روايات

قصص أطفال قصيرة

قصص أطفال قصيرة

قصص أطفال قصيرة

فوائد القصص للأطفال 

1.تشجيع الطفل على تقبل الثقافات الاخرى 

2.تمكن الطفل من التعبير عن نفسه وأيصال افكارة ومشاعره

3.القراءة هي الطريقة المثلى لتوسيع مفرداتهم

4. القصص تشجع الطفل  على الإبداع

5.التركيز والمهارات الاجتماعية

6-تعلم الطفل الصبر ولأصغاء للأخرين 

7-قصص أطفال قصيرة  تساعدهم على النوم

1)فوائد قصص الاطفال -20-4-2021

 

قصص أطفال قصيرة

 

العمّ صالِحْ 

 

نَادِرَاً ما كنَّا نَرَى العمّ صالِح ــــ صَاحِبُ الْمَتْجَرِ المُقَابِلِ لِمَدْرَسَتِنَا القَدِيْمَة ـــ

ضَاحِكاً أَوْ عَلَى الأَقَلّ مُبْتَسِماً، كانَ على الدَّوَامِ مُكَشِّراً، ويَزِيْدُ مِنْ جَهَامَتِهِ أَخَادِيْدُ الزَّمَنِ المَحْفُورَةِ كَأَخَادِيْدٍ في الصَّخْرِ..

البَشْرَةُ السَّمْرَاءُ التي أَدْكَنَتْهَا الشَّمْسُ، وصَبَغَتْهَا بِلَوْنٍ قَاتِمٍ، إضَافَةً إلى صَرَامَةِ العمِّ صَالِح وتَكْشِيْرَتِهِ المُعْتَادَةِ،

جَعَلَنَا ونَحْنُ طلاَّباً صِغَاراً نَخْشَىْ الاقْتِرَابَ مِنَ المَتْجَرِ، وحتَّى أَنْنَا نَبْتَعِدُ عَنْ مَدْخَلِ الْمَحَلِّ،

ونَسِيْرُ عَلَى الرَّصِيْفِ المُقَابِلِ لِنَتَحَاشَىْ مُقَابَلَةَ العمِّ صالح وَجْهاً لِوَجْهٍ.

ولَوْلاَ بَعْضُ الزَّبَائِنِ الَّذِيْنَ يُدَاوِمُونَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ لأَقْفَلَ العمُّ صالِح مَتْجَرَهُ الصَّغِيْرُ..

 

وكُنّا نَعْجَبُ كَيْفَ لا يَسْتَغِلُّ هَذا الرَّجُلُ وُجُودَ مَتْجَرِهِ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ مَدْرَسَتِنَا لِيَمْلأَ الْمَتْجَرَ بِبَضَائِعَ

يَهْوَاهَا التَّلاَمِيْذُ في مِثْلِ سِنِّنا، وَكَيْفَ أنَّهُ لا يَقُوْمُ بِعَرْضِ ما يَجْذِبُنَا إلى المَحَلِّ، وتَغْيِيْرِ هَذِهِ التَكْشِيْرَةِ، وَتَبْدِيلِها بِابْتِسَامَةٍ عَرِيْضَةٍ..

وَبَدَا لِي أنَّ العمَّ صالح لم يَكُنْ مُهْتَمًّا بِالْبَيْعِ والمُتَاجَرَةِ، كَأَنَّهُ يُرِيْدُ قَضَاءَ يَوْمِهِ وَيَرْحَلْ..

عِشْنَا مَعَ العمّ صالح طُفُوْلَةً طَوِيْلَةً، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ تَلاَمِيْذِ المَدْرَسَةِ يَدْخُلُ مَتْجَرَهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُنْفِعُهُ بِقِرْشٍ وَاحِدٍ..

أَصْبَحَ العمّ صالح بِالْنِّسْبَةِ لُغْزاً.. نَخْشَى الاقْتِرَابَ مِنْهُ، وَلَوْ كُنّا بِحَاجَةٍ إِلى زُجَاجَةِ مَاءٍ نَشْتَرِيْها مِنْ مَحَلِّهِ في يَوْمٍ شَدِيْد الحَرِّ،

بَلْ نُفَضِّلُ تَحَمُّلَ العَطَشِ عَلَى تَحَمُّلِ نَظَرَاتِهِ الحَادَّةِ وتَكْشِيْرَتِهِ الرَّهِيْبَةِ.

 

لم نَكُنْ نَدْرِي أَبَداً ما سِرُّ العمّ صالح، ولماذا هُوَ دَائِمُ التَّكْشِيْرِ؟، ولِمَاذَا يُصِرُّ عَلَى مُجَافَاةِ تَلاَمِيْذِ الْمَدْرَسَةِ الَّذِيْنَ قَدْ يَعْتَبِرُهُمْ أَيُّ صَاحِبِ مَتْجَرٍ آخَرَ ثَرْوَةً يَجِبُ عَدَمُ التَّفْرِيْطِ بِهَا.

شَعَرْتُ أَنَّ عَلَيَّ القِيَامُ بِخُطْوَةٍ تَكْشِفُ كُلَّ أَسْرَارِ العمّ صالح، اعْتَقَدْتُ أَنَّ مَحَلَّهُ قَدْ يَكُوْنُ مَلِيئَاً بِالْأَشْيَاءِ الرائعه

الَّتِي يَخْشَى عَلَيْها مِنْ أَوْلاَدٍ شَيَاطِيْنَ مِثْلَنَا، فالْمُشَاغَبَاتُ والْمُشَاحَنَاتُ والأَصْوَاتُ العَالِيَةُ الَّتِي كانَتْ مِنْ مَشَاهِدِنَا اليَوْمِيَّة فَوْرَ خُروجِنَا مِنَ الْمَدْرَسَةِ تَجْعَلُنا مَحَلَّ رَصْدٍ واُجْتِنَابٍ وخَشْيَةٍ..

لَكِنْ.. هَلْ أَسْتَطِيْعُ اقْتِحَامَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَرْتَعِدُ مِنْ مَنْظَرِهِ كُلُّ أَطْفَالُ مَدْرَسَتِي؟!

 

أنا لَمْ أَكُنْ جَرِيْئاً إِلى هَذَا الحَدِّ في يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ، وَلَسْتُ الآنَ مُدَّعِياً لِهَذَا الشَّرَفِ، وحَتَّى بَعْدَ أَنْ نَاهَزْتُ السِّتِّيْنَ مِنْ عُمْرِي ما زِلْتُ أَخْشَى العَمِّ الصالِحِ وأَمْثَالِهِ.. وحتَّى عِنْدَمَا كَبُرْتُ لَمْ أَجْرُؤْ عَلَى الاقْتِرَابِ مِنْ مَتْجَرِ العَمّ صالح..

كُنْتُ أُرَاقِبُ العمَّ صالِح يَوْمِيًّا.. أَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَدْرَسَةِ، وَمِنَ الشَّارِعِ، مِنْ نَافِذَةِ الفَصْل..

عِشْتُ سِنيناً أُطَالِعُ حَيَاةَ هَذا الرَّجُلِ، لَكِنِّي لَمْ أَلْحَظْ شَيْئاً غَيْرَ اُعْتِيَادِي..

كانَ يَضَعَ دَائِماً، كُرْسِيًّا خَشَبِيًّا قَدِيْمَاً جِدًّا عَلَى مَدْخَلِ مَحَلِّهِ. وَيَجْلِسُ وَاضِعَاً سَاقاً على سَاقٍ.. عَيْنَاهُ تَنْظُرانِ إلى لاَ شَيْء.. لا تَرَاهُ يُرَاقِبُ شَيْئاً مُعَيَّناً، سَارِحٌ بِبَصَرِهِ نَحْوَ الْمَجْهُولِ..

عَاشَ العَمّ صالح لُغْزاً مُحَيِّراً وَمُرْعِباً.. واليَوْمَ أَبْنَائِي الصِّغَارُ في مَدْرَسَتِي القَدِيْمَةِ نَفْسِها يَخْشَوْنَ العَمّ صالِح العَجُوزَ.. واللُّغْزُ لا يَزَالُ مُحَيِّراً..

 

 

 

الصَّيَّادُ وَالْكَنْزُ الْمَوْهُوْمُ

 

ــــ اسْحَبْ.. اسْحَبْ.. لاَ تَتَوَقَّفِ الآنَ.. اسْحَبْ بِقُوَةٍ.. بِقُوَةٍ.. يَبْدُوْ ثَقِيْلاً ثَقِيْلاً..

* لَقَدْ تَعِبْتُ.. أَشْعُرُ أَنَّ قُوَايَ قَدْ خَارَتْ تَمَاماً..

ــــ أَقْسَمْتُ أَنَّنِي لَنْ أَبْرَحَ الْمَكَانَ حَتَّى أَفُوْزُ بِهَذا الْصَّيْدِ الثَّمِيْنِ..

* وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهُ صَيْدٌ ثَمِيْنٌ؟!

ــــ أَنَا مُتَأَكِّدٌ مِنْ ذَلِكْ..

* مُتَأَكِّدٌ.. مُتَأَكِّدٌ.. كَلاَمٌ فَارِغٌ.. قَدْ تَكُونُ الصِّنَّارَةُ عَالِقَةً بِصَخْرَةٍ فِي قَاعِ البَحْرِ..

ــــ أُرِيْدُ أَنْ أَكْتَشِفَ بِمَاذَا عَلِقَتْ!

* هَيَّا بِنَا نَعُودُ إِلى الشَّاطِىءْ.. اِرْمِ خَشَبَةَ الصِّنَّارَةِ أَو اقْطَعِ الْحَبْلَ..

إقْتَرَبَ اللَّيْلُ.. أَخْشَى هُبُوْبَ الْعَاصِفَةِ الَّتِي حَذَّرَتْنَا مِنْهَا نَشْرَةُ الْأَرْصَادِ الْجَوِّيَّةِ..

ــــ أَنْتَ جَبَانٌ جَبَانٌ.. تُصَدِّقُ مَا يَقُولُونْ.. تَأَمَّلِ الْوَاقِعَ الَّذِي نَحْنُ فِيْهِ.. سَنَفُوزُ بِثَرْوَةٍ كَبِيْرَةٍ، أَعْتَقِدُ أَنَّ الصِّنَّارَةَ قَدْ عَلِقَتْ بِصُنْدُوْقٍ مَلِيءٍ بِالْذَّهَبِ.

* خَيَالُكَ وَاسِعٌ.. أَوْسَعُ مِنْ هَذا البَّحْرِ.. كَفَاكَ أَحْلاَماً..

أَعْتَقِدُ أَنَّها لَيْسَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِطْعَةٍ خَشَبِيَّةٍ ضَخْمَةٍ، أَو مَرْسَاةٍ مُتَآكِلَةٍ صَدِئَةٍ. تَخَلَّصَتْ مِنْهَا إِحْدَى الْسُّفُنُ العَابِرَةُ.. اسْحَبْ وَلاَ تَتَكَلَّمْ.. اسْحَبْ بِقُوَّةٍ..

* لاَ شَيءَ يَتَحَرَّكُ.. يَكَادُ الْمَرْكِبُ يَغُوصُ فِي الْمَاءِ.. لَيْسَ لَدَيْنَا أَمَلٌ..

ــــ سَأَضْرِبُكَ ضَرْبَةً قَاسِيَةً لَوْ تَفَوَّهْتَ بِمِثْلِ هَذا الْكَلاَمِ مَرَّةً ثانِيَةً..

يَهْتَزُّ الْمَرْكِبُ بِقُوَّةٍ.. يَغُوْصُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إِلى دَاخِلِ الُمَرْكِبِ ثُمَّ يَرْتَفِعُ بِقُوَّةٍ.. رِيْحٌ بارِدَةٌ تَضْرِبُ وَجْهَيْهِمَا..

* أَرْجُوكْ.. لِنَتَوَقَّفِ الآنَ.. أَعِدُكَ أَنْ نَعُوْدَ غَداً بَعْدَ أَنْ تَهْدَأَ الْعَاصِفَةُ.. لَنْ نَتَمَكَّنَ مِنَ الصُّمُوْدِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكْ..

ــــ قَدْ يَأْتِيَ أَحَدٌ وَيَأْخُذَ الْكَنْزَ..

* كَنْزٌ.. كَنْزٌ!! إنَّهُ وَهْمٌ فِي رَأْسِكْ.. الْطَّمَعُ أَعْمَى عَيْنَيْكَ.. سَنَمُوْتُ مِنْ أَجْلِ لاَ شَيْء..

ــــ لَنْ أَتَوَقَّفَ الآنَ.. أَعْطِنِي أُنْبُوْبَةَ الْهَوَاءِ.. سَأَغُوْصُ فِي الْمَاءِ بِنَفْسِي..

* لا تَتَهَوَّرْ.. سَوْفَ تُؤْذِي نَفْسَكَ.. تُوْجَدُ تَيَّارَاتٌ قَوِيَّةٌ.. قَدْ تُوَاجِهُ أَسْمَاكَاً شَرِسَةً فِي هَذَا الْمَكَانِ.. أَرْجُوْكَ تَوَقَّفْ..

ــــ ابْتَعِدْ عَنْ طَرِيْقِي.. أَنَا أَقْوَى مِنْكَ.. سَوْفَ أَرْمِيْكَ فِي الْمَاءِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ.. ابْتَعِدْ..

* الْمَاءُ بَارِدٌ.. بارِدٌ.. الْضَّوْءُ اليَدَوِيُّ لَنْ يُسَاعِدَكَ لِلْغَوْصِ… الظَّلاَمُ شَدِيْدٌ.. لِنَنْتَظِرْ حَتَّى الغَدْ..

ــــ أَقْسَمْتُ أَلاّ أَعُوْدَ حَتَّى أَحْظَى بِالْثَّرْوَةِ الَّتِي تَنْتَظِرُنِي..

* إِنَّكَ تَحْلُمُ.. فَقَدْتَ صَوَابَكَ..

ــــ أَيُّها الْكَنْزُ.. أنا آتٍ إِلَيْكَ..

* تَوَقَّفْ.. تَوَقَّفْ.. أَرْجُوْكْ…

ــــ ابْتَعِدْ يا جَبَانُ..

* أَيُّهَا الْمَجْنُوْنُ.. مَاذَا تَفْعَلُ؟! سَتَأْكُلُكَ الأَسْمَاكُ الْمُفْتَرِسَةُ..

ــــ انْتَظِرْنِي.. سَأَعُوْدُ إِلَيْكَ مُحَمَّلاً بِالْذَّهَبِ وَالْيَاقُوتِ..

* فَقَدَ عَقْلَهُ.. مَاذَا أَفْعَلُ الآنَ؟!

…..

* مَضَتْ عَشْرُ دَقَائِقْ.. الْوَضْعُ خَطِيْرٌ.. أَظْلَمَتِ السَّمَاءُ.. لِأَتَّصِلَ بِرِجَالِ الإِنْقَاذِ..

* نَحْنُ فِي خَطَرٍ.. أَنْقِذُونَا..

…..

فِي دَقَائِقَ مَعْدُودَة وَصَلَ مَرْكِبٌ سَرِيْعٌ مَلِيءٌ بِرِجَالِ الغَوْصِ الأَشِدّاءِ..

غَطَسُوْا فِي مَكَانٍ أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ.

الْغُيُوْمُ تَشْتَدُّ كَثَافَةً..

– يا رَبُّ.. يا رَبُّ..

حَاوَلَ رِجَالُ الإِنْقَاذِ تَهْدِئَتَهُ رَيْثَمَا يَنْتَهِي الغَوَّاصُونَ ويَعُودُونَ مِنْ قَاعِ الْبَحْرِ..

يَصِلُ الغَوّاصُوْنَ إِلى الرَّجُلِ، يَجِدُوْنَهُ عَالِقاً تَحْتَ صَخْرَةٍ كَبِيْرَةٍ حَاوَلَ التَّسَلُّلَ تَحْتَها..

رَفَعُوا الصَّخْرَةَ.. سَحَبُوهُ.. حَبْلُ الصِّنَّارَةِ كانَ مَلْفُوفاً حَوْلَ سَاعِدِهِ.. الصِّنَّارَةُ كَانَتْ عَالِقَةً بِحَشَائِشَ صَخْرِيَّة مُتَشَابِكَة..

حَمَلَهُ رِجَالُ الإِنْقَاذِ، نَقَلُوهُ إِلى الْمَرْكِبِ بِسُرْعَة.. أَسْعَفُوْهُ بِتَنَفُّسٍ إِصْطِنَاعِيٍّ.. اسْتَخْرَجُوا مِنْ رِئَتَيْهِ كَمِّيَّةً كَبِيْرَةً مِنَ الْمَاءِ.

حَمَلُوْهُ عَلَى ظَهْرِ مَرْكِبِ الإِنْقَاذِ السَّرِيْعِ إِلى الشَّاطِىءِ وَمِنْهُ إِلى الْمُسْتَشْفَى..

فِي الْيَوْمِ التَّالِي..

– كِدْتَ تُصْبِحُ كَنْزَاً لِلأَسْمَاكِ الْمُفْتَرِسَةِ..

ــــ لا تَسْخَرْ مِنِّي..

– مَاذَا حَدَثَ لِعَقْلِكَ؟!

ــــ أَعْمَانِي الطَّمَعُ؟!

 حَمْداً لِلَّهِ أَنَّكَ عَرَفْتَ ذَلِكَ بِنَفْسِكَ.. ما رَأْيُكَ أَنْ نَعُودَ لِنَبْحَثَ عَنِ الْكَنْزِ مَرَّةً ثَانِيَةً؟!

ــــ لَنْ أُكَرِّرَ ذَلِكَ بَعْدَ الْيَوْمِ.. لَنْ أَتْرُكَ الْطَّمَعَ يُسَيْطِرُ عَلَى عَقْلِي مَهْمَا كَانَتِ الْظُّرُوفُ..

* يا لَكَ مِنْ جَبَانٍ..

ــــ كَفَاكَ سُخْرِيَةً..

* لَنْ أُخَاطِرَ مَرَّةً ثَانِيَةً..  هَلْ تَظُنُّ أَنَّنِي سَأُصَدِّقُ ذَلِكَ بِبَسَاطَةٍ؟! إِنَّهَا رُوْحِي يا أَخِي.. أَثْمَنُ مِنْ كُلِّ الْكُنُوزِ الَّتِي تَتَرَاءَى فِي عَقْلِكَ..

ــــ سَأُثْبِتُ لَكَ أَنَّنِي تَغَيّرْتُ..

* إِنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ فَتِلْكَ مُصِيْبَةٌ كَبِيْرَةٌ..

ــــ تَغَيَّرْتُ.. تَغَيَّرْتُ..

* وَمَعْ ذَلِكَ لَنْ أَجْرُؤَ عَلَى الذَّهَابِ مَعَكَ لِوَحْدِنَا فِي رِحْلَةِ صَيْدٍ بَحْرِيَّةٍ..

ــــ أَخْشَى أَنَّ كُلَّ أَصْدِقَائِي سَيَخْشُوْنَ مِنِّي مِثْلَكَ بَعْدَ الَّذِي حَدَثْ؟

* لَوْ لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّكَ طَيِّبُ الْقَلْبِ لَمَا رَأَيْتَ وَجْهِي بَعْدَ الآنْ..

ــــ أَرْجُوكَ سَامِحْنِي..

* سَامَحْتُكَ دُوْنَ أَنْ تَقُولْ، وَمَعْ ذَلِكَ لَنْ نَذْهَبَ لِوَحْدِنَا فِي رِحْلَةِ صَيْدٍ مَهْمَا كَانَتِ الْظُّرُوْفُ.. أَخْشَى أَنْ تَفْقِدَ عَقْلَكَ مَرَّةً ثَانِيَةً..

 

عَمْيَاءُ.. خَرْسَاءُ.. بَكْمَاءُ

 

يُحْكَى أنَّهُ فِي القَرْنِ الهِجْرِيّ الأَوَّل كَانَ هُنَاك شَابٌّ فَقِيْرٌ يُحِبُّ العِلْمَ وفِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مِنْ شِدّةِ الجُوْعِ فَانْتَهَى بِهِ الطَّرِيْقُ إلى أَحَدَ البَسَاتِيْنِ المَمْلُوءَةِ بِأشْجَارِ التُّفَاحِ وَكَانَ أَغْصَانُ شَجَرَةٍ مُتَدَلِّياً فِي الطَّرِيْقِ… فَقَطَفَ تُفَّاحَةً وَاحِدَةً وَجَلَسَ يَأْكُلُهَا وَلَمَّا رَجِعَ إلى بَيْتِهِ بَدَأَتْ نَفْسُهُ تَلُوْمُهُ جَلَسَ يُفَكِّرُ وَيَقُولُ كَيْفَ أَكَلْتُ هَذِهِ التُّفَاحَةُ وَهِيَ مَالٌ لِمُسْلِمٍ وَلَمْ أسْتَأْذِنَ مِنْهُ وَلَمْ أسْتَسْمِحَهُ فَذَهَبَ يَبْحَثُ عَنْ صَاحِبِ البُسْتَانِ حتَّى وَجَدَهُ فَقَالَ لَهُ الشَّابُّ: يا عمّ بِالأمْسِ بَلَغَ بِيَ الجُوْعُ مَبْلَغَاً عَظِيْمًا وَأَكَلْتُ تُفَّاحَةً مِنْ بُسْتَانِكَ مِنْ دُوْنِ عِلْمِكَ.

 

فَقَالَ لَهُ: واللَّهِ لا أُسَامِحُكَ بَلْ أَنَا خَصِيْمُكَ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ بَدَأَ الشَّابُّ المُؤْمِنُ يَبْكِي ويَتَوَسَّلُ إِليهِ أَنْ يُسَامِحَهُ وَقَالَ لَهُ أَنا مُسْتَعِدٌ أَنْ أعْمَلَ أيَّ شَيءٍ بِشَرْطِ أَنْ تُسَامِحَنِي وَبَدَأ يَتَوَسّلُ إلى صَاحِبِ البُسْتَانِ وصَاحِبُ البُسْتَانِ لا يَزْدَادُ إلا إصْرَاراً وَذَهَبَ وَتَرَكَهُ وَالشَّابُّ يُلاَحِقُهُ وَيَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ وَبَقِيَ الشَّابُّ عِنْدَ البَيْتِ يَنْتَظِرُ خُرُوجَهُ إلى صَلاَةِ العَصْرِ… فَلَمّا خَرَجَ صَاحِبُ البُسْتَانِ وَجَدَ الشَّابَّ ما زالَ وَاقِفَاً فَقَالَ الشَّابُّ: يا عمّ إِنَّنِي مُسْتَعِدٌّ لِلْعَمَلِ فَلاّحاً في هَذَا البُسْتَانِ مِنْ دُونِ أجْرٍ باقِي عُمْرِيْ أو أيُّ أمْرٍ تُرِيْدُ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تُسَامِحَنِي عِنْدَها… قَالْ: يا بُنَيّ إِنَّنِي مُسْتَعِدٌ أَنْ أُسَامِحَكَ الآنَ لَكِنْ بِشَرْطٍ وَهُوَ أَنْ تَتَزَوَّجَ ابْنَتِي.

صُدِمَ الشَّابُّ مِنْ هَذا الجَوَابِ ثُمَّ أَكْمَلَ صَاحِبُ البُسْتانِ… وَلَكِنْ يا بُنَيّ اعْلَمْ أَنّ ابْنَتِي عَمْيَاءُ وصَمَّاءُ وبَكْمَاءُ وأيْضاً مُقْعَدَةٌ لا تَمْشِي وَمُنْذُ زَمَنٍ وأَنا أَبْحَثُ لها عَنْ زَوْجٍ أَسْتَأْمِنُهُ عَلَيْها وَيَقْبَلُ بِهَا بِجَمِيْعِ مُوَاصَفَاتِها الَّتي ذَكَرْتُها فَإِنْ وَافَقْتَ عَلَيْها سَامَحْتُكَ.

وَبَدَأَ يُفَكِّر وخُصُوصاً أنَّه لا زالُ فِي مُقْتَبَلِ العُمْرِ؟ وَكَيْفَ تَقُومُ بِشُؤُونِهِ وتَرْعَى بَيْتَهُ وَتَهْتَمّ بِهِ وهِيَ بِهَذِهِ العَاهَاتِ؟ بَدَأَ يَحْسِبُهَا وَيَقُولُ اصْبِرْ عَلَيْهَا في الدُّنْيَا وَلكِنْ إنْجُو مِنْ وَرْطَةِ التُّفَاحَةِ!! ثُمَّ تَوَجَّهَ إلى صَاحِبِ البُسْتَانِ وَقَالَ لَهُ يا عَمّ لَقَدْ قَبِلْتُ ابْنَتَكَ وأسألُ اللَّهَ أنْ يُجَازِيني على نِيّتِي وأَنْ يُعَوِّضَنِي خيراً ممّا أصَابَنِي.

فَقَالَ صَاحِبُ البُسْتَانِ:… حَسَناً مَوْعِدُكَ الخَمِيسُ القَادِمُ عِنْدِي في البَيْتِ لِوَلِيْمَةِ زَوَاجِكَ وأَنَا أَتَكَفّلُ لَكَ بِمَهْرِهَا.

فَلَمّا كَانَ يومُ الخَمِيْسِ جَاءَ هَذَا الشّابُّ مُتَثَاقِلُ الخُطَى… حَزِينُ الفُؤَادِ… مُنْكَسِرُ الخَاطِرِ… لَيْسَ كَأَيِّ زَوْجٍ ذَاهِبٍ إلى يَوْمِ عُرْسِهِ فَلَمّا طَرَقَ البَابَ فَتَحَ لَهُ أَبُوهَا وأدْخَلَهُ البَيْتَ وَبَعْدَ أَنْ تَجَاذبا أطْرَافَ الحَدِيثِ وَجَرَى زَوَاجٌ شَرْعِيُّ بِحِضُورِ شَاهِدَيْنِ، قالَ لهُ يا بُنَيّ… تَفَضّلْ وخُذْ زَوْجَتَكْ فإِذا فَتَاةٌ بَيْضَاءٌ أجْمَلُ مِنَ القَمَرِ قَدْ انْسَدَلَ شَعْرٌ كَالْحَرِيْرِ عَلَى كَتِفَيْهَا فَقَامَتْ وَمَشَتْ إِليهِ وَسَلّمَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يا زَوْجِي…

أَمَّا هُوَ فَقَدْ وَقَفَ لا يُصَدِّقُ ما الذي حَدَثَ ولِمَاذا قَالَ أَبُوهَا ذَلِكَ الكَلاَمُ…

فَفَهِمَتْ ما يَدُورُ في بَالِهِ وقَالَتْ إنَّنِي عَمْيَاءُ مِنْ النَّظَرِ إلى الحَرَامِ وبَكْمَاءُ مِنَ النَّظَرِ إلى الحَرَامِ وصَمّاءُ مِنَ الاسْتِمَاعُ إلى الحَرَامِ ولا تَخْطُو رِجْلاَي خُطْوَةً إلى الحَرَامِ…

وإنَّنِي وَحِيدةُ أَبِي ومُنْذُ عِدَّةِ سَنَواتٍ وأبي يَبْحَثُ لِي عَنْ زَوْجٍ صَالِحٍ فَلَمَّا أَتَيْتَهُ تَسْتَأْذِنَهُ في تُفَّاحَةٍ وَتَبْكِي مِنْ أجْلِهَا قالَ أبي أَنْ مَنْ يَخَافُ مِنْ أكْلِ تُفَّاحَة لاَ تَحِلُّ لَهُ حَرِيٌّ بِهِ أَنْ يَخَاف اللَّهَ في ابْنَتِي فَهَنِيئاً لي بِكَ زَوْجاً وهَنِيئاً لِأَبِي بِنَسَبِكَ.

وَبَعْدَ عَامٍ أنْجَبَتْ هَذِهِ الفَتَاةُ مِنْ هَذَا الشابُّ غُلاَماً أَصْبَحَ فِيْمَا بَعْدُ مِنْ أَعْظَمِ رِجَالِ الْمُسْلِمَيْنَ حَتَّى الْيَوْمَ.

وَهُوَ الإمَامُ الكَبِيْرُ حَنِيْفَة النُّعْمَان صَاحِبُ المَذْهَبِ الفِقْهِيّ المَشْهُورْ.

 

 

مُغَامَرَاتُ فَهْدٍ ونَوْف

ــــ 1 ــــ

خَرَجَ فَهْد ونَوْف بِرِحْلَةٍ بَحْرِيَّةٍ لِلْتَمَتُّعِ بِمِيَاهِ البَحْرِ وَلِتَخْفِيْفِ الْحَرَارَةِ المُرْتَفِعَةِ وَزِيَارَةِ جَزِيْرَةِ فيلكا..

ــــ فَرِحَ فَهْدُ بِهَذِهِ الرِّحْلَةِ وَقَضَى أَوَّلَ الوَقْتِ يَتَأَمَّلُ البَحْرَ إِلى جَانِبِ أُخْتِهِ نَوف.

ــــ رَاحَ فَهْدُ يُظْهِرُ بُطُولَتَهُ أَمَامَ أُخْتِهِ وأَنَّهُ لاَ يَهَابُ البَحْرَ ولا يَشْعَرُ بِأَيِّ دُوَارٍ كَمَا يُصِيْبُ النَّاسَ.

ــــ فَجْأَةً اهْتَزَّتِ السَّفِينَةُ وَصَارَ رَأْسُ فَهد يَتَمَايَلُ مَعَ تَمايُلِ المَوْجِ. وَكَادَ يَقَعُ عَلَى الأَرْضِ.

ــــ أَمْسَكَتْ نوف أَخَاهَا وصَارَتْ تَضْحَكُ مِنْ شَكْلِهِ فَقَدْ أُصِيْبَ بِدُوارِ بَحْرٍ شَدِيْد..

ــــ عِنْدَمَا عَادَا إلى المَنْزِلِ أَخْبَرَتْ نوف وَالِدَيْهَا بما حَدَثَ وَهِيَ تَضْحَكُ، فَقَالَ فَهد بِصَوْتٍ مُتَقَطِّعٍ وفي فَمِهِ مِيْزَانُ الحَرَارَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ سَأَبْقَى أَقْوَى مِنْكِ… سَوْفَ أُرِيْكِ بِالرِّحْلَةِ القَادِمَةِ..

ــــ 2 ــــ

ــــ قَرَّرَ فهد أَنْ يُنْجِزَ مَشْرُوعاً عِلْمِيًّا كَبِيْرًا ومَهْماً لِلْمَدْرَسَةِ فَذَهَبَ إلى السُّوقِ يَبْحَثُ في المَكْتَبَاتِ عَنْ أَفْكَارٍ جَدِيْدَةٍ.

ــــ لَمْ يَعْثُرْ فهد عَلَى فِكْرَةٍ تُعْجِبُهُ.. فَهُوَ يُرِيْدُ مَشْرُوعاً مُمَيَّزاً لَمْ يُقَدِّمُهُ أَحَدٌ مِنْ قَبْلِهِ.. ويَكُونُ حَدِيْثَ المَدْرَسَةِ كُلِّها..

ــــ عَادَ إلى البَيْتِ وَجَلَسَ أَمَامَ الإِنْتِرْنِتْ ورَاحَ يَبْحَثُ عَنْ فِكْرَةٍ جَدِيْدَةٍ في المَوَاقِعِ المُتَنَوِّعَةِ الكَثِيْرَةِ حَوْلَ العَالَمِ.

ــــ دَخَلَ مَوْقِعاً لِلْحِوَارِ العِلْمِيِّ ورَاحَ يَتَحَدَّثُ مَعْ فَتًى فِي مِثْلِ صَفِّهِ.. مِنَ اليَابَان وَلَدَيْهِ الاهْتِمَامَاتِ نَفْسِها..

ــــ تَبَادَلَ فهد مَعَهُ الأَفْكَارَ وَأَخْبَرَهُ الفَتَى اليَابَانِي عَنْ مَشَارِيْعَ مَدْرَسِيّةٍ مُمَيَّزَةَ يَقُومُون بِها. وكانَا يَتَحدّثَانِ بِاللُّغَةِ الإنْجلِيزيّة..

ــــ تَعَلّمَ فهد فِكْرَةً يابانيةً رائِعَةً وقَرَّرَ تَنْفِيْذَهَا بِمَعُونةُ الفَتَى اليابانيّ وَوَعَدَهُ أَنْ يَضَعَ اسْمَهُ عَلَى المَشْرُوعِ ويكونُ المَشْرُوعُ مُشْرَكاً بَيْنَهُما…

ــــ 3 ــــ

ــــ خَرَجَ فَهْد يَتَنَزَّهُ عَلَى شَاطِىءِ البَحْرِ وَكَانَ الجَوّ جَمِيْلاً مُعْتَدِلاً.

ــــ شَاهَدَ الطُّيورَ المُهَاجِرَةَ تَرْقُصُ ورَأَى الأَشْجَارَ الجَمِيْلَةَ الَّتِي زُرِعَتْ بِعِنَايَةٍ.

ــــ فَجْأَةً لَمَحَ مَجْمُوعَةَ أَطْفَالٍ يَدُوسُونَ عَلى الزُّهُور الجَمِيْلَةِ، صَاحَ فهد بِهِمْ لِيَبْتَعِدُوا..

ــــ قَالَ فَهد: الأَزْهارُ تُجَمِّل دَوْلَتَنا… عَلَينا أَنْ نَحْمِي جَمَالَها ونُحَافِظَ عَلَيْها..

ــــ أَخْبَرَ فَهد أُمَّهُ بِمَا حَدَثَ، فَهَنَّأَتْهُ وَوَعَدَتْهُ بِهَدِيَّةٍ جَديدةٍ..

ــــ قالتْ نوف: نَعَمْ. يَسْتَحِقُّ الهَدِيَّةَ لَكِنّ ذَلِكَ واجِبٌ عَلَينا جَمِيْعاً…

ــــ 4 ــــ

ــــ قَضَى فهد شَهْرَ رَمَضَانَ المُبَارَكَ بالصَّلاَةِ والصِّيَامِ.

ــــ اجْتَهَدَ كثيراً فِي المَدْرَسَةِ وَحَصَل عَلى تَهْنِئَةِ المُدَرِّسِيْنَ.

ــــ فَرِحَتْ أُمُّه بِنَشَاطِهِ والْتِزَامِهِ.

ــــ قالَ فهد: لَقَدْ عَلَّمَنَا رَمَضَانُ النَّشَاطَ والمُثَابَرَةَ والصَّبْرَ.

ــــ قالتْ نوف: جَيِّدٌ، أرْجُو أنْ تَبْقَى كَذَلِكَ سَائِرَ العَامِ.

ــــ فهد يَكْتُمُ غَضَبَهُ: اللَّهُمّ إنِّي صَائِمٌ.

ــــ 5 ــــ

ــــ دَخَلَتْ نوف غُرْفَتَها وأَغْلَقَتِ البَابَ، وبَقِيَتْ فِيْها فَتْرَةً طَوِيْلةً.

ــــ مَضَتْ أَيَّامٌ ونوف على هَذِهِ الحَال، وكانَ فَهد يُفَكِّرُ بِسَبَبِ اخْتِفَاءِ نوف.

ــــ سَأَلَ فهد أُمَّهُ فقالتْ لهُ إنْ نوف مَشْغُولَةٌ بِشَأْنِهَا وَعَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ مَشْغُولاً بشُؤونِكَ.

ــــ كانَتْ حِشْرِيّةُ فهد شديدةً لَكِنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ السَّبَبَ.

ــــ بَعْدَ أَيَّامٍ سَمِعَ نوف تقولُ لِأُمِّها إنَّها قَارَبَتْ على الإنْتِهَاءِ مِنْ مُرَاجَعَةِ كلِّ دُروسِ العَامِ المَاضِي اسْتِعْدَاداً لِلْعَامِ الجديدِ.

ــــ اكْتَشَفَ فهد سِرَّ نوف مُتَأَخِّراً، وفَكَّرَ أنْ يَسْتَدْرِكَ ما فَاتَهُ لَكِنَّهُ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَخَلَّصَ مِنْ كُلِّ كُتُبِهِ فَوْرَ انْتِهَاءِ العَامِ المَاضِي.

ــــ 6 ــــ

ــــ وَضَعَ فهد خِطَّةً لِأَشْهُرِ الصَّيْفِ بَدَأَتْ مُنْذُ انْتِهَاءِ المَدْرَسَةِ وَتَسْتَمِرُّ حَتَّى بِدْءِ العَامِ الدِّرَاسِيِّ الجَديدِ.

ــــ أَخْبَرَ أُمَّهُ وَأَبَاهُ بِخُطَّتِهِ وقالَ إنَّهُ سَيَقُومُ بإِعْدَادِ كِتَابٍ عن الدِّرَاسَةِ والتَّعْلِيْمِ.

ــــ ضَحِكَتْ نوف وقالتْ سَاخِرَةً: ماذا؟؟ كتابٌ دُفْعَةٌ واحِدَةٌ..؟ سَتُصْبِحُ مَشْهُوراً.. وأنا سَأُصْبِحُ شَقِيْقَةَ مُؤَلِّفٍ شَهِيْرٍ..

ــــ انْزَعَجَ فَهد وصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: تَوَقَّفِيْ عَنِ السُّخْرِيَةِ، لَمْ أَعُدْ أَسْتَطِيْعُ تَحَمُّلَ تَعْلِيْقَاتِكِ المُزْعِجَةِ..

ــــ قالتِ الأُمُّ: اسْمَعَا.. لِنُجْرِ تَنَافُساً بَيْنَكُمَا لِنَعْرِفَ مَنْ هُوَ الأَكْثَرُ إِنْجَازاً فِي شُهُوْرِ الصَّيْفِ..؟

ــــ قالَ فهد: أنا مُوَافِقٌ لأَنِّي الفَائِزُ بِالتَّأْكِيْد..

ضَحِكَتْ نوف وقالتْ: أَنا لا أُحِبُّ مُنَافَسَةَ فهد فَهُوَ لا يَعْرِفُ أُصولَ المُنَافَسَاتِ..

قَامَ فَهد يَرْكُضُ خَلْفَها: سَوْفَ أُرِيْكِ مَنْ هُوَ الأَفْضَلُ.

ــــ 7 ــــ

ذَهَبَ فهد في الصَّبَاحِ البَاكِرِ في مُهِمَّةٍ سِرِّيَّةٍ ومُسْتَعْجَلَةٍ دُوْنَ أَنْ يُخْبِرَ أحداً إلى أَيْنَ هُوَ ذَاهِبٌ إتَّجَهَ نَحْوَ مِنْطَقَةٍ زراعيةٍ تَكثرُ فيها مَشَاتِلُ الوُرودِ وأَنْوَاعٌ مِنَ الأَزْهَارِ المُتَنَوِّعَةِ والمُخْتَلِفَةِ الأَحْجَامِ والأَشْكَالِ والأَلْوَانِ.

كانَ فَهد يحملُ كيساً كبيراً.. صارَ يُدَقِّقُ في المَزْرُوعَاتِ المُتَنَوِّعَةِ والشُّتُولِ الخَضْرَاءِ والوُرُودِ المُلَوِّنَةِ.

الكِيْسُ الذي يَحْمِلُهُ امْتَلأَ وَلَمْ يَعُدْ يَسْتَطِيْعُ فهد أَنْ يَحْمِلَ الكِيْسَ بِسُهُولَةٍ.. ومَعْ ذَلِكَ ظَلَّ يَدُورُ ويَبْحَثُ.

في مُنْتَصَفِ النَّهَار عَادَ فهدُ إلى بَيْتِهِ ودَخَلَ غُرْفَتَهُ دُوْنَ أَنْ يَرَاهُ أَحَدٌ.. وأَغْلَقَ بَابَ الغُرْفَةِ قَضَى فَهد فِي غُرْفَتِهِ فَتْرَةً طَوِيْلةً وَلَمْ يَكُنْ يُصْدِرُ أصْوَاتاً وكانَ قَدْ قالَ لِأُمِّهِ أَنَّهُ مَشْغُولٌ بِالْدِّرَاسَةِ في المَسَاءِ فَاجَأَ فهد أُسْرَتَهُ بِلَوْحَةٍ كَبِيْرَةٍ صَمَّمَهَا بِالْوُرودِ كَتَبَ في وَسَطِهَا: (كُلُّ عامٍ وَأَنْتُمْ أَحْلَى أُسْرَة).

 

 

 

الفَرَاشَةُ

 

فَرَاشَةٌ مُلَوَّنَةٌ تَطِيْرُ في البُسْتَانِ، حُلْوَةٌ مُهَنْدَمَةٌ تُدْهِشُ الإِنْسَانَ، أَهْدَافُهَا مُحَدَّدَةٌ، حَرَكَاتُها مُرَتَّبَةٌ، تَحُوْمُ بِانْتِظَامٍ، تَحُطُّ فِي نُعُومَةٍ تَنْشُرُ السَّلاَمَ.

فَرَاشَةٌ مُلَوَّنَةٌ تَطِيرُ بِلا اُنْقِطَاعٍ، بِالنَّهارِ المُشْرِقِ تَمْلَأُ البِقَاعَ، تُحِبُّ الوَرْدَ المَزْرُوعَ، تَلْثُمُهُ فِي وَقْتِ الجُوعِ، تَمْتَصُّ رَحِيْقَ الأَزْهَارِ، تُحْيي جَنْيَ الأَشْجَارِ، مِنْ وَرْدَةٍ لِوَرْدَةٍ، تَطِيْرُ بِانْتِظَامٍ.

فَرَاشَةٌ مُلَوَّنَةٌ تُعْطِي بِلا انْتِفَاعٍ، هَمُّها ثِمَارٌ تُطْعِمُ الجِيَاعَ، تُحَاكي الجَمَالَ، تَرْسُمُ الإِبْدَاعَ.. تَعِيشُ في وِئَامٍ.

صَحِيْحٌ أَنَّها ضَعِيفَةٌ.. ضَعِيفَةٌ، لَيْسَ لَهَا مِنْ قُوَّة، وَلاَ لَهَا مِنْ حِيْلَة، فَسُبْحَانَ مَنْ أَعْطَاها أَلْوَانَها الفَرِيْدَةَ وَمَزَايَاهَا العَدِيْدَة،

فَدَوْرُها كبيرٌ، بِحَجْمِها الصَّغِيْرِ، سُبْحَانَ مَنْ أَعْطَاهَا فَوَائِدَها العَظِيمَةَ، فَهَلاَّ تَعَلَّمْنَا خِصَالَها الحَمِيْدَةَ، وَكُنّا مِثْلَها نَعِيشُ فِي سَلامٍ.. وانْتِظامٍ… وَوِئَامٍ، حياتُنَا رغيدةٌ، خَيْرَاتُنَا أكيدَةٌ… وصَمْتُنَا نَمَاءٌ… وصَمْتُنَا عَطَاءٌ… وصَمْتُنَا كلاَمٌ.

 

 

السِّرُّ الجَمِيْلُ

فُلّةُ تَبْحَثُ عَنْ شَيْءٍ مَفْقُودٍ، سَأَلَتْ ماما، سَألت بابا.. وَسَأَلَتْ أَخَاهَا الحَبُّوبْ.

فُلَّةُ بَحَثَتْ فِي غُرْفَتِها، وفي كُلِّ أَنْحَاءِ مَنْزِلِها، ما سِرُّ بَحْثِها؟

تُرى ماذا ضَيَّعَتْ فُلَّة؟

صَاحَتْ بِكُلِّ قُوَّتِها: وَجَدْتُهُ، كِتابي… وَهُوَ هَدِيَّةُ جَدَّتي، فَأَنا لا أَتْرُكُ عَادَتي، قِرَاءةٌ في وَحْدَتي لِكَيْ أُحَقِّقَ غَايَتي، وهذا سِرُّ فَرْحَتي.

 

 

عزُّوزُ الفَنّانْ

صَدِيقي اسْمُه عزُّوزْ، يُحِبُّ الرَّسْمَ والأَلْوَانَ، دَوْماً يَشْدُو بِفَرَحٍ، وَيَمْسَحُ دَمْعَةَ الأَحْزَانِ.. لَمْ أَرَ فِي حَيَاتي مِثْلَهُ إِنْسَاناً يَرْسُمُ الأَحْلاَمَ.

في مَرَّةٍ كُنّا معاً، أَجْلُسُ فِي غُرْفَتِهِ وَكَانَ يَرْسُمُ لَوْحَةً حُلْوَةً، أَخْبَرَنِي عَنْ أَحْلاَمِهِ، وَأَراني رُسُومَاتِهِ، هذهِ رَسْمَةُ قَصْرٍ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيهِ، وتلكَ رسمةُ طَيْرٍ يُحِبُّ أن يُرَبِّيهِ.. وجَامِعَةٌ تُعَلِّمُهُ، وطَائِرَةٌ… ومَرْكَبٌ… وسَيَّارَةٌ… كُلُّها أَحْلاَمٌ تَحْيَا فِي قَلْبِهِ.

حَلِمْتُ مِثْلَهُ.. ما أَحْلَى الأَحْلاَمَ، لو كُنْتُ أَعْرِفُ الرَّسْمَ لَأَرَيْتُهُ أَحْلاَمي، فَهِيَ كَبِيرةٌ… كبيرةٌ… كَسَحَابَةٍ مَطِيْرَةٍ، أوْ كَبَحْرٍ عَميقٍ تَسْبَحُ الأَسْمَاكُ فِيْهِ.

 

 

الحِمَارُ المُفَكِّرُ وَالحِمَارُ الشَّاعِرُ

حِمَارُنا الصَّغِيرُ، يَظُنُّ نَفْسَهُ مُفَكِّرٌ كَبيرٌ، يَرْفَعُ رَأْسَهُ، يُحَرِّكُ أَنْفَهُ، يَمْشي كَأَنَّهُ؛ قَائِدٌ خَطِيرٌ.

حِمَارُنَا حَمّورْ.. يُحِبُّ أَنْ يَسيرَ فِي اليَوْمِ المَطِيرِ، فَتَغْسِلُ المِيَاهُ ثَوْبَهُ النَّضِيرُ.

حِمَارُنَا لَطِيفٌ.. يَبْدو دائماً في مَظْهَرٍ نَظيفٍ، شَكْلُهُ جَميلٌ، ذَيْلُهُ طَويلٌ، يُلاَمِسُ الأَرْضَ بِشَعْرِهِ الحَريرْ. حِمَارُنا وَدِيعٌ،

يُحِبُّهُ الجَمِيعُ، يَعْمَلُ بِاهْتِمَامٍ، بِصَمْتٍ ونِظَامٍ… ولا يَنَامُ قبل إنْجَازِ العَمَلِ. حِمَارُنا نَشيطٌ.. يَقُومُ في الصَّبَاحِ.. يَغْدُوا مَعِ الفَلاَّحِ، ويعودُ في المَسَاءِ بِسِلالِ التُّفَاحِ.

حِمَارُنَا حَمُورْ.. كَتُومٌ وصَبُورْ.. يَصْعَدُ الجِبَالَ.. يَنْزِلُ الوِدْيَانَ.. في أَرْضِنَا يَدُورُ بِجَدٍّ وحبورٍ.. لا يَعْرِفُ السُّكونَ، لا يَعْرِفُ المَلَلَ، حَيَاتُهُ عَطَاءق..

صَمْتُهُ وَفاءٌ.. عُيُونُهُ أَملٌ.. فَهَلْ رأيتَ مِثْلَهُ في غابِرِ الزَّمَنِ؟

هَلْ رَأَيْتَ قَبْلاً حِمَاراً شَاعِرًا..

حِمَارُنا حَمُورْ.. مُرْهَفُ الشُّعُورْ.. يَسْمَعُ الطُّيْورَ في رَوْضَةِ الزُّهُورِ.. يَتَنَشقُ العبيرَ، يُمَيِّزُ بَيْنَها كأنَّهُ خبيرٌ بأنْوَاعِ العُطُورِ..

حِمَارُنا حَمُورْ.. يُحِبُّ السَّهَرَ تَحْتَ الشَجَرِ، في ظِلِّ القَمَرِ.. يُرَاقِبُ النُّجَومَ.. يُسَامِرُ الغُيومَ..

حِمَارُنا الصغيرُ، تراهُ في المساءِ.. يُلاعِبُ الهَواءَ.. يُنْصِتُ للرِّيحِ.. تُدَاعِبُ الأَغْصانَ.. تَحْمِلُ الرَّيْحَانَ.. تُغَنِّي لِلْقَمَر..

حِمَارُنا شَاعِرٌ.. كُلُّهُ مَشَاعِرُ.. لَوْ بَدا عُصْفورٌ يَئِنُّ في أَلَمٍ.. أصابَهُ فُتُورٌ وعاشَ في نَدَمِ..

يساعِدُ الجميعَ.. كبيراً أو صغيراً.. لو آذاهُ أَحَدٌ، تَسْقُطُ دَمْعَةٌ.. ويَدْعُو في سُكُونٍ أَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ الظَّالِمَ الحَقُودَ.. ويَرْزُقَ اللَّهُ.. كُلَّ البَشَرِ..

 

الصَّيَّادُ الصَّغِيرُ

 

أبو نَبيلْ صَيَّادٌ فقيرٌ.. يَخْرُجُ كُلَّ صَبَاحٍ باكراً إلى الشاطِىء القريبِ لِيَصْطَادَ بِضْعَ سَمَكَاتٍ ثم يَبِيعُها بِثَمَنٍ قَلِيلٍ لِيَشْتَرِيَ بِذَلِكَ الثَمَنِ طَعَاماً أو حَاجَاتٍ بسيطةٍ لَهُ ولأُسْرَتِهِ.

وفي يومٍ عادَ أبو نبيلْ حَزِيناً لأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنَ مِنْ صيدِ حتى سَمَكَةٍ واحدةٍ. وعندما اسْتَيْقَظَ نبيلْ لاَحَظَ حُزْنَ أبِيهِ، فقرَّرَ مُسَاعَدَتَهُ ووعَدَهُ أَنْ يَصِيدَ سَمَكَةً كَبِيرةً لِيَبِيعها بعدَ ذلكَ بثمنٍ غالٍ.

خرج نبيلْ بكلِّ نشاطٍ إلى الشاطىءِ وقَضَى وقتاً طويلاً يواجِهُ البحرَ وينتظرُ بصبرٍ اصْطِيَادَ السَّمَكَةِ التي كانَ يَتَوقَّعها.. وفجَأةً اهتَزَّتْ شَبَكَتُهُ بِقُوّةٍ، وبعدَ أنْ سَحَبَهَا بِقُوّةٍ، ظَهَرَت لَهُ سَمَكَةٌ ضَخْمَةٌ، فَحَمَلَها بِسَعادَةٍ ورَكَضَ إلى أَبيهِ لِيُقَدِّمَها إليهِ، شَعَرَ أبو نبيلْ بِفَخْرٍ وفَرَحٍ لِمَا فَعَلَهُ ابْنُهُ نبيلْ،

ثُمَّ ذَهَبا إلى السُّوقِ وبَاعَا السَّمَكَةَ بِثَمَنٍ مُرْتَفِعٍ وعادا إلى البيتِ سَعِيدَيْنِ مُحَمَّلاَنِ بِالطعامِ وحاجاتٍ مُخْتَلِفَةٍ..

2)50قصه قصيره للاطفال طارق بكري

حكايات قبل النوم للاطفال

المراجع[+]

شارك المقالة:
السابق
حكايات قبل النوم للأطفال
التالي
رابط يوضح لك عدد متلقي لقاح كورونا في العالم