مقالات

تصحيح مفهوم الغفلة

كتابة : حسن عبدالمنعم البشبيشي 

تصحيح مفهوم الغفلة

ـ هناك مفهوما خاطئا عن معنى الجهل بالشيء، فالكثير يحسب أن معناه عدم السماع أو عدم الفهم لهذا الشيء، ولكن هناك سبب ثالث للجهل وهو عدم الانتباه لخطورة ذلك الأمر، وهذا معناه أنك مهما سمعت عن الأمر وفهمت معناه فأنت لا تزال جاهلا به طالما أنك لا تزال لم تنتبه له، وهذا النوع من الجهل هو الغفلة.

ـ فالإنسان يكون جاهلا بالأمر إذا لم يسمع عنه، ويكون جاهلا بالأمر إذا سمع عن الأمر ولكن لم يفهم معناه، ويكون جاهلا بالأمر إذا سمع عنه وفهمه ولكن لم ينتبه لخطورته، فالجاهل بالله والآخرة هو سمع وفهم ولكن لم ينتبه، وهذا هو النوع الثالث من الجهل وهو الغفلة.

ـ معرفة البعض بوجود الخالق ووجود الآخرة ضاع منها الشرط الثالث (الانتباه) رغم أن اليقين عندهم بالله والآخرة جازما، فأصبحوا لا يدركون ولا ينتبهون لخطورة ما يقولون ويوقنون، فهؤلاء أعرضوا عن معرفة الله والآخرة.

ـ الجاهل بالأمر لعدم الانتباه هو سمع وفهم الأمر فلديه أصل المعرفة لذلك هو يحسب أنه يعرف وحقيقة أمره أنه جاهل بالأمر، لذلك قد يحسب الانسان أنه يعرف الله والآخرة وفي الحقيقة هو جاهل تماما بالله والآخرة وذلك رغم وجود اليقين التام بالله والآخرة.

 

ـ فالغافل عن الله والآخرة هو لا يزال جاهلا لا يعرف أن له خالقا وأن هناك آخرة رغم وجود اليقين التام وهو كالجاهل الذي لم يسمع عن وجود الله والآخرة، فلا يزال البعض جاهلا بوجود الخالق والاخرة رغم يقينهم التام بالله والآخرة، وكل واحد منا يحسب أنه أبعد ما يكون عن هذا الجهل، والسبب أنه لا يعرف أن الغفلة هي نوع من الجهل، فهذا الكتاب هو دعوة الى تحقيق المعرفة الحقيقية بوجود الخالق والآخرة من جديد!

ـ فالغفلة عن الله والآخرة هي جهل حقيقي بوجود الخالق والاخرة وليست جهلا مجازيا وهي جهل متعمد لا عذر للإنسان فيه، والجهل معناه أن الانسان لا علاقة له بالشيء الذي يجهله فلا يؤثر في مشاعره أو انفعالاته أو حياته فلا صلة له به، وقد يكون عمله مفتعلا أو عادة أو تقليدا أو مجرد مظاهر روتينية وليس ناشئا عن تأثره بالأمر، فالجهل بالله والآخرة هو المانع من تحقيق أساس العبادة وهو الحب والخوف والرجاء وهو المانع من تحقيق أعمال العبادة الباطنة كالشعور بالخضوع والرضا والتوكل وهو المانع من تحقيق مفهوم العبادة فلا يعيش الانسان حياته على مبدأ الخضوع وهو سبب كل الشرور في المجتمع وهو السبب الذي يمنع الإنسان من الهداية، وعكس ذلك هو معرفة الله والاخرة فهي مفتاح الهداية الذي به تهتدي وتكون من أهل الجنة، وهي مفتاح السعادة الذي يجعلك تعيش سعيدًا في الدنيا والآخرة.

ـ كل لذات الدنيا وآلامها ليست بشيء أمام لذات وآلام الآخرة، وسنوات العمر الطويلة ليست بشيء أمام الخلود في الآخرة، وانتقال الإنسان إلى حياة أخرى من جديد هو أمر خطير ومثير، ورغم ذلك فالبعض لا تتأثر مشاعرهم ولا همومهم ولا أهدافهم ولا حياتهم إلا بأمور الدنيا، وذلك لأنهم لم ينتبهوا لمدى خطورة الحياة في الآخرة، فهؤلاء جاهلين بالآخرة ليس لأنهم لم يسمعوا عنها أو لأنهم لم يفهموا معناها ولكنه جهل لعدم الانتباه لخطورة الأمر.

ـ فالطبيعي أنه بمجرد أن يعرف الإنسان بوجود الخالق والآخرة ويوقن بذلك فإن حياته كلها من مشاعر وأهداف وطموحات وسلوك وتصرفات وانفعالات وفرح وحزن وغضب وأخلاق وكلام ونية وعمل سوف تتأثر تأثرا كبيرًا، وسوف تتغير حياته بزاوية مائة وثمانين درجة.

ـ لكن المشكلة أن الكثير من الناس لا يعلمون أن مجرد المعرفة الحقيقية بالخالق والآخرة (مع وجود اليقين) هو أمر خطير جدًا ومؤثر جدًا إلى هذه الدرجة، لكنهم سوف يعلمون ذلك عندما يجدون أنفسهم واقفين على أرض المحشر في الآخرة.

ـ فإذا لم تتأثر حياة الإنسان بالله والآخرة بهذا التأثر الكبير جدًا، أو كان تأثرها قليل جدًا أو شكليًا في بعض المظاهر فهذا يدل على أن الإنسان إما أنه لا يزال لم يعرف الخالق والآخرة أو أنه غير موقنٍ بالخالق والآخرة.

شارك المقالة:
السابق
دراسة جدوى محل حلاق رجالي
التالي
من هو تركي عبدالرحمن النويصر