م.

وقد تحولت جهود عرب الخليج من النشاط التجاري إلى مقاومة الاستعمار البرتغالي طيلة فترة الاحتلال حتى التحرير، حيث أعقب ذلك الدخول في منافسة مع استعمار آخر جاء أيضاً من أوربا، ألا وهو الاستعمار الهولندي والبريطاني.

وانتقل النشاط التجاري في الشرق في بداية القرن السابع عشر من البرتغاليين إلى الشركات الأوربية الهولندية والبريطانية دون أن يمر عبر العرب.

ففى القرن السابع عشر عندما انقلب الميزان التجاري الذي كان لا يزال لصالح الشرق فصار لصالح الدول الصناعية، وذلك لعدة أسباب، منها: سقوط الأساليب التجارية التقليدية المتمثلة في تجارة المضاربة و”الترانزيت” التي استمرت طوال فترة الوجود البرتغالي الذي تكيف مع تلك الأساليب التجارية العربية، ولم يدخل البرتغاليون أية أنظمة جديدة في الحركة التجارية التي وصلت إلى حدود التشبع مع بداية القرن السابع عشر.

 وفى ذلك الوقت بذل التجار البريطانيون جهوداً وقاموا بمحاولات عديدة للسيطرة على المراكز التجارية في الخليج العربي لتحقيق مصالحهم من جهة وخدمة اقتصاد بلادهم من جهة أخرى. ونظراً لازدياد النشاط التجاري الذي يدفع بالهيمنة السياسية إلى أن تجلب معها القوة العسكرية للحفاظ على تلك المصالح الاقتصادية، اتجهت دول أوربا إلى استعمار المشرق. ويمكن القول بأن المصالح الاقتصادية مع ضعف القدرة الدفاعية للشرق دفعت الشركات الأوربية إلى أن تتحول إلى دول استعمارية لحفظ مصالحها في المنطقة.

أما اقتصاد الخليج العربي فقد اعتمد أساساً على البحر في صيد اللؤلؤ والأسماك والتجارة، بالإضافة إلى أنشطة اقتصادية أخرى مثل الرعي والزراعة المحدودة في الواحات والتجارة البرية والصناعات الحرفية التقليدية مثل صناعة السفن والجلود والخيام. واحتلت التجارة البحرية مكاناً بارزاً في اقتصاديات المنطقة، مع استخراج اللؤلؤ وتجارته.

اعتبر سكان الخليج العربي الصحراويون البحر الرئة التي يتنفسون بها، والأساس الذي يعتمدون عليه كل الاعتماد ويسخرونه لخدمتهم. وتذبذب النشاط البحري لسكان المنطقة بين مد وجزر، وبين فترات ازدهار وضعف وانكماش، نتيجة لتدخل الاستعمار البريطاني. ومارس سكان المنطقة عدة أنشطة بحرية، أهمها: 1 – بناء السفن؛ 2 – صيد اللؤلؤ؛ 3 – صيد الأسماك؛ 4 – النقل البحري والنشاط التجاري.

اللؤلؤ

عُرفت تجارة اللؤلؤ منذ القدم في الخليج العربي، وكانت من أول النشاطات الاقتصادية التي كانت مبنية أثناء الثورة التجارية الأولى على أسس شبه رأسمالية. ولكن الانحسار الاقتصادي المتمثل في انهيار تجارة المضاربة التقليدية وازدياد الطلب العالمي على اللؤلؤ وخاصة في أوربا أديا معا إلى بروز القيمة العالية لهذه السلعة.

وتؤكد المصادر التاريخية والجغرافية التي اهتمت بأمور الملاحة في الخليج بما أن حوض الخليج العربي يعتبر أنسب بيئة لتكون ونمو أصداف اللؤلؤ عن بقيـة البحار والخلجان في الجزء المائي من الكرة الأرضية .

وهذا يرجع إلى عـدة أسباب وعوامل أهمها:

التكـوين الجيولوجي لقـاع الخليج العربـي (إذ أن قـاع هذا الخليج يمتاز بصفاء مائه ونعومة رماله وشـده بياضها مما يجعلها تغطى التكوينات والشعاب المرجانية ، وتطغى على المواد الطينية التي تشكل الطبقة العازلة لتكون اللؤلؤ أو اختفائها تماماً) .

دفء المــاء(إذ أن موقع الخليج العربي جغرافيـاً في المنطقة القاريـة فهي ليست بالحارة ولا بالباردة ولكنها منطقة معتدلة تمتاز بدفء مياههـا طوال السنة ، إذ أن مياه البحار الدافئـة تعتبر من العوامل المساعدة على تكون ونمو اللؤلؤ وتواجد الأصداف الحاملـة لـه) .

أيضا قلـة العمـق الميـاه في الخليج العـربي ( إذ أنه من المعروف أن أصداف اللؤلؤ غالباً ما تكون عائمة فـوق رمال القاع وليست ملتصقة به ، فكلما كان عمق البحر في مستوى ليس بالمرتفع كان مدعاة لأن يكون البيئة المناسبة لتواجد أصداف اللؤلؤ) .

هذه الميزات في ميـاه الخليج العربي جعلته أكثر المناطق المائية في العالم خصوبة وأنسبها بيئة لتكون الشطوط والمغاصات التي تتجمع فيها أصداف اللؤلؤ ، بل وأن الأماكن الأفقية من مياه الخليج والتي تتوافر فيها تلك الميزات تكون هي أكثر المواقع في مياه الخليج وفرة وسهولة لصيد اللؤلؤ .

وغالباً ما تكون هذه المناطق في الجانب الغربي من خوض هذا الخليج ، إذ أن الخليج العربي يمتد بين ضفتين ، إحداهما شرقية تمثلها السواحل الإيرانية ، والثانية غربية تمثلها  دول الخليج العربية الواقعة عليها .

لهذه الأسباب كما قلنا يجمع المشتغلون بتجارة اللؤلؤ على أن أجود أنواع اللؤلؤ هو الذي يأتي من بحر الخليج العربي ، علماً بأن هناك مغاصات ومناطق توجد بها أصداف اللؤلؤ القريبة على حوض الخليج العربي مثل المواقع الموجودة في البحر الأحمر ، وبحر عمان ، والجزر المحيطة بالهند ، وشرق أفريقيا ، إلا أنه في أوج ازدهار تجارة اللؤلؤ كان التفضيل للؤلؤ الخليج المرغوب لدى هؤلاء التجار.

ولهذا السبب أيضاً اتجهت إلى الخليج أنظار الغـزاة بدافع الطمع واحتكار تجارة اللؤلؤ ، التي هي عصب الحياة قبل اكتشاف البترول ، ليس فقط لأهل الخليج ولكن للملاحة العالمية والتجارة الدولية قديمـاً وحديثـاً .

ويمتد شط اللؤلؤ فى الخليج العربى من الشارقة إلى البحرين مروراً بجزيرة حالول، وهو عبارة عن رصيف مرتفع في قاع الخليج يكون فيه شط اللؤلؤ الكبير أمام سواحل قطر والبحرين وأبو ظبي. والأعماق هنا تتراوح بين 18 – 27 متراً، وفي بعض الأماكن تصل إلى 35 و 40 متراً.

مراكز تجارة اللؤلؤ في الخليج العربي:

 البحرين:  كانت تعتبر من أهم مراكز تجارة اللؤلؤ وأكبرها في منطقة الخليج العربي قاطبة، لكثرة إنتاجها من جهة واحتلالها للمركز الأول في التصدير من جهة أخرى.

 جزيرة دلما: تأتي الثانية في الأهمية بعد جزيرة البحرين. ومما عزز هذه المكانة تشديد الجمارك الإيرانية على تجارة اللؤلؤ بعد احتلالها لإمارة لنجة التابعة للقواسم على الساحل الشرقي للخليج العربي. وكان معظم السكان في الساحل الشرقي من الخليج العربي يأتون للغوص في الهيرات المحيطة بجزيرة “دلما” التابعة لإمارة أبو ظبي.  

الكويت: احتلت الكويت مكاناً بارزاً في تجارة اللؤلؤ، على الرغم من إسهامها المحدود في التصدير. وشهدت هذه الحرفة ازدهاراً إبان عهد الشيخ مبارك الصباح، ولا سيما في عام 1912. ففي ذلك العام، بلغ عدد سفن الغوص 812 سفينة، حيث بلغ الدخل نحو ستة ملايين روبية هندية. ولذلك سمي ذلك العام بعام الطفحة.

وقد شكل اللؤلؤ أهمية خاصة في صادرات الخليج العربي، واحتل مركزاً مرموقاً بين الصادرات الأخرى فيما عدا سلطنة عمان. وقد بلغت قيمة صادرات اللؤلؤ نحو 75 % من جملة الصادرات في عام 1906م . ويمكن القول بأن عائدات تجارة اللؤلؤ كانت تعتبر ركيزة أساسية في اقتصاديات مشيخات الخليج العربي قبل ظهور البترول؛ وتفوق عائدات هذه التجارة ما عداها من عائدات الأنشطة البحرية الأخرى. وقد منعت بريطانيا عام  1906 شيوخ إمارات ساحل عمان من تقديم أية امتيازات لصيد اللؤلؤ للشركات الفرنسية والألمانية، وذلك خوفاً من تغلغل نفوذ هاتين الدولتين، وضياع النفوذ البريطاني، وليس خوفاً على مصالح سكان ساحل عمان ونشاطهم التجاري.

أدت تجارة اللؤلؤ دوراً أساسياً بجانب دورها الاقتصادي. ويرجع ذلك إلى أنها مبنية على المبدإ التنظيمي البنائي المسمى بـ«الزبانة»، وهي علاقة المعزب (رئيس العمل وصاحبه) بالزبون. وهذا النوع من العلاقة بينهما أريد به ان يبقى خفيا غير ظاهر للعيان. ويتلخص ذلك في أن علاقة البحارة – وهم: الغواص والسيب والرديب والتباب، والنوخذة وهو قائد السفينة، والطواشي وهو تاجر اللؤلؤ – هي دين مستديم في شكل قروض يتلقاها البحارة من التاجر.

أما كيف يعمل هذا التنظيم، فإنه في أغلب الحالات يبدأ بالسفينة وهي مقدم نقدي في هيئة دين يدفعه التاجر أو النوخذة (إذا كان مالكاً للسفينة) للبحارة عند بداية موسم الغوص لتغطية مصاريف الأسرة أثناء فترة غيابه في موسم الغوص والتي تستمر عادة من شهر يونيو إلى أكتوبر. ويحصل البحارة – وهم العاملون على سفينة الغوص، التي ذكرناها سابقاً – في نهاية موسم الغوص على حصتهم من بيع اللؤلؤ، وتسمى “تسكام”. ولما كان أغلب عمل الغواصين موسميّاً، فإنهم يتعطلون ستة أشهر.

ولذلك يحصلون من التاجر نفسه أو النوخذة على مبلغ آخر في هيئة قرض جديد يسمى “خرجية” أو “مصرف جيب” مقابل العمل لدى التاجر نفسه أو النوخذة في الموسم المقبل. وتسجل جميع هذه الديون في دفتر حساب التاجر. وإن معظم البحارة، أي أكثر من 90 % من الحالات، لم يكونوا يكسبون وراء إسهامهم في صيد اللؤلؤ ما يكفي لتسديد هذه الديون للتاجر أو النوخذة. فكأنما قد كتب عليهم العمل للتاجر نفسه أو النوخذة إلى ما تبقى من حياتهم المهنية أو إلى حين توافر ما تسد به هذه الديون.

وهذا النوع من الدين لا يلغى بموت البحارة، بل يورثه لأبنائه مع الفوائد التي قد تترتب على التأخير في السداد. وكان بعض التجار يزورون في دفاتر حساباتهم للإبقاء عل البحارة الجيدين في دين دائم لهم؛ كما أن بعض النواخذة كان يصر على الزواج بأرملة الغواص لسداد الدين، وبذلك يكسب أبناءَها بحارةً في سفينته.

ولكن يبدو أن هذه حالات خاصة ومحدودة جداً وناجمة عن نوعية التاجر والنوخذة وأخلاقهما. محصلة هذا النوع من الترتيب البنائي لتجارة اللؤلؤ وعلاقة المعزب بالزبون تنشأ بين البحارة من جهة والتاجر والنوخذة من جهة أخرى، وتتّسم بنوع من الولاء السياسي لأسرة التاجر مقابل رعاية أسرة التاجر للبحارة الذين يتعاملون معها ولأسرهم.

وكان هذا الولاء بمثابة طابع الرضا الطوعي بسلطة التجار والنوخذة الذي يرمى بتأثيره القوى على العلاقة بين المعزب والزبون، على الرغم من وضوح تعارض المصالح الطبقية بينهما. وقد أدى هذا الولاء دوراً مهماً في البيئة التجارية حتى بعد ظهور البترول ومجيء الدولة الحديثة. وبالرغم من هذا التنظيم البنائي، فقد كان الغوص على اللؤلؤ حرفة هامة مارسها قطاع كبير من سكان المنطقة، لأن تجارة اللؤلؤ الطبيعي المستخرج من الخليج العربي كانت رائجة وتدر أرباحاً طائلة.

وهى أمور تعكس بعض الجوانب الاجتماعية في مجتمع صيد وتجارة اللؤلؤ في الخليج العربي في تلك الفترة, كما تعكس  أثر النشاط والازدهار الاقتصادي لتجارة اللؤلؤ في السكان الأصليين من القبائل العربية.

اتحاد دول الخليج

ظهرت الحاجة إلى قيام اتحاد تكاملي بين دول الخليج يهدف إلى توحيد القرار في  السياسة الخارجية والتعاون الاقتصادي والدفاعي بين دوله ومن ثم إبراز شخصية خليجية مستقلة على الساحة الدولية منذ إعلان الحكومة البريطانية الانسحاب من بعض دول الخليج العربية في يناير 1968م. وبدأت في ذلك الوقت توجهات عديدة تتطلع إلى المنطقة كل منها تتهيأ لملء الفراغ المحتمل حدوثه. وفي الوقت نفسه كانت هناك جهود تتبلور لقيام اتحاد بين حكام الإمارات في الساحل الخليجي من خلال اجتماع دبي في 25 فبراير 1968م.

وقد كان للملكة العربية السعودية دور بارز فى هذا الاتجاه حيث صدر بيان مشترك في الرياض بتاريخ 3 أبريل 1968م في ختام زيارة الشيخ أحمد بن علي آل ثاني حاكم قطر في ذلك الوقت للمملكة، وورد في هذا البيان أن الاتحاد الذي قام بين إمارات الخليج من شأنه تأمين استقرار المنطقة ونمو تقدمها وازدهارها. وقد أبدى الملك فيصل بن عبدالعزيز استعداد حكومة المملكة العربية السعودية لزيادة التعاون الاقتصادي والفني مع دول الاتحاد بهدف إسعاد شعوبها ورفاهيتها.

وخلال الفترة التالية تبلورت عدة ظروف دولية وإقليمية دعمت فكرة قيام إطار للتعاون بين دول الخليج مجتمعة. فعلى المستوى الدولي كان هناك التنافس بين القطبين الرئيسين في النظام الدولي على النفوذ في منطقة الخليج، وقد ظهر هذا التنافس جليا بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان وعدم تردد الاتحاد السوفيتي في الكشف عن العلاقة بين الغزو وبين التطلع إلى دور في منطقة الخليج حيث أعلن بريجينيف ما سمي (بمبدأ بريجينيف ) في ديسمبر 1979م.

وكانت مبادرة بريجينيف انعكاسا لرغبة الاتحاد السوفيتي (سابقا) في لعب دور في المنطقة بحيث لم يخف بذلك العلاقة بين غزو أفغانستان ومنطقة الخليج. هذا في الوقت الذي بدأت فيه مرحلة من الحرب الباردة الجديدة بين الاتحاد السوفيتي (سابقا) والولايات المتحدة بعد تولي الرئيس ريجان السلطة في انتخابات 1980م وانتهاجه خطا متشددا تجاه الاتحاد السوفيتي، ووضعه أمن الخليج في مقدمة أولوياته في السياسة العربية.

وعلى الصعيد الإقليمي اشتعلت الحرب العراقية الإيرانية واتضح اشتداد الحاجة إلى قيام دول الخليج بمهام أمنها القومي لمواجهة التحديات الإقليمية من ناحية والبعد عن التدخل للقوى الأجنبية وإبعاد المنطقة عن الصراع العالمي من جهة أخرى. هذا في الوقت الذي رغبت فيه الدول الخليجية الست في لعب دور مؤثر في المنطقة العربية بما يتناسب مع إمكاناتها الاقتصادية والعسكرية.

وقد نشطت المملكة العربية السعودية في الدعوة إلى قيام تعاون أمني للدول الخليجية ولذلك قام صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية بجولة في كل من الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان والبحرين في نوفمبر 1980م لبحث التعاون في دعم الأمن الخليجي استكمالا لنتائج مؤتمر وزراء الداخلية العرب الذي انعقد في الطائف في أغسطس 1980م والذي اتفق فيه على ضرورة تعزيز التنسيق بين أجهزة الأمن العربية.

   وجدير بالذكر هنا أن المملكة كانت أكثر الدول الخليجية حماسا لتوحيد موقف دول الخليج من التحديات الماثلة أمامها. وترجع محاولات المملكة العديدة من أجل تشكيل تجمع عربي خليجي لمواجهة التحديات الإقليمية إلى عام 1971م بعد الانسحاب البريطاني من الخليج العربي. حيث بدأت المملكة بتوقيع اتفاقيات ثنائية عام 1976 خلال زيارة صاحب السمو الملكى الأمير نايف بن عبدالعزيز لجميع الأقطار الخليجية، كما أكدت المملكة خلال تلك الفترة على لسان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز(حين كان وليا للعهد آنذاك) على ضرورة منع التدخل الأجنبي في المنطقة وإخلائها من القواعد الأجنبية مؤكدا حرص الدول الخليجية على سيادتها واستقلالها.

وفي شهر أغسطس عام 1980م تقدمت المملكة من خلال القمة الإسلامية بمدينة الطائف بمشروع يقضي بإنشاء تجمع خليجي وتوحيد مصادر السلاح إلى دول الخليج حتى يصبح التدريب والاستيعاب سهلا، كما طالب المشروع بإقامة تعاون واسع النطاق بين قوات الأمن الداخلي في الدول المعنية بدلا من إنشاء حلف عسكري، واستبعاد الأحلاف العسكرية مع الدول الأجنبية، واشتراك القوات المسلحة النظامية وتأكيد سيادة كل دولة، وتسهيل المحافظة على القانون والنظام الداخلي فيها وتشجيع دول الخليج على تحقيق الاستقلال الذاتي العسكري.

وإزاء التطورات التي شهدتها المنطقة اتسع تصور المملكة لمفهوم الأمن في الخليج، وتبلور ذلك فيما قدمه سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز من مشروع أسماه (تحقيق الأمن الجماعي في الخليج) والذي كشف عن تفاصيله أثناء زيارة سموه للكويت وباكستان في نهاية عام 1980م. وقدم هذا المشروع تصورا للتعاون المشترك لتحقيق الأمن الداخلي في دول المجلس إلى جانب التنسيق الأمني بين هذه الدول. وقدم إلى جانب هذا المشروع مشروع كويتي وآخر عماني .

   أما المشروع الكويتي فقد طالب بإقامة تعاون مشترك في المجالات الاقتصادية والنفطية والصناعية والثقافية بما يؤدي في النهاية إلى إقامة اتحاد إقليمي بين دول الخليج، كما دعا المشروع العماني إلى إنشاء قوة بحرية مشتركة لحماية مضيق هرمز والدفاع عنه بوصفه شريان الحياة والحضارة لدول الخليج. وفي 4 فبراير 1981م وخلال مؤتمر الرياض بين وزراء الخارجية للدول الخليجية الست وبعد مناقشات عديدة بين الدول الخليجية استقر الرأي على مشروع جاء في غالبيته متوافقا مع المشروع السعودي وأقره الوزراء في ختام أعمال هذا المؤتمر على وثيقة إعلان إنشاء مجلس التعاون الخليجي.

إنشاء المجلس

وفي 21 رجب 1401هـ الموافق 25 مايو 1981م توصل قادة كل من المملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، ودولة قطر، ودولة الكويت في اجتماع عقد في أبوظبي إلى صيغة تعاونية تضم الدول الست تهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها ، وفق ما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة ، التي أكدت أيضا على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس .

وجاءت المنطلقات واضحة في ديباجة النظام الأساسي التي شددت على ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة ، وسمات مشتركة ، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية ، وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف ، وان التعاون فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية ( النظام الأساسي ). وأوضح الإعلان أن إنشاء مجلس التعاون الخليجي جاء تمشيا مع أهداف الوحدة العربية وفي نطاق ميثاق جامعة الدول العربية، واتخذ المجلس الجديد الرياض مقرا له.

وفي 24 – 25 فبراير 1981م وتنفيذا لقرار وزراء الخارجية اجتمعت لجنة الخبراء بالرياض لوضع نظام متكامل لما اتفق عليه بشأن مجلس التعاون الخليجي، ومناقشة مشروع النظام الأساسي للمجلس، وبعد عدة اجتماعات تم التحضير لاجتماعات القمة الخليجية في أبو ظبي يومي 25 – 26 مايو 1981م حيث أعلن في الجلسة الافتتاحية التوقيع على النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي. وهكذا لعبت المملكة منذ وقت مبكر دورا بارزا في إيجاد صيغة للوحدة الخليجية.

النظام الأساسي

    وحدد النظام الأساسي لمجلس التعاون أهداف المجلس في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها ، وتوثيق الروابط بين شعوبها ، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية ، والتجارية والجمارك والمواصلات ، وفي الشؤون التعليمية والثقافية ، والاجتماعية والصحية ، والإعلامية والسـياحية ، والتشـريعية ، والإدارية ، ودفع عجلـة التقـدم العلمـي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية ، وإنشاء مراكـز بحـوث علميـة وإقامة مشـاريع مشـتركة ، وتشـجيع تعـاون القطاع الخاص .

الهيكل التنظيمي

المجلس الأعلى :

هو السلطة العليا لمجلس التعاون ، ويتكون من رؤساء الدول الأعضاء ، ورئاسـته دورية حسب الترتيب الهجائي لأسماء الدول ، ويجتمع في دورة عادية كل سـنة ،ويعين الأمين العام ويجوز عقد دورات اسـتثنائية بناء على دعوة أي دولة عضو ، وتأييد عضو آخر. ويعتبر انعقاد المجلس صحيحا إذا حضر ثلثا الأعضاء الذين يتمتع كل منهـم بصوت واحـد ، وتصدر قـراراتـه في المسـائل الموضـوعيـة بإجماع الدول الأعضاء الحاضرة المشـتركة في التصويت ، وفي المسـائل الإجرائية بالأغلبية .

المجلس الوزاري:

يتكون المجلس الوزاري من وزراء خارجية الدول الأعضاء أو من ينوب عنهم من الوزراء، وتكون رئاسته للدولة التي تولت رئاسة الدورة العادية الأخيرة للمجلس الأعلى ، و يعقد المجلس اجتماعاته مرة كل ثلاثة أشهر ويجوز له عقد دورات استثنائية بناء على دعوة أي من الأعضاء وتأييد عضـو آخر ، ويعتبر انعقاده صحيحا إذا حضر ثلثا الدول الأعضاء .

وتشمل اختصاصات المجلس الوزاري اقتراح السياسات ووضع التوصيات الهادفة لتطوير التعاون بين الدول الأعضاء ، والعمل على تشجيع وتنسيق الأنشطة القائمة بين الدول الأعضاء في مختلف المجالات. وتحال القرارات المتخـذة في هـذا الشـأن إلى المجلـس الـوزاري الـذي يرفع منهـا بتوصية إلى المجلـس الأعلى ما يتطلب موافقته . كما يضطلع المجلس بمهمة التهيئة لاجتماعات المجلس الأعلى وإعداد جدول أعماله . وتماثل إجراءات التصويت في المجلـس الـوزاري نظيرتهـا في المجلــس الأعلى( النظام الأساسي) .

الأمانة العامة

تتلخص اختصاصات الأمانة العامة في إعداد الدراسة الخاصة بالتعاون و التنسيق و الخطط والبرامج المتكاملة للعمل المشترك ، و إعداد تقارير دورية عن أعمال المجلس ، و متابعة تنفيذ القرارات ، و إعداد التقارير و الدراسات التي يطلبها المجلس الأعلى او المجلس الوزاري ، و التحضير للاجتماعات و إعداد جدول أعمال المجلس الوزاري و مشروعات القرارات ، و غير ذلك من المهام( النظام الأساسي ).

    ويتالف الجهاز الإداري للأمانة العامة من الأتي :

   أ- أمين عام يعينه المجلس الأعلى لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة .

   ب- خمسة أمناء مساعدين للشؤون السياسية و الاقتصادية و العسكرية و الأمنية و الإنسان والبيئة ، ورئيس بعثة مجلس التعاون لدول الخليج العربي في بروكسل ، ويعينهم المجلس الوزاري بترشيح من الأمين العام لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد . ج- مدراء عامو قطاعات الأمانة العامة وبقية الموظفين ، ويتم تعيينهم من قبل الأمين العام .

يتمثل التنظيم الإداري للأمانة العامة في عدد من القطاعات المتخصصة و المساندة هي الشؤون السياسية ، و الشؤون الاقتصادية و الشؤون العسكرية ، الشؤون الأمنية ، وشؤون الإنسان و البيئة ، و الشؤون القانونية ، و الشؤون المالية و الإدارية ، و مكتب براءات الاختراع ، و مركز المعلومات. يضاف إلى ذلك ممثلية (مكتب) مجلس التعاون لدى الإتحاد الأوروبي في بروكسل ، والمكتب الفني للاتصالات بمملكة البحرين ، و مكتب الهيئة الاستشارية بسلطنة عمان.

و بلا شك قد أسهم التجانس بين دول المجلس في تمكين مجلس التعاون من تبني مواقف موحدة تجاه القضايا السياسـية ، وسياسات ترتكز على مبادئ حسن الجوار ، وعدم التدخل في الشئون الداخلية ، واحترام سـيادة كل دولة على أراضيها ومواردها ، واعتماد مبدأ الحوار السلمي وسيلة لفض المنازعات ، الأمر الذي أعطى مجلس التعاون قدراً كبيراً من المصداقية ، كمنظمة دولية فاعلة في هذه المنطقة الحيوية للعالم بأسره.                  

الأوضاع الأقتصادي لدول الخليج العربي

قبل بداية الحديث عن الأوضاع الاقتصادية يجدر القول أن دول مجلس التعاون الخليجى ترى أن تحقيق الأمن الخليجي من وجهة نظرهم يتم من خلال تحقيق تعاون أوسع على المستويات المالية والاقتصادية والتجارية. ولذلك فقد خرج مؤتمر القمة الأول بوثيقتين هامتين أثرتا تأثيرا كبيرا على التطورات السياسية في المنطقة، والوثيقتان تتضمنان:

  حتمية التكامل الاقتصادي: وذلك بوضع الأسس لإقامة المؤسسات وإنشاء الأجهزة المؤدية إلى جعل ذلك التكامل والاندماج الاجتماعي حقيقة ماثلة للعيان، وأن تشابك المصالح الاقتصادية واليومية سيجعل الخليج إطارا موحدا يمارس فيه المواطن كامل الحرية في النشاطات التجارية بصرف النظر عن الجنسية التي ينتمي إليها. ولذلك وافق المجلس الأعلى في دورته الأولى على تشكيل خمس لجان تعمل من أجل تعزيز التعاون ووضع تفاصيل مواقف مشتركة بشأن السياسة النفطية والتخطيط الاقتصادي والاجتماعي والشؤون المالية والاقتصادية والتجارية والصناعية والخدمات الاجتماعية والثقافية.

مبادئ سياسة المجلس الخارجية : وتشمل المبادئ التي يتمسك بها المجلس في ممارسة سياسته الخارجية حيث جاء في البيان الختامي: (بأن أمن المنطقة واستقرارها إنما هو مسؤولية شعوبها ودولها، وأن هذا المجلس إنما يعبر عن إرادة هذه الدول وحقها في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها، كما أكدوا رفضهم المطلق لأي تدخل أجنبي في المنطقة مهما كان مصدره، وطالب قادة دول المجلس بضرورة إبعاد المنطقة بأكملها عن الصراعات الدولية وخاصة تواجد الأساطيل العسكرية والقواعد الأجنبية لما فيه مصلحتها ومصلحة العالم).

أهم الإنجازات في المجالات الاقتصادية:

يشكل التنسيق والتكامل والترابط الاقتصادي بين الدول الأعضاء أحد الأهداف الأساسيـــة لمجلس التعاون وفقاً لما ورد في النظام الأساسي للمجلس ، ومن ضمن الأهداف المنصوص عليها وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشئون الاقتصادية والمالية والشئون التجارية والجمارك والمواصلات والاتصالات والطاقة ودفع عملية التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والثروات المائية . وحققت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية العديد من الإنجازات في مختلف المجالات الاقتصادية خلال مسيرة العمل المشترك .

ففي مجال التعاون المالي والنقدي، ركز المجلس على تجسيد المواطنة الخليجية في كافة الأنشطة التجارية والعقارية والصناعية والاستثمارية والعمل. وفي المجال النقدي، يجرى العمل حاليا ً على تطبيق الجدول الزمني الذي سبق أن أقره المجلس الأعلى في قمة مسقط(ديسمبر2001م) لتحقيق متطلبات الاتحاد النقدي وتحقيق مستوى عال من التقارب بين الدول الأعضاء في كافة السياسات الاقتصادية المالية والنقدية والتشريعات المصرفية .

وفي ضوء ذلك تم في ديسمبر 2005م موافقة المجلس الأعلى على معايير التقارب الاقتصادي اللازمة لقيام الاتحاد النقدي ، بالإضافة إلى الانتهاء من مسودة التشريعات والأنظمة الخاصة بالسلطة النقدية المشتركة التي ستتولى مهام إصدار العملة ووضع وإدارة السياسة النقدية الموحدة. ويتوقع أن تستكمل اللجان المعنية تفاصيل ذلك والإعداد الفني للمتطلبات خلال الفترة القادمة، وذلك تمهيداً لقيام الاتحاد النقدي لدول المجلس وإصدار العملة الموحدة . 

   وفي مجال التعاون الجمركي، اعتمد المجلس الأعلى في دورته الثانية والعشرين (ديسمبر 2001م) النظام الموحد للجمارك لدول مجلس التعاون ولائحته التنفيذية ومذكرته الإيضاحية وبدء في تطبيقه اعتباراً من يناير 2002م. كما قرر المجلس الأعلى في دورته الثالثة والعشرين (ديسمبر 2002م) بدء العمل بالإتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون تجاه العالم الخارجي اعتباراً من الأول من يناير 2003م ، والعمل بمتطلبات نقطة الدخول الواحدة (بحيث يقوم أول منفذ جمركي لدول المجلس تجاه العالم الخارجي بإجراء المعاينة والتفتيش على البضائع الواردة لأي من الدول الأعضاء بالمجلس ، والتأكد من مطابقتها للمستندات المطلوبة وخلوها من الممنوعات واستيفاء الرسوم الجمركية المستحقة عليها ، بحيث تنتقل السلعة فيما بعد بين الدول الأعضاء بحرية .

وتم تحديد تعرفة جمركية موحدة بواقع 5% على جميع السلع الأجنبية المستوردة من خارج الاتحاد الجمركي مع إعفاء (417) سلعة أجنبية من الرسوم الجمركية كالسلع الغذائية الضرورية وبعض المنتجات الصحية ومستلزمات المستشفيات والمدارس وكذلك الإعفاءات الواردة في قانون الجمارك الموحد لدول المجلس كالإعفاءات الحكومية والإعفاءات الدبلوماسية .

وفي مطلع العام 2008، تم الاعلان عن قيام السوق الخليجية المشتركة، وهي تنطوي على تحرير عناصر الانتاج وحركة الاستثمار أمام مواطني دول المجلس في مجالات التنقل والإقامة و العمل في القطاعات الحكومية والأهلية و التأمين الاجتماعي والتقاعد و ممارسة المهن والحرف ومزاولة كل الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية و تملّك العقار و تنقل رؤوس الأموال والبضائع والخدمات و المعاملة الضريبية و تداول الأسهم وشراءها وتأسيس الشركات و التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.

وفي مجال التعاون التجاري والصناعي، اهتمت دول مجلس التعاون ومنذ إنشاء المجلس بالمجال التجاري وعملت على تعزيزه وتطويره بما يعود بالنفع على دول ومواطني دول المجلس فقد قرر المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته السابعة والتي عقدت في أبو ظبي 1986م ، بالسماح لمواطني الدول الأعضاء بمزاولة تجارة التجزئة في أي دولة عضو ومساواتهم بمواطني الدولة اعتبارا من أول مارس 1987م ، وكذلك بالسماح لمواطني الدول الأعضاء بمزاولة تجارة الجملة في أي دولة عضو ومساواتهم بمواطني الدولة اعتبارا من أول مارس 1990م .

   كما قرر المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته التاسعة والتي عقدت بمملكة البحرين السماح لمواطني دول المجلس بتملك أسهم الشركات المساهمة بالدول الأعضاء, وأيضا قرر المجلس الأعلى في دورته الثالثة والعشرين المنعقدة في الدوحة 2002م بأن يتم تطبيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في مجال تملك وتداول الأسهم وتأسيس الشركات وإزالة القيود التي قد تمنع من ذلك ، وذلك في موعد أقصاه نهاية عام 2003م ، كذلك تم السماح للمؤسسات والوحدات الإنتاجية في دول المجلس بفتح مكاتب لها للتمثيل التجاري في أي عضو بناءا على قرار المجلس الأعلى لمجلس التعاون فـي دورتـه الثانية عشر التي عقدت بدولة الكويت .

   ووافق المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته الرابعة عشرة التي عقدت بالمملكة العربية السعودية عام 1993م على إقامة مركز التحكيم التجاري لدول المجلس وعلى نظام المركز ، وقد أقيم المركز في مملكة البحرين وأعلن عن قيامه رسميا في مارس 1995م.  وقد نظر المركز منذ إنشائه بعدد من القضايا وقام المركز بتوقيع اتفاقيات للتعاون الثنائي مع العديد من هيئات التحكيم الدولية والإقليمية ، كما قام بتنظيم العديد من الندوات والدورات وورش العمل في كافة دول المجلس تغطي مواضيع شتى تتعلق بالتحكيم وبالموضوعات التجارية ذات الصلة وذلك لخلق ونشر الفكر القانوني التحكيمي .

كما اعتمد المجلس الأعلى في دورته التاسعة عشرة المنعقدة في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1998م النظام الأساسي لهيئة المحاسبة والمراجعة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، وقد بدأت الهيئة في ممارسة نشاطها بعد إنهاء مرحلة التأسيس . وقد أنشئت هيئة التقييس بموجب قرار المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته الثالثة والعشرين التي عقدت في الدوحة ، وقام مجلس إدارة الهيئة باستكمال متطلبات إنشاء الهيئة ، حيث بدأت الهيئة في ممارسة أعمالها في مقرها الجديد بمدينة الرياض .

وفي مجال التعاون الصناعي، خطت دول مجلس التعاون خطوات كبيرة في مجال التعاون والتنسيق الصناعي فيما بينها ، وعملت على تدعيم كل ما يؤدي إلى تعزز استمرار التنمية الصناعية بدول المجلس، حيث قرر المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته السادسة التي عقدت في مسقط 1985م الموافقة على الإستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية ، وفي دورته التاسعة عشرة المنعقدة في أبو ظبي 1998م اقر المجلس الصيغة المعدلة لهذه الإستراتيجية .

كما اعتمد المجلس الأعلى في دورته السابعة المنعقدة في أبوظبي 1986م القواعد الموحدة لإعطاء الأولوية في المشتريات الحكومية للمنتجات الوطنية والمنتجات ذات المنشأ الوطني بدول المجلس ، وجاري العمل حاليا على اعتماد مشروع قواعد معدلة تنسجم مع مرحلة الاتحاد الجمركي لدول المجلس . كما قرر المجلس الأعلى في نفس الدورة السماح للمستثمرين من مواطني دول المجلس بالحصول على قروض من بنوك وصناديق التنمية الصناعية بالدول الأعضاء ومساواتهم بالمستثمر الوطني من حيث الأهلية وفقا للضوابط المعدة بهذا الشأن .

وفيما يتعلق بحماية المنتجات الوطنية بدول المجلس اعتمد المجلس الأعلى في دورته التاسعة المنعقدة بالمنامة عام 1988م النظام الموحد لحماية المنتجات الصناعية ذات المنشأ الوطني بدول المجلس ، كما وافق المجلس الأعلى في دورته الثالثة والعشرين المنعقدة بالدوحة 2002م على توصية وزراء المالية والاقتصاد الوطني بدول المجلس في اجتماعهم التاسع والخمسين بشأن كيفية حماية الصناعات الوطنية في دول المجلس بعد قيام الاتحاد الجمركي .

وفيما يخص إعفاء مدخلات الصناعة من الرسوم الجمركية فقد قرر المجلس الأعلى في دورته الثانية والعشرين المنعقدة في مسقط 2001م منح المنشآت الصناعية في دول المجلس إعفاء من الضرائب (الرسوم) الجمركية على وارداتها من الآلات والمعدات وقطع الغيار والمواد الخام الأولية ونصف المصنعة ومواد التعبئة والتغليف اللازمة مباشرة للإنتاج الصناعي وتم إعداد الضوابط اللازمة لذلك ، وجاري العمل حاليا على اعتماد مشروع لتعديل هذه الضوابط ، وذلك نظرأ لقيام دول المجلس بإعادة تقييم هذه الضوابط بعد انقضاء مدة ثلاث سنوات من البدء بتطبيقها. 

كما اعتمد المجلس الأعلى في دورته الرابعة والعشرين المنعقدة بالكويت 2003م، القانون (النظام) الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية لدول المجلس كقانون إلزامي اعتبار من الأول من عام 2004م .

كذلك قرر المجلس الأعلى في دورته الخامسة والعشرين المنعقدة بالمنامة 2004م ، اعتماد قانون (نظام) التنظيم الصناعي الموحد لدول مجلس التعاون كقانون (نظام) إلزامي . 

وجاري العمل حالياً على إعداد مشروع نظام (قانون) موحد لتشجيع استثمار رأس المال الأجنبي في دول المجلس . وأيضاً إعداد مشروع إستراتيجية شاملة لتنمية الصادرات لدول المجلس .

وفي إطار اهتمامات دول المجلس بالقطاع الخاص فقد نظمت الأمانة العامة لمجلس التعاون عددا من المؤتمرات واللقاءات بين رجال الأعمال الصناعيين من دول المجلس ونظرائهم من الدول والمجموعات الاقتصادية الأخرى ، حيث تم عقد ثلاثة مؤتمرات مع الأوروبيين في غرناطة والدوحة ومسقط ، و مع الهنود في الهند وسلطنة عمان . كما تم عقد مؤتمرين مع كل من الأمريكيين في واشنطن والمنامة ، ومع اليابانيين في طوكيو والمنامة. كذلك تم عقد مؤتمر ( لقاء) واحد مع الروس بالمملكة العربية السعودية ، ومع اليمنيين في مدينة صنعاء لاستكشاف فرص الاستثمار باليمن

وفي مجال التعاون في مجال الكهربـاء والماء، يتم المضي قدما في تنفيذ مشروع الربط الكهربائي، حيث التزمت كل دولة مساهمة في المرحلة الأولى من مشروع الربط الكهربائي (المملكة العربية السعودية، مملكة البحرين ، دولة قطر، دولة الكويت) بدفع التزاماتها من باقي رأس مال هيئة الربط الكهربائي (30%) وحصتها من باقي التمويل (65%) بالطريقة التي تراها مناسبة ووفق التدفقات المالية والمواعيد التي تحددها الهيئة ليتم تشغيل المشروع خلال الربع الأول من عام 2008م .

وفي مجال التعاون الزارعي، أقرت دول المجلس السياسة الزراعية المشتركة عام 1996م وتهدف هذه السياسة إلى تحقيق التكامل الزراعي بين دول المجلس وفق إستراتيجية موحدة تعتمد على الاستخدام الأمثل للموارد المائية المتاحة وتوفير الأمن الغذائي من مصادر وطنية ، وزيادة الإنتاج وتشجيع المشاريع المشتركة بمساهمة من القطاع الخاص . 

   وفي مجال الطاقة، أقرت دول المجلس الاستراتيجية البترولية الموحدة انطلاقاً من السمات المشتركة لدول مجلس التعاون ، واستناداً على الأسس التي قام عليها المجلس والتي اشتملت على تحقيق التنسيق والتكامل والترابط في جميع المجالات, كما روعي بأن تكون أهداف هذه الإستراتيجية مواكبة للأهداف الإستراتيجية لخطط التنمية المحلية في الدول الأعضاء وإستراتيجية التنمية الشاملة بعيدة المدى لدول المجلس والتي ترتكز بشكل عام على تطوير القوى العاملة وتحسين مستوى المعيشة وتنويع الاقتصاديات الوطنية وتوسعة دور القطاع الخاص في الدول الأعضاء وتقليل الاعتماد على البترول كمصدر أساسي للدخل القومي فيها .

1)دول مجلي التعاون الخليجي-1/1/2021

الأمن في مجلس التعاون الخليجى
 ودور المملكة  العربية السعودية البارز فيه

تقوم القيادة الحكيمة فى المملكة العربية السعودية بدوراً حاسماً في رسم ملامح الأمن الاستراتيجي فى الخليج، في ظل متغيرات خارجية تؤثر على الأمن الوطني السعودي نفسه، وتخلق مخاطر وتهديدات، وتتجلى أهمية هذا الدور والرؤيا السعودية الثاقبة انطلاقاً من أهمية المملكة، ومن النظرة الكلية والشاملة، وفي حقيقة التوظيف الاستراتيجي لموقع المملكة، ليس فحسب على مستوى الماضي بل الحاضر والمستقبل، في بلد أضحى من أهم محاور السياسة على مستوى العالم بعد أن أصبحت المملكة قلب العالم الإسلامي والعالم الاقتصادي بحكم أنها المنتج الأول والمصدر الأول للسلعة الإستراتيجية الأولى في عالم اليوم.

وبجانب دور المملكة الاسلامى والحضارى ( بصفتها مهد الإسلام منذ مجيئه برسالته العالمية ليضيء الكون بضيائه, فهي مهبط الوحي ورسالة الإسلام, وتضم الحرمين الشريفين) هناك دور جيوستراتيجياً عالمياً، وأهمية إستراتيجية كبرى ومنطقة مركزية لاستقرار العالم. ومن هنا فإن القيادة السياسية الحكيمة قد استغلت تلك المتغيرات لصالح الأمن الوطني للمملكة، حتى أضحت المملكة إحدى الدول الفاعلة ليس فقط على المستوى الخليجي والعربي والإسلامي فحسب بل على مستوى العالم، حيث إن المملكة هي إحدى دول العشرين التي أضحت ترسم أجندة المستقبل لكل العالم.

والهدف الاستراتيجي الأمني للملكة أصبح الحفاظ على الوطن الآمن، وعلى الخليج العربي المستقر، وعلى الدور الحضاري والازدهار الاقتصادي غير المسبوق للمملكة.

ولذا يحتل الأمن الوطني السعودي مكانة مركزية في التفكير الاستراتيجي السياسي العسكري لعدة اعتبارات:

أولها : أن الأمن الوطني هو محور السياسة الخارجية السعودية من منطلق مفهومها لأمنها الوطني وحماية له.

ثانيها : أن منطقة الخليج والمنطقة العربية تخوض صراعاً مصيرياً ضد القوى التي تريد الهيمنة والطامعة في ثرواتها.
ثالثها : يترتب على ذلك أن الاستراتيجيات التي حددتها المملكة في المجالات المختلفة قد انطلقت من مفهوم ونظرية سعودية للأمن انطلقت منه وتسعى إلى تحقيقه.

وتحديد الإطار العام للأمن الوطني السعودي هي الاستغلال الأمثل لقوة المملكة وعناصرها الجيوبوليتيكية والاقتصادية والعسكرية والروحية والسياسية، وفي إدراكها العميق لمواطن التهديد، وهو بحسبانها كل ما من شأنه تهديد القيم الداخلية للمملكة وكيانها بفعل أية عوامل داخلية أو خارجية، وكانت نقطة البداية في تحقيق الوطن الآمن هو انتصار المملكة في معركتها ضد الإرهاب الأسود، وشهد العالم بقدرة المملكة وقيادتها على التعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة. وقد ساهمت العلاقات الاقتصادية الدولية لدول مجلس التعاون فى تدعيم مفهوم الأمن الاستراتيجى والأمن السياسى والاقتصادى. 

 وعلى الصعيد العلاقات الاقتصادية الدولية، أجرت دول المجلس مفاوضات مع العديد من الدول والتكتلات الاقتصادية من أجل عقد اتفاقيات للتعاون التجاري والاقتصادي مثل الاتحاد الأوروبي والصين واليابان وسنغافورا والهند وباكستان وتركيا ومجموعة دول افتا(تتكون دول الافتا من أيسلندا، النرويج، سويسرا /إمارة ليختنشتاين)  واستراليا ونيوزلندا. وتعد المفاوضات بين دول المجلس والاتحاد الأوربي للتوصل لاتفاقية التجارة الحرة بين الطرفين من بين أهم تلك المفاوضات، حيث تم في هذا الأطار عقد عدة اجتماعات مكثفة خلال عام 2007م وعام 2008 للمختصين من الجانبين، أنهيا خلالها معظم المواضيع المتعلقة بهذه الاتفاقية .

مبادرة فردية :

وتدعيما لأواصر الصداقة بين دول مجلس التعاون الخليجي، وبالإضافة إلى التزام المملكة بمقررات القمم الخليجية اتخذت المملكة مبادرة فردية تمثلت في إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز في محرم 1404هـ أمام أساتذة وطلاب جامعة الملك عبد العزيز عن تخصيص جزء من أسهم الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) لتساهم فيها دول الخليج إذا أرادت. وقد ترجمت هذه المبادرة على الفور وتم تخصيص 20 % من أسهم شركة سابك للاكتتاب خصص منها 10 % لمواطني دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

الموقف من الأخطار والتحديات المحيطة بمنطقة الخليج

تمثلت التحديات التي واجهت منطقة الخليج في الفترة التي تلت قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية في قيام الحرب العراقية الإيرانية ثم بروز الخطر العراقي بعد انتهاء هذه الحرب برغبة العراق في التوسع على حساب الكويت وقيامه بغزو الكويت في الثاني من أغسطس 1990م. وفي هذه المواقف وقفت المملكة بالمرصاد لأي خطر يهدد الخليج، وكان موقفها على النحو التالي:

 موقف المملكة من الحرب العراقية ألإيرانية

ساندت المملكة العراق انطلاقا من حرصها على الأمن العربي وحرصا على شعب العراق، وقد عبر خادم الحرمين الشريفين عن هذا الموقف بقوله: (قامت المملكة بمساعدة العراق على إيران للحفاظ على بقاء العراق ).

وقد تلخص الموقف السعودي من حرب الخليج في النقاط التالية:

  • الحياد العسكري

– العمل على إنهاء الحرب سلميا من خلال مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الأمم المتحدة، بالإضافة إلى التنسيق الدائم الثنائي والجماعي لمحاولة إنهاء الحرب.

الموقف تجاه غزو العراق للكويت:

كانت خطوة العراق بغزو الكويت لا تتناسب إطلاقا مع الجهود التي تبنتها المملكة لاحتواء الخلاف الذي افتعلته العراق مع الكويت والإمارات، ولا تتناسب إطلاقا مع وعود صدام حسين بأنه لن يعتدي على الكويت. ولذا فإن الغزو جاء كنقطة تحول في مسار العلاقات بين أطراف الخلاف وبذلك وجدت المملكة نفسها في خضم أزمة حقيقية حيث يحتل العراق بلدا عربيا جارا له ويحشد قواته على حدود المملكة في تهديد واضح لها بما يملكه العراق من أسلحة تقليدية وغير تقليدية. وكان على المملكة أن تتخذ قرارا سريعا وحاسما حيث إن الأزمة تتطلب سرعة اتخاذ القرار لأهمية الوقت.

يمكن تلخيص الموقف السعودي من الأزمة في عدة نقاط رئيسة هي:

1 – إدانة الغزو ورفض كل ما يترتب على ذلك الغزو.

2 – الإعلان بأن المملكة لن تسمح لأحد بأن يطأ شبرا من أرضها فضلا عن أن يحتلها ويقتطع منها.

3 – الالتزام التام بقرارات القمة العربية غير العادية في القاهرة (10 أغسطس 1990م) وبيان منظمة المؤتمر الإسلامي وقرارات مجلس الأمن.

4 – المطالبة بالانسحاب الفوري للقوات العراقية من الكويت وعودة السلطة الشرعية المتمثلة في حكومة الكويت بقيادة الشيخ جابر الأحمد الصباح إلى الحكم وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الثاني من أغسطس.

5 – انسحاب الحشود العراقية المرابطة على حدود المملكة مع ضمان عدم تكرار الاعتداء العراقي على أية دولة عربية خليجية أخرى.

6 – استدعاء القوات العربية والإسلامية والصديقة لمساندة القوات السعودية في الدفاع عن المملكة.

يمكن ذكر دواعي وأطوار الموقف على النحو التالي:

أولا – دواعي القرار:

1 – أن الغزو ألغى وجود دولة عربية خليجية جار وتجاوز على السلطة الشرعية فيها.

2 – أن الغزو يشكل تهديدا مباشرا للمملكة بعد حشد العراق لجيوشه على حدود المملكة حتى ولو أعلن أنه لن يغزو المملكة، وبحكم أن المملكة دولة جارة للطرفين فإن أمنها سيتأثر بهذا الغزو. وقد رأينا أن هدف الأمن الداخلي والخارجي للمملكة يشكل بعدا أساسيا في تصور القيادة السعودية لدورها الخارجي.

3 – أن الغزو سيطيح باستقرار وأمن منطقة الخليج وسيخل بالتوازن الموجود فيها ويجدد الادعاءات لبعض الدول في أراضي الدول الأخرى، والنتيجة انهيار الاستقرار والأمن في المنطقة، وبالتالي التأثير على أمن المملكة ذاته.

4 – أن الغزو يشكل تهديدا مباشرا للثروة النفطية الخليجية بل إن غزو العراق للكويت جاء بعد افتعال العراق للأزمة حول نفط حقل الرميلة، وبالتالي فإن الغزو سيؤثر على عنصر فاعل من عناصر نفوذ دول الخليج في السياسة الدولية.

5 – أن الغزو ارتبط أيضا بمحاولة عراقية لتهديد أمن البحر الأحمر وقد اتضح هذا الهدف من توجهه للتنسيق مع بعض الدول لدعم موقفه.

6 – أن الأزمة في الخليج كانت ستؤدي إلى إيجاد بؤرة للصراع الدولي في المنطقة وبالتالي يمكن أن يستمر هذا الصراع الدولي فترة طويلة. وكان هذا يمكن أن يتحقق لولا أن الغزو جاء في فترة كانت القطبية الثنائية في النظام الدولي والصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب قد تلاشت.

7 – أن تسوية مشاكل الحدود بين الدول عن طريق الغزو سيشكل سابقة خطيرة في العالم العربي، يمكن أن يفتح ملفات عديدة لمشاكل الحدود في العالم العربي ويرمي بالمنطقة كلها في دوامة من الصراعات المسلحة على الحدود.

8 – أن غزو العراق للكويت يتنافى مع المبادئ الإسلامية والقانون الدولي وهي مبادئ وقوانين تؤمن بها المملكة وتتعامل على أساسها في المجال الدولي.

9 – أن العراق يدين بالكثير من المساعدة لدول الخليج التي أمدته بها، ولم يكن من المتصور أن يقوم العراق بغزو الكويت مكافأة لها على وقوفها بجانبه خلال أزماته.

10 – أن الروابط التاريخية بين الأسرة السعودية وأسرة آل الصباح في الكويت استدعت وقوف المملكة بجانب الكويت في محنته تعزيزا للشرعية ووقوفا إلى جانبها.

وهكذا نرى بوضوح أهمية إنشاء مجلس التعاون الخليجي والدور المحوري الذي قام به على الصعيد الاقتصادي والصعيد الأمني.

ونحن نعلم الارتباط الوثيق بين الأوضاع الأمنية والأوضاع الاقتصادية خاصة فى منطقة هامة ومحورية من العالم مثل منطقة الخليج, كما يتضح الدور البارز للملكة العربية السعودية فى الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني فى المنطقة بأسرها.

 

أهمية منطقة الخليج العربي.

الاختلاف الواضح بين تضاريس الساحل الغربي والشرقي للخليج العربي.

تسمية الخليج العربى.

التنافس الاستعماري في منطقة الخليج

البرتغال:

  • الكشوف الجغرافية
  • الاحتكار العربى والاسلامى للتجارة العالمية
  • الأحقاد الصليبية
  • استيلاء البرتغالين على الموانى الخليجية بالتدريج ودور البوكيرك
  • تحالف ايران مع البرتغاليين ضد العرب
  • انهيار التجارة العربية
  • خروج البرتغاليين على يد الانجليز والهولنديين

هولندا :

  • التواجد والتفكير الهولندي في آسيا خصوصاً والشرق عموماً في أواخر القرن السادس عشر.
  • انشاء شركة الهند الشرقية الهولندية.
  • دخول الهولنديون عن طريق ثغرة أرخبيل الملايو.
  • حملاتهم وانتصاراتهم على البرتغاليين.
  • التنافس الانجليزي الهولندي
  • سياسة شركة الهند الهولندية وفشلها ونهاية الوجود الهولندى.

فرنسا :

  • بدأ اهتمام الفرنسيين بالتجارة مع الشرق منذ بداية القرن 16م.
  • وكانت فرنسا في محاولاتها الاتصال بمنطقة الخليج العربي حريصة على إبراز دورها في مجال حماية الكاثوليك في أسيا.
  • إقامة علاقات تجارية مع إيران للنفوذ الى منطقة الخليج.
  • نفوذ فرنسا الى الخليج من خلال النشاط الدينى.
  • ارتباط فرنسا بالصراع مع انجلترا. علاقة فرنسا بعمان
  • انتهاء الوجود الفرنسى بعد حرب السنوات السبع.

انجلترا :

– الثورة الصناعية وضعف الدولة العثمانية وسياسة بريطانيا.

– تأسيس شركة الهند الشرقية البريطانية.

  • الاستفادة من التنافس البرتغالى الهولندى.
  • ازدياد النفوذ البريطانى تدريجيا والسيطرة على الخليج.
  • استطاعت الشركة القضاء على المنافسة الأخرى لها، سواء الهولندية أو الفرنسية .وهكذا أصبح الميزان التجاري في منطقة الخليج العربي لصالح شركة الهند الشرقية الإنجليزية.
  • المنافسة الألمانية والروسية والفرنسية.

كان الصراع صراعاً دولياً لتحدي الوجود البريطاني المهيمن على الخليج، وهو ما دفع روسيا لتنفيذ محاولتها للوصول إلى الخليج، ورغبتها في إنشاء ميناء وقاعدة حربية في الخليج، فاختارت روسيا فارس بحكم الجوار الجغرافي والحدود الطويلة المشتركة بينهما، لتكون قاعدة انطلاق نحو طموحها للبحار المفتوحة والمياه الدافئة، فأصبحت فارس محوراً أساسياً للوصول إلى الخليج العربي. وسعت روسيا أيضاً لإنشاء خط ملاحي روسي لربط موانئ روسيا بالخليج لتقوية التبادل التجاري بين المنطقتين، بالإضافة إلى الطب الذي استخدمته روسيا ذريعة للتدخل في شؤون فارس والخليج

وقد أسفر الصراع الروسي الإنجليزي للسيطرة على المنطقة عن فشل محاولات روسيا في تحقيق أهدافها في مختلف مناطق الخليج بما فيها المحمرة، وعن اقتسام النفوذ في فارس: شمال فارس لروسيا وجنوبها لبريطانيا.

وبسيطرة بريطانيا على الخليج ضمنت لنفسها امتلاك الطريق التجاري الكبير المتمثل في الخليج، وفي منطقة ما بين النهرين. وجاءت خسارة فرنسا لأسطولها البحري في الإسكندرية عام 1799 كبداية لنهاية المنافسة بينهما لصالح بريطانية وسيطرتها الاستعمارية على جميع الطرق البحرية في بحر العرب

القوى العربية في مواجهة الأطماع الاستعمارية:

  • اليعاربة فى عمان وكفاحهم ضد الاستعمار البرتغالي
  • وبسبب موقع عمان على مدخل الخليج العربي فكانوا هم أول من تلقى صدمة الاستعمار البرتغالي الشرسة.
  • وبعد أن سقطت معظم المدن العمانية الساحلية في أيدي البرتغاليين في بداية القرن السادس عشر, بدأ العمانيون في تنظيم جهودهم لإخراج البرتغاليين وقد بذلوا في ذلك جهودا كبيرة. وقد حاول العمانيون تحقيق هذا الهدف بمفردهم تارة وبمساعدة الأتراك تارة أخرى ولكن دون جدوى بسبب التفوق الكاسح للبرتغاليين في ذلك الوقت طوال القرن السادس عشر.
  • وكانت عودة الإمامة لليعاربة نقطة هامة في تاريخ عمان حيث أصبحت في زمنهم أقوى دولة في المحيط الهندي والخليج العربي ولها أملاك في سواحل الهند والجزيرة العربية وشرق أفريقيا وسواحل إيران.
  • نشر اليعاربة الأمن في سواحل المنطقة وكانت أساطيلهم مصدر الرعب للقراصنة. أما الجانب السلبي فقد تمثل في الأتراك والإيرانيين الذين كانوا يحاولون إضعاف أي قوة عربية وكان اليعاربة هم من وقع على عاتقهم الصمود أمام القوى الطامعة الخارجية وتعتبر دولة اليعاربة والعهود الأولى من دولة البوسعيد من أزهى عصور عمان.

البوسعيد

  • البوسعيد و الفرس, استطاع احمد بن سعيد من محاصرة الفرس في مسقط واستطاع في النهاية طرد الفرس من مسقط وأصبح بعدها المخلص الوحيد للبلاد من شر الفرس الذين تم طردهم نهائيا في 1744م.
  • وقد اتسمت العلاقات الفارسية بالدولة البوسعيدية بالتنافس من أجل الحصول على السيادة البحرية.
  • لقد حقق الإسطول العماني الحماية الكاملة لمنطقة شط العرب وأمن المساعدات القادمة ‏من عمان وفي أوائل عام 1776م إنسحب الإسطول العماني عائداً إلى بلاده خوفاً من ‏أن تكون فارس تعد العدة للهجوم على عمان .

– علاقة البوسعيد مع القوى الأوروبية , فطن الإمام احمد بن سعيد إلى التطلعات الاستعمارية الأوروبية ورسم سياسة خارجية لعمان ارتكزت على مبدأ الحياد وتميزت العلاقة الفرنسية البريطانية بالاستقرار.

  • وكانت طبيعة العلاقة بين فرنسا وعمان طبيعة تجارية, وقد أدرك الإمام احمد بن سعيد أهمية الصداقة الفرنسية.
  • ورغم المعاهدات التى أبرمها العمانيون مع القوى الاستعمارية المختلفة الا أن أبرز هذه المعاهدات وأكثرها فاعلية هى المعاهدات مع فرنسا التى كانت تعكس سياسة عمان فى الحفاظ على علاقات طيبة مع فرنسا لاضعاف ومواجهة النفوذ البريطانى.

ولكن بعد هزائم فرنسا أمام انجلترا فقد انفردت بريطانيا فى الميدان دون منازع فكان السعى للتقرب العمانى مع انجلترا من أجل حاجة البوسعيد الى قوة كبيرة تسانده فى مشاكله الداخلية وتحقيق طموحاته فى السيطرة على الخليج العربى والبحرين.

 

دور القوى المحلية في الخليج العربي في مقاومة الاستعمار

القواسم :

  • شكل القواسم إحدى أهم القوى البحرية في الخليج العربي خلال تلك الفترة وبدايات القرن التاسع عشر. وهى الفترة التي شهدت ازدياد الهيمنة البريطانية في الشرق بصفة عامة على باقي منافسيهم من القوى الأوروبية.
  • وامتد نشاط القواسم البحري إلى بحر العرب والبحر الأحمر وسواحل الهند الغربية.
  • وقد اصطدم القواسم بالبوسعيد في نهاية النصف الأول من القرن الثامن عشر.
  • وقف القواسم في صف بلعرب بن حمير ضد أحمد بن سعيد
  • ورغم الخلاف وأحيانا الصراع بين القواسم والبوسعيد إلا أنهما قد تعاونا معا لمقاومة الأطماع الاستعمارية في المنطقة .
  • تعاون القواسم مع العمانيين لمقاومة الأطماع الفارسية
  • سعى القواسم إلى تحرير الساحل الشرقي والجزر القريبة منه من الاحتلال الفارسي.
  • وبسبب نشاط القواسم في الخليج العربي وسيطرتهم على بعض المراكز الهامة فيه بدا الانجليز في الانتباه إلى هذا الخطر المحلى الذي يهدد مصالحهم الاستعمارية في المنطقة.
  • وقد أشارت التقارير البريطانية إلى خطر اسطول القواسم
  • ومنذ ذلك الوقت وبريطانيا تنتظر الفرصة المناسبة للقضاء على هذا الخطر الجديد.
  • الحملة البريطانية الاولى.
  • وكانت بريطانيا فى طلبها الدعم من البوسعيد تؤكد على أن هذه الحملة هدفها مساعدتهم ضد القواسم.
  • كانت بريطانيا تهدف أيضا إلى عزل القواسم عن الوهابيين لكي يسهل ضربهم من ناحية وعدم إيصال العلاقات الانجليزية الوهابية لمرحلة العداء الصريح لما يمثله ذلك من خطر على المصالح البريطانية في المنطقة.
  • المقاومة العنيدة من القواسم
  • فشلت الحملة البريطانية في تحقيق أهدافها, وكل ما حققته هو إيقاع الدمار ببعض الموانئ القاسمية وحرق بعض السفن.
  • فأقتصر انجاز هذه الحملة على مجرد إعاقة نشاط القواسم مدة قصيرة فحسب.
  • ولم يجد البريطانيين سوى الإعداد لحملة عسكرية كبرى لتحطيم هذا الخطر وهذه القوى الكبرى.
  • ورغم الاستبسال من القواسم إلا أن التفوق هذه المرة كان واضحا وحاسما من قبل الانجليز.
  • وأجبر القواسم على قبول المعاهدة التي عرفت بالمعاهدة العامة في يناير 1820م.وبمقتضى هذه المعاهدة استطاعت بريطانيا أن ترسخ هيمنتها على المنطقة.

أل سعود

  • اهتمام أل سعود بساحل الخليج العربي يرتبط بجهود الشيخ محمد بن عبد الوهاب قائد دعوة الإصلاح التي استقطبت الكثير من القبائل إلى جانب أل سعود.
  • وقد حظيت المنطقة الشرقية باهتمام أل سعود لثروتها الزراعية إضافة إلى أهميتها الإستراتيجية .

وقد أثار توسع أل سعود, خاصة في المنطقة الشرقية, القوى الخارجية التي لها مصالح في الخليج. وأبرز تلك القوى شركة الهند الشرقية البريطانية والدولة الفارسية.

وقد شجعت نجاحات أل سعود السابقة ودفعتهم إلى التطلع إلى جبهات الخليج العربي فتمكنوا من الاستيلاء على قطر والعديد من المدن .

كما أحدثت انتصارات الدولة السعودية ردود فعل متباينة من قبل القوى الاستعمارية.

والحقيقة أن أن بريطانيا كانت مدركة لقوة آل سعود في المنطقة, وفى نفس الوقت لم تكن ترغب في تنامي هذه القوة.

  • الدولة السعودية الثانية
  • بذل الإمام فيصل بن تركي جهودا كبيرة للاتفاق مع العديد من حكام إمارات الخليج متخذا سياسة الحلول السلمية تارة والعسكرية تارة أخرى.
  • فقد كانت سياسة بريطانيا تعارض بشدة أى دولة قوية تحاول مد نفوذها في الخليج وساحل عمان, وقد حدث ذلك مع الدولة السعودية نفسها حيث كانت تقف بريطانيا ضدها وعملت على الحيلولة دون استيلاء الإمام فيصل على مسقط وصحار ووقفت بجانب حاكم البحرين

وقد استمرت سياسة الدولة السعودية في محاولة تحقيق التضامن مع القبائل العربية رغم عدم رضا بريطانيا عن هذه السياسة. وبرز التفوق السعودي بمد سيطرته على مسقط وشيخ البحرين والبونعيم والقواسم .

الدولة السعودية الثالثة

بذل الملك عبد العزيز آل سعود جهودا كبيرة في توحيد الجزيرة العربية ونقل مجتمعاتها البدوية والقبلية إلى نظام يتسم بالاستقرار والقوة تحت راية مركزية وطنية قوية على أجزاء الجزيرة وسواحل الخليج العربي.

والواقع أن سياسة عبدا لعزيز آل سعود كانت ترمى إلى إقامة علاقات ود وتفاهم مع البريطانيين من جانب , والسعي لطرد العثمانيين من الإحساء والقسيم من جانب أخر.

وقد امتدت سيطرة آل عبد العزيز آل سعود على جميع مناطق الربع الخالي حتى جنوب الرياض, ومن الشرق امتدت حدوده إلى الإحساء.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن سياسة بريطانيا تجاه الأمير عبد العزيز آل سعود طوال فترة الحرب العالمية الأولى كانت تسير نحو تحقيق مصالحها بالدرجة الأولى في الخليج العربي.

أدرك الأمير عبد العزيز أن السياسة البريطانية تهدف إلى تقسيم الجزيرة العربية فسارع إلى تشديد حصاره على حائل ليفوت الفرصة على بريطانيا.

وهكذا نجد أن القوى العربية في منطقة الخليج العربي كان لها دور كبير في مقاومة القوى الاستعمارية العاتية في المنطقة , كما تنوع أسلوب المقاومة من قوى عربية لأخرى ما بين الأسلوب السياسي والديني والعسكري.

الحياة الاقتصادية في الخليج العربي /عصر اللؤلؤ

اقتصاد الخليج العربي فقد اعتمد أساساً على البحر في صيد اللؤلؤ والأسماك والتجارة، بالإضافة إلى أنشطة اقتصادية أخرى مثل الرعي والزراعة المحدودة في الواحات والتجارة البرية والصناعات الحرفية التقليدية مثل صناعة السفن والجلود والخيام.

ومارس سكان المنطقة عدة أنشطة بحرية، أهمها: 1 – بناء السفن؛ 2 – صيد اللؤلؤ؛ 3 – صيد الأسماك؛ 4 – النقل البحري والنشاط التجاري.

عُرفت تجارة اللؤلؤ منذ القدم في الخليج العربي، وكانت من أول النشاطات الاقتصادية التي كانت مبنية أثناء الثورة التجارية الأولى على أسس شبه رأسمالية.

وتؤكد المصادر التاريخية والجغرافية التي اهتمت بأمور الملاحة في الخليج بما أن حوض الخليج العربي يعتبر أنسب بيئة لتكون ونمو أصداف اللؤلؤ عن بقيـة البحار والخلجان في الجزء المائي من الكرة الأرضية .

ويمتد شط اللؤلؤ فى الخليج العربى من الشارقة إلى البحرين مروراً بجزيرة حالول، وهو عبارة عن رصيف مرتفع في قاع الخليج يكون فيه شط اللؤلؤ الكبير أمام سواحل قطر والبحرين وأبو ظبي.

مراكز تجارة اللؤلؤ في الخليج العربي:

البحرين – جزيرة دلما – الكويت.

وقد شكل اللؤلؤ أهمية خاصة في صادرات الخليج العربي، واحتل مركزاً مرموقاً بين الصادرات الأخرى. وقد بلغت قيمة صادرات اللؤلؤ نحو 75 % من جملة الصادرات في عام 1906م .

مجلس التعاون الخليجي

ظهرت الحاجة إلى قيام اتحاد تكاملي بين دول الخليج يهدف إلى توحيد القرار في  السياسة الخارجية والتعاون الاقتصادي والدفاعي بين دوله

كان للملكة العربية السعودية دور بارز فى هذا الاتجاه حيث ابرزت حكومة المملكة العربية السعودية استعدادها  لزيادة التعاون الاقتصادي والفني مع دول الاتحاد بهدف إسعاد شعوبها ورفاهيتها.

وخلال الفترة التالية تبلورت عدة ظروف دولية وإقليمية دعمت فكرة قيام إطار للتعاون بين دول الخليج مجتمعة. الصراع بين روسيا وامريكا – الحرب العراقية الإيرانية .

وقد نشطت المملكة العربية السعودية في الدعوة إلى قيام تعاون أمني للدول الخليجية.

إنشاء المجلس(25 مايو 1981م توصل قادة كل من المملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، ودولة قطر، ودولة الكويت في اجتماع عقد في أبوظبي إلى صيغة تعاونية تضم الدول الست تهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها).

النظام الأساسي

الهيكل التنظيمي (المجلس الأعلى – المجلس الوزاري )

الأمانة العامة

حتمية التكامل الاقتصادي

مبادئ سياسة المجلس الخارجية

أهم الإنجازات في المجالات الاقتصادية:
توحيد التعريفة الجمركية – وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشئون الاقتصادية والمالية والشئون التجارية والجمارك والمواصلات والاتصالات والطاقة ودفع عملية التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والثروات المائية – تجسيد المواطنة الخليجية في كافة الأنشطة التجارية والعقارية والصناعية والاستثمارية والعمل – قيام السوق الخليجية المشتركة.

الأمن في الخليج

دور المملكة والمبادرات الفردية

الموقف من الأخطار والتحديات المحيطة بمنطقة الخليج

  موقف المملكة من الحرب العراقية ألإيرانية

الموقف تجاه غزو العراق للكويت

2)تاريخ الخليج العربي-1/1/2021

 

شارك المقالة:
السابق
تعرف على موقع سيارة
التالي
تاريخ التعليم في العصور الأسلامية