الحضارة الأندلسية

عهد مُلوك الطوائف في الأندلس

عهد مُلوك الطوائف في الأندلس

عهد مُلوك الطوائف في الأندلس

 

يُعدُّ عهد دُول الطوائف من أكثر عُهود التاريخ الأندلُسي تعقيدًا وتشابُكًا واضطرابًا.

ففيه انفرط عقدُ البلاد وتقاسمتهُ نحو ستةٍ وعشرين دولة تتفاوت فيما بينها في الحجم والقُوَّة والضعف، حتَّى كان لِكُل مدينة تقريبًا حاكمها المُستقل مُتخذًا

لقب الملك أو الأمير أو الوالي أو القاضي، تبعًا لِحجم المنطقة أو المدينة التي يحكُمها.

وقد أدَّت الحُروب المُتصلة بين مُلوك الطوائف الأندلُسيَّة إلى تحوُّلاتٍ مُستمرَّة في مسار دويلاتها التاريخيّ

يتراوح بين النُشوء والسُقوط وعدم ثبات الحُدود.

فالقوي انقضَّ على الضعيف وبطش به وسلبهُ أملاكه،

حربًا أو صُلحًا، أو اقتطع أجزاء منها. ولجأ الضعيف حتَّى يدرأ الخطر عنه، إلى التحالف مع جارٍ أقوى، فغدى تابعًا له.

وكانت المملك المسيحيَّة في الشمال تتزايد قُوَّتها ولا تكُف عن التدخُّل في شؤون تلك الدُول،

فتفرض الجزية على الكثير منها، وتعمل على الاستيلاء على ما تستطيع من أملاكها.

ويُقسِّم بعض المُؤرخين أُسر الطوائف، من الناحية الاجتماعيَّة، إلى أربع فئات:

 الأرُستقراطيَّة العربيَّة وأشهر أُسرها بنو عبَّاد اللخميّون وبنو تجيب اليمنيّون وبنو صمادح وبنو هود الأدارسة وبنو طاهر القيسيّون

 موالي بني أُميَّة الذين كانت أُسرُهم عماد الدولة في عهد الأُسرة الأُمويَّة وشتَّت الحاجب المنصور العامري

أكثر هؤلاء ولم يبقى منهم إلَّا بنو جهور؛ بقايا أُسرة الحاجب المنصور؛ البربر

وينتظمون في ثلاث مجموعات: البربر المُستعربون ومنهم بنو الأفطس وبنو ذي النون وبنو رزين

 البربر حديثي الوفود ومنهم بنو زيري الصنهاجيين وبنو زناتة وبنو برزال

 العرب المُتبربرين ومنهم بنو حمّود الأدارسة الحُسينيين. وقد تكوَّنت، بعد معارك دامية بين الأُسر الطوائفيَّة

سبع دُولٍ رئيسيَّة غلبت على جميع الدُويلات الأُخرى أو تحالفت معها، وهي:

 

 

  1. دولة بنو جهور في قُرطُبة وما يُجاورها من المُدن والأراضي الوُسطى. وهؤلاء من الموالي، وقد قضى عليهم بنو عبَّاد.
  2. دولة بنو عبَّاد في إشبيلية. وقد توسَّع هؤلاء على حساب بني حمّود والبربر، واضطرَّ أميرا قُرطُبة وبطليوس إلى الانضواء تحت لوائهم حُلفاء، أو مغلوبين، وحاولوا الاستيلاء على الأندلُس كُلَّها، إلَّا أنَّهم اصطدموا ببني ذي النون، حُكَّام طُليطلة الأقوياء، غير أنَّ أراضيهم امتدَّت حتَّى المُحيط الأطلسي.
  3. دولة بنو ذو النون في طُليطلة أو الثغر الأوسط، ودخلوا في صراعٍ مع بني عبَّاد، وتصدَّوا لِطُموحاتهم التوسُّعيَّة، غير أنَّ ذلك لم يكن إلَّا على حساب استقلالهم، ذلك أنَّهم كانوا يدفعون الجزير لِملك قشتالة التماسًا لِمُساعدته ضدَّ خُصومهم.
  4. دولة بنو زيري في غرناطة ومالقة في جنوبي الأندلُس، بعد بني حمّود الأدارسة.
  5. دولة بنو هود في منطقة سرقسطة، أو الثغر الأعلى.
  6. دولة بنو الأفطس في بطليوس.
  7. دولة بنو عامر في بلنسية ومرسية، في شرقيّ الأندلُس، إلَّا أنهم كانوا أضعف من الأُسر الأُخرى وأقل استقلالًا.

 

يختلف عهد دُول الطوائف، في كثيرٍ من مظاهره، عن العُهود الأندلُسيَّة السابقة، ذلك أنَّ هذه التجمُّعات الأُسريَّة

لم تسترشد بِسياسةٍ إسلاميَّة سواء في علاقاتها بعضها ببعض أو في علاقاتها بِشُعوبها، تقوم على الجهاد وتوسيع رُقعة أراضيها على حساب النصارى في الشمال الأندلُسي. ويُلاحظ، في مجال العلاقات المُتبادلة فيما بينهم، أنَّ مُلوك الطوائف كانوا في نزاعٍ مُستمر، ولم يُقيموا سياستهم على أساس التعايش السلمي،

والمُحافظة على الأمر الواقع، ولعلَّ سبب ذلك يعود إلى التفاوت فيما بينهم من حيثُ القوَّة والضعف والأطماع الشخصيَّة

وحُب الظُهور والتملُّك، بالإضافة إلى اشتداد الخطر المسيحي.

ولم تكن دُول الطوائف دُولًا بالمعنى المعروف بل إنها كانت أقرب إلى وحدات الإقطاع وإلى عصبيَّة الأُسرة القويَّة، ومن ثُمَّ لم تكن بها حُكوماتٍ مُنظَّمة بالمعنى الصحيح تعمل على رفاهيَّة شعبها، وإنما كانت أُسرًا أو زعامات تعمل لِمصلحتها ورفعة شأنها وتنمية مواردها وثرواتها وتدعيم سُلطانها.

 ومن الأمثلة على استهتار عدد من مُلوك الطوائف نحو أُمَّتهم ودينهم ما فعله مُحمَّد المُعتمد بن عبَّاد صاحب إشبيلية عندما تعاهد مع ملك قشتالة على غزو أراضي مملكة طُليطلة الجنوبيَّة على أن يُسلِّم منها إلى الملك القشتالي الأراضي الواقعة شمالي جبال سيراموريتا – الشارات،

وأن لا يعترض على مشروع ألفونسو السادس القاضي بالاستيلاء على طُليطلة.

 

وما فعلهُ يحيى القادر بن إسماعيل عندما تنازل لِألفونسو السادس عن بعض الحُصون الحُدوديَّة، منها سرتة وقنتورية وقنالش

مُجرِّدًا طُليطلة من حُصونها الأماميَّة، مُقابل أن يدعمهُ الأخير ضدَّ جيرانه من مُلوك الطوائف.

 غير أنَّ ألفونسو السَّادس كان يطمح للاستيلاء على طُليطلة نفسها،

فضرب عليها الحصار مُدَّة ثلاث سنوات (شوَّال 474هـ – مُحرَّم 478هـ \ آذار (مارس) 1082م – أيَّار (مايو) 1085م)

انتهت باستسلام يحيى القادر وتسليمه المدينة للقشتاليين

 كان لِسُقوط طُليطلة أثرٌ عظيمٌ في مسار الحُروب اللاتينيَّة الأندلُسيَّة، وفي إلهاب حماس القوى المسيحيَّة

فقد كانت هذه المدينة في الماضي عاصمةً لِمملكة القوط، وكانت السيطرة عليها نذيرٌ بإحياء مُلك القُوط القديم

والعمل على طرد المُسلمين نهائيًا من الأندلُس. ولم يلبث ألفونسو السادس إلَّا قليلًا حتَّى أغار على نواحي طُليطلة واستولى على جميع أعمالها

 

1)ملوك الطوائف

المراجع[+]

شارك المقالة:
السابق
الخِلافة الأُمويَّة خِلافة قُرطُبة
التالي
شركة شهية المحدودة للأطعمة