المدينة المنورة

تاريخ المدينة المنورة القديم وتطورها

تاريخ المدينة المنورة القديم وتطورها

تاريخ المدينة المنورة القديم وتطورها

مدينة المنورة يلقبها المسلمون “طيبة الطيبة” أول عاصمة في تاريخ الإسلام، وثاني أقدس الأماكن لدى المسلمين بعد مكة

بدايات المدينة الإسلامية

تبدأ نشأة المدينة الإسلامية من يثرب بعد هجرة الرسول صلى الله عليه و سلم ،و التي حولتها إلى مدينة بمفهوم حضاري واضح انسحب على تسميتها فأصبحت تُسمى المدينة ، فبعد الهجرة حدث تغيير واضح سعى الرسول صلى الله عليه و سلم إلى تحقيقه، و أساسه الدعوة إلى الإسلام ذلك الدين الذي بدأت في ضوء قيمه و تعاليمه عملية تهيئة المجتمع الإسلامي الجديد لحياة حضارية تلازمت تماماً مع اهتمامه بالكيان المادي للمدينة ، فأدى ذلك تدريجياً إلى تكامل المراكز الحضارية الإسلامية . و قد عمل الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة على إحلال رابطة الأخوة الإسلامية مكان القبيلة

وهي الرابطة العامة لجميع القبائل تحت راية واحدة هي راية التوحيد فأدى ذلك إلى تكوين مجتمع متماسك تربطه روابط قوية تساعده على تحقيق قيم الإسلام و تطبيقها ، كما عمل الرسول الكريم على إبدال العصبية القبلية بعصبية الموطن و الأرض ، كما أقرَّ مبدأ الاستخلاف على المدن فعندما كان يخرج غازياً كان يستخلف على المدينة من يضبط أُمورها في غيبته و كذلك فعل في الأقاليم الأُخرى حيث استعمل عمالاً على اليمن و نجران و صنعاء

مخطط المدينة المنورة

ومن الناحية المادية فإن موضع المدينة عبارة عن سهل فسيح يتميز بخصوبة التربة وكثرة المياه ، وكما أوجدت فيها الأسواق التي تكونت خارج الأحياء السكنية . و أُقيمت في أحياء القبائل السقائف مثل سقيفة بني ساعدة و التي تمثل ديوان القبلية و سقيفة الريان تجتمع فيها القبائل للتشاور في أمُورها و كان لليهود فيها بيوت و مدارس تشبه مساكن المسلمين ، و صار للرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة طبيعة دنيوية تمثلت باعتباره رئيس للمسلمين إِضافة إلى كونه رسول نبي للأمة

بناء الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة

حيث أن أول ما بني في المدينة المسجد النبوي ثم بيته ، و بدأت بيوت المهاجرين و الأنصار تحيط به .ثم بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بتوزيع القطائع و الخطط بين القبائل في أحياء المدينة فوزع القبائل في خطط و أحياء خاصة بها حسب ظروف القبائل و إمكاناتها في الإنشاء و التعمير و على هذا النحو سار إقطاع الخطط و المدن الإسلامية في البصرة منذ سنة 14هـ / 635م ، و الكوفة 17هـ/ 638م ، و الفسطاط 21هـ / 641م ، والقيروان 45هـ / 665م ، و بغداد 145هـ / 762م وسر من رأى 221هـ / 835م و غيرها .والخطط هي محلات سكنية

ولقد كان تقسيم المدينة الإسلامية إلى خطط ” محلات سكنية ” كانت انعكاسا للصياغة الإسلامية التي حاولت الموافقة بين الطبيعة القبلية العربية و التأكيد على رابطة صلة الرحم بين القبيلة الواحدة وجمع هذه القبائل في خطط تجمعها مدينة واحدة ذات كيان مادي متكامل وإِطار اجتماعي أشمل و أعم ، وقد توزعت المساجد على خطط المدينة لتلبية حاجات المصلين . أما الصلوات الجامعة فكانت تقام في المسجد النبوي كما حُدد في المدينة المنورة ساحة فضاء فارغة عُرفت بمصلى العيد ، و كان لكل قبيلة في خطتها مقبرة على الرغم من أن مقبرة البقيع سنة 10هـ/ 631م.

أصبحت أرض دفن جامعة إضافة إلى ذلك فقد جعل الرسول صلى الله عليه و سلم للمدينة سوقاً واحدة باعتبارها مرفقاً ضرورياً لحياة المجتمع المسلم النامي في المدينة يغنيهم بحاجاتهم ، و أقر الرسول صلى الله عليه وسلم نظام المراقبة بالأسواق ، فكان يقوم بنفسه بمراقبة الأسواق و يوضح الأسس الإسلامية في التعامل ، و قد أكَّد على رقابة الأسواق فعين عمر رضي الله عنه على سوق المدينة و بعد فتح مكة سنة 8هـ استعمل سعد بن العاص على سوقها .

و كان سوق المدينة فارغاً لا بناء فيه ، ثم ضربت فيه الخيام إلى أن جاء عهد معاوية ” الدولة الأموية ” فتم بناء المحلات و الأسواق ثم رُبطت هذه المحلات بشوارع و طرق من و إِلى الأحياء ، وقد اختلفت مقاييس شوارع المدينة ، فكان عرض الطريق الأعظم الذي يمتد من المسجد النبوي إلى مصلى العيد عشرة أذرُع بينما عرض الطريق الجانبية خمسة أذرُع .فقد اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم في الشؤون الدفاعية في المدينة المنورة من الناحية الحربية ، فأمر بحفر الخندق بمشورة الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه إبان غزوة الأحزاب

و أمر بإنشاء ميادين و ساحات لاستعراض الجند خارج أسوار المدينة ، وقد سنَّ الرسول الكريم إِقامة أماكن للعلاج و التداوي و التطبيب في المدينة ،كما أنه خصص بالمدينة دوراً للضيافة و استقبال الوفود مثل دار عبد الرحمن بن عوف الكبرى التي سُميت بدار الأضياف و دار رملة بنت الحارث الأنصارية التي نزلها وفد غسان وبني ثعلبة و عبد القيس و فُزارة و بني حنيفة ، كما بُنيت سجون لحبس المُخالفين و المُعاقبين ، و حُددت أماكن القضاء و سُميت بــ” المناصع” .

و قد دعا الرسول صلى الله عليه و سلم إلى فصل المنزل الواسع إذا سمحت الظروف بامتلاكه ، ودعا الرسول الكريم إلى إِحياء الأرض الموات ، فقد روى أبو يُوسُف أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال: 1) من أحيا أرضاً مواتاً فهي له ، و قد أقر الرسول الكريم نظام الوقف في المدينة مثل بئر رومة الذي اشتراه عثمان بن عفان رضي الله عنه من ماله الخاص و جعله سبيلاً لعامة المسلمين .

أثر الفتوحات الإسلامية في قيام المدن الإسلامية

و بعد حروب الردة اتجهت حركة الفتوحات الإسلامية إلى الأقاليم المُجاورة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب حتى صارت تضم مصر و العراق و بلاد  الشام و جزء من بلاد فارس و باتت الحاجة مُلحة لإدارة هذه الأقاليم فأُقيمت بها مُدناً كمراكز لإدارة حركة الفتوحات في المناطق المُجاورة

مدينة البصرة

بدأت هذه المدن بـــــ :

البصرة : أُسست كمُعسكر حربي سنة 14هـ/634م و أسسها عتبة بن غزوان بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، و خُطط المسجد الجامع نواة لها و بجواره دار الإمارة و أقطعت القبائل خططها بجوار المسجد، وخططت بها الشوارع  أكبرها عرضه ستين ذراعاً و ما سواه من الشوارع عشرين ذراعاً و جعلوا عرض كل زُقاق سبعة أذرُع و جعلوا وسط كل حي ” خطة ” رحبة واسعة لمرابط خيولهم و قبور موتاهم

وكانت المنازل من القصب ، ثم تطورت البصرة و اتسعت في ولاية أبو موسى الأشعري “17-19هـ” الذي نظم الأحياء و قسمها بين القبائل ، و بنى دار الإمارة و المسجد الجامع من اللبن و الطين ، و أمر بحفر نهر الأبلة لنقل المياه العذبة إلى السكان ، وقد ساهم عبد الله بن عامر في تطوير البصرة ” 25-36هـ ” فقد أسس في المدينة الأسواق . وكون البصرة مركزاً إِدارياً هاماً يرتبط فيه البحرين وما تم فتحه من بلاد فارس و صارت المدينة غنية بما يصلها من غنائم الفتوحات فهاجر إليها كثير من الناس لطلب الرزق و العيش

وقد تطورت البصرة في عهد زياد بن أبيه الذي بنى فيه دار الإمارة و المسجد من الآجر و الجص ، كما أعاد تقسيم المدينة إلى خمسة أخماس في كل خمس مجموعة من العشائر التي تنتمي إلى قبيلة واحدة على كل قبيلة رئيس ، مما يسهل عليه إِدارة المدينة ، و بنى فيها سوقاً كبيرة سماها ” سوق الرزق

مدينة الكوفة

الكوفة :- كانت مُعسكر حربي منذ سنة 17هـ أسسها سعد بن أبي وقاص و حدد اتساع شارعها الرئيس بأربعين ذراعاً ، أما الشوارع الفرعية فحددها بثلاثين ذراعاً و حدد الأزقة بسبعة أذرُع، و أُنشيء المسجد الجامع وسط المدينة و بجواره دار الإمارة ، و قُسمت الأحياء بين القبائل و وزعت المساجد في خطط القبائل و كان لكل قبيلة مقبرتها المعروفة ، أما سوق الكوفة فكان ساحة فارغة من البناء

مدينة الفسطاط

و بقيت كذلك حتى عهد هشام بن عبد الملك (105-125هـ ) عندما قام عامله على الكوفة خالد القسري بإنشاء الأسواق على هيئة معمارية جديدة تشتمل على حوانيت سفلية و مساكن علوية للسكن

الفسطاط :-

 سار تخطيط الفسطاط على نفس النمط للمدن السابقة فقد أسسها عمرو بن العاص بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما سنة 21هـ

، وكان عمرو يرغب أن يسكن الإسكندرية ، ولكن الخليفة عمر أمره أن يبني في موضع لا يفصله عنه ماء ” نهر النيل ” فاختار الفسطاط شرقي النيل، فاختط في الموقع المسجد الجامع ثم  السوق ، و وزع الخطط بين القبائل ومن هذه الخطط خطة أهل الرأي و خطة أهل الظاهروغيرها و الخطة هي الحي السكني ، بدأت الفسطاط كبيرة في عمرانها حتى بلغت سبع و أربعين خطة عند إنشائها ، وتركت حرية تقسيم الخطط في كل خطة إلى أفراد القبيلة كما حدث في البصرة و الكوفة و كان لكل خطة ساحات فضاء و رحاب

، ومع استمرار حركة الفتوحات الإسلامية و دعم هذه المدن بالجيوش حدث النمو الطبيعي في مدن الأمصار و بذلك زادت الحاجة إلى المساحات التي تتسع إلى هذه الزيادة السكانية المتتابعة فتلاصقت الخطط

 

تطور المدينة الإسلامية

و قد تطورت المدن سالفة الذكر فتحولت بمرور الأيام من مجرد مُعسكرات حربية إلى مدن ذات معايير واضحة . فمع انتشار الإسلام زاد عدد المسلمين من غير العرب ” الموالي ” و أصبحوا جزء من نسيج المدينة و تكوينها و زاد عددهم و شاركوا في الفتوحات الإسلامية، و قد عمل بعض الموالي في إدارة الدولة الإسلامية              

نشأة العلوم الشرعية في المدن الإسلامية

فمنهم من عمل بالدواوين و بعضهم من عمل بالتجارة و هناك من عمل منهم بالحرف و الصناعات و فلاحة الأرض .

نشأة العلوم الشرعية في المدن الإسلامية :عندما استقرت الحياة في مدن الأمصار ” مدن الهجرة ” ضعُفت الروح العسكرية تدريجياً لاسيما بعد توقف حركة الفتوحات

الفقه في المدينة الإسلامية

و ظهر هذا التحول في النواحي الفكرية و الاجتماعية و الاقتصادية ، فقد أخذت المبادئ و القيم الإسلامية تتغلغل بالتدريج و ظهر ذلك في محاولة المُشتغلين بالفقه و الحديث في بث المفاهيم الإسلامية و في وزن العرف و التقاليد المحلية السائدة بميزان إسلامي و إِكسابها و جهة إسلامية ، و قد أسفرت هذه المحاولات عن نشأة الفقه عن ظهور مدارس فقهية محلية تتمثل في الجهود الجماعية

و ينمو إِرثها الفكري بطريق التراكم و التكامل دون أن تُنسب لشخص واحد ، كما حدث في العصر العباسي ، ففي الكوفة و البصرة كان الهدف هو طبع الحياة العامة بطابع إسلامي و إلى جانب ذلك حدث تطور في الحياة السياسية حيث انتشرت الآراء السياسية للأحزاب من شيعة و خوارج و مرجئة و عثمانية و غيرها

و قد تجلى ذلك في الكوفة و نتج عنها ثورات فمنذُ فاجعة مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما في كربلاء حتى ثورة زيد بن علي ، تحولت روح المقاومة من قبلية إلى مُقاومة سياسية حزبية

و قد عملت التيارات السياسية على تذويب النزعة القبلية و نشوء تكوينات و طبقات اجتماعية متأثرة بتطور الأحداث التي حركتها عوامل مختلفة

مدينة واسط

و نتج عن ذلك تكوين مدن جديدة كان أولها واسط التي ارتبط إنشاؤها في العهد الأموي بما وقع من أحداث سياسية في البصرة و الكوفة فبُنيت مدينة بين المدينتين على يد الحجاج بعد موافقة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.

تابع مدينة واسط

خططت المدينة تخطيطاً مرتبط بظروف نشأتها و وضعها الإداري و فيها ما اشتملت عليه المدن الأُخرى كالمسجد الجامع و دار الإمارة في الوسط و تضمينها الأسواق اللازمة و فيها ملامح جديدة تعكس ملامح النظام الأُموي الجديد الذي استبدل الخلافة نظاماً ملكياً

و أضفى على مدنه و مبانيه هذا الثوب الجديد الذي يتلاءم مع هذه الصفة، و هو أمر نلاحظهُ في الطفرة المعمارية للعمارة الأموية ، بنى الحجاج واسط سنة 75هـ ، و أنزل فيها الحرف و الأسواق مثل الصيارفة و العطارين و الخرازين ، و أنشأ فيها الأسوار و الخنادق لتكون مركزاً إدارياً ناجحاً في إدارة العراق

و حتى يتمكن الحجاج من فرض السلطة الأموية على العراق و إدارتها و كي يقضي على الفتن و الثورات التي تهدد الأمويين في هذه البلاد،و من جهة أُخرى يؤمن الحجاج و جنده من الشوام من فتنة أهل الكوفة و البصرة

المدن العباسية

المُدن العباسية :- يمثل إِنشاء العباسيين لبغداد و سامراء نضج هذه المرحلة من التطور حيث أضحت هذه المدينة تمثل ثوب العظمة للحكام ، فقد كان هدف المنصور من بناء بغداد هو إبراز مكانة الدولة العباسية و ترسيخ دعائم حكمها ، و كان الهدف من إنشاء مدينة سامراء مرتبطاً بما حدث من تطور في تشكيل و حياة البلاط و الإدارة في الوقت ذاته ليعظم الحكم و الحاكم بعدما استقرت دعائم الحكم العباسي

و إِذا قارنَّا بين بغداد و سامراء و مُدن الأمصار فأننا نجد كثير من المتشابهات ممثلة في النظام الإقطاعي و الخطط كنظام مُتبع لتنمية عمران المدينة و تخطيطها ، وكانت التنمية متروكة للأفراد في كل مجموعة سواء كانوا أعضاءا في قبيلة أو فرقة أو جيش ، و في كل منها كان المسجد الجامع وسط المدينة

و كذلك دار الإمارة غير أن بغداد كانت استثناءاً في بُعد أسواقها عن المسجد الجامع .

وتُعتبر بغداد مدينة ملكية كانت تكويناتها المعمارية داخل الأسوار ثم نمت خارج أسوارها أرباض  “أحياء ” العامة ثم تطورت هذه الأرباض بعد ذلك إلى مدن للعامة ، ومن المدن التي تعكس ذلك المهدية و القاهرة في مصر و فاس و الرباط في المغرب الأقصى و الزهراء في الأندلس

و قد اختلفت أسباب نشأة المدن الأُخرى التي لم تكن حواضر للملك أو مركز للإدارة و تنوعت هذه الأسباب ما بين إِقتصادية و حربية و دينية و كذلك المدن التي كانت قائمة قبل الإسلام و أصبحت تحت لواء دولته ؛ فأنها بدأت تُكيف نفسها و تتشكل هي الأُخرى بهذا التشكل نفسه الذي طور نفسه مع مُتغيرات العصر من فترة إلى أُخرى ، وتطورت المُدن الإسلامية و ازدهر عُمرانها

حيث اتسع عمران بعض المُدن إِتساعاً هائلاً بفضل المُقومات الحضارية التي توفرت لها ؛ ومن المؤشرات التي تدل على ذلك زيادة عدد السكان ومثال على ذلك البصرة التي بلغ عدد سكانها في العهد الأموي ثلاثمائة ألف و كذلك قرطبة التي بلغ عدد سكانها في عهد المنصور بن أبي عامر نصف مليون

دمشق

أما دمشق

 فقد ارتقى المستوى الصناعي فيها ، فقد أصبحت هذه المدينة في العهد الإسلامي

جامعة لصنوف المحاسن و ضروب الصناعات ، و أنواع الأقمشة الحرير و الخز و الثياب و الديباج   

 

تخطيط المدينة الإسلامية وأهدافها

 

كان انتشار المدارس و الخانقات و الربط و الزوايا في القاهرة كردة فعل سنية على انتشار المذهب الشيعي ، وقد كان دافع المماليك في إضفاء نوع من الشرعية على حكمهم و إِبراز تمسكهم في الدين الإسلامي ، و ازدهرت الحياة الدينية و تدعمت مدارس الفقه السني بعد أن تخرجت أجيال عديدة من الفقهاء الذين أثروا الحياة العلمية و الدينية في ذلك العصر

و صارت القاهرة مركزاً للإشعاع الحضاري يجذب إليه طلاب العلم من كل مكان طمعاً في الإفادة و الاستفادة  .

و قد ارتبط تطور العمران في المدينة الإسلامية أو انحساره بتغير الخريطة السياسية للعالم الإسلامي في مختلف العصور توحداً تحت راية خلافة  إِسلامية واحدة

ثم انقساما إلى ثلاث خلافات ، ثم تفتُتاً إلى دول مشرقية و مغربية و ما صاحب ذلك من أَحداث تعرضت لها أقاليم الدول الإسلامية شرقاً و غرباً ممثلة في هجمات الصليبين ثم المغول ثم المسيحيين الأسبان على مُسلمي الأندلس.

تخطيط المدن الإسلامية :- قبل الحديث عن هذا الموضوع يجب التفريق بين الخِطة و التخطيط ، فالخطة ترتبط بالتركيب العمراني فقط بينما التخطيط يشتمل على كل ما يتعلق بالمدينة من الناحية الطبيعية و الحضارية و السكانية و العمرانية و الإقليمية .

أهداف المدينة الإسلامية :-

أول ما بدأت المدن كان الهدف الرئيسي يبدو على هيئة مُعسكرات حربية مثل الفسطاط و البصرة و الكوفة ، و ثانيها أُنشئت لأغراض إِدارية مثل واسط ، و ثالثها أُنشئت كعواصم أو حواضر للدولة مثل بغداد أو فاس ، و رابعها أُقيمت تحصينات دفاعية مثل الرباط،

تخطيط المدينة    شروط

و خامسها نشأ مُرتبطاً بعوامل دينية مثل النجف و كربلاء .

و يقوم تخطيط المدينة الإسلامية على مجموعة من الشروط

أولها : اختيار الموقع من حيث توفر متطلبات و عوامل الجذب السكاني كتوفر المياه و اعتدال المناخ و جودة الهواء و وفرة المراعي و الاحتطاب

ثانياً : حصانة الموقع من حيث حماية سكانها من الأعداء و الذعَّار

ثالثاً : خصوبة التربة و هو ما عبرت عنه المصادر بطيب المحراث

ومن المدن التي جمعت كل هذه الشروط مدينة فاس في المغرب الأقصى .

رابعاً : توسط الموقع الجغرافي و قربه من الطرق الرئيسية ، من أجل دعم حركة التبادل التجاري و ينطبق هذا الشرط على مدينة الموصل ، كونها باب العراق إلى الشام و خُراسان و أذربيجان

خامساً : الظروف البيئية في الموقع ، فقد أّصيب الجيش المسلم الذي توجه إلى فتح بلاد فارس بالهزال عندما استقروا في المدائن ، فلما علم الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك أمرهم بالرحيل عنها إلى موقع آخر .

المدن الدينية

 

قدم المسلمون إلى مُدُن قديمة لها اعتبارات دينية خاصة و منها ما نشأ بعيداً عن توافر الشروط الطبيعية لاختيار الموقع و كان تحديد موقعها توقيفياً مثل مكة المكرمة التي أُنشئت في وادٍ غير ذي زرع ، و منها ما نشأ قديماً نشأة طبيعية مرتبطة بالتجارة و الإنتاج

و عايشت أحداثاً إسلامية مرتبطة بالبعثة النبوية مثل مدينة القدس التي أُسري إليها الرسول صلى الله عليه وسلم و عُرج به إلى السماء و فيها المسجد الأقصى أولى القبلتين و ثالث الحرمين الشريفين ، و منها ما كان موطن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة و تحولت من مجرد قرية أو مجموعة من المحلات السكنية المُستقلة إلى مدينة متكاملة حضرياً كالمدينة المنورة  .

و في مراحل لاحقة ظهرت بعض المدن التي نمت حول مدافن أئمة أو علماء ، فكانت هذه المدافن نواة مدن كبيرة مثل كربلاء و النجف و الكاظمية و الأعظمية و غيرها

و يُدرج بعض الباحثين هذه المُدن في عداد المُدن الدينية لاسيما أنها اُتخذت مسرحاً لإقامة شعائر و طقوس دينية يُقيمها من يعتقد في هؤلاء الأئمة و العلماء .

بعد اختيار الموقع يتم تخطيط المدينة من حيث المرافق التي تتوافق مع الحاجات الاجتماعية و الاقتصادية للسكان ،

و كانت المدينة الإسلامية تتميز في التخطيط من حيث المحاور التي تحويها جميع المُدن الإسلامية  ، و هي :

1- المسجد الجامع .

2- دار الإمارة .

 3- الخطط ” الأحياء ”

آراء المستشرقين

آراء المستشرقين حول المدينة الإسلامية :

أنكرت بعض الدراسات الغربية وجود أسس تخطيط ثابته للمدينة الإسلامية و أنها خالية من أي تخطيط أو تنظيم بمعنى أنها عشوائية ، وتعم فيها الفوضى على عكس ما كانت عليه المُدن الرومانية و مُدن أُخرى في أوروبا العصور الوسطى و هذا الرأي قاله ” سوفاجيه ” و تبناه “جرونباوم” و ” بلانهول ” ، و قالوا أن الإسلام ورث مُدُناً قديمة فالسوق هو ميراث عن الرومان و كذلك الحمامات

و هذا كلام غير صحيح كون المستشرقين درسوا المدن الإسلامية من منظور دراسة تاريخ الرومان، ولم يكن لديهم معرفة بالأسس التي تحكم تخطيط المدينة الإسلامية ومن آراء المستشرقين ما قاله ” لابيدوس ” ، حيث قالوا أن المدن الإسلامية نشأت و تطورت عُمرانياً و لم تعُد مُدُناً مفردة بل مُدُناً مركبة بمعنى أنها تضم أكثر من مدينة مثل بغداد التي تكونت من الكرخ و الرصافة و القاهرة التي تكونت من العسكر و الفسطاط و القطائع .

أما روجز : فيرى أن تخطيط سامراء نموذج لمدينة إسلامية يختلف عن أي مدينة هيلينية ، و هو أمر يكشف عن مُحاولة بحثية لمعارضة الإتجاه الذي أكد تأثر تخطيط المدينة الإسلامية بالمدن الهيلينية ، و سامراء نشأت لظروف خاصة دفعت إلى إِنشائها ، ففكر المعتصم في إنشائها  لتكون مقراً للجند الأتراك ، وعاصمة لدولته بعيداً عن بغداد التي ضاقت بالأتراك لِما كانوا يُحدثونه من مُشاغبات

كما أنها نشأت في ظروف سياسية و اقتصادية مُختلفة عن الظروف التي أُنشئت فيها بغداد مثلاً

 

 تخطيط المدينة الإسلامية

ومن ثم أنطلق عُمرانها و تخطيطها من ظروف نشأتها ، فاقطعت الخطط للقادة بعيداً عن مناطق سكن العامة التي تركزت حول المسجد الجامع في شمال المدينه

فكان الفصل الإجتماعي بين الأتراك و العامة مقصوداً في هذا التخطيط و ماعدا ذلك سار التخطيط مُنطلقاً من المحاور الأساسية في أي مدينة           

فالمسجد الجامع و الخطة و قصر الخليفة قائمة ولكنها بتوزيع يتفق و نشأة المدينة الإسلامية، و إِمكاناتها و ظروف نشأتها ، و يُلاحظ أيضاً أن العمر المحدود لهذه المدينة لم يكن من إِعمال مظاهر التغيير التي نلحظها في غيرها من المدن المُعِمرة

و أكد جورج مارسيه على بعض ملامح المدينة الإسلامية و حاول إبرازها كالتوزيع الطبوغرافي للسكان و موضع المقبرة خارج السور ، و أكد على أثر الإسلام في المدينة الإسلامية و وحدة تركيبها ، و إِنعكاس ذلك على تشابه المدن الإسلامية بصفة عامة

مما سبق يتضح جوانب التخطيط الإسلامي للمدن ابتدءاً من اختيار الموقع ثم تخطيط الموضع تخطيطاً يُحقق غايات المجتمع الفردية و الجماعية المادية و الروحية إنطلاقاً من القيم والمبادئ الإسلامية ، فبرز إلى حيز الوجود التكوين أو التركيب المادي للمدينة الإسلامية تحكمه قوانين إسلامية خالصة تنظم عناصره و مكوناته تنظيماً خاصاً متميزاً

صاغ في النهاية الهيئة الواحدة التي نراها في جميع المُدن الإسلامية و واكبت هذه القوانين ما كان يحدث من نمو معماري لهذه المدن في هيئة أرباض أخذت الهيئة نفسها التي شكلت المدينة الإسلامية الأُم و ارتبطت بها ارتباطاً عضوياً و وظيفياً .

و في إطار ذلك أيضاً تمت كل حالات التغيير و التعديل التي تطرأ على المدينة من فترة إلى أُخرى استجابةً لسنة تطويرها و تكيُفاً مع ظروف الحياة في هذه المدينة أو تلك . و هكذا تتضح الرؤية التخطيطية للمدن الإسلامية و يصح أن تُوضع في الإعتبار عند دراسة أو تحليل التكوين المادي للمدينة الإسلامية

تخطيط المدن الحربية :-         

يُمثل الأمن و الأمان قيمة أساسية للمُجتمع الإسلامي المُستقر و إنطلاقاً من أهمية الأمن أُعتبر السور من المعايير الحضارية التي تُميز المُدن ، و اعتبر الإسلام أن بناء الأسوار و الأبراج و القلاع و الحصون من الوسائل التي تساعد على حفظ النفس و المال و العرض ، و هي من مقاصد الشريعة و هي واجب للدفاع عن حرمات المسلمين

و يبدأ تحصين المدينة باختيار الموقع الذي اشترط المفكرون المسلمون فيه أن يكون حصيناً بطبيعته .

كأن يكون على هضبة وعرة من الجبل أو باستدارة بحر أو نهر حتى لا يوصل إليها إلا بعد العبور على جسر أو قنطرة فيصعب منالها على العدو و يتضاعف تحصينها

و يُساعد الموقع المتحصن تحصيناً طبيعياً على سهولة الدفاع عن المدينة و لكن ذلك لا يمنع من إِقامة الأسوار حولها لتحقيق هذه الغاية تحقيقاً سليماً في ضوء الأساليب الدفاعية و الهجومية و آلات الحصار المـُستخدمة

و قد اختلفت الإنشاءات الحربية باختلاف مواقع المدن ، فمنها ما استدعى إنشاء قلعة تحميها على تل قريب لوقوع المدينة في وادٍ كحلب .

ومن المُدن ما أُحيطت بأسوار و خنادق مثل بغداد و القاهرة و المهدية

و كان السور يُشكل خطاً دفاعياً هجومياً مُتكامل ، و حتى يستطيع هذا الخط الدفاعي أن يُحقق مهمته بكفاءة كان لابد من تزويده بما يحتاجه من عتاد و تقويته و قد عكست عناصر العمارة الحربية تطور أساليب الدفاع المتلاحقة و يُلاحظ ذلك في أبراج المراقبة وفي قلاع الثغور و الموانيء

و هو أمر برع فيه المعمار الإسلامي من خلال ما أنشأه من أسوار و قلاع و أبراج تُمثل وسائل مُختلفة لتحصين المدينة الإسلامية ، و قد أكّد على هذا الأمر عقبة بن نافع عندما اختار موقع القيروان فجعلها بعيدة عن البحر داخل الصحراء حتى لا تكون في مرمى الأساطيل المعادية

خاصة و أن المسلمين مُبكراً ” القرن الأول الهجري ” لم تكن لديهم القوة البحرية الكافية لتمكينهم من الدفاع عن مدن ساحلية ، ومن أولى المدن الإسلامية التي اهتم بتحصينها مدينة واسط ، فقد حُفر لها خندقاً يحيط بأسوارها و وضعت في الأسوار أربعة أبواب

و كان اختيار موقع المدينة بين الكوفة و البصرة للسيطرة عليهما و إِبعاد جند الحجاج من الشوام عن الاختلاط بأهل الكوفة و البصرة مخافة الفتنة ، و لتأمين مركز الإدارة الناشيء من أي ثورات يحدثها أهل البصرة و الكوفة ضد الأمويين .

وتعد بغداد من أروع الأمثلة على تخطيط المدن الإسلامية من حيث متانة التحصينات

و تُمثل مرحلة مُتقدمة في التخطيط الحربي بأسوار المدن في القرن الثاني الهجري فقد جاء تخطيط هذه المدينة مُستديراً ، فأوفى في الغرض الحربي بإعطاء رؤية مُتكاملة واضحة للجند المُدافعين عن أسوار المدينة ، كما أن هذا التخطيط المُستدير حقق غرضاً اقتصادياً من ناحية التوفير في تكاليف البناء

فمحيط قطعة من الأرض على شكل دائرة أقل من محيط المربع المساوي لها في المساحة .

كان التخطيط الحربي لمدينة بغداد يقوم أساساً على عدة خطوط دفاعية مُتتابعة تُحقق إِعاقة المُهاجمين و تُمكن المُدافعين من ضربهم ، فقد حُفر حول المدينة خندقاً يُحيط بأسوارها ، وكان يُملأ بالماء وقت الخطر لإعاقة المُهاجمين

أما أسوار و قلاع المدن في المغرب و الأندلس فنلاحظ أنماطاً متعددة من الأبراج التي اشتملت على العديد من الحيل المعمارية التي تُساعد على ضرب العدو مما يكشف عن براعة المخطط

فعندما أراد عبد الرحمن الناصر سنة 301هـ تحصين قرطبة بنى لها أبواباً لتسهيل الدفاع عنها و إِتاحة الفرص للحرس مُضاعفة حراستهم ، كما ابتدع المرابطون و الموحدون أبواب المدن التي أُطلق عليها ” الأبواب ذات المرافق ” و تعتبر هذه الأبواب من الأمثلة المُبتكرة التي ابتدعها المرابطون

 

تحصين المدن الإسلامية وتخطيطها

علاقة التحصين بتخطيط المُدن الإسلامية              

يلاحظ أن نمو المدن الإسلامية المُسورة كان يمتد خارج الأسوار في مدة قصيرة لإزدحام المدينة بسكانها ، وكان هذا الإمتداد يأخذ هيئة محلات سكنية متكاملة تُسمى ” أرباضاً ” بُنيت لها أسواراً خاصة بها كانت تربطها بأسوار المدينة الأصل

و كان كل ربض يشتمل على التكوينات المعمارية التي تستلزمها حياة ساكنيها و من أمثلة المدن الإسلامية المُحتوية على الأرباض مدينة قرطبة ، وكان للأحداث السياسية و الحربية العامة التي تعرضت لها بلدان العالم الإسلامي في عصوره المتتابعة أثرها المُباشر في بناء التحصينات المُختلفة التي تُمكن المدينة من الدفاع عن نفسها

و قد اختلفت هذه الإجراءات باختلاف الدول و العصور

ففي الدولة الأموية اهتم الأمويون بإنشاء التحصينات اللازمة لحماية الثغور في الدولة الإسلامية و مدن الشام من غارات الروم المتوقعة على هذه الثغور و المدن فاستغلوا الحصون البيزنطية القديمة

و رمموا ما تهدم منها  ، وبنوا ما كانوا في حاجة إلى بنائه لتدعيم الدفاع عن هذه المُدن و تمدنا المصادر بمعلومات عن عدد المدن الساحلية في العهد الأَموي فقد بلغت على سواحل الشام ثمانية عشر مدينة تبدأ من أنطاكية و حتى عسقلان و كانت هذه المنطقة  في العصور الوسطى مسرحاً للحروب الصليبية

و انعكس ذلك إِنعكاساً مُباشراً على تحصيناتها ، فاهتم المسلمون بتحصين قلاعهم و حصونهم و أسوار مُدنهم و أنشأ الصليبيون قلاعاً جديدة في المواقع التي احتلوها لتكون مُرتكزاً لقواتهم التي تُحاصر المُدن الساحيلة الحصينة الضخمة أو خطوط الإنطلاق للحملات الجديدة و الغارات السريعة داخل الأراضي العربية ،

إضافة إلى اهتمامهم بإعادة بناء و تقوية القلاع و الأبراج.

وكان للاعتداء الذي تعرضت له قوافل الحُجاج أثر كبير في حماية منازل الحُجاج و طُرق قوافلهم بإنشاء التحصينات و القلاع اللازمة لتأمين الحُجاج و دفع هجمات الأعراب التي تعترضها

و قد اهتم حُكام المسلمين على اختلاف دولهم و تتابعها بمرافق هذه الطريق و محطات الحجيج المُختلفة و زاد الإهتمام بتحصينها و تأمينها . كما اهتموا بتحصين هذه القلاع إِبان الغزو الصليبي و خاصة عندما ظهرت نوايا الصليبين في حصن الكرك جنوب الأردن لمُهاجمة المُقدسات الإسلامية

ومن الأمثلة على ذلك قلعة المويلح و قلعة تبوك .

و قد تعرضت المدن الساحلية كذلك لغارات القراصنة بين وقت و آخر و خصوصاً مُدن الموانيء على البحر المتوسط ، مما دعا إلى الاهتمام بتحصينها و إِقامة الأبراج و القلاع التي تحرسها

و لا أدل على ذلك من تلك القلاع و الأبراج التي أنشأها المماليك في طرابلس و دمياط و رشيد الإسكندرية ، و قد بلورت التجربة و الخبرة فكرة تأمين الحاكم المسلم في المدينة الإسلامية عن طريق الأنفاق و السراديب مثل حكام الدولة الفاطمية الذين كانوا يتنقلون عن طريق سراديب تحت الأرض

و كان أحدهم يسير في النفق راكباً على بغلته ، أما الحاكم المسلم في الأندلس فكان يُقيم في منطقة شبه مُستقلة و مُحصنة سُميت بالقصبة تقع في أمنع مواضع المدينة ،  كما عُمل للمدينة أبواباً خاصة تُساعد على مُغادرتها إذا حدثت ثورة مُفاجئة و كانت تُسمى ” باب السر ”

و إِمعاناً في تأمين الخليفة و تدعيماً لتأسيس الدولة ظهرت المُدن الملكية التي خُططت تخطيطاً ملكياً على الرسم الملكي ، من أهم مظاهره تأمين الخليفة ، و من أمثلة ذلك المهدية و القاهرة و فاس الجديدة ، وقامت القلاع الحصينة المبنية على إِحدى الروابي المُجاورة للمُدن مقام المُدن الملكية في بعض الأحيان

ومن أروع الأمثلة على ذلك قلعة صلاح الدين في القاهرة التي اتخذها مقراً للحكم بعد إِسقاط الدولة الفاطمية و تحويل القاهرة إلى مدينة عامة .

وكان لمدينة بنزرت قلاعاً كثيرة يأوي إليها الناس إذا تعرضوا لغزو الروم .

ومن القلاع التي تشهد ببراعة المُسلمين قلعة المرقب و هي قلعة حصينة مُشرفة على ساحل الشام ، و كذلك قلعة مدينة اللاذقية .

مما سبق يتضح أن تحصين المدينة الإسلامية كان معياراً حضارياً أساسياً في تكوينها المادي مما يوفر الأمن لسكانها ، و كانت الأسوار و القلاع و ما تشتمل عليه من أبراج من أهم وسائل التحصين المُتبعة ، و أُضيفت إلى المحارس و المناظر و أبراج المراقبة في الحصون العالية

واختلفت الظروف التي أدت إلى إنشائها و ترميمها و المُحافظة عليها ، و في المُدن التي كانت سريراً للملك ” مقراً  للحاكم ” أو مقراً للسلطة كان تخطيطها خاصاً لحماية الحاكم و وقايته من الأخطار الداخلية و الخارجية حتى سُميت هذه المُدن بالمُدن ” الملكية ” ، أو القلاع الحصينة التي اُتخذت كمقر للإدارة و الحكم

و تكشف هذه النتائج عن أهمية التحصينات في المُدن الإسلامية باعتبار أهميتها في التكوين المادي للمدينة بجوانبه الوظيفية أو العضوية

شوارع المدينة الإسلامية و طُرُقاتُها

كانت شوارع و طرق المدينة الإسلامية تنسجم مع الحاجات الإحتماعية و الإقتصادية لسكانها

حيثُ كان تخطيط الشوارع يرتبط بطبيعة المدينة الجغرافية و موقعها وظروف نشأتها و تختلف العوامل التي تؤثر في تخطيط شوارع المدينة الإسلامية ، فاختيار الموقع الحصين المرتفع أو المُحاط بالمياه ينعكس على طرق التوصل إليها ، كما أن إحاطة المدينة بأسوار حدد مساحتها و حدد هيئة امتدادها

 

طرق المدينة الإسلامية وشوارعها

كان لتخطيط المدينة أثره المباشر على عدد و مقاييس و اتجاهات الشوارع، ويُمكن مُلاحظة ذلك في بغداد و القاهرة .

أما المُدن التي ليس لها أسوار فلم تُقيد حدود شوارعها، كما تأثّرت مقاييس الأبواب و تخطيطها وإحاطتها بالأسوار و مقاييسها من جهة و تتحكم في شكل الطريق ضيقاً و اتساعاً

و قد أثّرت الأسوار في تحديد مساحة المدينة ، و استغلالها استغلالاً مُكثفاً من حيث ضيق و اتساع الشوارع ، وكان لضيق مساحة المدينة المُسورة أثره في إنشاء المرافق التي تحتاج إلى مساحات واسعة خارج الأسوار إذا كان لا يتسبب بأي ضرر ، ومن أمثلة ذلك مُصليات العيد و المقابر و ميادين استعراض المدينة عن طريق الشوارع الرئيسية و بواباتها الخارجية بالأسوار

و قد أثر نظام تأمين الخليفة أو الحاكم في المدينة في وجود طرق واضحة ” أنفاق ” تربط بين القصور في المدينة أو تربط المدينة بخارجها و في المُدن التي اتخذ الحكام فيها قلاعاً كمراكز لحكمهم مما جعلها ترتبط مع مرافق المدن الأُخرى بشوارع

و المسجد الجامع من التكوينات المعمارية الأساسية بالمدينة الإسلامية و يُمثل محوراً رئيسياً من محاور تخطيطها ، وقد اقتضت وظائفه الدينية و التعليمية و السياسية أن يكون موقعه وسط المدينة ليكون قريباً من كل موقع فيها ومن حوله خُطت الخطط التي توجهت شوارعها الرئيسية إلى المسجد الجامع الذي يتوسطها

وتعتبر المدينة المنورة أولى المدن التي بدأت فيها هذه الظاهرة و استمرت في مدن الأمصار ، و في المُدن التي فتحها المسلمون تم اختيار موقع الوسط ليكون مكاناً للمسجد ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك دمشق و قرطبة .

كان لمُجاورة دار الإمارة للمسجد الجامع أثره في توجه الطرق من حيث سهولة التواصل بينهما

وحدد مكان القاضي في وسط المدينة خارج المسجد الجامع في مكان واسع يسهل الوصول إليه عبر طرق و شوارع ، ولم يقبل كثير من الفقهاء جلوس القاضي في المسجد لأنه قد يدخل عليه الذمي ، الجنب ، الحائظ ، وقد يكثُر عنده اللغظ و هذا لا يجوز في المسجد ، فأُختير للقضاء مكاناً عاماً وسط المدينة بجوار المسجد .

و كان لهذا التوزع علاقة بحركة المرور في الشوارع و تسهيلها ، فتركزت مثلاً أسواق الحبوب و غيرها من المواد الثقيلة الوزن كبيرة الحجم قرب أبواب المدن حتى لا يؤثر نقلها إلى داخل المدينة في حركة المرور في شوارعها ومن الأمثلة على ذلك مدينة فاس التي تركزت فيها هذه الأسواق عند باب الفتوح .

من نهر أو قناطر محمولة تجلب الماء من مصادر بعيدة مرتفعة أو قنوات مبنية على تخوم الأرض تمتد شبكاتها لتُغذي المدينة ، كما وكان لأساليب توصيل المياه إلى المدينة في بعض الأحيان أثر في شوارع المدينة و خاصة إذا كان التوصيل عن طريق قنوات متفرعة كان الحال في مدينة مدريد ” بالعربية مجريط ” .

مقاييس الشوارع و اتجاهاتها :

تتعدد العوامل التي تتحكم في مقاييس شوارع المدينة الإسلامية ، منها ما هو متصل بنظام تخطيط المدينة الإسلامية ومنها ما هو مُرتبط بطبيعة الموضع و المناخ و طريقة و نوعية الارتفاق ، هذا بالإضافة إلى ارتباط ذلك بالقيم الإسلامية و العادات و الرسوم السائدة في هذا المجتمع أو ذاك ،

وقد تشابهت إلى حدٍ كبير مقاييس شوارعها و أسس تخطيطها ، وفي حدود هذا الإطار نعرض لمقاييس الشوارع في المدينة الإسلامية و اتجاهاتها .

وقد وجد نوعان من الطرق و الشوارع في المدينة الإسلامية هما : أولاً – الطريق العامة أو السابلة و هي ملك لعامة المسلمين وعلى السلطة حماية هذا الطريق من الاعتداء أو الضيق و هذه الشوارع تكون نافذة

أما النوعية الثانية من الطرق فهي الطرق غير النافذة أو الثانوية لأحياء الخاصة و هي طرق مُشتركة لسكان الحي باعتبارها ملكية خاصة .

ففي البصرة مثلاً في عهد الخلفاء الراشدين كان اتساع الطريق العام ستين ذراعاً ،

أما الشوارع الأُخرى الثانوية فكانت سعتها عشرين ذراعاً ، أما الأزقّة فكان اتساعها سبعة أذرُع . وفي الكوفة حُددت عدد غُرف المنزل بثلاث و أن لا يرتفع البناء أكثر من طابق  .

و قد تطور سعة الشوارع في العهد الأموي ، فكان عرض الشارع الرئيس في مدينة واسط ثمانين ذراعاً

و اتسمت شوارع سامراء بالاتساع ، فكان عرض شارعها الأعظم المُسمى شارع “السريجة” بحدود مئة متر في عهد مؤسسها الخليفة المُعتصم، و في عهد الخليفة الواثق بالله حرص على سعة الشارع المؤدي إلى المسجد و منع زحف حوانيت التجار على هذا الطريق

أما الخليفة المتوكل على الله فقد جعل عرض الشارع الذي يربط بين مدينة سامراء و المتوكلية مئتي ذراع ، وقد أشاد المؤرخون و الرحالة بإتساع طرق بعض المُدن مثل المرية في الأندلس و الإسكندرية في مصر و طرابلس في ليبيا ، بيد أن هناك مُدُناً اتسمت شوارعها بالضيق مثل الفسطاط ،

وقد أكد ذلك المقريزي و ناصر خسرو. و إذا حدث خلاف على سعة شارع ما كان المسلمون يردوه إلى حديث الرسول صلى (الله عليه وسلم : (إذا تدارأتم في شارع فاجعلوه سبعة أذرُع

. واهتمت الشريعة الإسلامية بالطريق و حقه اهتماماً بارزاً ، وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الاهتمام، فكانت أحاديثه المُتعددة تدعوا إلى الاهتمام بهذا الطريق و المُحافظة على نظافتها و عدم تضييقها بالبناء .

أما الطرق الفرعية

داخل الأحياء فكانت غير نافذة  فسميت  ” زائغة ” أي

مُنحرفة و مُلتوية ومائلة

 

شوارع وطرق المدينة الإسلامية

* الشوارع و المناخ             

* الرحاب و الميادين

*جمالية الشوارع

* وظيفة شوارع المُدُن الإسلامية و طُرُقاتُها

الشوارع و المناخ :

تأثر تخطيط الشوارع بعوامل المناخ فهناك مُدُناً كانت شوارعها تتجه من الشمال إلى الجنوب حتى تكون عمودية مع حركة الشمس الظاهرة و هذا ما يجعل الشوارع تكتسب ظلاً طوال النهار إضافة إلى اكتسابها الرياح الشمالية التي تُساعد على استمرار برودتها أطول فترة مُمكنة ومن الأمثلة على ذلك القاهرة و مُدن صعيد مصر و الدرعية

و في المناطق الباردة تأخذ الطرق شكلاً عكسياً بين الشرق و الغرب لإكسابها التدفئة و الشمس طوال النهار و لتجنب الرياح الشمالية و الشمالية الغربية طوال العام ومثال على ذلك المُدن الساحلية مثل الإسكندرية ، وقد قامت بعض المُدن بتضليل شوارعها عن طريق الرواشن ” جمع روشن ” و هي الأجنحة التي تبرز إلى عرض الشارع و هذه الظاهرة واضحة في مدينة الموصل في الطوابق العليا من المباني

الرحاب و الميادين :

تضمنت المدن الإسلامية المُبكرة مثل البصرة و الكوفة و الفسطاط في خططها مساحات خالية من البناء كان يُطلق عليها ” الرحاب ” كانت تُستخدم لأغراض مُختلفة ، أما تكون مربط للخيول أو قبور للموتى

ومن هذه الميادين ميدان القاهرة الذي ذكر المقريزي أنه يتسع لعشرة آلاف فارس و راجل و كانت الرحبة ببعض المُدن تسمى بنوع التجارة التي تُمارس فيها مثل رحبة البصل و مربعة القزاز، وكان يطلق على هذه الرحبات أحياناً

“العرصة” و هي الساحة الخالية من البناء و أحياناً تُسمى ” المربعة ” .

جمالية الشوارع :-

كانت مقاييس الشوارع في المدينة الإسلامية تشعر ساكنيها بحالة وجدانية عاطفية فيها درجة عالية من الجمال ، بحيث كان الإنسان المُسلم يشعر منطقياً بكيانه ، فهو يُسيطر على الشارع سيطرة كاملة خلاف ما نجده مثلاً في شوارع المُدُن المُعاصرة حيث يُسيطر الشارع على الإنسان و حركته .

كما أن الإنسان المُسلم عندما كان يسير في شارع المدينة الإسلامية لم يكُن يشعر بالملل لأنه باستمرار يشعر بالتغير في الشارع و الساحات من حيث الضيق و الاتساع و التأمل ، إضافة إلى زخرفة مداخل الشوارع و تبليطها أحياناً بالرخام و بلاط الخزف ، و واجهات بعض العمائر عند مداخل المدن التي بُنيت بأساليب معمارية زادتها جمالاً

مثل الطراز الأبلق و طراز ” الهزرباف” . ومما ميز شوارع المُدن الإسلامية عن شوارع مُدُن أوروبا في العصور الوسطى النظافة المستمرة التي كفلها نظام الحسبة المتبع في المُدُن الإسلامية ، ومن الجدير ذكره أن شوارع المدينة الإسلامية كانت مُمهدة و بعضها كان مُبلطاً ،

و أُنشئت في بعضها الأرصفة الجانبية و بعضها كانت مُضاءة ليلاً لتأمين المارين بها ، بينما لم تحظ شوارع لندن بمصباح واحد إلا بعد ذلك بعدة قرون .

و هناك بعض الطرق التي اهتم بعمارتها و تجميلها لإعتبارات خاصة كالطرق المؤدية إلى قصور الحكام مثل طريق قصر أحمد بن طولون،

ومن الطريف ذكره أن العنصر البشري يُعد من المظاهر الجمالية التي ميزت شوارع بعض المُدُن الإسلامية ، فقد أطنب المؤرخون في وصف مدينة الزهراء التي بناها الخليفة عبد الرحمن الناصر في الأندلس ، حيث اشتملت على تشكيلات غلمان الصقالبة الذين يغدون و يروحون في شوارعها الواسعة في سراويلهم الحريرية الخالصة الموشاة بالذهب و الفضة

و امتازت بعض الشوارع بمميزات خاصة كالشارع الأعظم ، وكان العامة يتوافدون على هذه الشوارع لمُشاهدة الألعاب و الاستعراضات الجميلة إضافة إلى صنوف البضائع الجميلة .

اهتم العرب في مُدُنهم ببناء القناطر و الجسور فوق الأنهار و السيول و المياه التي كانت موجودة في قرطبة ، ومن هذه القناطر قنطرة :

” اللهورديخان ” و قنطرة ” جلفا ” في أصفهان .

أما في بغداد فقد اهتمت الدولة العباسية بتخفيف الضغظ و حركة المرور على الطريق و القناطر و الجسور و ذلك باستخدام النقل المائي التي عرفت بــ ” السميرات ” و ” المعبرانيات ” التي بلغ عددها في نهر دجلة أيام الخليفة العباسي الناصر ثلاثين ألفاً كانت تكسب في اليوم تسعين ألف درهم

وقد فتحت بعض الطرق المُحاذية للأنهار و المُطلة على البحار والأنهار كما في بغداد و قرطبة و إشبيلية ، كما أضيئت كثير من شوارع المدن الإسلامية مثل قرطبة التي بلغ طول الطريق المُضاء فيها حوالي عشرة كيلو مترات و شاع في المُدُن الإسلامية استخدام الإضاءة المُتنقلة كالفوانيس التي تُحمل على الدواب و البغال ، كالذي كان يُعمل في موكب محمد بن طغج الأخشيدي في مصر

وفي بعض المُدُن التي تسقط عليها أمطار غزيرة رصفت الطرق لمنع الوحل مثل صنعاء التي احتوت شوارعها على مجاري لتصريف مياه الأمطار 

وظيفة شوارع المُدُن الإسلامية و طُرُقاتُها

وظيفة شوارع المُدُن الإسلامية و طُرُقاتُها :

كانت تُستخدم لحركة المرور للناس و البضائع ، فقد بلغ عدد طرق بغداد في العصر العباسي ستة آلاف شارع و سكة في القرن الثالث الهجري كما ذكر اليعقوبي في كتابه البلدان ، أما في القاهرة فقد ذكر المقريزي أنها بلغت في القرن السادس الهجري ثمانية آلاف شارع مسلوك

و كانت شوارع المدينة الإسلامية مصدراً لتناقل المعلومات و الأخبار حيث لعب السقاءون دوراً بارزاً في هذا المجال ، فعلاوة على أنهم كانوا عنصراً رئيسياً من عناصر المرور في المدينة فقد لعبوا أيضاً دوراً بارزاً في تفاصيل حياتها الاجتماعية ، خصوصاً فيما يتعلق بنقل الأخبار و نشرها بين أهل المنازل التي يتعاملون معها

إضافة إلى أنهم شكلوا طائفة خاصة لها دورها في حياة المدينة ككل ، و لها نظامها الخاص ، الذي يرعى شؤون المُنتمين إلى هذه الطائفة و يُنظم عملهم ،

 

وظائف شوارع وطرق المدينة الإسلامية

سلطات المدينة ونظام الارتفاق بالطرق             

الشوارع من وسائل الإتصال بالمدينة

المظاهر الاجتماعية في طرق المدينة الاسلامية

وكان عدد هؤلاء السقائين  كبير جداً حيث يذكر ناصر خسرو أن عددهم في القاهرة خمسين ألفاً يحملون الماء على الجمِال إلى جانب السقائين المشاة الذين يحملون الماء على ظهورهم بالقِرب

وقد اكتظت شوارع المُدُن الكبيرة بالناس و الباعة و المُتجولين و أصحاب الحرِف كالحلاقين و المُغنين و أصحاب الألعاب المُسلية و القِصص و الباعة الذين يحملون السلع المُختلفة كالأقمشة و يصلون الناس إلى بيوتهم

و كانت المرأة تخرج إلى شوارع المدينة الإسلامية ولكن بأزياء مُحتشمة و ملابس مُحجبة ، يصف ليون الأفريقي – رحالة – ملابس النساء في شوارع فاس بالمغرب بالقول : ” لباس النساء جميل جداً ثياب عريضة الأكمام تحتها سراويل طويلة تستر سيقانهن و خمار على عادة نساء الشام يغطي الرأس و سائر الجسم ” أما نساء الوجهاء في مكناس فلم يكن يخرجن إلى الأسواق إِمعاناً بالحشمة .

وشهدت شوارع المدينة الإسلامية جانباً هاماً من جوانب الاحتفالات بالمواسم و الأعياد و المُناسبات السارة ، فكثيراً ما زُينت شوارع المُدُن استعداداً لمرور مواكب الأمراء و السلاطين ، و طلب من أصحاب الحوانيت تزيين محلاتهم على جوانب الطريق ، مثل موكب العريس و العروس احتفالاً بالزفاف

و منها موكب الخروج إلى الحمام و العودة منه للعريس ، و موكب زفاف العروس إلى بيت عريسها

كما جرى في الطرقات العامة الاحتفال بالمُناسبات و الأعياد الدينية من خلال مواكب تمر بطرق و شوارع المدينة الإسلامية كموكب الخروج للإعلان عن رؤية هلال شهر رمضان ابتهاجاً بإقبال شهر الصوم

و جرت العادة في بعض المُدُن على تعليق الفوانيس طيلة هذا الشهر.

ومن المواكب المشهورة في شوارع المدن الإسلامية موكب صلاة العيد حيث يخرج الخليفة أو السلطان إلى مصلى العيد الذي غالباً مايكون خارج أسوار المدينة. وشاركت النساء في هذه المواكب ، وتسير العربات التي تجرها الخيول في شوارع المدينة و فوقها نساء يضربن الدفوف و يغنين،

ومن هذه المواكب موكب الحج ، وكانت هذه المواكب من الروعة حيث دفعت السلطان المملوكي المؤيد شيخ إلى مشاهدتها في القاهرة ، لما كان يزخر من الألعاب ومهارات العرض و فنونه التي حذقها المشاركون في هذه المواكب ، كما تكررت الاحتفالات عند قدوم الحجاج في طرق المدينة الإسلامية فيخرج الناس لاستقبالهم

وينعقد في بيت كل حاج احتفال خاص يشارك فيه المهنئون ، وكان الحجاج قبل رحيلهم من مدنهم إلى المشاعر المقدسة يجتمعون في مكان يسمى ” المناخ ” على أطراف المدن كما في دمشق

التي سمي فيها المناخ : ” بركة الحاج “

سلطات المدينة ونظام الارتفاق بالطرق:

تولت سلطات المدينة مسؤولية الحفاظ على حق الطريق و المرور فيه ، فكان للمحتسب دور بارز في هذا المجال كممثل جهات تنفيذية و قضائية فساعدت الشرطة على استتباب الأمن ، وفصل القضاء في المُنازعات وفق أحكام الشرع ، حيث كان المُحتسب يمنع مرور الرماد و الشوك في الطريق العام حتى لا تؤذي ثياب المارَّة

وراقب المُحتسب نظافة الطرق فمنع طرح الكناسة على جوانبها مثل قشور الفاكهة كالبطيخ ، أو رش الماء بحيث يخشى الزلق و السقوط . كما منع إِرسال المزاريب على أطراف الطرق لأن ذلك يؤذي الناس ، فقد منع قاضي مدينة القيروان خروج المياه من البيوت على الشوارع منعاً لإيذاء المارَّة

و قد منع المُحتسب القصابين من الذبح في الطرقات العامة ، و كذلك منع أهل اللهو من مُمارسة نشاطهم في الطرق حتى لا تزدحم الطرق و تؤذي المارَّة ، واعتبر كل من يستمع إلى الغناء و اللهو في الشارع العام مردود الشهادة و قد منع المُحتسب النساء من الإختلاط بالرجال في الجنازات

و كان يتفقد المواضع التي تجتمع فيها النساء مثل سوق الغزل و الكتان و شطوط الأنهار ، و يمنع الشبان من اعتراضهن ، ومنعت النساء من الإختلاء داخل غُرف كُتَّاب الرسائل بل يجلس على الشارع العام حتى لا يحدث ما لا يليق ذكره .

كما منع المُحتسب النساء من الجلوس على أبواب بيوتهن المُشرفة على الطُرقات بغير حاجة

و تم الاستعاضة عن ذلك بالرفراف و هو بناء مُلحق على سطح المنزل لنشر الغسيل و التمتع بالشمس و الهواء الطلق .

ومن مظاهر الاهتمام بالمُحافظة على نظافة الشوارع بالمدينة ما اتخذه حُكامها من إجراءات لمُطاردة الشحاذين و المُعدمين الذين استغلوا الطُرُقات للإعلان عن عوزهم بصورة سيئة

مثل ما فعله السلطان بيبرس الذي أصدر مرسوماً في ذلك سنة 664هـ /1266م ، حيث أمر بجمع أصحاب العاهات من شوارع القاهرة إلى خان السبيل ومنها نُقِلوا إلى الفيوم في بلدة تغل عليهم غلالاً لمعاشهم .

وقد جُمعت الكلاب من شوارع المُدُن الإسلامية كونها حيوانات نجسة

كما أصدر مُحتسب القاهرة سنة 824هــ/1421م قراراً بمنع النياحة على الأموات و أصدر مرسوماً في ذلك

الشوارع من وسائل الاتصال بالمدينة

برزت الشوارع كوسيلة هامة من وسائل الاتصال في المدينة ، و قد تنوعت مظاهر الاتصال بهذه الشوارع ، فكانت الدواب و خاصةً الخيل و البغال وسيلة الركوب الرئيسية ،

و لذلك أنشأ الفاطميون إسطبلاً للنقل العام عُرف باسم إسطبل ” الجميز ” وإسطبل ” الطارمة ” و عُين لها موظفين ليقوموا على خدمتها منهم السايس الذي يهتم بخدمة الخيل ، و الشدَّاد : الذي يقوم بتسيير الخيل في المواكب ، و العريف : الذي يوزع طُرق الخيل ، و الرائض : الذي يهتم بشؤون الإسطبل ، و دُربت الدواب على السير في المواكب و خاصة خيول السلاطين ، حيثُ دُربت على سماع الطبول و المزامير حتى لا تجمح  أو تنفُر من أصوات الأبواق في الاحتفالات العامة و المواكب

وشهِدت طُرُقات المُدُن الإسلامية ، أثناء المُناسبات و الأعياد الدينية فئات المُبخرين الذين يحرقون البخور في الطُرُقات ، و جماعات دق الطبول في الاحتفالات . و قد اعتادت شوارع و طُرُق المُدُن الإسلامية أن تشهد كثيراً من الاحتفالات سواء  كانت احتفالات عامة أو خاصة أو احتفالات دينية عامة أو محلية تخص بعض الأقاليم مثل احتفال وفاء النيل في مصر و عيد النوروز في بلاد فارس ، و كان أثناء هذه الاحتفالات يحدث احتكاك بين الحُكام و المحكومين من العامة ، و كان مرور موكب الحاكم أو السلطان في الشارع غالباً هو فُرصة مُتاحة لرؤيته من قِبل العامة

و في هذا الموكب كان يحدث أحياناً الاتصال بين الحاكم و العامة كأن يُعطيهم هبة أو أن يُعبّروا له عن مظلُمة فيرفعها عنهم .

و أدى النداء دوراً أساسياً في تأمين الاتصال بالمدينة الإسلامية بين السُلطة و العامة ،  أو بين العامة بعضهم ببعض ، فكان السُلطان يأمُر بنشر البيانات الرسمية في خُطب الجُمعة حيث يجتمع أكبر عدد من الناس أو بالمُناداة على الناس في الطُرُقات و الشوارع

 

مرافق المدينة الإسلامية

المُنشآت و المرافق العامة في المدينة الإسلامية            

المُنشآت الدينية

إذ كانت الطُرُق تؤدي هدف إعلامي و إعلاني بحت و كانت الشوارع المُزدحمة بالأسواق بمثابة مراكز إخبارية و اجتماعية ففيها تتناقل الأخبار و تحدُث المُناقشات في الأمور السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و غيُرها

ومن جهة أُخرى استغلت سُلُطات المدينة الإسلامية الشوارع و الطُرُقات للتشهير بالخارجين عليها ، فمن كانت جريمته تستوجب التشهير حُمل على جمل و طِيف به في شوارع المدينة و هُناك من بُولِغ التشهير بهم كالسارق

أما أصحاب الجرائم التي تستحق القتل فقد كان التشهير بهم يتم بقتلهم و تعليق جثثهم على الأبواب الرئيسية للمُدُن حيث يمُر العامة بصورة مُكثفة ، و تعكس أحداث الصراع السياسي صُوراً مُخيفة من صُور التشهير

ففي البصرة سنة 131هـ صُلِب حوالي ستين من كبار بني أُمية و أُمرائُهم المشهورين و طُرِحت أجسادهم في الأزِقّة تعبث بها الكلاب فاستولى على الناس الخوف و قويت شوكة بني العباس

المُنشآت و المرافق العامة في المدينة الإسلامية

المُنشآت و المرافق العامة في المدينة الإسلامية:

لقد تنوعت أغراض المُنشآت العامة في المدينة الإسلامية  و يُمكن تقسيم هذه الأغراض إلى :

الأغراض الدينية : و هي التي تخدُم الشريعة الإسلامية السمحة .

الأغراض المدنية : و هي التي تخدُم سكان المدينة الإسلامية

أولاً : المُنشآت الدينية فقد تعددت المُنشآت الدينية في المدينة الإسلامية و أهمها :

المسجد الجامع : وهو أهم المُنشآت ، لمِا له من دور أساسي في حياة مجتمعها ، فبالإضافة إلى وظيفته الدينية، كان مركزاً لبحث الشؤون السياسية و الدينية و التربوية و الاجتماعية ، ففي المسجد استقبل الرسول صلى الله عليه وسلم سُفراء الدول لتنظيم علاقاته بدولهم

و فيه كان يخطُب في جماعة المُسلمين و يُنظم شؤونهم و يُعلمهم أمور دينهم ، و في زمن الراشدين كان الخُلفاء يُعلِنون على المنابر أبرز أحداث الفتوحات الإسلامية و أخبارها و يخطُبون بالجيوش قبل التوجه إلى الجهاد

و كان المسجد كالبلاط ، حيث كان الأمير يُلقي من فوق منبره خُطبته الأُولى و يشرح فيها سياسته و خططه و اتجاهاته و يطرح مبادئِ الحكومة و واجبات الرعية و مسؤولياتها . و كان المسجد يُشكل نواة المدينة الإسلامية و من حوله تمتد الأحياء

و مع نمو المُدُن الإسلامية و اتساعها صارت الحاجة مُلِحّة إلى توسِعة المسجد الجامع من فترة إلى أُخرى كي يتسع إلى الأعداد النامية من المُصلين ، مثال ذلك المسجد الجامع في البصرة و الكوفة و بغداد و سامراء و قرطبة و غيرها ، و استمرت هذه الظاهرة في الحرم المكي و الحرم المدني

ولما اتسعت المُدُن و صار لها أرباضاً ” أحياء خارجية ” بُنيت فيها مساجد جامعة ، كما حدث في الرصافة سنة 159هـ ، ومسجد الكرخ إِضافة إلى المسجد الجامع في بغداد .

دار الإمارة و المسجد الجامع

دار الإمارة و المسجد الجامع :-

أوجبت الضرورة الوظيفية مُجاورة دار الإمارة للمسجد الجامع ، حيثُ كان منزل الرسول صلى الله عليه وسلم مُلاصقاً للمسجد الجامع المثال الأول الذي اتبع في باقي المدن الإسلامية ؛ إضافة إلى أسباب أُخرى ترتبط بأحداث تاريخية

الأولى وقعت في الكوفة سنة 17هـ عندما ذهب واليها سعد بن أبي وقاص إلى المسجد فتسلل أحد اللصوص إلى داره فسرق منها ما يوجد في بيت المال فشكا ذلك سعد إلى الخليفة عُمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، فأَمره أن يبني مسجداً مُلاصِقاً للدار التي يسكُنها

أما الحادثة الثانية فقد وقعت في البصرة سنة 44هـ عندما كان زياد بن أبيه والياً عليها من قِبل معاوية فكان إذا خرج من داره يمُر بين يدي المُصلين ، فحول دار الإمارة إلى قبلة المسجد بُغية عدم المرور أمام المُصلين ؛ بالإضافة إلى المسجد الجامع أُنشئت المساجد في خطط المُدُن المُختلفة لخدمة هذه الخطط ” الأحياء “

وكان مصلى العيد من بين هذه المُنشآت الدينية العامة و غالباً ما أنشئ خارج أسوار المدينة لاتساع مساحتها و اقتصار استخدامها على صلاة العيدين و اختيرت لها مواضع مُناسبة ارتبطت بتخطيط المدينة و شوارعها و أبوابها

المدارس

المدارس : ظهرت في المُدُن الإسلامية مع نهاية القرن الخامس الهجري و تُعد المدارس من المُنشآت الدينية ، وقد بدأ ظهورها على يد فُقهاء السنة في شرق العالم الإسلامي ثم تبنتها الدول الإسلامية و أصبحت مؤسسات رسمية لتخريج الفُقهاء و كي تُغذي الدولة الإسلامية بما تحتاجه من موظفين للعمل بالجهاز الإداري للدولة

واهتم السلاجقة و الأتابك و الأيوبيون و المماليك بإنشاء هذه المداراس ، وقد ارست هذه المدارس تقاليد علمية راسخة أثَّرت في الجامعات الأوروبية

 

تابع مرافق المدينة الإسلامية

منشآت التصوف

وساعد نظام الوقف على نشأة هذه المدارس و على استمرارها في تأدية وظائفها باستمرار، والأوقاف من أراضي و عقارات كانت في الغالب مُنشآت مدنية كالمقصورات و الوكالات و الخانات التي كان يهتم بعمارتها حتى يستمر توارد ريعها للصرف على المُنشآت الدينية الموقوفة

واهتم أيضاَ باستغلال فائض الريع في شراء و إِنشاء مباني أُخرى تزيد الأوقاف و تنميها ، كل ذلك انعكس بصورة أو بأُخرى على المظهر المادي للمدينة الإسلامية من عصر السلاجقة حتى العصر العثماني .

منشآت التصوف :- هي خانقات و زوايا و أربطة تُعد من المباني الدينية التي تلازم ظهورها مع ظهور المدارس ، وقد مرَّ التصوف الإسلامي بمراحل تطور مُختلفة بدأت من ظهور الزهد و التقشُف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم و الخُلفاء الراشدين

إلى مظهر ترك الحياة الدُنيا و التفرغ للعبادة في العصر الأموي، رداً على استغلال الثروة و المال من جانب الخُلفاء في مظاهر الترف و الرفاه على حساب كثير من فئات المُجتمع ، ثُم اشتد هذا التيار في العهد العباسي و بدأت تظهر التنظيمات التي تُعنى بشؤون هؤلاء

، ثم كثُر اتباع المُتصوفة وزاد عددهم و استقرت مناهج المُتصوفة فأُنشئت لهم مبانٍ خاصة يختلون فيها للعبادة و يُقيمون فيها إقامة تامة أُطلق عليها الخانقاه مُنذُ نهاية القرن الخامس الهجري

و قد استفاد منها بعض السلاطين في نشر المذهب السني ، كما فعل صلاح الدين في مصر بعد سقوط الدولة الفاطمية الإسماعيلية . و ظهرت طرائق و مناهج مُختلفة في التصوف لكل منها شيوخه و منها الرفاعية و النقشبندية و الكيلانية و غير ذلك

و صار لها زوايا خاصة ، ثُم أُنشئت الربط كمبانٍ للمتصوفة الذين يُريدون أن يقضوا حياتهم مُتفرغين للعبادة و الصلاة دون أن يرتقوا في درجات التصوف المُختلفة التي كانت في الخانقاه و الزوايا أي أنها كانت بمثابة الملاجئ

التي يأوي إليها العجزة و البطالون الذين ليس لهم دخل يعيشون منه حياة راضية مُتفرغين للعبادة ، و دخلت في مباني التصوف عدة شوائب كالكسل و التواكل لما يُحدث داخلها من حياة الرغد بسبب كثر الأوقاف الموقوفة على هذه المباني

فدخل في هذا الجانب من هو ليس أهلاً له ففسد مظهر التصوف خاصة في عهد المماليك و العثمانيين .وقد اشتملت المباني الصوفية على وحدات معمارية أُخرى تُستخدم كمرافق عامة مثل الأسبلة و الكتاتيب و المكتبات و وحدات سكنية توفر خدمات عامة و لكل مُنشأة منها جهازها الإداري المُستقل من حيث جباية الربح و صرفه و أنشئ لها ديواناً يُسمى “ديوان الأوقاف” للقاطنين في المدينة الإسلامية و الواردين عليها

المُنشآت المدنية

ثانياً : المُنشآت المدنية :-  

الحمامات العامة : أُنشئت لخدمة العامة من سُكان المدينة الإسلامية و ذلك بسبب حاجات وظيفية مُرتبطة بدعوة الإسلام للنظافة و الطهارة ولعدم قدرة العامة على تضمين منازلهم حمامات خاصة ، ولرغبة القادرين على إِنشاء هذه الحمامات في استثمار أموالهم و إِنشائها لما لها من ربح وفير لشدة الطلب عليها

و اشتمل الحمام معمارياً على مدخل صغير يؤدي إلى ممر مُنكسر ينتهي إلى المشلح ” مكان خلع الملابس ” و خططها

وفيه مكان يجلس فيه مُعلم الحمام يأخُذ الأجور و يُشرف على العمل في الحمام ، وقد حرص في بناء الحمامات الإسلامية على طهارة الماء مما استوجب تصميم أحواض الماء و قنواته بطريقة تكفل ذلك

وقد أُنشئت حمامات خاصة للنساء و كان يُصرف للطُلاب في المُنشآت الدينية التي لا تشتمل على حمامات ، مُخصصات شهرية ” رواتب ” للاستحمام في الحمامات العامة مما يؤكد على أن الاستحمام في الحمامات العامة  سلوكاً اجتماعياً عاماً جرت العادة به في المدينة الإسلامية و مُناسباتها

وكثُرت الحمامات كثرة بالغة ارتبطت بالحاجة إليها لما تدرهُ من ربح وفير ، فقد أحصى اليعقوبي حمامات بغداد بعشرة آلاف حمام ، ويرى المُستشرق بلباس أن الحمامات في المدينة الإسلامية مأخوذة عن الحمامات الرومانية البيمارستانات

البيمارستانات :

أُنشئت البيمارستانات لتوفير الخدمة العلاجية و الطبية للعامة ، كان الوليد بن عبد الملك أول من أنشأ بيمارستان في الإسلام سنة 88هـ و رصد رواتب للعميان و المجذُومين”مرض الجذام” ، و أنشأ للمجذُومين بيمارستان خاصاً في دمشق ،

ومن أشهر البيمارستانات ما يُنسب إلى أحمد بن طولون في القطائع ، و اشترط أن لا يُعالج فيه جُندي أو مملوك لإتاحة الفرصة لعلاج العامة من الفقراء و غير القادرين ، ومنها البيمارستان القلاووني الذي أسسه السُلطان قلاوون الذي زار دمشق فأعجبه بيمارستان نور الدين فيها فبنى في مصر بيمارستان مُشابهاً له .

واحتوى البيمارستان القلاووني على أماكن علاج الرمد و الجراحة و الإسهال و البرد و زوده بمطبخ طعام و مصنع دواء و صيدلية و ألحق به مدرسة لتعليم الطب ، وبسبب تكاليف الإنشاء الكبيرة و المصاريف الكثيرة على البيمارستانات فقد اختصت القدرة على إنشائها للسلاطين و الحُكام ،

وكان الدافع لإنشائها خيراً في المقام الأول ، وبقيت آثاراً لبعض البيمارستانات مثل بيمارستان فوجي الموجود في آسيا الصُغرى الذي أقامه أحمد شاه حيث بُني في القرن الثاني عشر الميلادي ، وكانت بيمارستانات فاس تسمح للغرباء بالمبيت فيها ثلاث ليالٍ ، وقد حول السُلطان برسباي أحد البيمارستانات إلى مسجد عندما ضعُفت أوقافه

 

مرافق وخدمات المدينة الاسلامية

أحواض الدواب             

الأسواق

تغذية المدينة بالماء

أحواض الدواب :-

من المُنشآت العامة في المدينة الإسلامية أحواض الدواب التي بُنيت كمُنشآت خيرية لخدمة الدواب على طرق المُدُن لخدمة القوافل التجارية والمُسافرين المُتنقلين و عُرِفت باسم ” الخانات ” و كان أول من أنشأها الدولة الأموية كأماكن لاستراحة القوافل و المُسافرين

الأسواق :-  من الملامح الرئيسية للمُدُن ذات الطابع تجاري ، وهناك من الباحثين من أرجع نشأة المُدُن إلى أنها أصلاً مراكز للتبادل التجاري ومن هذه الأسواق

“الأسواق السنوية و الموسمية” كما كان للعرب قبل الإسلام . وهُناك الأسواق الأسبوعية مثل سوق الأحد في دمشق و سوق الأربعاء في الموصل و سوق الخميس في فاس و مراكش و غيرها .

و اختلفت الأسواق في سعتها فبعضها كان يخدُم أهل المدينة كلها ومنها ما اختص بتلبية الحاجات اليومية لقطاع صغير من المدينة فصغر حجمها  و تحديد وظيفتها و سُميت ” السويقات ” نظراً لصغرها و هُناك حوانيت صغيرة كحوانيت الدقيق و الخُبز في شوارع المدينة

و كانت الأسواق بالإضافة لدورها التجاري أماكن للتجمع و أماكن لتبادل الآراء و الأفكار و الشائعات في مجال السياسة و الاقتصاد مما يبرز أهميتها كمراكز اتصال ، وقد كان ازدهار الاقتصادي ينعكس على الأسواق .

وقد بدأ البناء في الأسواق في عهد معاوية بن أبي سُفيان الذي بدأ بالبناء في المدينة المنورة وكان البناء في سوق المدينة يتكون من بنائين أحدهما يُسمى دار القطران و الآخر يُسمى دار النُقصان ، وفي عهد عبد الملك بن مروان بنى عامله في الفسطاط عدة قيساريات من بينها قيسارية العسل ، و قيسارية الحبال و قيسارية الكباش.

أشار البكري إلى أن سوق القيروان كان له سقف يجمع كل الحوانيت و الحرف ثُم يُشير إلى أن هذا السوق تعرض للهدم و التدمير حتى أمر الخليفة هشام بن عبد الملك بإعادة بنائه سنة 105هـ، و تبلورت فكرة تغطية الأسواق في عهد هشام بن عبد الملك نهاية عهده سنة 125هـ ، وكان عامله على العراق خالد القسري أول من بنى الأسواق و سقفها

و حدد موضعها لكل مجموعة من البائعين في تجارة مُعينة و اهتم كذلك بعمارة سوق المدينة و تجديده، و يتلخص التطور الذي حدث في العصر الأموي في أمور عدة منها :

بناء الأسواق و تغطيتها بهيئة معمارية مُعينة كفلت وجود حوانيت للتجار و مساكن تعلوها أُجرت للراغبين في السكن

و المظهر الثالث لهذا التطور يتمثل بتصنيف التُجار في مجموعات ، لكل مجموعة مُتخصصة في تجارة بعينها موضع بذاته . 

واتُبع الشيء نفسه في أسواق المُدُن التي أُنشئت في ذلك العصر كمدينة واسط ،

وكان تطور الأسواق مرتبط في سياسة الدولة التي وجهت إلى تعمير المُدُن و الرغبة في جعل هذه المُدُن تعتمد على إنتاجها و تبلور نظام تخطيط الأسواق و عمارتها في العصر العباسي و تطور تطوراً واضحاً بتطور عمران المُدُن الإسلامية بعد ذلك

فقد اهتم أبو جعفر المنصور عند تخطيط بغداد بالأسواق كثيراً ، ثُم أنشأ ضاحية الكرخ لتضُم جميع أصناف التجارة ، وقد أمر بإبعاد أهل الحرف عن حوانيت التُجار ، ولما أصبحت التجارة مصدر دخل هام بدأت الدولة تُعين عليها مؤسسة إِدارية تُشرف عليها سُميت “الحسبة”،

و التي كان يُسمى المُشرف عليها في عهد الرسول صلى الله عليه

 وسلم بــ “عامل السوق” .

وكان على الاسواق في المدن الاسلامية  عموما حُراس وكلاب لحمايتها ، وفيها شُرطة لتوفير الأمن ، و فُرشت أرضية شوارع أسواق فاس بالقراميد

وقد اسُتخدم القُماش أحياناً لتغطية الأسواق من الحرارة مثل سوق “القفيصات” في القاهرة الذي غُطي بخيمة قُماش ، كما غُطيت حوانيت بيع الفاكهة بالقاهرة مثل دار التُفاح حتى لا تتأذى الفاكهة بأشعة الشمس المُباشرة ، ومن الأسواق المشهورة في القاهرة سوق خان الخليلي ، وهُناك أسواق العطارين في فاس

تغذية المدينة بالماء :-

تحكم الماء إلى حدٍ كبير في اختيار موضع المدينة، وقد أشاد الجغرافيون بالمُدُن التي تتوفر فيها المياه العذبة وعُدت عذوبة المياه من المميزات الرئيسية التي تُميز مدينة عن أُخرى

فمثلاً يصف القزويني بغداد بالقول ” إنها أُم الدنيا، وسيدة البلاد ، وجنة الأرض ومدينة السلام و مجمع الرافدين و معدن الظرائف ، و منشأ أرباب الغايات ، وهواؤها ألطف من كل هواء ، و ماؤها أعذب من كل ماء و تُربتها أطيب من كل تربة و نسيمها أرق من كل نسيم

أما البصرة  فقد اشتكى أهلها من ملوحة الماء فيها، و كذلك اشتكى أهل قُم من ملوحة الماء ، ولكن السُكان تغلبوا على ملوحة الماء فحفروا الأنهار و الآبار و جمعوا مياه الأمطار ، ونقلوا الماء العذب على الدواب .

وفي سامراء شق المتوكل من دجلة قناتين شتوية و صيفية تدخُلان جامع سامراء و تتخللان شوارعها، وقد اعتزم المُعز لدين الله أن يجري نهر عين أيوب إلى المنصورية

ولما كانت الرباط تفتقر إلى الماء الجيد كون ماء البحر يدخُل في ماء النهر فجلب المنصور الماء من عين تبعد عن المدينة اثنا عشر ميلاً .

وكانت المُدُن التي تعتمد على مياه الأمطار قد عمل بها مصايد الماء و الصهاريج و المواجل و المصانع

التي يجمع فيها المطر في موسم سقوطه ثُم يُجمع في خزانات يُستخدم طوال العام، ومن أشهر هذه المُدُن التي اعتمدت على الخزانات مدينة تونس و المهدية التي ذكر القزويني أن أهلها يشربون من هذه الصهاريج التي يبلُغ عددها 360 صهريج بعدد أيام السنة و من عيون الماء المشهورة في المشاعر المُقدسة عين زُبيدة.

ومن المُدُن التي اُستخدم فيها أسلوب القنوات تحت الأرض مدينة مدريد التي سماها العرب

” مجريط” ، كما احتوت مدينة مراكش على ثلاثمائة و خمسون قناة تحت الأرض ، ومن مصادر المياه العيون و الينابيع الطبيعية

 

 

الحياة السياسية في المدينة الإسلامية

السياسة هي لُغة تدبير شؤون العامة من الناس و تملك أمورهم و الرياسة عليهم و نفاذ الأمر فيهم ، وقد عُرف تُراثنا العربي هذا الفن التأليف في السياسة  مُنذُ القرن الثاني الهجري ومن أمثلة ذلك كتاب السياسة لقسطا بن لوقا البعلبكي و كتاب ” المتوج في العدل و السياسة ” للصالي و كتاب” السياسة المدنية لأحمد بن الطيب ” و كتاب “سياسة الملك للماوردي” و كتاب” بدائع السلك في طبائع الملك لإبن الأزرق ” وغيرهم.

وقد انبنى مفهوم السياسة عند الفُقهاء المُسلمين على فكرة الخلافة أو الإمامة و اختلفت اجتهاداتهم وفقاً لثقافتهم و مذاهبهم ، وقد أثَّرت أحداث التاريخ الإسلامي تأثيراً كبيراً و مُباشراً في هذا الفكر سلباً و إيجاباً في مراحله المُختلفة

وقد رسم الإسلام المنهج السياسي الواضح للأمة و تعدى ذلك إلى تنظيم علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الأُمم ، وقد اتسمت المدينة الإسلامية بسمات النظام السياسي و الفكر الاجتماعي ، ويعكس الشكل المادي للمدينة الإسلامية بصورة أُو بأُخرى هذا النظام ، فعكست المدينة الإسلامية الشكل الديكتاتوري الذي شكلها وساد حياتها ،

وقد وجدت المدينة الإسلامية في الإسلام دستوراً واضحاً كان عليها فقط أن تُطبقه.

وكان السعي وراء توصيل أفكاره إلى العامة من مُهمة الفُقهاء و العُلماء و المُفكرين الدينيين الذين حاولوا ذلك و إِن اختلفت مذاهبهم

و أصبح الفقه الإسلامي منهجاً مُتكاملاً لشعب الحياة كلها في العقيدة و العبادة و الاجتماع و الاقتصاد و التشريع و السياسة .

يرى بعض المُستشرقين مثل برنارد لويس أن المدينة الإسلامية تخلو من أي مؤسسات مدنية و يؤيده بذلك كارديت الذي يقول أن المدنية الإسلامية خالية من المؤسسات الإدارية

إما المُستشرق جرونباوم فقد عدَّ المُدُن الإسلامية مُجرد بلدات كبيرة لم تصل إلى حد كونها مُدُن بمعنى الكلمة. كان للظروف السياسية التي تولى فيها الأمويون الخلافة ، و تحول أسلوب الحكم من حكم يقوم على الشورى كمبدأ أساسي إلى ملك عضوض سعى الأمويون للحفاظ عليه و تدعيمه بأساليب مُختلفة

فأدى ذلك إلى ظهور حركات المُعارضة التي أخذت شكل ثورات فانعكس ذلك على المُدُن فنشأت بعض المُدُن الإسلامية لأسباب سياسية مثل واسط التي أُقيمت لضبط البصرة و الكوفة كما كان السبب في بناء بغداد في عهد الخليفة أبو جعفر المنصور خوفاً من ثورة أهل الكوفة عليه ،

وقد ارتبطت إنشاء مُدُن العواصم باعتبارات سياسية مُباشرة تُحقق هدف الاستقرار في فترة التأسيس و يكون مُنطلقاً لتحقيق الأهداف السياسية التي ترمي لها الدولة ، وفي هذا سارت العواصم الإسلامية كالمدينة و الكوفة ثُم دمشق فبغداد فقُرطبة و غيرها.

يرى المُستشرق توينبي أن الدولة الإسلامية فشلت في اتخاذ عاصمة لها تتلاءم مع الوضع السياسي ، فلما اتخذ الأمويون من دمشق عاصمة لهم فشلوا في السيطرة على خُراسان ، ولما اتخذ العباسيون بغداد عاصمة لهم فشلوا في السيطرة على إسبانيا الإسلامية ” الأندلس ” وشمال إفريقيا

وقد انعكست السياسة الحربية لبعض الدول على حياة المُدُن التي اتصلت بذلك مثل مدينة المعمورة التي بناها الموحدين لحماية مصب نهر سبور ومنع السُفن المُعادية من الدخول ، كما بنى الملك المنصور ملك مراكش مدينة القصر الكبير

وبمرور الزمن أصبحت كثير من الحصون قد تحولت إلى مُدُن ، و قد كانت المدينة الإسلامية نتاج للفكر الإسلامي الذي دعا إلى حفظ الدين و النفس و المال و العرض ، و بناءاً على ذلك بُنيت المدينة الإسلامية و حُصنت لتحقيق هذه الأهداف

و بُنيت فيها مبانٍ كان واجباً بنائها كالمسجد و دور العلم و البيمارستانات و يكشف تاريخ المدينة الإسلامية عن أثر العوامل السياسية في حياتها بصفة عامة ، فتوجيه اختيار موقعها ارتبط بالظروف السياسية التي صاحبت إنشاء كل منهما مثل بناء بغداد

و تتكامل سياسة الاهتمام بالعنصر البشري و تشجيعه على عُمران المدينة ، باتباع سياسة مُختلفة مثل إقطاع الإقطاعيات و دعم النشاطات الاقتصادية الخاصة و توفير الأمن مع التخطيط الجيد للمدنية

وقد ارتبطت بعض التكوينات المعمارية في المدينة الإسلامية ارتباطا واضحاً بالوظيفة السياسية للمدينة ، ومن هذه التكوينات دار الإمارة أو القصر أو دواوين الحكم و الإدارة و الجيش بحكم أنها الموضع الذي تُدار من خلاله الدولة إذا كانت المدينة عاصمتها .

وكانت العاصمة تضُم داراً لسك العُملة المعدنية خاصة العواصم ” العاصمة ” وهي من شارات الملك ، حيث كانت الدولة تنقُش على عملاتها شعاراتها السياسية و أسماء حُكامها من أجل إِقرار وضع سياسي مُعين

وتُعتبر المُنشآت المعمارية الحضارية الضخمة أحد الرموز الهامة المُستخدمة كوسيلة من وسائل الدعاية السياسية ، وقد عُدت من المعايير التي تُميز المدينة الإسلامية ، و تبدو المُنشآت الحضارية و المعمارية الكبيرة في مجال الدعاية السياسية

للتدليل على قوة الدولة و عظمتها و تواجدها كالمسجد الأموي في دمشق وقُبة الصخرة في القدس و قصر القُبة الخضراء في بغداد

2)تاريخ المدينة المنوره القديم-20-1-2021

 

الحياة الاجتماعية في المدينة الإسلامية             

الأصناف و الحِرف و النقابات

تعريف ببعض المُدُن الإسلامية

وكانت المُنشآت المعمارية هامة في مجال الدعاية السياسية للتدليل على قوة الدولة و عظمتها و تواجدها حتى في البلدان البعيدة عن العاصمة مثل إِنشاء الخانات و بيوت الضيافة ومثال على ذلك ما تم في عهد عمر بن عبد العزيز الذي كتب إلى سُليمان بن السري يأمُره فيه بعمل الخانات للمُسافرين و أمره أن يتعهد من يمر بالطرق يوماً و ليله طعاماً و شراباً و مبيتاً للمُسافرين و الدواب

وقد كانت سعة و تحضر المدينة رمزاً لقوة الدولة ، فمن المباني الشهيرة قُبة الصخرة في بيت المقدس التي بناها عبد الملك بن  مروان سنة 72هـ . 

الحياة الاجتماعية في المدينة الإسلامية :

لقد كان اختلاط الأجناس في بعض المُدن الإسلامية مظهراً بارزاً من مظاهر الحياة الاجتماعية للمدينة الإسلامية ، فقد تكونت عناصر المدينة الإسلامية من العرب و ضمت الفُرس و التُرك في العصر العباسي ، وبمرور الزمن تحطم النظام القبلي الذي قام على أساسه المُجتمع العربي و كان كثير من الخُلفاء يختارون زوجاتهم من الفارسيات و التركيات

حتى أننا لا نجد من أُمهات الخُلفاء العربيات إلا ثلاثة خُلفاء هم : السفاح ، المهدي ، الأمين ودخلت عادات و تقاليد جديدة إلى المُجتمع العربي و بقيت اللُغة العربية هي سيدة الموقف ودخلت ألفاظُها إلى الفارسية

شكل أهل الذمة فئة من فئات المجتمع في المدينة الإسلامية و اشتغلت هذه الفئات الدينية منهم بالحرف و الصناعات التي توارثوها وظلوا محتفظين فيها بتقاليدهم في كثير من المُدُن حتى وقتنا الحاضر ، ويُعتبر الرقيق من الفئات الدُنيا التي شكلت مُجتمع المدينة الإسلامية وكثُر جلب الرقيق إلى قصور الحُكام و الخُلفاء في المُدُن الإسلامية و راجت تجارة الرقيق مع ازدياد الطلب.

وزخرت ألفاظ الرقيق في كثير من المُدُن الإسلامية و راجت تجارة الرقيق مع ازدياد الطلب عليهم ، و شهدت أسواق النخاسة في بغداد آلافاً من رقيق الصقالبة و الروم و الزنج و الترك ، وكانت شوارع المدينة الإسلامية و أسواقُها وعاءاً هاماً بين أوعية النشاط الاجتماعي بالمدينة الإسلامية

يتسع نطاقه عن المنزل لطبيعة السلوك و ظروف التعامل و الاتصال مع الآخرين ، وما يحتاج إلى ذلك من تدخُل سلطة المدينة في تنظيم و مُراقبة كل ما يجري في الشوارع و الأسواق من نشاطات و مُعاملات و سلوكيات .

الأصناف و الحِرف و النقابات :

ارتبط تطور حياة المدينة الإسلامية ارتباطا وثيقاً بتطور حياتها الاقتصادية ، وقد لاحظنا ذلك من  خلال التحول الاقتصادي الذي شهدته سياسة الأمويين نحو الاهتمام بالزراعة كمصدر أساسي من مصادر الموارد الاقتصادية الثابتة تعتمد عليه المُدُن في حياتها

في العصر العباسي انتقل المجتمع إلى طور زراعي ، فأدى ذلك إلى توسيع التجارة و تضخيم رؤوس الأموال من جهة و إلى تكثيف الزراعة و التوسع في الصناعة من جهة أُخرى وقد تطورت وظيفة الحسبة و تبلورت في عهد الخليفة أبو جعفر المنصور حيث فوض عاصم الأحول للنهوض بحسبة المكاييل و الأوزان و ولى زكريا بن عبد الله حسبة أسواق بغداد

ومن مظاهر الحياة الاجتماعية لأصحاب الحرف في المدينة الإسلامية ذلك العرض الفني التي تعرض فيها كل حرفة روائع بضائعها ومهارات أبنائها في موكب خاص تُشارك فيه كل الحرف و يُحدد له يُوم مُعين في السنة يكون بمثابة عيد لأهل الحرفة

وقد أصبحت الطائفة المهنية عُنصُراً أساسياً في حياة المدينة و تُمثل بالنسبة للسُلطات إِطاراً يمكنها من الإشراف على مُعظم الشعب العامل بالمدينة من صُناع و تُجار ، وكان لكل طائفة شيخ يتوسط بين أفرادها لحل النزاعات و بصفة عامة كانت الطوائف رابطة إدارية من تلك الروابط التي أُتيح لها أن تقوم بين السُلطة و الرعية.

تعريف ببعض المُدُن الإسلامية :

مكة المُكرمة :

اختلف الإخباريون في اشتقاق كلمة مكة ويُمكن تقسيم الآراء حول اشتقاق الكلمة إلى الآراء التالية :

قال أبو بكر الأنباري :سُميت مكة لأنها تمك الجبارين .

يرى ياقوت الحموي : أن التسمية جاءت من ازدحام الناس بها

قال الشرقي بن القطان : أنما سُميت مكة لأن العرب في الجاهلية كانت تقول لا يتم حجنا حتى نأتي مكان الكعبة فنمك فيه أي نصفر و نصفق حولها .

وقال قوم أن اسمها جاء لأنها تقع بين جبلين عاليين مرتفعين وهي في وادي بينهما .

وقد ورد ذكرُ مكة في القُرآن الكريم باسم ” بكة ” ومن أسمائها البيت العتيق و البلد الأمين

ويزعم الإخباريون أن أول من حكم مكة هم العمالقة وخلفهم بنو جُرهم القحطانية و كان إبراهيم عليه السلام قد أسكن ولده إسماعيل عليهما السلام مع أمه هاجر و بنى البيت العتيق فيها ، ثُم وفدت خُزاعة إلى مكة بعد السيل العُرم و طردوا جرهم من مكة وتزعم خُزاعة عمرو بن لحي الذي غير دين إبراهيم و أبدله بعبادة الأصنام التي جلبها من

البلقاء في الأُردُن و أحاطها بالكعبة

 

تعريف ببعض المدن الإسلامية

يثرب : هي مدينة قديمة عُرفت عند الإخباريين أحياناً باسم أثرب و يثرب و يُقال أنها سُميت بذلك نسبة إلى يثرب بن قانية الذي يعود نسبه إلى سام بن نوح عليه السلام ، ويُقال أن التسمية مأخوذه  من معنى الثرب بمعنى الفساد

و استشهد من قال بذلك إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن تسميتها باسم يثرب و سماها ” طيبة ” كراهية للتثريب

و يتفق الإخباريون أنها سُميت بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إليها ، وقد ذكر الإخباريون أن للمدينة المنورة تسعة و عشرون اسماً منها :

المدينة ، طيبة ، المسكينة ، العذراء ، المُحببة ، الناجية ، المحفوفة ، المُسلمة ، العاصمة ، المرزوقة ، الشافية ، المحبوبة ، المرحومة ، البارزة ، دار الأبرار ، دار الأخيار ، دار السُنة ، دار الهجرة ، المُختارة ، و أول من سكن المدينة هم القبائل العربية التي تُنسب إلى العماليق

الفسطاط :-  تأسست هذه المدينة على يد عمرو بن العاص كعاصمة لمصر و الفسطاط كلمة عربية تُطلق على المدينة و مجتمعها ، وقد وردت الكلمة في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم : “عليكم بالجماعة فأن يد الله على الفسطاط ” . وقد سار عمرو بن العاص على نهج النبي صلى الله عليه وسلم عند بنائه المدينة المنورة فبدأ بتخطيط المسجد الجامع في وسط المدينة لأنه المحور الأساس الذي تدور حولهُ الحياة الدينية و المدنية

فالجامع له دور أساسي في حياة المُجتمع بالإضافة إلى وظيفته الدينية كان له دور ومركز للبحث في  الشؤون السياسية و الاقتصادية و شؤون المُجتمع ، ثم بدأ عمرو في توزيع الخطط حول المسجد باعتباره النواة الأساسية في تخطيط المدينة ، وقد شُيدت منازل الفسطاط بالطوب و بعضها بالحجارة.

القيروان : أسسها القائد المُجاهد عُقبة بن نافع والي إفريقيا في عهد الخليفة مُعاوية بن أبي سُفيان ، حيث فكر عُقبة أن يوطد نفوذ العرب المُسلمين في شمال إفريقيا فقرر أن يُقيم لهم مدينة تكون بمثابة قاعدة عسكرية ثابته في تلك البلاد المغربية ، و على هذا الأساس اختط مدينة القيروان ، واختار لها مكان استراتيجياً هاماً ، إذ جعلها بعيدة عن الساحل خوفاً من غارات البيزنطيين و بعيدة عن جوف الصحراء خوفاً من البربر

فاس :- بُنيت هذه المدينة في عهد إِدريس الثاني سنة 192هـ ، تقع في المغرب الأقصى ، وسبب تسميتها هو أن الصُناع صنعوا للأمير إِدريس الثاني فأساً من ذهب ليُدشن فيه بناء المدينة فسُميت بهذا الاسم ، وقد امتاز موقع المدينة بكثرة أشجاره و وفرة عيونه و تدفق أنهارُه

وقد أخذ إِدريس الثاني ببناء المسجد الجامع ثُم بنى دار الإمارة المعروفة باسم دار القيطون ولما أتم بناءها سنة 197هـ اتخذها عاصمة لدولته ، وتُشبه هذه المدينة دمشق في مناخها و أشجارها

مراكش :- يعود سبب تسمية هذه المدينة إلى أنها كانت بلاد خالية لا عُمران فيها ، مكان مُوحِش فسُميت مراكش ، بناها أبو بكر بن عمر زعيم المُرابطين ، حيث بدأ ببناء المسجد الجامع ، ثُم بنى مُعسكراً و مخازن للسلاح ، وقد بدأت المدينة بسيطه ، فكانت مساكن الناس فيها خيام من الوبر

وهُناك من المؤرخين من ينسُب بناء المدينة إلى يُوسُف بن تاشفين سنة 444هـ ، ولكن هذا غير دقيق و الأصح أن بنائها تم في عهد أبو بكر بن عمر الذي كلف يُوسُف بن تاشفين بالإشراف على عملية البناء و كانت مدينة مراكش تشبه بغداد

الرباط :-

بُنيت الرباط في عهد يعقوب المنصور ، ففكر في بناء مدينة على ساحل البحر تكون قريبة إلى الأندلُس ، لكي يُرسل الجيوش و المدد لدعم المُسلمين في الأندلُس ، فاختار موقع الرباط ، وبنى فيه المدينة سنة 593هـ ، بعد انتصارهُ على الأسبان في موقعة الأرك

وقد بنى في المدينة المدارس و المساجد و القصور و الدُور و الحوانيت ، و سُرعان ما نمت المدينة و ازدهرت بسُرعة وقد ساعد على ذلك حسن موقعها و رواج تجارتها

3)تاريخ المدينة المنورة القديم وتطورها -20-1-2021

 

 

المراجع[+]

شارك المقالة:
السابق
معلومات عن التاريخ العثماني
التالي
المملكة العربية السعودية