روايات

قصة دلال لاتحب المدرسة

قصة دلال لاتحب المدرسة

قصة دلال لاتحب المدرسة

فوائد القصص للأطفال 

1.تشجيع الطفل على تقبل الثقافات الاخرى 

2.تمكن الطفل من التعبير عن نفسه وأيصال افكارة ومشاعره

3.القراءة هي الطريقة المثلى لتوسيع مفرداتهم

4. القصص تشجع الطفل  على الإبداع

5.التركيز والمهارات الاجتماعية

6-تعلم الطفل الصبر ولأصغاء للأخرين 

7-قصص أطفال قصيرة  تساعدهم على النوم

1)فوائد قصص الاطفال -20-4-2021

 

قصة دلال لاتحب المدرسة

 

«سَنواتٌ قَليلةٌ وأَدْخُلُ الجامِعَةَ، يا لها مِنْ رِحْلةٍ شاقَّةٍ طَويلَةٍ، ما أصعبَ أيامَ الدِّراسَةِ».

«اشْكُري رَبَّك يا دلال، ألوفُ الفتياتِ في سنِّكِ لا يَعْرِفْنَ القِرَاءَةَ وَالكِتَابَةَ».

«إِنِّني أَشْكُرُ رَبِّي دائماً، لكنني مُنْزعجةٌ.. أَلاَ يَحِقُّ لِيَ التعبيرُ عن ضِيقِ صَدْري؟!».

«أَلاَ تُلاحِظِينَ أَنَّكِ على الدّوَامِ مُتَضَايِقَةٌ.. تَبْحَثِينَ عَن أيِّ شيءٍ لِتَتَأَفَّفِي مِنْهُ، أَخْشَى غَداً أَنْ تَتَأَفَّفِي مِنْ نَفْسِكَ، إنْ لَمْ تَجِدي ما تَتَأَفَّفينَ مِنْهُ».

«أووفْ منكِ يا كريمة.. تَخْلُطِينَ الجِدّ بالهَزْلِ. هيّا.. هيّا.. اُدْخُلي الفَصْلَ قَبْلَ بَدْءِ الحِصّةِ الصَّبَاحِيّةِ».

قالَتِ المدرِّسةُ:

«صَبَاحُ الخَيْرِ يا بَنَاتْ.. كَيفَ أَصْبَحْتُنَّ الْيَوْمَ؟ أَرْجُو أَنَّكُنَّ أَخَذْتُنَّ قِسْطاً مِنَ الرَّاحَةِ في العُطْلَةِ الأُسْبُوعِيَّةِ،

لِنَبْدَأَ أُسْبُوعاً جَديداً مَليئاً بِالنَّشَاطِ.. الإِمْتِحَانُ الشَّهْرِيُّ عَلَى الأَبْوَابِ؟».

الجميعُ بِصَوْتٍ واحدٍ: «نَعَمْ.. نَعَمْ.. كُلُّنَا على اسْتِعْدَاد».

قَالتْ دلالُ في سِرِّها: «يا لَكُنَّ من مَرَائِيّاتٍ.. أَعْلَمُ أَنَّكُنَّ تَكْرَهْنَ الإِمْتِحَانَاتِ.. وتُحَاوِلْنَ التَّوَدُّدَ للمُدَرِّسَةِ حتى تَرْضى عَنْكُنّ.. وأنا لا أُحِبُّ المُراءاتِ».

تَنْتَبِهُ المدرِّسةُ إلى شُرودِ دلالْ:  «هِيْه يا دلال.. ما بِكِ.. أَراكِ تُفَكِّرينَ بشيءٍ ما؟».

«لا شَيءَ يا آنِسَة.. لا شَيءْ».

تَهْمِسُ كريمة في أُذُنِ دلال: «توقّفي يا عزيزتي عَنِ التفكيرِ.. الحِصَصُ الصَبَاحِيّة مُهِمّة.. انْتَبِهي إلى مَا تَقُولُهُ المُدَرِّسَة».

حَرَّكَتْ دلالُ كَتِفَيْهَا غيرَ مُبَاليةٍ.. وبَدَأَتْ المُدَرِّسة تَشْرَحُ دَرْسَ اليَوْمِ.

 

تَعُودُ دلالُ إلى بَيْتِها مُتْعَبَةٌ، تَتَنَاوَلُ غَدَاءَها.. تَرْتَاحُ قَليلاً ثُمّ تقولُ لأُمِّها:

«أمِّي.. لِمَاذا لا يُفَكِّرونَ بِطَرِيْقَةٍ جَدِيدةٍ لِلْتَّعْلِيْمِ غيرَ المدرِّسة؟!».

قَالتِ الأُمُّ بِاسْتِغْرَابٍ:

«طَرِيْقَةٌ جَديدةٌ للتعْليمْ؟! فِكْرَةٌ جَرِيْئَةٌ وَطيِّبَةٌ.. لَكِنْ ما هي عِلَّةُ الطَّرِيْقَةِ الحاليّةِ؟».

«المُدَرِّسَةُ تُشْعِرُني بالمَلَلِ، لَسْتُ أنا لِوَحْدِي فَقَطْ، بلْ كثيرٌ من صديقاتي.. اليومُ هو غيرُ الأَمْسِ.. العَالَمُ يتطوَّرُ».

«بالتأكيدْ.. اشْرَحي لي أَكْثَرْ سَبَب انْزِعَاجِكِ».

«نَجْلُسُ في مَقَاعِدِنا أكثرَ من نصفِ النَّهارِ، ثم نعودُ للمنزلِ فنقضي ما تبقّى مِنَ النَّهارِ وُجْزءًا مِنَ اللَّيْلِ بالدَّرْسِ والحِفْظِ وقَضَاءِ الواجباتِ.. ولا نَجِدُ وَقْتاً لأَنْفُسِنا..».

«نعمْ، هذا مَفْهومٌ يا دلال.. لكِّنَهُ شيءٌ طبيعيٌّ؟».

«هل يَجِبُ أنْ نَتَعذَّبَ.. نِصْفُ أَوْقَاتِ الدِّرَاسَةِ تَضيْعُ بِشُرودِ الذِّهْنِ.. نقضي أَجْمَلَ سَنَواتِ الطُّفولَةِ بالتَّعَبِ والإِرْهَاقِ

ندرُسُ اليومَ من أَجْلِ الإِمْتِحَانِ.. وبَعْدَ الإِمْتِحَانِ نَنْسَى كُلُّ شَيء.. وتَمْضِي الأَيَّامُ حتى نَجِدَ طُفولَتَنا سُرِقَتْ منّا».

«أرى الأمرَ يُشَكِّلُ في نفسِكِ أَلَماً وحُزْناً وحِيْرَةً.. لكنْ ما هوَ الحلُّ يا ابْنَتِي؟!».

«لَسْتُ أَدْري.. لَسْتُ أَدْري.. لقد ضَاقَ صَدْرِي يا أُمِّي..».

«مَا رَأْيُكِ لَوْ أَطْرَحُ المَوْضُوعَ فِي اجْتِمَاعِ أَوْلِيَاءِ الأُمُوْرِ القَادِمِ فَهُوَ بَعْدَ أَيَّامٍ.. وسوفَ نبحثُ الأمرَ معْ إدارةِ المدرسةِ».

«لا يا أُمِّي.. لا.. أَخْشَى أَنْ تَظُنَّ مدرِّساتي أَنَّهُنَّ السببُ، فَيَغْضَبْنَ مِنِّي».

«ما رَأْيُكِ لو أُنَاقِشُ المَوْضُوْعَ مَعَ مُدِيْرَةِ المَدْرَسَةِ..؟».

«لا أَعْتَقِدُ أَنّها سَتُبَدِّلُ أُسْلُوبَ التَّعْلِيمِ مِنْ أَجْلِي..».

«إِذَنْ.. لِنُرْسِلَ رِسَالةً، إلى وَزِيرِ التَّرْبِيَةِ نَعْرِضُ عَلَيْهِ مُشْكِلَتَكِ؟».

«وهلْ الوزيرُ لَدَيْهِ وَقْتٌ لِيَقْرَأَ رِسَالتي أنا.. وحتى لَوْ قَرَأها.. هلْ سَيُغَيِّرُ نِظَامَ التَّعْلِيْمِ مِنْ أَجْلي؟؟».

«مَا هُوَ الحلُّ برأيكِ؟!».

«لا أَدْري يا أُمِّي.. لا أدري..».

«عندَ المَسَاءِ.. بعْدَما يأتي أبوكِ مِنْ عَمَلِهِ سَنَطْرَحُ عَلَيْهِ القَضِيّةَ لِنَرى وُجْهَةَ نَظَرِهِ بِشَأْنِها..».

قالتْ دلالُ كَأَنَّها مُسْتَسْلِمَةً للواقَعِ:

«لا بَأْسَ.. لابَأْسَ..».

 

إِنْصَرَفَتْ دلالُ إلى غُرْفَتِها.. بَدَأَتْ تُحَضِّرُ دُروسَ الغَدِ أَخْرَجَتْ كُتُبَها وكُرّاسَاتها.. أعمالٌ رياضيّةٌ.. مُلاحَظَاتٌ عِلْمِيّةٌ، نُصوصٌ عَرَبِيّةٌ وإنْكِليزيّةٌ.. واجِبَاتٌ كثيرةٌ لا تَنْتَهي..

حَفَظَتْ نَشِيْدَةً مَطْلُوبَةً مِنْها.. سُوْرَةَ القارِعَة.. لَخَّصَتْ دَرْسَ الجُغْرَافيا كما طَلَبَتِ المدرِّسة.. كَتَبَتِ القواعِدَ العِلْمِيّة في كُرّاسةِ العلومِ..

ظَلَّتْ دلالُ في غُرْفَتِها حتى جَاءَ المَسَاءُ..

 

اجْتَمَعَتِ العَائِلَةُ في غُرْفَةِ الجُلُوسِ كَعَادَتِها مِثْلَ كُلِّ يومٍ؛ الأَبُ يُمْسِكُ بِيَدِهِ كِتَاباً.. الأُمُّ تُهَيِّىءُ لابْنَتِها كريمة ثِيَابَ الغَدِ،

لكنّ كريمةَ لَمْ تَكُنْ تُقَلِّبُ محطّاتِ التلفزيونِ كعادَتِها.. كانتْ تَجْلِسُ بِسُكونٍ.. تنظرُ إلى أمِّها.. تَتَرَقَّبُ بَدْءَ الحَدِيْثِ بِشَغَفٍ.

«أبو دلال..».

نَادَتْ الأُمُّ زَوْجَها تبدَّدَ الصَّمْتَ.

ظلَّ الأَبُ مُرَكِّزاً عَيْنَيْهِ في الكِتَابِ، وردَّ بصوتٍ هادىءٍ:

«نَعَمْ يا زَوْجَتي العَزيزة».

كرَّرتِ الأُمُّ: «أبو دلال».

قالَتْها بِنَبْرَةٍ مُخْتَلِفَةٍ كأنّها تُنَبِّهُ زَوْجَها إلى أَهَمِّيةِ الأَمْرِ.

رَفَعَ الزَّوْجُ عَيْنَيْهِ.. خَلَعَ نَظّارَتَهُ.. قَلّبَ الكِتَابَ مَفْتُوحاً ووضَعَهُ على الطَّاوِلَةِ الصَّغِيْرَةِ أَمَامَهُ: «عَفْوًا يا حَبِيْبَتي.. هل هُنَالِكَ سُوْءٌ ما؟».

«نَعَمْ.. لَدَيْنَا مُشْكِلَةٌ ونُرِيْدُ أَنْ تُسَاعِدَنا في حلِّها..».

«مُشْكِلَةٌ.. يا رَبّ.. إسْتُرْ يا رَبّ.. ماذا لَدَيْكُما.. إِبْدَآ.. كلِّي آذَانٌ صَاغِيَةٌ».

«ابْنَتُنَا يا زَوْجِيَ الغالي تُواجِهُ مُشْكِلَةً تَعتقدُ أنَّها كبيرةٌ.. تشعرُ أنَّ المدرِّسة عِبءٌ عَلَيْهَا.. يَضِيْقُ صَدْرُها مِنَ الدِّرَاسَةِ، ومِنَ البَقَاءِ فَتْرَةً طَوِيْلَةً تجلسُ في فصولها..».

يُلاَحِظُ الزُّوْجُ أنّ زَوْجَتَهُ تَتحدَّثُ بِجِدِّية وأَنّ ابنَتَهُ تُحَدِّقُ إلَيْهِ كَمَنْ يَنْتَظِرُ حُكْماً في مَحْكَمةِ..

«وماذا تُريدان مِنِّي؟».

«نُريدُ مِنْكَ حَلاًّ..».

لا يَسْتَطِيْعُ الأَبُ أَنْ يَكْتُمَ ضِحْكَةً عاليةً..: «ها.. ها.. ها.. لا أُصَدِّقُ ما تَقُولانِ.. تُريدانِ حلاًّ.. وهل أنا وزيرٌ للتربيةِ..

أعْتَقِدُ أنّ هذهِ المشكلةُ حلُّها الوحيدُ؛ إِقْفالٌ المَدَارِسِ فَيَرْتَاحُ الصِّغَارُ مِنْهَا…».

«هَذا هُوَ الجَوَابُ الَّذِي لَدَيْكَ.. ما الَّذِي تَقُوْلُهُ يا أبو دلال، أَرَاكَ تَسْخَرُ مما نَقُولُ!».

«لا.. لا.. كَلاَمُكِ فَاجَأَني.. أَنَسِيتِ مَشَاعِرَكِ تِجَاهَ الْمَدْرَسَةِ وأنْتِ طِفْلَةٌ.. أَلَسْنَا وَنَحْنُ صِغَاراً كُنّا نَشْعُرُ بِالمَشَاعِرِ ذَاتِها؟».

أَعْتَقِدُ أنَّ الأَطْفَالَ حَوْلَ العَالَمِ سَيَظَلُّونَ، مِثْلَنا، يَشْعُرونَ بِالمَشَاعِرِ هَذِهِ، مَهْمَا تَطَوَّرَ أُسْلُوبُ التَّعْلِيْمِ ومَهْمَا ارْتَقُوا بِهِ،

فَالْمَدْرَسَةُ سَتَظَلُّ مَدْرَسَةً وَلَوْ تَغَيَّرَ شَكْلُها، والتِّلْمِيْذُ سَيَظَلُّ تِلْمِيذاً وَلَو تَطَوّرَتْ طَرِيْقَةُ تَعْلِيمِهِ..».

«لَقَدْ ضَخَّمْتَ الْمُشْكلِةَ وَلَمْ تَجِدْ لها حَلاًّ».

يَتَأَمَّلُ الأَبُ وَجْهَ ابْنَتِهِ: «يا لِطِفْلَتِي الحُلْوَة.. تَعَالي يا صَغِيْرَتي.. تَعَالي لأُقَبِّلَكِ قُبْلَةً كَبِيرَةً». يَحْضُنُ الأَبُ ابْنَتَهُ بِحَرَارةٍ.. يَشْعرُ أَنَّهُ اسْتَهَانَ بأحاسِيْسِ ابْنَتِهِ:

«يَا لَكِ مِنْ طِفْلَةٍ.. لَقَدْ كَبِرْتِ وَبَدَأْتِ تَكْرَهِينَ القُيْودَ.. يَا لَيْتَنِي أَملُكُ حَلاًّ.. مَدْرَسَتُكِ مِنْ أَفْضَلِ المَدَارِسِ..

مُدرِّسَاتُكِ مِنْ أَفْضَلِ المُدرِّسَاتِ.. المُشْكِلَةُ لَيْسَتْ فِي الْمَدْرَسَةِ، فَالإِنْسَانُ يُحِبُّ الحُرِّيَّةَ..

والسَّجْنُ لَيْسَ مِنْ طَبِيْعَتِهِ. فَأَصْلُ الإِنْسَانِ الإِنْطِلاَقَ وَالحَرَكَةَ.. وأيُّ شَيءٍ يُقَيِّدُهُ ويَمْنَعُهُ مِنْ مُمَارَسَةِ حُرِّيَتِهِ بِشَكْلٍ كَامِلٍ:

أمرٌ مناقضٌ لِطَبِيعَتِهِ.. وَلِهَذا السَّبَبُ أَنْتِ تَشْعُرِيْنَ بِالْضِّيْقِ والإِنْزِعَاجِ.. فَأَنْتِ إِنْسَانٌ طَبِيْعيٌّ يُحِبُّ الحُرِّيَّةَ…».

«نَعَمْ يا أبي.. مَسَاحَةُ الحَرَكَةِ مَحْدُودَةٌ.. واجِبَاتٌ كثيرةٌ.. دُرُوسٌ مُتَتَالِيَةٌ.. حِصَصٌ متواليةٌ..».

الأبُ مُقَاطِعًا: «اسْمَعيني يا ابْنَتِي.. أَتَّفِقُ مَعَكِ في إِحْسَاسِكِ.. لَكِنَّ الْمَدْرَسَةَ مِثْلَ جَمِيْعِ الأَشْيَاءِ في الوُجُودِ تَحْتَاجُ إلى صَبْرٍ ومُثَابَرَةٍ لِتَحْقِيْقِ الهَدَفِ».

الأُمُّ: «وكُلُّ عَمَلٍ لا بدّ لَهُ مِنْ جُهْدٍ وتَعَبٍ.. وإلاّ لَنْ يَتَحَقَّقَ الهَدُفُ».

الأَبُ: «أَنْتِ يا دلال ألاَ تُريدينَ أَنْ تُحَقِّقي شَيْئاً في حَيَاتِكِ؟! أَلاَ تَتَمَنِّيْنَ أَنْ تَفْعَلِي أَمْرًا مُفِيْداً لِلْنَّاسِ».

الأُمُّ: «بِالْتأْكِيْدِ.. هي تَتَمَنَّى أَنْ تُصْبِحَ طَبِيْبَةُ أَطْفَالٍ.. وهي دَائماً تُرَدِّدُ ذَلِكَ أمَامي».

الأَبُ: «ألاَ يَسْتَحِقُّ هَذَا الهَدَفُ أَنْ تَتْعَبِي مِنْ أَجْلِهِ يا ابنتي؟».

دلال: «نَعَمْ يا أبي.. لكنَّني أَشْعُرُ بِالْسَّجْنِ..».

الأُمُّ: «لا تُقْنِعي نَفْسَكِ بِهَذا الأَمْرِ.. أُنْظُرِي إلى الدَّجَاجَةِ، تَجْلِسُ فَوْقَ بَيْضِها واحدٌ وعُشْرُونَ يَوْماً لِيَفْقُصَ البيضُ وتَخْرُجَ الكَتَاكِيْتُ لِلْحيَاةِ..

هلْ هذا سَجْنٌ.. هذا إصْرَارٌ لِتَحْقِيْقِ هَدَفٍ.. أُنْظُري إِلَيْنَا يا حبيبتي.. لوْلاَ اجْتِهَادُنا ودَرْسُنا لما وَصَلْنَا إلى ما نَحْنُ فِيْهِ،

فَاللَّهُ تعالى يأمُرُنا بالعِلْمِ والعَمَلِ.. والعِلْمُ لَيْسَ سِجْناً بَلْ هُوَ الحُرِّيَّةُ نَفْسُها.. فَمِنْهُ تَخْرُجِيْنَ مِنْ عَالَمٍ صَغِيْرٍ مُحَدُودٍ إلى عَالَمٍ كَبِيْرٍ لا يَتَوَقَّفُ عن الإِبْدَاعِ والإِبْتِكَارِ..».

 

يقولُ الأبُ مُبْتَسِماً:

«يَا سَلاَمْ.. ما هَذا التَّغْييْرُ الجَمِيْلُ يا زوجتي.. لَيْتَنِي سَمِعْتُ هَذَا الكَلاَمُ عِنْدَما كُنْتُ طِفْلاً فِي المَدْرَسَةِ..».

دلال: «لَكِنّ الْمُشْكِلَةَ مَا زالتْ قَائِمَةً.. وَلَمْ تَجِدا لي حلاًّ».

الأُمُّ: هُنَالِكَ يا ابْنَتِي أَشْيَاءٌ كَثِيرَةٌ في الحَيَاةِ نَقُومُ بها مُرْغَمِيْنَ لكِنَّها في النِّهَايَةِ تَكُوْنُ لِفَائِدَتِنَا..».

الأَبُ: «عِندَما نَمْرَضُ نَأْخُذُ أَدْوِيَةً طَعْمُهَا مُرٌّ وفَظِيْعٌ، نَأْخُذُها غَصْبًا عَنّا.. حتّى يَأْذَنَ اللَّهُ لَنَا بِالشِّفَاءِ..».

الأُمُّ: «والعِلْمُ لاَ يَكُونُ بِغَيْرِ جَدٍّ وتَعَبٍ.. يُروى أنَّ العُلماءَ العَرَبَ القُدَمَاءَ كانوا يَنْتَقِلُونَ سَيْرًا عَلَى الأَقْدَامِ أو على الدَّوَابِّ،

وفي الصَّحْرَاءِ يُمْضُونَ أَيَّاماً طَوِيْلَةً، لا يَعْبَأونَ بِحَرِّ النَّهارِ ولا بِبُرُودَةِ اللَّيْلِ مِنْ أَجْلِ أَخْذِ فَائِدَةٍ مِنْ هُنَا أَوْ هُنَاكْ،

وهنالكَ مَنْ طَافَ بلادَ العَرَبِ والعَجَمِ في سَنَواتٍ.. ولأَنَّهُمْ تَعِبُوا وبَذَلُوا، لا تزالُ أعمالُهمْ وآثارُهُم خَالِدَةً حتى يَوْمِنَا هذا..».

الأَبُ: «العِلْمُ يا حبيبتي مُفْتَاحُ الحَيَاةْ».

دلال: «ما قُلْتُ إنَّني أَكْرَهُ العِلْمَ ولَكِنَّنِي أَكْرَهُ الْمَدْرَسَةَ».

الأَبُ: وما اتّهَمْتُكِ أَنَا بِذَلِكَ.. لَكِنْ لا بُدّ مِنْ احْتِمَالِ شَيءٍ مِنْ أَجْلِ شَيءٍ آخَرَ أَفْضَلَ مِنْهُ».

دلال: «سوف أحاولُ.. فأنا أريدُ أنْ أتعلَّمَ.. لا أريدُ أَنْ أكونَ جاهلةً».

الأُمُّ: «هذا هدفٌ عظيمٌ، وحتى يتحقَّقَ يحتاجُ إلى تضحِيَةٍ».

دلال: «نعمْ.. سأَصْبُرُ على سِجْني حتى أَتَخَرَّجَ..».

ضَحِكَتِ الأمُّ..

ضَحِكَ الأَبُ..

لَكِنَّ دلالْ كانَتْ تُفَكِّرُ بِالمَدْرَسَةِ والدِّرَاسَةِ.. وما زالتْ تَشْعُرُ بالحِيْرَةِ.

 

فِي اليَوْمِ التَّالي كَتَبَتْ دلالُ وَرَقَةً صَغِيْرَةً وَضَعَتْها أَمَامَها على الطَّاوِلَةِ صَارَتْ تَنْظُرُ إليها مِنْ حِيْنٍ إلى آخَرَ..

لاَحَظَتْ المُدَرِّسَةُ أنَّ دلال أَكْثَرَ اسْتِجَابَةً وتَفَاعُلاً مِنْ أَيِّ يَوْمٍ سَابقٍ؛ تُشَارِكُ فِي طَرْحِ الأَسْئِلَةِ والإِجَابَةِ عَنْها، عَيْنَا دلال تَبْرُقَانِ على غَيْرِ عَادَةٍ..

اقْتَرَبَتْ المُدَرِّسَة نَحْوَ طَاوِلَةِ دلال..

لاَحَظَتْ وُجُودَ وَرَقَةٍ مَكْتُوبٌ عَلَيها بِخَطٍّ كَبِيْرٍ وَجَمِيْلٍ:

«أنا أُحِبُّ المَدْرَسَةَ».

 

مَرَّتْ أَيَّامُ الدِّرَاسَةِ سَرِيْعًا.. كَانَتْ دلالُ تَنْتَقِلُ مِنْ اخْتِبَارٍ إلى آخرَ بِجَدٍّ واجْتِهَادٍ..

ارْتَفَعَتْ عَلاَمَاتُها بِشَكْلٍ مُلْفِتٍ.. صَارَتْ تَقْضي في مَكْتَبَةِ المَدْرَسَةِ وَقَتاً أَطْوَلَ..

لَمْ تَعُدْ تَظْهَرُ كَثِيْرًا فِي سَاحَاتِ الْمَدْرَسَةِ ورُدُهَاتِها..

تَظَلُّ دَلالُ مَشْغُولَةً..

المدرِّسَاتُ تَعَجَّبْنَ مِنْ هَذا التَّغْيِيْرِ..

تَفَوّقَتْ دلالُ..

نَالَتْ شَهَادَاتِ التَّقْدِيْرِ وعِبَاراتِ الثَّنَاءِ.. فَخُرَ بها أَبوها.. فَخُرَتْ بِهَا أُمّها.. فَخُرَتْ بِهَا مدرِّسَاتُها.. لَمْ تَعُدْ الْمَدْرَسَةُ سِجْناً.. ولا الدَّرْسُ عِقَاباً..

صَارَتْ دلالُ حرَّةً أَكْثَرَ.. مُنْطَلِقَةً أَكْثَرَ..

كَبُرَتْ دلال.. دَخَلَتِ الجامعةَ.. تَخَرَّجَتْ.. تَزَوَّجَتْ.. أَنْجَبَتْ..

وَهَا هِيَ دلالُ اليومَ سَجِيْنَةً في أَكْبَرِ مُسْتَشْفَى.. سَجِيْنَةَ عيادَتِها.. سَجِيْنَةَ مَرْضَاها..

مَرَّةً قالَتْ لها ابْنَتُها إِسْرَاءُ: «الْمَدْرَسَةُ تُشْعِرُني بِالْمَلَلِ.. كَأَنَّها سِجْنٌ».

ضَحِكَتْ الدُّكْتُورَة دلال وقالَتْ:

«مَا أَجْمَلَ هَذَا السِّجْنُ.. اذْهَبِي إلى جَدِّكِ وجَدَّتِكِ.. ففي أَيْدِيْهِما مُفْتَاحُ هذا السِّجْنِ..».

انْتَقَلَتْ الدُّكْتُورَة دلالُ مِن سِجْنِ الْمَدْرَسَةِ إلى سِجْنِ الحياةِ لأنها تُرِيْدُ تَحْقِيْقَ الهَدَفِ

2)كتاب 50قصة قصيره للاطفا ل تأليف الدكتور طارق بكري

المراجع[+]

شارك المقالة:
السابق
رابط يوضح لك عدد متلقي لقاح كورونا في العالم
التالي
قصة الحصان اللطيف المتمرد