شعر

تحليل أدبي لقصيدة فخر وعتاب

تحليل أدبي لقصيدة فخر وعتاب

تحليل أدبي لقصيدة فخر وعتاب

 

أبو الطيب المتنبي 

 هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي وكنيته أبو الطيب ولقبه المتنبئ ولد  بالكوفة سنة 303 هجري

وتنقل في بواديها آخذا الفصاحة من أعرابها واللغة والأدب على جلة علمائها وكان ديدنه 

   التنقل في البلدان فتنقل ما بين العراق والشام ومصر وبلاد فارس, ومدح أمراء تلك البلدان ووزرائها ولكنه اختص   

بسيف الدولة الحمداني أمير حلب وبقي معه زمنا توثقت فيه محبة الشاعر للأمير الحمداني,

وقد كان سيف الدولة يمثل في نظره صورة البطل العربي الهمام المتحلي بكل معاني البطولة والشهامة,

ولكن حاسدوه نجحوا في تعكير صفو   تلك العلاقة فغادره غاضبا إلى مصر ومدح أميرها كافور الإخشيدي

وظل كافور يمنيه ويماطله وحينما أيقن أن وعوده كاذبة وبروقه خلب غادر مصر متخفياً في ليلة عيد الأضحى

تاركاً على فراشه قصيدة هجائية لاذعة لكافور ودولته   مطلعها:

1) المتنبي

                             عيد بأي حال عدت يا عيد            بما مضى أم لأمر فيك تجديد

 

نص القصيدة 

 

قَلباهُ مِمَّن قَلبُهُ شَبِمُ                      ومن بِجِسمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ   

مالي أُكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي                 وَتَدَّعي حُبَّ سَيفِ الدَولَةِ الأُمَمُ   

إِن كانَ يَجمَعُنا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ                      فَلَيتَ أَنّا بِقَدرِ الحُبِّ نَقتَسِمُ   

قَد زُرتُهُ وَسُيوفُ الهِندِ مُغمَدَةٌ                 وَقَد نَظَرتُ إِلَيهِ وَالسُيوفُ دَمُ   

فَكانَ أَحسَنَ خَلقِ اللَهِ كُلِّهِمِ   و                 َكانَ أَحسَنَ مافي الأَحسَنِ الشِيَمُ   

فَوتُ العَدُوِّ الَّذي يَمَّمتَهُ ظَفَرٌ                   في طَيِّهِ أَسَفٌ في طَيِّهِ نِعَمُ   

قَد نابَ عَنكَ شَديدُ الخَوفِ و ِاصطَنَعَت       لَكَ المَهابَةُ مالا تَصنَعُ البُهَمُ   

أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمُها               أَن لا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ   

أَكُلَّما رُمتَ جَيشاً فَاِنثَنى هَرَباً                 تَصَرَّفَت بِكَ في آثارِهِ الهِمَمُ   

عَلَيكَ هَزمُهُمُ في كُلِّ مُعتَرَكٍ                   وَما عَلَيكَ بِهِم عارٌ إِذا اِنهَزَموا   

أَما تَرى ظَفَراً حُلواً سِوى ظَفَرٍ               تَصافَحَت فيهِ بيضُ الهِندِ وَاللِمَمُ   

 

 

يا أَعدَلَ الناسِ إِلّا في مُعامَلَتي               فيكَ الخِصامُ وَأَنتَ الخَصمُ وَالحَكَمُ

أُعيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً                  أَن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمُهُ وَرَمُ   

وَما اِنتِفاعُ أَخي الدُنيا بِناظِرِهِ               إِذا اِستَوَت عِندَهُ الأَنوارُ وَالظُلَمُ   

سيعلُم الجمعُ ممن ضمَّ مجلسُنا              بأنني خيرُ من تسعى به قَدَمُ   

أَنا الَّذي نَظَرَ الأَعمى إِلى أَدَبي              وَأَسمَعَت كَلِماتي مَن بِهِ صَمَمُ

أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها               وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ   

وَجاهِلٍ مَدَّهُ في جَهلِهِ ضَحِكي                حَتّى أَتَتهُ يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ

إِذا رأيتَ نُيوبَ اللَيثِ بارِزَةً                  فَلا تَظُنَّنَّ أَنَّ اللَيثَ يبتَسِمُ   

وَمُهجَةٍ مُهجَتي مِن هَمِّ صاحِبِها              أَدرَكتُها بِجَوادٍ ظَهرُهُ حَرَمُ   

رِجلاهُ في الرَكضِ رِجلٌ وَاليَدانِ يَدٌ         وَفِعلُهُ ما تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ   

وَمُرهَفٍ سِرتُ بَينَ الجَحفَلَينِ بِهِ             حَتّى ضَرَبتُ وَمَوجُ المَوتِ يَلتَطِمُ   

 

 

الخَيلُ وَاللَيلُ وَالبَيداءُ تَعرِفُني                  وَالسَيفُ وَالرُمحُ وَالقِرطاسُ وَالقَلَمُ   

صَحِبتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ مُنفَرِداً           حَتّى تَعَجَّبَ مِنّي القورُ وَالأَكَمُ   

يا مَن يَعِزُّ عَلَينا أَن نُفارِقَهُم                   وِجدانُنا كُلَّ شَيءٍ بَعدَكُم عَدَمُ   

ما كانَ أَخلَقَنا مِنكُم بِتَكرُمَةٍ                    لَو أَنَّ أَمرَكُمُ مِن أَمرِنا أَمَمُ   

إِن كانَ سَرَّكُمُ ما قالَ حاسِدُنا                 فَما لِجُرحٍ إِذا أَرضاكُمُ أَلَمُ   

وَبَينَنا لَو رَعَيتُم ذاكَ مَعرِفَةٌ                   إِنَّ المَعارِفَ في أَهلِ النُهى ذِمَمُ   

كَم تَطلُبونَ لَنا عَيباً فَيُعجِزُكُم                  وَيَكرَهُ اللَهُ ما تَأتونَ وَالكَرَمُ

ما أَبعَدَ العَيبَ وَالنُقصانَ عَن شَرَفي          أَنا الثُرَيّا وَذانِ الشَيبُ وَالهَرَمُ   

لَيتَ الغَمامَ الَّذي عِندي صَواعِقُهُ              يُزيلُهُنَّ إِلى مَن عِندَهُ الدِيَمُ   

أَرى النَوى تَقتَضيني كُلَّ مَرحَلَةٍ              لا تَستَقِلُّ بِها الوَخّادَةُ الرُسُمُ

 

لَئِن تَرَكنَ ضُمَيراً عَن مَيامِنِنا                     لَيَحدُثَنَّ لِمَن وَدَّعتُهُم نَدَمُ   

إِذا تَرَحَّلتَ عَن قَومٍ وَقَد قَدَروا                    أَن لا تُفارِقَهُم فَالراحِلونَ هُمُ   

شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ                      وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإِنسانُ ما يَصِمُ   

وَشَرُّ ما قَنَصَتهُ راحَتي قَنَصٌ                     شُهبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ وَالرَخَمُ   

بِأَيِّ لَفظٍ تَقولُ الشِعرَ زِعنِفَةٌ                      تَجوزُ عِندَكَ لا عُربٌ وَلا عَجَمُ   

هَذا عِتابُكَ إِلّا أَنَّهُ مِقَةٌ                             قَد ضُمِّنَ الدُرَّ إِلّا أَنَّهُ كَلِمُ

 

جماليات النص 

vشخصية الشاعر كانت حاضرة بكل خصائصها في النص الذي أعده الشاعر قاصمة لخصومه ورداً قوياً على انتقاص الأمير لقدره.

اللغة والأسلوب:

vألفاظ القصيدة ومعانيها وعاطفتها وقوة أدائها وتتابع أنفاسها عبرت أحسن تعبير عن موضوعها وعن صاحبها وقد غلب على ألفاظ الشاعر السهولة والبعد عن الغريب وقد خلت عن المعاظلة والتعقيد إلا في قليل من أبياتها ربما لأن فؤاد الشاعركان يهدر غيظاً فلا يتمهل ليراجع بعض أبياتها من فرط إلحاح عاطفته في مثل قوله:

                                  ومهجة مهجتي من هم صاحبها         حتى أتته يد فراسة ودم

vالحكمة التي عرف بها الشاعر خففت من حدة أسلوبه خاصة من مواضع العتاب والنيل من الحاضرين بمن فيهم الأمير فقد كان حريصا ألا يصرح بهجاء الأمير ربما خوفا من من الانتقام أو مراعاة لسابق عهده معه أو لمحبة في النفس باقية لأخت الأمير (خولة) إن لم تكن للأمير كما يرى بعض شراح ديونه.

 

vاشتمل النص على عدد من الابيات السائرة إما لقوتها في مقام الفخر أو لعمق معناها وما انطوت عليه من الحكمة مثل (الخيل والليل…, وما أبعد العيب والنقصان عن شرفي.., وأنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي..)

vأما البديع فقد أحسن الشاعر استخدامه بلا تكلف أو تصنع وقد تمثل في الطباق والمقابلة في المعاني مثل (حار وشبم, صدق المحبة وادعائها, وحالي السلم والحرب التي عبر عنها بالسيوف المغمدة والسيوف التي تقطر دما والعدل والظلم وأنام ويسهر والبزاة والرخم )

vأما الجناس فقد تزينت بجرسه كثير من أبيات النص خاصة الجناس الاشتقاقي مثل ( أحسن والأحسن, هزموا وانهزموا, جاهل وجهله, ومعرفة ومعارف, ترحلت والراحلون, قنصته وقنص)

 

معاني الكلمات في القصيدة 

 

الكلمة معناها
واحر قلباه أسلوب ندبة
شبم بارد
سقم مرض مزمن
أكتم أخفي
برى أهزل وأضعف
تدعي يظهر خلاف ما يضمر
غرته مقدمة رأسه
أعيذها أنزهها، اعتصم بها
ورم انتفاخ من ألم ومرض
الظلم الظلام

 

الكلمة معناها
عدم غير موجود
أخلقنا أجدرنا
سركم أسعدكم
ألم وجع
أهل النهى أصحاب العقول الراجحة
الدر اللؤلؤ
عتاب لوم
مقة المحبة
ما يصم ما يجلب العار لصاحبه
الرسم مفردها رسوم وهي الإبل السريع

 

 

 

الكلمة معناها
الذمم مفردها ذمة وهي العهود
الوخادة مفردها الواخدة الإبل السريع
ترحلت انتقلت
كل مرحلة كل مسافة
يقتضيني يكلِّفني
النوى البعد
أدبيّ شعريّ
صمم فقدان السمع
شورادها والمقصود بها قصائد الشعر
يختصم يتنازع

 

 

الكلمة معناها
يعجزكم أي لا تقدرون عليه
الغمام مفردها غمامة وهي السحاب
صواعق مفردها صاعقة وهي النار تسقط من السماء
الديم مفردها ديمة وهو المطر من غير رعد أو برق

 

المعنى الأجمالي للنص 

المصادر أن أول لقاء بين الأمير الحمداني سيف الدولة وبين امير دولة الشعر أبي الطيب المتنبي

قد تم في حضرة أبي العشائر أحد قادة سيف الدولة المعروفين وكان صديقاً للشاعر ويعرف قدره فدل الأمير على أبي الطيب

وعرفه بتميزه وأنه نسيج وحده بين شعراء زمانه وأنه لا يستحقه سواه فقبل أبو الطيب صحبة الأمير وتوثقت الصلة

بين أمير الدولة والحكم وأمير الكلمة والأدب وتوطدت العلاقة بين القمتين فكان المتنبئ في مديحه لسيف الدولة

يصدر عن نفس معجبة بهذا الأمير الذي تملك قلب الشاعر بعظيم صفاته وجميل شهائله وفروسيته وحميته العربية

وما كان للأمور أن تسير كما يشتهي الشعر إذ استطاع أعداء الشاعر وحاسدوه أن يوغروا صدر الأمير عليه حين اتهموه بالصلف والتعالي

حتى على أميره فبدأ الأمير بإهمال الشاعر وأخذ يتجاهله ويقدم من هم دونه فلم يحتمل الشاعر تنكر الأمير له

وجعله في منزلة واحدة مع شعراء زمانه بله تقديمهم عليه وهو القائل عنهم:

أفي كل يوم تحت ضبني شويعر    ضعيف يقاويني قصير يطاول

 

الصورة الفنية للنص 

تمثلت في الاستعارة في مثل قوله:

أما ترى ظفراً حلوا سوى ظفر   تصافحت فيه بيض الهند واللمم

وفي قوله (موج الموت يلتطم) و (تعجب مني القور والأكم)

ومن ألوان البيان الكنايات المعبرة في قوله (سيوف الهند مغمدة) كناية عن حال السلم وقد تكون كناية عن الخمول وعدم الشهرة

و(نظرت إليه والسيوف دم) كناية عن الحرب وتحقق النصر وقد تكون كناية عن الاشتهار و     

   (تحسب الشحم فيمن شحمه ورم) كناية عن التباس الأمور ورؤية الأشياء على غير حقيقتها,

 والبيت:

ليت الغمام الذي عندي صواعقه      يزيلهن إلى من عنده الديم

شطره الأول كناية عن شذى الأذى وتحمل المشقة وشطره الثاني كناية عن النعيم والرخاء وتواصل المعروف

 

كما تنوعت صيغ التعبير وإن كانت أميل إلى الأساليب الخبرية في مواضع الفخر والتهديد أما أساليب     

الإنشاء فقد انبسطت في النص وإن كانت في معاني العتاب والهجاء أوضح, مثل الندبة والنداء في قوله 

   (واحرقلباه, ويا أعدل الناس, ويا من يعز علينا) والاستفهام ورد بمعنى التعجب والإنكار وبمعنى النفي في مثل قوله

(ما لي أكتم حبا) و (أكلما رمت جيشاً..) و (وما انتفاع أخي الدنيا بناظره).

كما وردت بعض صيغ التعجب في النص مثل (ما كان أخلقنا منكم بتكرمة) و (ما أبعد العيب والنقصان  عن شرفي)

إلى جانب أسلوب النهي والتمني, وقد قوت هذه الأساليب المعاني التي يرمي إليها الشاعر  

   وأبرزتها في قوتها التي تناسب التحدي ورد الاعتبار الذي ينشده.

 

تحليل أدبي لقصيدة فخر وعتاب

هذه القصيدة مِن القصائد التي عاتب فيها المتنبي سيف الدولة الحمداني على سماعه كلام الحاسدين،

سمّيت بِالبردة لأنّها من القصائد التي مُدح بها الحمداني. بدأ المتنبي القصيدةَ بتأوهٍ يخرجُ مكنونَ نفسهِ من الألم والضيق الذي يعاني به

من حبِّ سيف الدولة الذي لا يبادله هذه المحبة، وهذا ما سبب المرض والسقم للشاعر، ثمَّ يتغنَّى بحبِّه لسيف الدولة في      الأبيات التي تلي المطلع:

واحرَّ قلباهُ ممن قلبه شبمُ       ومن بجسمي وحالي عنده سقمُ

مالي أكتِّم حبًّا قد برى جسدي      وتدَّعي حبَّ سيف الدولة الأممُ

 ثمَّ كعادته في قصائده لسيف الدولة يسهبُ في المدح الذي تميَّزَ به شعرُه، فيمدحُ الأمير بشيمِه وأخلاقِه: فكان أحسن  

  خلقِ الله كلِّهم وكان أحسن ما في الأحسن الشيمُ. ثمَّ يمدحُ قوَّة سيف الدولة وخوضه للمعارك والظفر الذي يحقِّقه على   

أعدائه، فيقول: أكلَّما رمتَ جيشًا فانثنى هربًا  تصرَّفت بك في آثاره الهِممُ عليكَ هزمهمُ في كلِّ معتركٍ  

وما عليكَ بهم عارٌ إذا انهزموا ثمَّ يوجِّه عتابه الكبير للأمير العادل الذي لم يعدل بالحكم على المتنبي، فيقول:

 يا أعدل الناس إلا في محاكمتي            فيكَ الخصام وأنت الخصمُ والحكم

 

ثمَّ يبدأ وعلى مسمعِ الجميع في مجلس سيف الدولة بأبيات الفخر التي يفتخرُ بها بنفسه،

وهذه الأبيات الشهيرة والتي قد تكون من أشهر أبيات المتنبي في الفخر،

تحملُ في طيَّاتها الكثير من الصفات التي ترفعُ المتنبي عن أقرانه الذي يجلسون عند سيف الدولة،

ولم يترك بها مجالًا للشكِّ بمدى اعتزاز الشاعر بنفسه رغم وجوده في مجلس الأمير سيف الدولة،

  ويؤكدُ أنه أشهرُ الجميع وأنَّه عندما ينامُ ليلًا مطمئنًا فإنَّ الجميعَ ينشغل به وبشعره، فهو ينظم القصائد

دون أن يحتار أو يتعب، على عكس الكثير من الشعراء الذين يسهرون الليالي لكتابة الشعر ويتخاصمون في دقة المعاني، فيقول:

 أنا الذي نظرَ الأعمى إلى أدبي   وأسمعَت كلماتِي من بهِ صممُ

أنامُ ملء جفوني عن شواردها   ويسهرُ الخلقُ جرَّاها ويختصمُ

ويقول بعد ذلك مؤكِّدًا على أنَّ شهرتَه فاقت الأسماع والأنظار، وبطولته صارت الخيل والليل والصحراء تعرفه        ولفصاحته أصبح يعرفه القلم والقرطاس:

 الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني   والسيف والرمحُ والقرطاس والقلمُ

 

ويعيدُ الكرَّة بالعتاب لسيف الدولة، ويتألم ويتحسَّر لأنَّه سيفارقه، ويخبرُه أنَّ الجراح التي يتألم بها إذا كانت مصدرَ     سرورٍ للأمير فإنَّها ليست ذات ألم للشاعر، ثمَّ يفخرُ بنفسه مرةً ثانية مبرئًا نفسه من كلِّ عيبٍ، ويختمُ في نهاية القصيدة     بكلمات حكمٍ وعبر هي قمَّةٌ في الجمال والورعة، عن البلاد التي تخلو من الصحاب، فيقول:

شرُّ البلاد مكان لا صديقَ  به            وشرُّ ما يكسبُ الإنسان ما يصمُ

 إنّ ما كان يجمعنا حبّ سيف الدولة من مختلف البلاد فليت أنّنا نتقاسم عطاياه وأنّ تكون هذه العطايا بحجم محبتنا له،  ثم ينزه نظرات سيف الدولة من أنّ ترى خلاف ما يظهر، أو أنّ يظن أنّ الورم سمنة وقوة، والمرض صحة عافية،     فيقول:

إِن كانَ يَجمَعُنا حُبٌّ لِغُرَّتِهِ                         فَلَيتَ أَنّا بِقَدرِ الحُبِّ نَقتَسِمُ

أُعيذُها نَظَراتٍ مِنكَ صادِقَةً                           أَن تَحسَبَ الشَحمَ فيمَن شَحمُهُ وَرَمُ

 

إنّ الإنسان البصير عليه أن يفرق بين النور والظلمة، فإذا لم يميز بينهم فلا نفع في بصره، فعلى سيف الدولة أن يميز  بينه وبين غيره كما يميز بين النور والظلمة، فيقول:

 وَما اِنتِفاعُ أَخي الدُنيا بِناظِرِهِ      إِذا اِستَوَت عِندَهُ الأَنوارُ وَالظُلَمُ

يؤكد المتنبي أنّه غير قادر على ترك سيف الدولة فهو يجد كل شيء بعده لا قيمة له، أو أن يبدله بغيره، ويقول أنَّه لو  كان سيف الدولة يحبه ويعزه كما يحبه المتنبي لكان أكرمه على قدر تلك المحبة، فيقول:

يا مَن يَعِزُّ عَلَينا أَن نُفارِقَهُم    وِجدانُنا كُلَّ شَيءٍ بَعدَكُم عَدَمُ

ما كانَ أَخلَقَنا مِنكُم بِتَكرُمَةٍ     لَو أَنَّ أَمرَكُمُ مِن أَمرِنا أَمَمُ

يكلف البعد المتنبي بقطع مسافات طويلة وشاقة، حتى الإبل السريعة غير قادرة على قطعها لبعد المسافة وشدة الأهوال، فيقول:

 أَرى النَوى تَقتَضيني كُلَّ مَرحَلَةٍ        لا تَستَقِلُّ بِها الوَخّادَةُ الرُسُمُ

 

يشير المتنبي إلى أنَّ سيف الدولة سوف يندم بسبب تركه له، ثم يخاطب المتنبي نفسه قائلًا أنّه إذا اخترت أن تبتعد عن

 قوم أنت قادر على إكرامهم فأنت الذي اخترت الابتعاد، ثم يؤكد أنَّ كلماته التي نظمها في قصيدته عتاب مني إليك لكنه محبة،

وذلك لأنَّ العتاب يجري بين المتحابين فقط، فهي كلمات كالدرر لحسن اللفظ والكتابة، فيقول:

لَئِن تَرَكنَ ضُمَيرًا عَن مَيامِنِنا      لَيَحدُثَنَّ لِمَن وَدَّعتُهُم نَدَمُ

تَرَحَّلتَعَن قَومٍ وَقَد قَدَروا      أَن لا تُفارِقَهُم فَالراحِلونَ هُمُ

 هَذا عِتابُكَ إِلّا أَنَّهُ مِقَةٌ       قَد ضُمِّنَ الدُرَّ إِلّا أَنَّهُ كَلِمُ أخيرًا،

 حاول المتنبي بكل طاقاته الشعرية أن يستعطف قلب سيف الدولة عليه وأن يؤكِّد له حبَّه وإخلاصه، فكلام الحاسدين  

والواشين ما هو إلا تلفيق لبث الشك في قلب سيف الدولة

 

موسيقى النص 

في النص تكاملت عناصر الموسيقى المماثلة في الإيقاع الخارجي المتمثل في إيقاع تفعيلات بحر البسيط

الذي مكن الشاعر بامتداده ومطاوعته من التعبير عن خلجات نفسه المضطربة في هذه الجلسة العاصفة,

إلى جانب قافية الميم المضمومة, وقد تقوى الإيقاع الداخلي المتمثل في الطباق والجناس وتكرار الالفاظ والتقسيم.

المراجع[+]

شارك المقالة:
السابق
شرح قصيدة فخر وعتاب لأبي الطيب المتنبي
التالي
قصيدة فخر وعتاب لأبي الطيب المتنبي كاملة