تاريخ الاسلامي

بحث عن الحضارة الأسلامية

الحضارة الأسلامية

بحث عن الحضارة الأسلامية

 

مفهوم الحضارة


الحضارة هي الجهد الذي يُقدَّم لخدمة الإنسان في كل نواحي حياته، أو هي التقدم في المدنية والثقافة معًا، فالثقافة هي التقدم في الأفكار النظرية مثل القانون والسياسة والاجتماع والأخلاق وغيرها، وبالتالي يستطيع الإنسان أن يفكر تفكيرًا سليمًا، أما المدنية فهي التقدم والرقى في العلوم التي تقوم على التجربة والملاحظة مثل الطب والهندسة والزراعة، وغيرها.. وقد سميت بالمدنيَّة؛ لأنها ترتبط بالمدينة، وتحقق استقرار الناس فيها عن طريق امتلاك وسائل هذا الاستقرار، فالمدنية تهدف إلى سيطرة الإنسان على الكون المحيط به، وإخضاع ظروف البيئة للإنسان.

ولابد للإنسان من الثقافة والمدنية معًا؛ لكي يستقيم فكر الأفراد وسلوكياتهم، وتتحسن حياتهم، لذلك فإن الدولة التي تهتم بالتقدم المادي على حساب التقدم في مجال القيم والأخلاق، دولة مدنيَّة، وليست متحضرة تفتقد إلى جانب هام من جوانب الحضارة وهو الجانب الروحي والأخلاقي؛ ومن هنا فإن تقدم الدول الغربية في العصر الحديث يعد مدنية وليس حضارة؛ لأن الغرب اهتم بالتقدم المادي على حساب القيم والمبادئ والأخلاق، أما الإسلام الذي كرَّم الإنسان وأعلى من شأنه، فقد جاء بحضارة سامية، تسهم في تيسير حياة الإنسان.

 

مفهوم الحضارة الإسلامية


الحضارة الإسلامية هي ما قدمه الإسلام للمجتمع البشرى من قيم ومبادئ، وقواعد ترفع من شأنه، وتمكنه من التقدم في الجانب المادي وتيسِّر الحياة للإنسان.
أهمية الحضارة الإسلامية:
الفرد هو اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وإذا صلح صلح المجتمع كله، وأصبح قادرًا على أن يحمل مشعل الحضارة، ويبلغها للعالم كله، ومن أجل ذلك جاء الإسلام بتعاليم ومبادئ تصلح وتقوم هذا الفرد، وتجعل حياته هادئة مستقرة، وأعطاه من المبادئ ما يصلح كيانه وروحه وعقله وجسده.

وبعد إصلاح الفرد يتوجه الإسلام بالخطاب إلى المجتمع الذي يتكون من الأفراد، ويحثهم على الترابط والتعاون والبر والتقوى، وعلى كل خير؛ لتعمير هذه الأرض، واستخراج ما بها من خيرات، وتسخيرها لخدمة الإنسان وسعادته.

وللحضارة الإسلامية، ثلاثة أنواع:
1- حضارة التاريخ (حضارة الدول):
وهي الحضارة التي قدمتها دولة من الدول الإسلامية لرفع شأن الإنسان وخدمته، وعند الحديث عن حضارة الدول ينبغي أن نتحدث عن تاريخ الدولة التي قدمت هذه الحضارة، وعن ميادين حضارتها، مثل: الزراعة، والصناعة، والتعليم، وعلاقة هذه الدولة الإسلامية بغيرها من الدول، وما قدمته من إنجازات في هذا الميدان.

2-الحضارة الإسلامية الأصيلة:
وهي الحضارة التي جاء بها الإسلام لخدمة البشرية كلها، وتشمل ما جاء به الإسلام من تعاليم في مجال: العقيدة، والسياسة، والاقتصاد، والقضاء، والتربية، وغير ذلك من أمور الحياة التي تفيد الإنسان وتيسر أمور حياته.

3- الحضارة المقتبسة:
وتسمى حضارة البعث والإحياء، وهذه الحضارة كانت خدمة من المسلمين للبشرية كلها، فقد كانت هناك حضارات وعلوم ماتت، فأحياها المسلمون وطوروها، وصبغوها بالجانب الأخلاقي الذي استمدوه من الإسلام، وقد جعل هذا الأمر كُتاب العالم الغربي يقولون: إن الحضارة الإسلامية مقتبسة من الحضارات القديمة، وهما حضارتا اليونان والرومان، وأن العقلية العربية قدْ بدَّلت الصورة الظاهرة لكل هذه الحضارات وركبتها في أسلوب جديد، مما جعلها تظهر بصورة مستقلة.( وهنا نتحدث عن المستشرقين الذين هاجموا الحضارة الإسلامية وكل ما هو مسلم).

وهذه فكرة خاطئة لا أساس لها من الصحة، فالحضارة الإسلامية في ذاتها وجوهرها إسلامية خالصة، وهي تختلف عن غيرها من الحضارات اختلافًا كبيرًا، إذ إنها حضارة قائمة بذاتها، لأنها تنبعث من العقيدة الإسلامية، وتستهدف تحقيق الغاية الإسلامية، ألا وهي إعمار الكون بشريعة الله لنيل رضاه، لا مجرد تحقيق التقدم المادي، حتى لو كان ذلك على حساب الإنسان والدين كما هو الحال في حضارات أخرى، مع الحرص على التقدم المادي؛ لما فيه من مصلحة الأفراد والمجتمع الإنساني كله.

أما ما استفادته من الحضارات الأخرى فقد كان ميزة تحسب لها لا عليها، إذ تشير إلى تفتح العقل المسلم واستعداده لتقبُّل ما لدى الآخرين، ولكن وضعه فيما يتناسب والنظام الإسلامي الخاص بشكل متكامل، ولا ينقص من الحضارة الإسلامية استفادتها من الحضارات السابقة، فالتقدم والتطور يبدأ بآخر ما وصل إليه الآخرون، ثم تضيف الحضارة الجديدة لتكمل ما بدأته الحضارات الأخرى.

 

مفهوم العلم 


تعني كلمة العلم   Scienceلغوياً،إدراك الشيء بحقيقته،وهو اليقين والمعرفة،والعلم يعني اصطلاحاً،مجموعة الحقائق والوقائع والنظريات،ومناهج البحث التي تمتلئ بها المؤلفات العلمية .كما يعرف “العلم”بأنه”نسق المعارف العلمية المتراكمة..أو هو مجموعة المبادئ والقواعد التي تشرح بعض الظواهر والعلاقات القائمة بينها..”

  • العلم معرفة الشيء على حقيقته، ولا يكون العلم إلا بعد جهد تدرك به هذه المعرفة. ويطلق العلم على معان كثيرة كالعلم بالعقائد، وعلم اللغات، والتراجم، والأنساب، وعلوم الطبيعة كالرياضيات والكيمياء والفيزياء أو العلوم الحديثة كالحاسب الآلي والإنترنت، وأي علم آخر يجتهد الإنسان لمعرفته. 
  • وقد اهتم ديننا الحنيف بالعلم أعظم اهتمام، يقول الله عز وجل في أول ما نزل: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم) ففي هذه الآيات المحكمات أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل فرد من أمته أن يقرأ ويتعلم أي علم يكون  له ولغيره نفع في دينه ودنياه.

وظـائف العـلم : يقوم العلم بوظيفة أساسية تتمثل في اكتشاف النظام السائد في هذا الكون،وفهم قوانين الطبيعة والحصول على الطرق اللازمة للسيطرة على قوى الطبيعة والتحكم فيها،وذلك عن طريق زيادة قدرة الإنسان على تفسير الأحداث والظواهر والتنبؤ بها وضبطها.

أهمية العلم ودعوة الإسلام إليه

للعلم أهمية بالغة في الإسلام، اهتم به الإسلام كثيرا، ويحث كل مسلم على طلب العلم دائما، وأن يسلك طريقه لأجل تحصيل أكبر قدر منه والعمل به، وبالعلم الشرعي يهتدي الإنسان إلى أمور دينه وبدونه يضل ويشقى.
فلا يستوي عند الله الذي يعلم والذي لا يعلم، فأهل العلم لهم مقام عظيم في شريعتنا الغراء، فهم من ورثة الأنبياء والمرسلين :فيقول الحق في القران ما معناه ( يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات). أي يرفع الذين تحلوا بصفة الإيمان أي العلم اليقيني بأمور الدين والذين أوتوا العلم فساوى بينهم وبين من أمن به عز وجل وبشريعته. يقول القرطبي في هذه الآية فيرفع المؤمن على من ليس بمؤمن والعالم على من ليس بعالم” وقال ابن مسعود: مدح الله العلماء في هذه الآية، والمعنى: أنه يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم (درجات) أي درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به.

وباتت الحقيقة الأولى التي ظهرت في الأرض عند نزول جبريل عليه السلام  لأوَّل مرَّة على رسول الله أن هذا الدين الجديد (الإسلام) دينٌ يقوم على العلم ويرفض الضلالات والأوهام جملةً وتفصيلاً؛ حيث نزل الوحي أوَّل ما نزل بخمس آيات تتحدَّث حول قضية واحدة تقريبًا، وهي قضية العلم، قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5].

إن هذا النزول الأوَّل بهذه الكيفيَّة يعد أمرا بالغ الأهمية وملفت للنظر؛ وذلك من عِدَّة وجوه: لأن الله قد اختار موضوعًا معيَّنًا من آلاف المواضيع التي يتضمَّنها القرآن الكريم وبدأ به، مع أن الرسول الذي يتنزل عليه القرآن أُمِّيٌ لا يقرأ ولا يكتب، فكان واضحًا أن هذا الموضوع الأوَّل هو مِفتاح فَهْمِ هذا الدِّين، ومفتاح فهم هذه الدنيا، بل وفهم الآخرة التي سيئول إليها الناس كلهم. فبدا واضحا أن العلم يأتي على رأس أولويات الدين الاسلامى.

الأمر الأخر الملفت للانتباه أنه نزل يتحدَّث عن قضية لم يهتم بها العرب كثيرًا في تلك الآونة، بل كانت الخرافات والأباطيل هي التي تحكم حياتهم من أوَّلها إلى آخرها، فكانوا يفتقرون إلى العلم في كل المجالات، اللهم إلا في مجال البلاغة والشعر، فكان هذا هو الميدان الذي تفوَّق فيه العرب وبرعوا، ولذلك نزل القرآن  يتحدَّاهم في هذا الذي برعوا فيه، معلنًا لهم أنه ينادي بالعلم والتفوُّق فيه في كل الجوانب، بما فيها تلك التي يجيدونها.

فليس هناك مكانٌ في هذا الدين للجهل أو الظنِّ أو الشكِّ أو الرِّيبَة.

وبالنظر إلى القران الكريم دستور الدين الاسلامى نجد أنه تكاد لا تخلو سورة من سوره من الحديث عن العلم، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وبإحصاء عدد المرات التي جاءت فيها كلمة (العلم) بمشتقاتها المختلفة في كتاب الله ؛ تجد-بلا مبالغة- قد بلغت أكثر من  700مرَّة، أي بمعدَّل سبع مرَّاتٍ -تقريبًا- في كل سورة, مما يؤكد على أهمية العلم كقضية رئيسية في الدين والعقيدة.

بل إن الملاحظ أن اهتمام القرآن بقضيَّة العلم لم يكن في أولى لحظات نزوله فقط، وإنما كان ذلك منذ بداية خلق الإنسان نفسه، كما حكي ذلك القرآن الكريم في آياته؛ فالله خلق آدم وجعله خليفة في الأرض، وأمر الملائكة أن تسجد له، وكرَّمه وعظَّمه ورفعه، ثم ذكر لنا وللملائكة سبب هذا التكريم والتعظيم أنه (العلم)؛ فيقول الحق تعالى : {* وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْـمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْـمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْـحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَـمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْـمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 30-34].

ويقول الله تبارك تعالى :﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) سورة الزمر (9) فلا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، كما لا يستوي الحي والميت، والسميع والأصم، والبصير والأعمى، فالعلم نور يهتدي به صاحبه إلى الطريق السوي، ويخرج به من الظلمات إلى النور.

وقد كان لذلك كله أثر بعيد المدى في الدولة الإسلاميَّة بعد ذلك، حيث ولَّد نشاطًا علميًّا واسعًا في مختلَف ميادين العلم والمعرفة، نشاطًا لم يعهد له التاريخ مثيلاً، ممَّا جعله يحقِّق ازدهارًا حضاريًّا عظيمًا على أيدي علماء المسلمين، ويمدُّ التراث الإنساني بذخيرة علميَّة     رائعة، يظلّ العالم بأسره مدينًا لها.                         

 

 

 

حضارات ما قبل الإسلام

 

  • الحضارة الإسلامية، مثل غيرها من الحضارات، لم تنشأ من فراغ ، ولم تظهر من العدم أو من تلقاء نفسها، بل سبقتها حضارات عريقة أخرى في هذه المنطقة من العالم، تواصلت معها وأثرت فيها.

 

نشأة حركة الترجمة في الحضارة الإسلامية

 

وحركة الترجمة ترجع إلى صدر الإسلام في عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم و بتكليف منه، فنُقل عن الصحابة رضوان الله عليهم أنه قال : “من عرف لغة قوم امن شرهم” . و من أشهر من تعلم السريانية في عهد الرسول هو زيد بن ثابت و قد تعلمها في ستين يوما و تعلم كذلك الفارسية و الرومية.
– أقدم بردة في الإسلام تعود إلى سنة 22 ﻫ و عليها نص باسم عمرو بن العاص و به ثلاثة اسطر باليونانية و الترجمة بالعربية تحتها، و بالتالي الترجمة ظهرت في صدر الإسلام.

 

حركة الترجمة في العصر الأموي

هناك فريق يرى أن نشأة حركة الترجمة في الحضارة الإسلامية كانت في أوائل العصر الأموي حيث ذكر في المصادر أن خالد بن يزيد بن معاوية و الملقب بحكيم آل مروان أرسل إلى الإسكندرية في طلب بعض الكتب في الطب وعلم الكيمياء لترجمتها إلى العربية و ذلك بعدما أقصى عن الخلافة طواعية.

و يقول عنه ابن النديم: أن خالد كان يسمى حكيم آل مروان و كان فاضلا في نفسه و له محبة في العلوم، فأمر بإحضار جماعة من فلاسفة اليونان الذين نزلوا مصر و تفصحوا بالعربية و كان هذا أول نقل في الإسلام من لغة إلى لغة.
 ابن خلكان: وصف خالد بن يزيد بقوله انه كان اعلم قريش بفنون العلم و له كلام في صنعة الكيمياء و الطب و كان متقنا لهذين العلمين.

و قد اتجه بعض الباحثين الأوروبيين المحدثين أن يشككوا فيما نسب إلى خالد بن يزيد من جهود في الترجمة إلى العربية مستهدفين طمس دوره في نهضة الترجمة، و في ذلك شككوا أيضا في شخصية جابر بن حيان الكوفي ( القرن 2 ﻫ( الذي يعتبر أبا لعلم الكيمياء و أيضا شككوا في قسطنطين الأفريقي الذي ينسب إليه ترجمة مؤلفات العرب في الطب إلى اللاتينية مما مهد لظهور مدرسة سالرنو الطبية.

و من الخلفاء الأمويين الذين استكملوا جهود الترجمة بعد خالد بن يزيد، عمر بن عبد العزيز( 99- 101 ﻫ) حيث اصطحب معه عند ذهابه إلى الخلافة في المدينة احد علماء مدرسة الإسكندرية بعد أن اسلم على يديه ابن ابجر واعتمد عليه في صناعة الطب. و قد قام الخليفة عمر بن عبدا لعزيز أيضا بنقل علماء مدرسة الإسكندرية إلى مدرسة أنطاكيا سنة 100 ﻫ لكن هذا لا يعني أن مدرسة الإسكندرية أغلقت بل ظلت قائمة في العصر العباسي .

وقد أظهر المسلمون في بناء حضارتهم اهتماما كبيراً بحركة الترجمة، وابدوا رعاية فائقة للثقافات والعلوم المتنوعة التي وجدوها في غرب آسيا، وامتازت الحضارة الإسلامية بالنقل من الفارسية والسريانية واليونانية والهندية والصينية إلى العربية، وكان بنو أمية على قسط وافر من الحكمة وبعد النظر ما جعلهم يتركون المدارس الكبرى المسيحية أو الصائبة أو الفارسية قائمة في الإسكندرية وبيروت وحران ونصيبين وجنديسابور، فاحتفظت هذه المدارس بأمهات الكتب في الفلسفة والعلوم، ومعظمها في ترجمتها من السريانية .

وسرعان ما استهوت هذه الكتب المسلمين العارفين باللغتين السريانية واليونانية، ولم يلبث أن قام بترجمتها إلى العربية جماعة من المسلمين. ، وكانت طريقة السريان أن ينقلوا الكتاب اليوناني إلى لغتهم السريانية، ثم يترجموه بعد ذلك من السريانية إلى العربية.

وهكذا أصبح السريان أعظم حلقة للاتصال بين الثقافة الهيلينية والإسلام.

 

حركة الترجمة في العصر العباسي

 

واستمرت الحركة العلمية وحركة الترجمة إلى العربية في العصر العباسي عندما ربط المسلمون بين تراث اليونان وعلوم الفرس والهنود والصينيون، مما جعل اللغة العربية أداة العلم والمعرفة التي تعبر عن أقصى ما بلغته الحضارة الإنسانية في العصور الوسطى من سمو ورفعة. وقد تمكن العرب المسلمون من ترجمة كتب أرسطو وأفلاطون الفلسفية، وجالينوس الطبية، علاوة على مجموعة من الكتب الفارسية والهندية. وهكذا تمكن طلاب المعرفة وبناة الحضارة من المسلمين أن يهضموا ما أنتجه اليونان في سنوات طويلة .

 

تطور حركة الترجمة و ازدهارها

 

وقد أخذت حركة الترجمة إلى العربية تزداد قوة في العصر العباسي بفضل :
تشجيع الخلفاء العباسيين و رعايتهم لهم و قد فتحوا بغداد أمام العلماء و أجزلوا لهم العطاء و أضفوا عليهم ضروب التشريف و التشجيع بصرف النظر عن مللهم و عقائدهم. في حين أن حركة الترجمة في العصر الأموي كانت محاولات فردية لا يلبث أن تذبل بزوال الأفراد.

وأصبحت الترجمة ركنا من أركان سياسة الدولة فلم يعد جهد فردي سرعان ما يزول بزوال الأفراد سواء حكام أو غير ذلك بل أصبح أمرا من أمور الدولة و ركنا من أركانها.
و في حين أن الترجمة في العصر الأموي اقتصرت على الكيمياء و الفلك و الطب، نجد انه في العصر العباسي صارت أوسع نطاقا بحيث شملت الفلسفة و المنطق و العلوم التجريبية و الكتب الأدبية.

من أمثلة اهتمام الخلفاء العباسيين بالعلماء و المترجمين:

-. الخليفة أبا جعفر المنصور(136- 158 ﻫ 🙁 و قد عني بترجمة الكتب إلى العربية سواء من اليونانية أو الفارسية، و في تلك المرحلة نقل حنين بن إسحاق بعض كتب ابقراط و جالينوس في الطب و نقل ابن المقفع كتاب “كليلة و دمنة”.
-. هارون الرشيد (170 -194 ﻫ): عندما كثر أعداد العلماء في بغداد انشأ لهم دار الحكمة لتكون بمثابة أكاديمية علمية يجتمع في رحابها المعلمون و المتعلمون و حرص على تزويدها بالكتب التي نقلت من آسيا الصغرى و القسطنطينية.

-. المأمون ( 198-218 ﻫ) : ازداد اهتماما ببيت الحكمة، فوسع من نشاطها و ضاعف العطاء للمترجمين و قام بإرسال البعوث إلى القسطنطينية لاستحضار ما يمكن الحصول عليه من مؤلفات يونانية في شتى ألوان المعرفة، فاخرج المأمون لذلك جماعة منهم الحجاج بن مطر، و ابن البطريق .و قد ذكر ابن النديم انه كان بين المأمون و إمبراطور القسطنطينية مراسلات بهذا الشأن.

 

الترجمة عن العربية للحضارة الغربية

 

وهكذا تمكن طلاب المعرفة وبناة الحضارة من المسلمين أن يهضموا ما أنتجه اليونان وغيرهم في سنوات طويلة .
ولذ لم يعد أمام الغرب الأوربي سوى الترجمة من العربية إلى اللاتينية، وزيادة على ذلك فقد وضع علماء المسلمون شروحاً لفلسفة أرسطو كما فعل ابن رشد واهتم بها علماء الغرب .

أما أهم مراكز الترجمة عن العربية إلى اللاتينية فكانت مركزين، الأندلس وصقلية، والواقع أن الأندلس هو المركز الرئيس للترجمة من العربية إلى اللاتينية، فاتجه إليه كثير من أعلام النهضة الأوربية في القرن الثاني عشر يطلبون الارتواء من فيض الحضارة الإسلامية في مختلف العلوم والآداب.

أما صقلية فقد أسهمت هي الأخرى في حركة النقل عن العربية في وقت بناء الأوربيين حضارتهم الحالية، وساعد على صقلية ذلك موقفها الاستراتيجي الجغرافي بين أوربا وإفريقيا، ثم احتفاظها بنسبة كبيرة من سكانها المسلمين في عصر النورمان الذين خلفوا المسلمين في حكم الجزيرة.وقد ترجم في صقلية الكثير من الكتب الإسلامية، ومن أبرز مترجميها اليهودي (عشر فرج) من أصل صقلي، ترجم الكثير إلى اللاتينية .

وقد نشطت حركة الترجمة عن العربية في برشلونة وليون وطليطلة، والتي أسس رئيس أساقفتها مكتبة كبيرة للترجمة عن العربية إلى اللاتينية ، وقام (رديرن الشستري) بترجمة القرآن إلى اللاتينية لأول مرة كما ترجمت كتب كثيرة من العربية في العلوم والفلك ورياضيات الخوارزمي والكيمياء والطب .
ولا ريب أن المسلمين بتسامحهم العظيم مع الأجانب (غير المسلمين) أتاحوا لهذه العناصر فرصة طيبة للتتلمذ علي أيديهم والإفادة منهم حتى قال أحد الكتاب الأوربيين:”إن الحضارة الإسلامية تمت بسبب تسامحها إزاء العناصر الأجنبية” .

وهكذا نرى أن الترجمة أسهمت في إثراء الحضارة الإسلامية، وأشعلت شعلة لا تنطفئ لرواد الحضارة وبناتها، وذلك في عصر الأمويين والعباسيين، كما نرى أن أساسها الذي ارتكزت عليه الحضارة العائلة (الأوربية الحديثة) هي الترجمة من العربية إلى لغتهم، مما مهد الطريق أمامهم للوصول إلى موقعهم الحديث.

 

 

علم الكيمياء في الأسلام

تعتبر العلوم من أهم المجالات التي نالت الكثير من اهتمام علماء المسلمين، والتي حققوا فيها إنجازات عظيمة ورائدة أسهمت بدور كبير في تطور المعرفة الإنسانية ؛ فعدد كبير من المؤرخين والباحثين الغربيين يعترفون بإسهامات العلماء المسلمين وإضافاتهم الجديدة في مجالات عديدة كالطب، والكيمياء والفيزياء والفلك، والرياضيات وغيرها، ويقرون بدورهم الريادي في وضع الأسس التي يقوم عليها العلم الحديث.

لقد اعتنى المسلمون بالعلوم الطبيعية؛ حيث قاموا بترجمة المؤلفات اليونانية، ولكنهم لم يكتفوا بنقلها، بل توسعوا فيها، وأضافوا إليها إضافات هامة ؛ تعتبر أساس البحث العلمي الحديث، وقد قويت عندهم الملاحظة، وحب التجربة والاختبار.

وشأن كل العلوم التي تتقدم وتتطور مع تعاقب الأمم والحضارات، قامت العلوم الطبيعية عند العلماء المسلمين في بدئها على مؤلَّفات اليونان، تلك التي استند فيها اليونانيون على الفلسفة المجردة في محاولاتهم فهم الطبيعة، ودون أن يكون للتجربة دور يذكر في تلك المحاولات.. غير أن العلماء المسلمين ما لبثوا أن طوَّروا هذا الأساس وجعلوا الكثير من العلوم تستند إلى التجربة والاستقراء، عوضًا عن الاعتماد على الفلسفة أو التأملات والأفكار المجرَّدة.

يُعدّ علم الكيميا علما  إسلاميا عربيا اسما وفعلا؛ فلم تُعرَف كلمة الكيميا ولم يَردْ ذكرها فى أي لغة أو حضارة قبل العرب، سواء عند قدماء المصريين أو الإغريق. و الكيميا فى اللغات الأوربية يكتبونها Al – Chemie ومعروف أن كل كلمة لاتينية تبدأ بالألف واللام للتعريف أصلها عربي، ومن ذلك Al-Cohol- algibra.

وجاء فى “لسان العرب” لابن منظور أن الكيمياء كلمة عربية مشتقة من كمى الشيء وتكماه: أي ستره، وكمى الشهادة يكميها كميا و أكماها: أي كتمها وقمعها.

وقد فسرها أبو عبد الله محمد الخوارزمي (387هـ) فى كتابه “مفاتيح العلوم” بقوله: “إن اسم هذه الصنعة كيمياء، وهو عربي، واشتقاقه من كمي ويكمي: أي ستر وأخفى”، وهذا يتفق مع ما ذهب إليه الرازي حين سمى كتابيه في الكيمياء “الأسرار” و”سر الأسرار”.

وفى التعريف الاصطلاحي فإن علم الكيمياء هو العلم الذي يُعنى بطبيعة المادة وتركيبها وما يتناولها من تغيرات، أي دراسة المادة وخصائصها وتركيبها وبنيتها.

لم تكن الكيمياء قبل الحضارة الإسلامية سوى محاولات فاشلة لتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب وفضة، معتمِدة في ذلك على العقل والاستدلال المنطقي، واستبعاد المنهج العلمي القائم على التجربة والملاحظة.

ولقد عرف قدماء المصريين التحنيط بالمواد الكيميائية، وأيضا طريقة حفظ الأغذية والملابس، وبرعوا في صنع الألوان الثابتة، وكذلك كان للإغريق اجتهاد في الكيمياء، حيث وضعوا نظرية إمكانية تحويل المعادن الخسيسة كالرصاص والنحاس والزئبق إلي معادن نفيسة كالذهب والفضة، وتقول هذه النظرية: إن جميع المواد على ظهر الأرض إنما نشأت من عناصر أربعة هي: النار والتراب والهواء والماء، وإن لكل عنصر منها طبيعتين يشترك في أحدها مع عنصر آخر.

فالنار جافة حارة، والتراب جاف بارد، والماء بارد رطب، والهواء بارد جاف، وعلى ذلك فمن المحتم أنه يمكن تحويل العناصر إلى بعضها، وكان من رأي أرسطو أن جميع العناصر عندما تتفاعل في باطن الأرض وتحت ضغط معين وحرارة فإنه ينشأ عنها الفلزات.

وفي القرن الخامس قبل الميلاد كان من تعاليم الفيلسوف الإغريقي (ديموقريطس) أن كل المواد تتكون من مادة واحدة توجد على هيئة وحدات صغيرة لا تتكسر تُسمَّى الذرات، وبناء على هذه النظرية فإن الاختلاف بين المواد هو فقط بسبب الاختلاف في حجم وشكل وموقع ذراتها.

وأثناء الثلاثمائة سنة الأولى بعد ميلاد المسيح قام العلماء والحرفيون في مصر بتطوير وممارسة الكيمياء، وبنوا عملهم على نظرية تحوّل العناصر لأرسطو، حيث حاولوا تحويل الرصاص والفلزات الأخرى إلى ذهب .

وتُجمع آراء الباحثين على أن جهود الإغريق في الكيمياء كانت ضئيلة ومحدودة؛ لأنهم درسوا العلوم من النواحي النظرية والفلسفية، وكان العمل لديهم في هذا المجال مقصوراً على تحويل المعادن الرخيصة مثل الرصاص والقصدير إلى معادن ثمينة من الذهب والفضة، وذلك بواسطة حجر غامض يسمى “حجر الفلاسفة”.

والحقيقة أن العرب هم أول من بدأ هذا العلم بداية جديدة على مبدأ التجربة والمشاهدة، وفي ذلك يقول هولميارد في كتابه “تاريخ الكيمياء إلى عهد دالتون”: لقد حارب علماء المسلمين الألغاز الصبيانية التي كانت مدرسة الإسكندرية قد أدخلتها على علم الكيمياء، وقاموا في هذا الميدان على أسس علمية جديدة.

وبصفة عامة فقد كانت هذه الصنعة عند قدماء المصريين والإغريق تغلب عليها الآراء النظرية، وكان يمارسها الكهّان والسّحرة، ولا يعرف أسرارها غيرهم، وكان هناك قصور في الجانب اليوناني، وتفوّقٌ في الجانب المصري القديم، إلا إنه مفقود ولا يوجد منه إلا القليل.

وظلَّت الكيمياء على ذلك حتى ظهر علماء المسلمين الذين أَسَّسوا المنهج العلمي الدقيق، واستندوا إلى التجرِبة العلميَّة وإشراك الحس والعقل معًا في الوصول إلى الحقائق العلميَّة في هذا الحقل من العلوم بالذات، فكان أن نشأ وابتكر علم الكيمياء بقواعده وأصوله، وكان جابر بن حيان أول عالم يؤسِّس ويبتكر هذا العلم الكبير، حتى بات يُعرَف هذا العلم في أوربا ولعدَّة قرون (بصنعة جابر).

فجابر بن حيان هو الذي جعل التجرِبة أساس العمل، ولذلك يُعَدُّ أوَّل مَنْ أدخل التجرِبة العلميَّة المخبريَّة في منهج البحث العلمي الذي أرسى قواعده؛ وتراه في ذلك يدعو إلى الاهتمام بالتجرِبة ودقَّة الملاحظة، تلك التي يقوم عليها المنهج التجريبي، فيقول: “ومِلاكُ كمال هذه الصنعة العملُ والتجرِبة؛ فمَن لم يعمل ولم يُجَرِّب لم يظفر بشيء أبدًا .

يقول ديورانت: “يكاد المسلمون يكونون هم الذين ابتدعوا الكيمياء بوصفها علمًا من العلوم؛ ذلك أن المسلمين أدخلوا الملاحظة الدقيقة، والتجارب العلمية، والعناية برصد نتائجها في الميدان الذي اقتصر فيه اليونان -على ما نعلم- على الخبرة الصناعية والفروض الغامضة؛ فقد اخترعوا الإنبيق وسمَّوه بهذا الاسم، وحللوا عددًا لا يُحصى من المواد تحليلاً كيميائيًّا، ووضعوا مؤلفات في الحجارة، وميزوا بين القلويات والأحماض، وفحصوا عن المواد التي تميل إليها، ودرسوا مئات من العقاقير الطبية، وركّبوا مئات منها.

وكان علم تحوُّل المعادن إلى ذهب، الذي أخذه المسلمون من مصر هو الذي أوصلهم إلى علم الكيمياء الحق، عن طريق مئات الكشوف التي يبينوها مصادفة، وبفضل الطريقة التي جروا عليها في اشتغالهم بهذا العلم، وهي أكثر طرق العصور الوسطى انطباقًا على الوسائل العلميَّة الصحيحة”, بَدْء ظهور علم الكيمياء يمثله ظهور خالد بن يزيد الذي تتلمذ للراهب الرومي مريانوس وتعلَّم منه صنعة الطبِّ والكيمياء، والذي انتقلت معه الكيمياء من طور البدايات المترجمة عن اليونانيَّة إلى طور الإنجازات العينيَّة والاكتشافات الواضحة.

أبرز علماء الكيمياء المسلمين

جابر بن حيان

يعد جابر مؤسِّس العلم بلا جدال كما ذكرنا من قبل وأشهر علماء المسلمين فيه، وقد ألف كتبًا كثيرة تُرجم الكثير منها إلى اللاتينيَّة، وظلَّت المرجع الأوفى للكيمياء زُهاء ألف عام، وقد اشتملت على كثير من المركَّبات الكيميائية التي لم تكن معروفة من قبل، وهو الأمر الذي جعل مؤلَّفاته موضع دراسة مشاهير علماء الغرب، أمثال: كوب، وبرثولية، وكراوس، وهولميارد الذي أنصفه ووضعه في القمَّة، وبدَّد الشكوك التي أثارها حوله العلماء المغرضون، وكذا سارتون الذي أرَّخ به لحِقبة من الزمن في تاريخ الحضارة الإسلاميَّة.

الرازي

أما الرازي (ت 311هـ/ 923م) فقد تتلمذ على كتب جابر فساهم هو الآخر بصورة عظيمة في تأسيس علم الكيمياء، وقد دوَّن ذلك في مقدِّمة كتابه (سر الأسرار) فقال: “وشرحنا في هذا الكتاب ما سطرته القدماء من الفلاسفة مثل: أغاثا ديموس، وهرمس، وأرسطوطاليس، وخالد بن يزيد بن معاوية، وأستاذنا جابر بن حيان، بل وفيه أبواب لم يُرَ مثلها، وكتابي هذا مشتمل على معرفة معادن ثلاثة: معرفة العقاقير، ومعرفة الآلات، ومعرفة التدابير (التجارِب)”.

 

اختراعات المسلمين في الكيمياء

وبصفة عامَّة فقد كشف علماء المسلمين أهمَّ أُسُس الكيمياء وأسرارها، وكان من أهمِّ اختراعاتهم فيها ماء الفضة (حامض النيتريك)، وزيت الزاج (حامض الكبريتيك)، وماء الذهب (حامض النيترو هيدرو كلوريك)، وحجر جهنم (نترات الفضة)، والسليماني (كلوريد الزئبق)، والراسب الأحمر (أكسيد الزئبق)، وملح البارود (كربونات البوتاسيوم)، وكربونات الصوديوم، والزاج الأخضر (كبريتيد الحديد)، واكتشفوا: الكحول، والبوتاس، وروح النشادر، والزرنيخ، والإثمد، والقلويات التي دخلت إلى اللغات الأوربية باسمها العربي .

وهم الذين استخدموا ذلك العلم في المعالجات الطبيَّة وصُنْعِ العقاقير، فكانوا أوَّل من نشر تركيب الأدوية والمستحضرات المعدنيَّة وتنقية المعادن، وغير ذلك من المركَّبات والمكتشفات التي تقوم عليها كثير من الصناعات الحديثة؛ مثل: الصابون، والورق، والحرير، والأصباغ، والمفرقعات، ودبغ الجلود، واستخراج الروائح العطريَّة، وصنع الفولاذ، وصقل المعادن، وغيرها. وقد اعتمدوا في تجاربهم على عِدَّة آلات ووسائل كيميائية، مثل: الإنبيق، والميزان الذي كان مهمًّا للغاية؛ حتى يحدِّدوا النِّسَبَ بين الموادِّ والعَلاقات الوزنيَّة.

هكذا كان للحضارة الإسلامية وعلمائها الريادة في اكتشاف علم < الكيمياء وتطويره والاستفادة منه, فكان الأساس الذي ارتكز عليه علماء الغرب فيما وصلوا إليه الآن في هذا العلم.

                                 ……….

 

علم الفيزياء في الأسلام

 

أهم إنجازات المسلمين في الفيزياء
إذا كانت العلوم الطبيعية عند العلماء المسلمين في بدئها قد قامت على مؤلفات اليونان، تلك التي استندوا فيها على الفلسفة المجردة في محاولاتهم فهم الطبيعة، ودون أن يكون للتجربة دور يذكر في تلك المحاولات، فإن العلماء المسلمين ما لبثوا أن طوروا هذا الأساس وجعلوا علم الفيزياء علما يستند إلى التجربة والاستقراء، عوضا عن الاعتماد على الفلسفة أو التأملات والأفكار المجردة.

فقد اهتم العلماء المسلمون بعلم الصوت وبحثوا في منشئه وكيفية انتقاله، فكانوا أول من عرف أن الأصوات تنشأ عن حركة الأجسام المحدثة لها وانتقالها في الهواء على هيئة موجات تنتشر على شكل كروي، وهم أول من قسم الأصوات إلى أنواع، وعللوا سبب اختلافها عن الحيوانات باختلاف طول أعناقها وسعة حلاقيمها وتركيب حناجرها. وكانوا أول من علل الصدى وقالوا إنه يحدث عن انعكاس الهواء المتموج من مصادقة عالٍ كجبل أو حائط، ويمكن أن لا يقع الحس بالانعكاس لقرب المساحة فلا يحس بتفاوت زماني الصوت وانعكاسه .

وفي علم السوائل فقد ألّّف العلماء المسلمون فصولاً متخصصة وأحيانًا متناثرة وكيفية حساب الوزن النوعي لها؛ إذ ابتدعوا طرقًا عديدة لاستخراجه، وتوصلوا إلى معرفة كثافة بعض العناصر، وكان حسابهم دقيقًا مطابقًا – أحيانًا – لما هو عليه الآن أو مختلفاً عنه بفارق يسير، وكانت بحوثهم في الجاذبية مبتكرة، وتوصل بعضهم مثل البوزجاني إلى أن هناك شيئًا من الخلل في حركة القمر يعود إلى الجاذبية وخواص الجذب، وقد كانت هذه الدراسات على بساطتها ممهدة لمن أتى بعدهم ليكتشف قانون الجاذبية ويضع أبحاثها في إطار أكثر علمية.

كما بحثوا في الضغط الجوي؛ ويبدو ذلك فيما قام به الخازن في ميزان الحكمة، كما أن للمسلمين بحوثًا شيقة في الروافع، وقد تقدموا في هذا الشأن كثيرًا، وكانت لديهم آلات كثيرة للرفع كلها مبنية على قواعد ميكانيكية تيسر عملية جر الأثقال، كما استخدموا موازين دقيقة جداً، وكان الخطأ في الوزن لا يعدو أربعة أجزاء من ألف جزء من الجرام، وكتبوا في الأنابيب الشّعريَّة ومبادئها، وتعليل ارتفاع الموائع وانخفاضها مما قادهم إلى البحث في التوتر السطحي وأسبابه، وهم الذين اخترعوا كثيرًا من الأدوات الدقيقة لحساب الزمن والاتجاه والكثافة والثقل النوعي.

كما بحث المسلمون في كيفية حدوث قوس قزح وسرعة الضوء والصوت، وعرفوا أيضًا المغناطيس واستفادوا منه في إبحارهم، ومن المحتمل أن بعض العلماء قد أجرى التجارب البدائية في المغناطيسية.
وبالجملة كانت المعلومات عن الميكانيكا والبصريات والضوء والصوت وخلافها من مباحث علم الطبيعة، مبعثرة لا رابط بينها، وكانت تُبحث قبلهم من منظور يستند إلى المنهج العقلي والبحث الفلسفي، وكان المغلوط فيها أكثر من الصواب؛ فاستنتج العلماء المسلمون نظريات جديدة وبحوثًا مبتكرة لبعض المسائل الفيزيائية التي طرحها اليونان من جانب نظري بحت.

، فتوصلوا من خلال بحثهم إلى بعض القوانين المائية، وكانت لهم آراء في الجاذبية الأرضية، والمرايا المحرقة وخواص المرايا المقعّرة، والثقل النوعي، وانكسار الضوء وانعكاسه وعلم الروافع .
يقول كاجوري في كتابه “تاريخ الفيزياء”: إن علماء العرب والمسلمين هم أول من بدأ ودافع بكل جدارة عن المنهج التجريبي، فهذا المنهج يعد مفخرة من مفاخرهم، فهم أول من أدرك فائدته وأهميته للعلوم الطبيعية..“.

 

علم الحساب والجبر في الأسلام

 

علم الحساب هو علم بقواعد تعرف بها طرق استخراج المجهولات العددية من المعلومات العددية المخصوصة من الجمع والتفريق والتضعيف والضرب والقسمة. والمراد بالاستخراج معرفة كمياتها.
وهو ضروري لضبط المعاملات وحفظ الأموال وقضاء الديون وقسمة المواريث والتركات.

 وهو فرع من علم الرياضيات وجاء اسمه من كتاب عالم الرياضيات والفلك والرحالة الخوارزمي وكتابه (الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة) الذي قدم العمليات الجبرية التي تنظم إيجاد حلول للمعادلات الخطية والتربيعية.

والجبر هو مفهوم أوسع وأشمل من الحساب أو الجبر الابتدائي. فهو لا يتعامل مع الأرقام فحسب، بل يصيغ التعاملات مع الرموز والمتغيرات والفئات كذلك. ويصيغ الجبر البديهيات والعلاقات التي بواسطتها يمكن تمثيل أي ظاهرة في الكون. ولذا يعتبر من الأساسيات المنظمة لطرق البرهان.

علم الحساب علم سابق على ظهور الإسلام، بل هو علم موغل في القدم، حيث إن لفافات البردي ـ التي كشفت كيف كان المصريون القدماء يجرون عمليات الحساب ـ ترجع إلى ما قبل الميلاد بحوالي ألفي عام، كذلك عرف البابليون والإغريق والهنود المتواليات الحسابية وغيرها مما يتعلق بعلم الحساب. وتدل المخطوطات على أن الموروث الحسابي الذي تناوله المسلمون ممن سبقهم قبل عهد الترجمة كان مكون من نظامين : أحدهما سماه العرب حساب المنجمين، لأن استعماله كان يقتصر على الفلكيين، وحساب الدرج والدقائق.
أما الآخر: فقد كان اسمه علم الحساب بدون تمييز. ولكن حيث يلزم التمييز يسمونه حساب اليد، أو الحساب الهوائي، أو حساب العقود

 

        حساب الروم والعرب.

بداية النهضة الإسلامية في الجبر
 من أهم انجازات العرب إدخال الصفر في الترقيم، واستعماله في المنازل الخالية من الأرقام التي كانت سائدة في الحساب الهندي، ويعد هذا النظام من المخترعات الأساسية ذات الفوائد العظيمة التي توصل إليها العقل العربي، حيث لم تنحصر مزاياه في تسهيل الترقيم وحده، بل تعدته إلى تسهيل جميع أعمال الحساب، ولولا الصفر لما استطعنا أن نحل كثيراً من المعادلات الرياضية من مختلف الدرجات بالسهولة التي نحلها بها الآن..

ثم تطورت الرياضيات على يد العرب بعد ذلك فاخترعوا الكسور العشرية والحساب الهوائي، كما يرعوا في علوم الهندسة وحساب المثلثات بعد ذلك.
اهتمام المسلمين بعلم الحساب والجبر:
وجّه القرآن الكريم نظر الإنسان إلى العدّ والحساب في آيات كثيرة، فلقد وجه الله سبحانه وتعالى الإنسان إلى العد على أنه حقيقة واقعة في حياة الإنسان فيقول تعالى: [وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ] {الحج: 47} .

ويوجه الإنسان إلى عناصر الزمن التي بحسابها يصل إلى الساعات والأيام والشهور ثم السنين… فيقول تعالى: [هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ] {يونس:5} ويقول أيضا: [وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ] {الإسراء: 12} والله عز وجل أحصى كل شيء وعدَّه بعلمه وقدرته، قال تعالى: [إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدً. لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّ. وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا] {مريم: 93 – 95} .

وهناك إشارات كثيرة في القرآن للحساب والعد ومنها على سبيل المثال لا الحصر قوله سبحانه تعالى: [وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ] {الأنبياء:47} وبقوله تعالى: [وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ] {الإسراء:12} وقوله تعالى: [فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ { المؤمنون:113.

و لقد اشتغل العرب بالجبر و ألفوا فيه بصورة علمية منظمة ، حتى أن الكثير من علماء الغرب قالوا : 1) إن العقل ليدهش عندما يرى ما عمله العرب في الجبر .. و من أشهر مؤلفاتهم كتاب ( الجبر و المقابلة ) لمحمد بن موسى الخوارزمي.

وقد قسم العرب المعادلات إلى ستة أقسام و وضعوا حلولا لكل منها ، و استعملوا الرموز في الأعمال الرياضية و بحثوا في نظرية ذات الحدين ، و أوجدوا قانونا لإيجاد مجموع الأعداد الطبيعية ، و عنوا بالجذور الصماء و مهدوا لاكتشاف اللوغاريتمات .

ويعتبر الخوارزمي أبو عبد الله محمد بن موسى هو مؤسس علم الجبر وأول من استعمل لفظ الجبر ووضع أصوله و قوانينه هو ولد عام 232 هـ وكتابه في الجبر بعنوان ( المختصر في حساب الجبر والمقابلة).

والخوارزمي هو أول من أضاف العدد صفر إلى مجموعة الأعداد 1 ,2 ,3 ,وهو أوّل من استخدم الجذر ألتربيعي .

أول من اخترع النسب المثلثية هو أبو جابر ألبتاني محمد بن سنان الحراني القرن التاسع الميلادي. أول من أدخل علامة الكسر العشري وأوّل من حوّل الكسور العاديّة إلى كسور عشريّة في علم الحساب وأول من أعطي قيمة صحيحة للنسبة التقريبية هو جمشيد بن محمود بن مسعود الملقب بغياث الدين جمشيد الكاشى ولد بمدينة كاشان ولذلك يعرف بالكاشي في القرن التاسع الهجري. وأول من بيّن طريقة إيجاد الجذر التكعيبي هو أبو الحسن علي بن أحمد النسوي.

أوّل من استعمل الرموز أو المجاهيل في علم الرياضيات هم العرب المسلمون ، فاستعملوا (س) للمجهول الأول ، و (ص) للثاني و (ج) للمعادلات للجذر .. وهكذا.
وأوّل رسالة عن علم الرياضيات طبعت في أوروبا كانت مأخوذة من جداول العالم المسلم أبي عبد الله البتاني ،وقد طبعت هذه الرسالة الأولى عام 1493م في اليونان.

ومن التأثيرات الواضحة لمجهودات المسلمين في الجبر تعديلات “الطوسي” على “إقليدس” حيث اكتشف أن هناك نقصاً في بحوث إقليدس فيما يخص قضية المتوازيات؛ فعدل هذا النقص وكمله في كتابه “تحرير أصول إقليدس” وفي “الرسالة الشافية للطوسي” وهما العملان اللذان كان لهما بالغ الأثر في تقدم بعض النظريات الهندسية، وقد نشر “جون واليس” هذه البحوث باللاتينية عام 1651م.

ومن الإشارات العلمية على فضل حضارة المسلمين على الغرب في مجال الحساب أن “أديلار الباثي” قام بترجمة كتاب الخوارزمي في الحساب تحت عنوان Algoroitmi donameroindoram وظل الحساب يُعرَف في أوروبا باسم (الغوريتمي) وهو تحوير لاسم الخوارزمي.

لم يأخذ المسلمون ما تركه الأقدمون من قواعد علم الحساب واكتفوا به، بل قاموا كعادتهم – وكما يأمرهم الإسلام – بالاجتهاد في تطوير هذا العلم؛ ومن ثَمَّ نشأت وتطورت تلك العلوم الرياضية.

 

علم الاحصاء في الأسلام

 

وقد طبق المسلمون في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الإحصاء عن طريق تأسيس الدواوين حيث يتم فيها تدوين المعلومات عن الجند، ودخول بيت المال، وغيرها من البيانات اللازمة للتموين وتجهيز الجيوش… وهذه الطريقة لا تزال تستخدم في كثير من الأمور الإحصائية الحديثة وهي بداية الإحصاء. كذلك استخدم الخليفة أبو جعفر المنصور وسائل متطورة وعديدة لتسليح وتموين الجند إضافة إلى تبويب مدخولات بيت المال والمصروفات، والأبواب الأخرى المتعلقة بإدارة الدولة.

ولعلَّ القاعدة القرآنية العظيمة في قوله تعالى: “وكذلك جعلنكم أمة وسطا” هي التي سار عليها المسلمون، وانتهجوها خطًّا في سياساتهم الحسابية، ومعاني الوسطية في اللغة الاعتدال والاتزان والتوازن والعدل ووسطية المكان، ومن هنا يتبين لنا المفهوم الإحصائي الأساسي الذي أسَّسه القرآن ألا وهو الوسط الحسابي والمعدل… أما الإحصاء التطبيقي فقد أسهم فيه المسلمون عن طريق التوفير للمنحنى المفترض عن البيانات المعلومة وهذا المفهوم العلمي الرياضي لا يزال الأساس في علم الإحصاء لإيجاد أفضل المعادلات لقياس واقعية تجربة أجريت من قبل الباحثين في حقول المعرفة المختلفة.

وما طريقة عمر الخيام لحل المعادلات التكعيبية ذات المجهول الواحد عن طريق ما يسمى (بحساب الخطأين) عند المسلمين وما يسمى حديثا بطريقة (False Regular) في التحليلات العددية الحديثة إلا خير دليل على أن المسلمين اتبعوا خطوات هندسية حديثة ومتطورة، وسبقوا زمنهم في هذا المجال.

                                      …….

علم الطب في الأسلام

 

حظي علم الطب باهتمام بالغ من المسلمين في ظل الحضارة الإسلامية، ولقي تشجيعا كبيرا وعناية واسعة من خلفاء المسلمين وسلاطينهم على مر العصور الإسلامية. وتجلى ذلك في الاهتمام الكبير بهذا العلم تعليما وتعلما وتطوير هذا العلم بمدارسه وفروعه وتشجيع المنتمين له.

وقد برع المسلمون في الانفتاح على مآثر الطب عند الأمم السابقة، وبخاصة الطب اليوناني، وعملوا على نقل مجموعات كبيرة من المؤلفات الطبية اليونانية إلى اللغة العربية في مختلف فروع العلم. ولم يقفوا عند هذا الحد، بل أضافوا إليها الكثير من بحوثهم وابتكاراتهم وتجاربهم الشخصية، فكثرت شروحاتهم لها من واقع مشاهداتهم .

وازدادت عناية المسلمين بهذا العلم حتى بلغ درجة عالية من التطور وسار به العلماء شوطا كبيرا، فوضعوا له أصولا ومناهج نظرية، وألفوا فيه كتبا كثيرة في مختلف التخصصات الطبية بجانب التجارب العملية التي كانت تجرى في المستشفيات حيث كان طلبة الطب يمرون على المرضى مع أساتذتهم ويطبقون ما درسوه نظريا بما يشاهدونه واقعا، مما كان له الأثر الواضح في تطور العملية التعليمية للطب عند المسلمين. وقد أدى ذلك بدوره إلى إنتاج كم هائل من الآثار والدراسات الطبية المبتكرة التي كان لها الأثر الواسع في إثراء الدراسات الطبية وارتقائها حتى بلغ المسلمون بهذا العلم موقع الريادة بين الأمم، وكان لهم الفضل الكبير في تقدم الإنسانية في هذا العلم.

وكان من مظاهر تشجيع المسلمين لهذا العلم ذلك الاهتمام الكبير بإنشاء دور التعليم التي تعنى بتدريس العلوم الطبية، وفي اختيار الأطباء المبرزين للتدريس في هذه المراكز والإشراف عليها حيث تعددت تلك المراكز وتنوعت. فدرس علم الطب في المساجد ومنازل العلماء وفى المجالس الطبية عامة والبيمارستانات. وفوق هذا كله، تميزت الحضارة الإسلامية بظهور مدارس أنشئت خصيصا لتدريس هذا العلم، لم يكن لها غرض آخر غير تدريس الطب يشرف عليها أساتذة متخصصون ويدرس فيها رؤساء الطب المتميزون ويطبق فيها نظام تعليمي دقيق، مما كان له الأثر الواضح في تطور الدراسات الطبية وارتقائها.

وبتعدد تلك المراكز الطبية وتنوعها عند المسلمين اشتهر فيها عدد كبير من الأطباء المتميزين الذين تركوا تراثا طبيا رائعا ودراسات رائدة أثرت هذا العلم بصورة كبيرة. ليس هذا فحسب، بل إن من هؤلاء الأطباء من بلغ بروزه في هذا العلم درجة جعلته مقصد طلبة العلم في كل موقع سواء بالحضور إليه أو بدراسة آثاره ومؤلفاته بلغاتها العربية أو ترجمتها إلى لغات أخرى، الأمر الذي أكد فضل علماء المسلمين في تطور الطب الحديث وأثرهم على غيرهم من الأمم في معرفة هذا العلم والارتقاء به، وهو أمر واضح وجلي لمعظم المشتغلين في حقل الطب وتاريخه في مختلف دول العالم.

ورغم وجود ما يعرف بالطب النبوي إلا أن المسلمين لم يقفوا عند حدود ذلك الطب النبوي (مع إيمانهم بنفعه وبركته).. بل أدركوا مبكرًا أن العلوم الدنيوية – والطب أحدها – تحتاج إلى دوام البحث والنظر، والوقوف على ما عند الأمم الأخرى منها.. تطبيقًا لهدي الإسلام الدافع دومًا للاستزادة من كل ما هو نافع، والبحث عن العلم في أي مكان فنرى أطباء المسلمين يأخذون في التعرف على الطب اليوناني من خلال البلاد الإسلامية المفتوحة، وبدأ الخلفاء يستقدمون الأطباء الروم، الذين سرعان ما أخذ عنهم الأطباء المسلمون، ونشطوا في ترجمة كل ما وقع تحت أيديهم من مؤلفات طبية، ولعل هذا يعتبر أعظم ما حدث في العصر الأموي.

وقد تميز علماء الطب المسلمون بأنهم أول من عرف التخصص؛ فكان منهم: أطباء العيون، ويسمَّون (الكحالين)، ومنهم الجراحون، والفاصدون (الحجامون)، ومنهم المختصون فى أمراض النساء.

 وكان من سمات هذا العصر (العصر الاموى) إنشاء المستشفيات النظامية، وبروز الشخصيات الإسلامية في ميدان علم الطب، وكانت عائلة أبي الحكم الدمشقي المسيطرة على هذه المهنة في العصر الأموي، وكان من هذه الشخصيات أيضا: تياذوق، وقد كان قريبًا من الحجاج بن يوسف الثقفي، وأحمد بن إبراهيم الذي كان طبيب الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك.

وما كادت عجلة الأيام تدور في العصر العباسي حتى أجاد المسلمون في كل فرع من فروع الطب، وصححوا ما كان من أخطاء العلماء السابقين تجاه نظريات بعينها، ولم يقفوا عند حد النقل والترجمة فقط, وإنما واصلوا البحث وصوّبوا أخطاء السابقين.. ومن ذلك ما كان من أبي بكر الرازي (ت 313 هـ) والذي يُعد مبتكر خيوط الجراحة المعروفة بالقصاب، كما أنه أول من صنع مراهم الزئبق، وقدم شرحا مفصلاً لأمراض الأطفال, والنساء والولادة, والأمراض التناسلية, وجراحة العيون وأمراضها.

وكان من رواد البحث التجريبي في العلوم الطبية، وقد قام بنفسه ببعض التجارب على الحيوانات كالقرود؛ فكان يعطيها الدواء، ويلاحظ تأثيره فيها، فإذا نجح طبقه على الإنسان.. ويعد الرازى أول من قرر أن المرض قد يكون وراثيًا.

وهو أول من استطاع أن يفرّق بين النزيف الشرياني والنزيف الوريدي، واستعمل الضغط بالأصابع وبالرباط في حالة النزيف الشرياني.. وكان أول من وصف عملية استخراج الماء من العيون، ونصح بأن تُبنى المستشفيات بعيدًا عن أماكن تعفُّن المواد العضوية.

ويعتبر الرازي سباقًا في تشخيصه للجدري والحصبة، وقد وضع لذلك كتابه الشهير (الجدري والحصبة)، وفيه وصف دقيق لأعراض هذين المرضين، وما يصحبهما من ارتفاع في درجة الحرارة.. وكان بارعًا في التمييز بينهما، معتبرًا (الحمى) ظاهرة عرضية تنشأ أسبابها من حالات مرضية كثيرة، فهي ظاهرة أو عرَض, وليست علة بذاتها، فإذا ما عولج الداء الذي تصحبه الحرارة علاجًا شافيًا انتفت أسباب تلك الحمى.

كما تطور عند المسلمين طب العيون (الكحالة), وكانوا سباقين فيه فيه أحد؛ فلا اليونان من قبلهم، ولا الللاتين المعاصرون لهم, ولا الذين أتوا من بعدهم بقرون بلغوا فيه شأوهم؛ فقد كانت مؤلفاتهم فيه الحجة الأولى خلال قرون طوال، ولا عجب أن كثيرين من المؤلفين كادوا يعتبرون طب العيون طبًا عربيًا، ويقرر المؤرخون أن علي بن عيسى الكحال (ت 400 هـ) كان أعظم طبيب عيون في القرون الوسطى برمتها.. ومؤلفه (التذكرة) أعظم مؤلفاته.

عملاق آخر يعتبر من أعظم الجراحين في التاريخ إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق وهو أبو القاسم الزهراوي (ت 403 هـ) الذي تمكن من اختراع أولى أدوات الجراحة كالمشرط والمقص الجراحي، كما وضع الأسس والقوانين للجراحة.. والتي من أهمها علم ربط الأوعية لمنع نزفها، واخترع خيوط الجراحة, وتمكن من إيقاف النزف بالتخثير.

وقد كان الزهراوي هو الواضع الأول لعلم المناظير الجراحية وذلك باختراعه واستخدامه للمحاقن والمبازل الجراحية والتي عليها يقوم هذا العلم, وقام بالفعل بتفتيت حصوة المثانة بما يشبه المنظار في الوقت الحاضر.. إلى جانب أنه أول مخترع ومستخدم لمنظار المهبل.

ويعتبر كتاب الزهراوي: (التصريف لمن عجز عن التأليف) – والذي قام بترجمته إلى اللاتينية العالم الإيطالي جيراردو تحت اسم ALTASRIF ) ) – موسوعة طبية متكاملة لمؤسسي علم الجراحة بأوروبا, وهذا باعترافهم (تتألف هذه الموسوعة من30 مجلدًا مقسمة إلى 3 أقسام: الأول في (الطب)، والثاني في (الكيمياء)، والثالث في (الجراحة والأدوات الجراحية).. ويذهب مؤرخو الطب إلى أن الزهرواي كان أول من خص الجراحة بدراسة متميزة وفصلها عن سائر الأمراض التي تعتري جسم الإنسان.

يقول عالم وظائف الأعضاء الكبير هالر: “إن جميع الجراحين الأوروبيين الذين ظهروا بعد القرن الرابع عشر قد استمدوا علمهم ومعرفتهم من هذا العالم الاسلامى الكبير.

وظل المسلمون من بعده رواداً في الجراحة حتى القرن الخامس الهجري، واستعرب تلامذة أوروبا ليتعلموا على يديه ويعودوا لبلادهم بما تعلموه؛ مما بيّن أهمية علم الجراحة وأهمية فصله عن الطب الباطني.

برزت كذلك شخصيات إسلامية أخرى لامعة في ميدان علم الطب من أمثال ابن سينا (ت 428 هـ) الذي استطاع أن يقدم للإنسانية أعظم الخدمات بما توصل إليه من اكتشافات، وما يسره الله له من فتوحات طبية جليلة؛ فقد كان أول من اكتشف العديد من الأمراض التي ما زالت منتشرة حتى الآن، لقد اكتشف لأول مرة طفيل (الإنكلستوما), وسماها الدودة المستديرة، وهو بذلك قد سبق العالِم الإيطالي “دوبيني” بنحو 900 سنة.

كما أنه أول من وصف الالتهاب السحائي، وأول من فرّق بين الشلل الناجم عن سبب داخلي في الدماغ والشلل الناتج عن سبب خارجي، ووصف السكتة الدماغية الناتجة عن كثرة الدم، مخالفًا بذلك ما استقر عليه أساطين الطب اليوناني القديم. فضلا عن أنه أول من فرق بين المغص المعوي والمغص الكلوى.

كما كشف ابن سينا – لأول مرة أيضًا – طرق العدوى لبعض الأمراض المعدية كالجدري والحصبة، وذكر أنها تنتقل عن طريق بعض الكائنات الحية الدقيقة في الماء والجو. ويُظهر ابن سينا براعة كبيرة ومقدرة فائقة في علم الجراحة؛ فقد ذكر عدة طرق لإيقاف النزيف، كما تحدث عن كيفية التعامل مع السِّهام واستخراجها من الجروح. ويعتبر ابن سينا أول من اكتشف ووصف عضلات العين الداخلية، وأول من قال بأن مركز البصر ليس في الجسم البلوري كما كان يُعتقد من قبل، وإنما هو في العصب البصري.

كان ابن سينا على دراية واسعة بطب الأسنان, وكان واضحًا دقيقًا في تحديده للغاية والهدف من مداواة نخور الأسنان حين قال: “الغرض من علاج التآكل منع الزيادة على ما تآكل؛ وذلك بتنقية الجوهر الفاسد منه، وتحليل المادة المؤدية إلى ذلك.

حفل سجل الأمجاد الحضارية الإسلامية بالعشرات بل المئات من الرواد الذين تتلمذت عليهم البشرية قرونًا طويلة, وشهد بفضلهم وسبْقهم الأعداء قبل الأصدقاء.. منهم ابن النفيس (ت 687 هـ) الذي عارض نظرية جالينوس الذي كان يقول بوجود ثقب بين بطيني القلب الأيمن والأيسر، فصحح ابن النفيس هذا الخطأ, ومنه اكتشف الدورة الدموية الصغرى، وقدم لها وصفًا دقيقًا لم يُسبقه إليها أحد.

وقد لقيت المؤلفات الطبية الإسلامية اهتماما كبيرا من الأوربيين وترجمت إلى مختلف اللغات الأوربية. واستمرت تلك المؤلفات قرونا عدة كانت خلالها هي المصادر الأساسية التي يعتمد عليها الأوربيون في تعلم الطب سواء بأصولها العربية أو بترجماتها. يقول رونلد كامبل في كتابه “الطب العربي”: “لقد بقيت جامعات أوربا تستند تماما على إسهامات علماء العرب في الطب، بل إن مقرراتهم في كليات الطب بقيت تستعمل “القانون” لابن سينا و”الحاوي” للرازي وغيرهما حتى نهاية القرن السادس عشر الميلادي .

كما طغى تأثير أطباء المسلمين على العالم الغربي عبر القرون اللاحقة، وبالأخص خلال الفترة من القرن الخامس إلى الثامن الهجري (الموافق الحادي عشر إلى الرابع عشر الميلادي). فقد بقي علماء أوربا يتعلمون في مدارس وجامعات الأمة الإسلامية في الأندلس وصقلية وغيرها، حتى تمكنوا من اللغة العربية. ثم قاموا بترجمة علوم المسلمين في الطب وغيره.

ومما لا يقبل الشك أن تأثير علماء العرب والمسلمين في الطب على أطباء أوربا خلال القرن الحادي عشر الميلادي إلى القرن الرابع عشر الميلادي، لا يحتاج إلى برهان. والجدير بالذكر أن كثيرا من المنصفين من علماء أوربا الغربية، يعترفون بما قدمه علماء العرب والمسلمين في العلوم، كما أن النظريات والأفكار الطبية صارت تدرس في جميع أنحاء المعمورة.ويؤكد العلماء الغربيين أن جامعات المسلمين كانت مفتوحة للطلبة الأوربيين الذين نزحوا إليها من بلادهم لطلب العلم، وكان ملوك أوربا وأمراؤها يفدون على بلاد المسلمين ليعالجوا فيها. وأول مدرسة أنشئت للطب في أوربا هي المدرسة التي أسسها العرب في “باليرم” من إيطاليا.

 

علم الصيدلة في الأسلام

 

بلغ المسلمون من المدنيَّة والتقدُّم والحضارة درجة عظيمة لم يبلغها شعب من شعوب الأرض في مثل هذه الفترة القصيرة، كما امتدَّت حضارتهم عدَّة قرون وأضاءت كل أرجاء المعمورة، ومن مظاهر هذه الحضارة إسهاماتهم في علم الصيدلة، ذلك العلم الذي يُعَدُّ ابتكارًا من ابتكارات المسلمين.

ولقد اعترف كثير من علماء الغرب بالمكانة المرموقة التي وصل إليها المسلمون في علم الصيدلة، فهم أوَّل مَنْ أسَّس لعلم الصيدلة بمفهومه الحديث؛ حيث تقول الموسوعة البريطانية عن ذلك: “والحقُّ أن كثيرًا من أسماء الأدوية وكثيرًا من مركَّبَاتها المعروفة حتَّى يومنا هذا، وفي الحقيقة المبنى العامّ للصيدلة الحديثة – فيما عدا التعديلات الكيماوية الحديثة بطبيعة الحال – قد بدأه العربُ” .

وعندما نستعرض إسهامات المسلمين في علم الصيدلة نجد أن هناك قائمة كبيرة تحوي عشرات الصيادلة المسلمين، الذين كان لهم دورٌ فعَّال في تطوير وتحديث علم الصيدلة؛ القائم على الملاحظة والتجريب والتحديث، والبحث عن كل جديد من خلال الأسفار المتعدِّدة في البلدان القريبة والبعيدة، فتوصَّلُوا إلى نباتات وأعشاب جديدة أثبتت التجارِبُ أن لها دورًا مميَّزًا في علاج الأمراض الصعبة، والأمراض التي لم يكن لها أدوية من قبل.

فمن علماء الصيدلة المسلمين الذين ذاع صيتهم، وانتشرت مؤلَّفاتهم (علي بن العباس المجوسي) المتوفى سنة 384هـ، وقد كان ابن العباس المجوسي من أشهر الأطباء والصيادلة المسلمين في القرن الرابع الهجري، قال عنه القفطي: “طبيب فاضل كامل” . ومن أشهر كتبه كتاب (الملكي) المعروف بـ(كامل الصناعة الطبية)، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات المهمَّة في العلوم الطبية والدوائية؛ حيث قسم الكتاب إلى جزأين يشتمل الأول على عشر مقالات؛ الأولى في الأمزجة والطبائع والأخلاط، والثانية والثالثة في التشريح، ولقد كانتا المرجع الرئيسي لعلم التشريح في بإيطاليا وفي غيرها في البلاد ما بين عامي (1070-1170م) .

أمَّا الجزء الثاني فمقصور على المداواة وطرق العلاج والصيدلة؛ حيث تختصُّ إحدى مقالاته بالأدوية المفردة وامتحانها ومنافعها، فيذكر الطُّرُق التي يُسْتَدَلُّ بها على قوَّة الدواء من التجربة على الأبدان والأمراض، وامتحان الدواء من سرعة استحالتها وعُسرها، ومن سرعة جموده وعُسر جموده، ومن طعمه ورائحته ولونه، ومعرفة قوى الأدوية المسكنة للأوجاع، والمُفتِّتَة للحصى، والمُدرَّة للبول، والمُدرَّة للطمث، والمولِّدَة للَّبَنِ، كما تحدَّث عن الأدوية النباتية وأنواعها؛ من حيث الحشائش أو البذور أو الحبوب، ثم الأوراق والأنوار (الأزهار)، ثم الثمار والأدهان.

وقد أثنى فيليب حتِّي على كتاب (الملكي) بقوله: “إنه الكتاب الوحيد الذي نقله الصليبيون إلى اللغة اللاتينية وقد ظلَّ كتابًا مدرسيًّا في الشرق والغرب إلى أن حلَّ محلَّه الكتاب الذي وضعه ابن سينا، وهذا أشبه بموسوعة طبية” .

ثم جاء الزهراوي أبو القاسم خلف بن عباس الأندلسي (ت 404هـ) ليُكمل مسيرة علي بن العباس، فرغم شهرته الواسعة في مجال الجراحة – فهو أوَّل مَنِ استعمل ربط الشرايين لمنع النزف- إلاَّ أن إسهاماته في علم الصيدلية كانت تضاهي إسهاماته في علم الجراحة ولا تَقِلُّ عنها

؛ فقد ألَّف الزهراوي في الأدوية كتابًا أسماه: (مقالة في أعمار العقاقير المفردة والمُركَّبة)، ويرجع عدم تقدير الزهراوي باعتباره صيدليًّا بارعًا إلى أن المؤلفين العرب وغيرهم لم يُعنوا إلاَّ بالجزء الخاصِّ بالجراحة والطِّب الذي ذكره في كتابه: (التصريف لمن عجز عن التأليف).

و أشهر مقالة عن الصيدلة في كتاب (التصريف) تلك المقالة التي تناول فيها كيفية تحضير العقاقير المعدنية والنباتية والحيوانية وتنقيتها.

وقد ذكر الزهراوي أسماء العقاقير بأربع لغات إلى جانب العربية؛ هي: اليونانية والفارسية والسريانية والبربرية، وهو عمل يمكن أن يُطْلَقَ عليه الآن معجم مصطلحات الصيدلة المتعدِّد اللغات، كما أورد أسماء الأدوات والأجهزة الكيميائية والصيدلانية، وبدائل الأدوية المفردة وذكر مصادرها – إن وُجِدَتْ – وأعمار الأدوية المركبة والمفردة – أي تاريخ صلاحية الدواء – وكما فعل مَنْ سبقه أتى في النهاية على ذِكْرِ الأوزان والمكاييل، ورتَّبها ترتيبًا ألف بائيًّا. وكان الزهراوي أوَّل من استخدم الفحم في ترويق شراب العسل البسيط .

كما أسهم ماسويه المارديني (ت406هـ) باسهامات رائدة في علم الصيدلة؛ فقد كان يُلَقَّبُ في الأوساط العلمية الأوربية باسم ماسويه الصغير، ومن أشهر كُتبه كتاب: (المادة الطبية)، وقد بلغت شهرة هذا الكتاب حدًّا كبيرًا؛ جعلته أقدم دستور للأدوية في العالم، ولقد كان كتاب (المادَّة الطبية) عاملاً أساسيًّا في ظهور الأدوية عند الغرب، كما كان الأستاذ في الصيدلة في أوربا.

وبقي هذا الكتاب محافِظًا علي قيمته العلمية وعلى أثره الكبير في الطبِّ والصيدلة في أوربا إلى أمد بعيد وصل إلى نهاية القرن الماضي؛ فمِنْ هذا الكتاب عَرَفَ العالم عامَّة وأوربا خاصَّة معظم الأدوية التي اخترعها الصيادلة العرب بأنفسهم، أو جلبوها من أقطار أخرى للاستعمال في علم المداواة ويقع كتاب (المادة الطبية) لماسويه الأصغر في ثلاثين جزءًا.

ويُعَدُّ ابن وافد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكريم، المولود في طُليطلة (387-467 هـ) من أبرز العلماء المسلمين في الصيدلة؛ فقد كتب ابن وافد العديد من الكتب في مجال الأدوية المفردة، ومن أهمِّهَا كتابه المعنون باللغة اللاتينية: (MINERALIBUS SIMPLICIBUS)، وهو كتاب ذاعت شهرته في الأوساط اللاتينية، ورغم أن الأصل العربي لهذا الكتاب قد فُقد إلاَّ أن ترجمته اللاتينية ما زالت موجودة حتى الآن، وقد كان هذا الكتاب من أهمِّ الكتب التي عرفتها أوربا في القرون الوسطى .

 

 

علم العقاقير عند المسلمين

 

ممَّا تفرَّد به المسلمون في العلوم إسهاماتهم في علم العقاقير، ففي بادئ الأمر كان المسلمون لا يعرفون من الطبِّ إلاَّ الطبَّ التجريبي، فاستعملوا العقاقير وبعض النباتات واستفادوا من خصائصها في معالجة الأمراض والجراح، ومن هنا كان اهتمامهم بالعقاقير، وازداد ذلك بتقدُّمهم في المعرفة والعلم واتِّصَالهم بالفرس والروم والهنود، فانكبُّوا على دراسة الأدوية مفردة كانت أو مركبة، وتعرَّفوا قواها، ووضعوا مواصفاتها، وتحقَّقُوا منها، بل واخترعوا عشرات العقاقير المفردة والمركبة التي لم تكن معروفة لمن قبلهم من اليونانيين الأقدمين.

ولقد كانت دراسة الأدوية ومعرفتها والتأكُّد من صحَّتها وفاعليتها حجر الأساس لدى كل مهتمٍّ بالطبِّ والعلاج والمداواة؛ فلا نجد مؤلَّفًا من مؤلَّفات كبار الأطباء المسلمين وغيرهم إلاَّ أَفْرَدَ فيه للأدوية المفردة والمركبة قسمًا مهمًّا خاصًّا؛ فنجد ابن سينا خصَّص لها الكتاب الثاني والخامس في مؤلَّفِهِ (القانون)، وخصَّص الرازي الجزء العشرين والحادي والعشرين في كتابه (الحاوي)، وابن ربن في كتابه (فردوس الحكمة).

ابن زهر في كتابه (التيسير في المداواة والتدبير)، والذي ذكر كذلك في نهايته وصايا وإرشادات في تركيب الأدوية المركبة واستعمالها، ووصفات من الأدوية المركَّبَة التي أثبتها، وكذلك بيان تحضير الأشربة والمراهم والمعاجين، وابن التلميذ في كتابه (الأقراباذين الكبير)، هذا بالإضافة إلى أن هناك كثيرًا من المؤلَّفات التي خُصِّصَتْ للأدوية فقط مثل كتاب (الجامع للأدوية والأغذية) لابن البيطار، و(الجامع لصفات أشتات النبات) للإدريسي، وكتاب (شرح أسماء العقاقير) لابن ميمون، وكتاب (الأدوية المفردة) للغافقي، وغيرها من الكتب الأخرى .

كما اهتمَّ علماء المسلمين باستخلاص العقاقير المناسبة من النباتات المختلفة في طول البلاد وعرضها، فلم يكن العامل الجغرافي أو القُطري عائقًا أو حاجزًا لهم، لذلك وجدنا الكثيرين منهم يسيحون في طول البلاد وعرضها بحثًا عن الجديد من النباتات، ومن ثم العقاقير الجديدة، ومن هؤلاء العلماء الرُّحَّل أبي جعفر الغافقي صاحب كتاب (الأدوية المفردة) الذي بحث عن كل جديد من النباتات في كل من الأندلس والمغرب العربي، وقد ذكر في هذا الكتاب كل نبات وعقار باسمه العربي والبربري واللاتيني؛ ممَّا يُدلل على اتساع ثقافته في مجال النباتات والصيدلة .

والمدهش والمثير للإعجاب ما كان يفعله بعض هؤلاء العلماء في مصنفاتهم كرشيد الدين الصُّوري (ت 639 هـ)، الذي كان يصطحب معه مصوِّرًا مزوَّدًا بالأصباغ على اختلاف أنواعها، ثم يطوف مَوَاطِن النبات، ويطلب من المصوِّر أن يصوِّر له النبتة في بيئتها بألوانها الطبيعية، وأن يجتهد في محاكاتها، وكان يطلب منه تصوير النبتة في أطوارها المختلفة من أيام إنباتها ونضارتها، وإزهارها وإثمارها وجفافها، فيكون التحقيق أتمَّ والمعرفة أبين، وكان هذا منهجه في كتابه (الأدوية المفردة)، الذي يضمُّ إلى جانب الأدوية أوصاف ورسوم النباتات الملونة في أطوارها المختلفة، وكذلك كتابه (التاج)، وهذا كله يؤكِّد سبق العلماء المسلمين

         واستخدامهم المنهج العلمي التجريبي .

ومع هذا التقدُّم الإسلامي في التداوي بالأغذية والعقاقير المفردة والمركبة، استطاع العلماء المسلمون أن يُضيفوا الكثيرَ من مفردات الأدوية في مادَّتهم الطبية، ولم ينقلوها عمَّن أخذوا عنهم من اليونانيين والنساطرة، فأوردوها في كتبهم مُحلاَّة بأوصافها، وقوَّة مفعولها، ومنافعها وفوائدها في العلاج، ومن ذلك ما ذكره الإدريسي في كتابه (الجامع لصفات أشتات النبات)؛ فقد ذكر كثيرًا من العقاقير لم يذكرها ديسقوريدس أو أغفلها، وقد بلغ ما أحصاه من هذه المفردات حوالي 125 مفردة، أوَرَدَ ذكرها في أربعة عشر حرفًا الأولى من الحروف الأبجدية، وهو الجزء من كتابه الذي أمكن الحصول عليه.

وأمَّا طريقة تحضير الأدوية -مفردة كانت أم مركبة- عند المسلمين فقد كانت على هيئة مستحضرات ذات أشكال مختلفة تتوقَّف على طُرق استعمالها وتعاطيها والغرض منها، كما كانت تُعَدُّ بغرض أن يكون مفعولها محقَّقًا مضمونًا، وفي الوقت نفسه لا تَكْرَهُهَا النفس، بل تقبلها وتستسيغها، مع سهول تعاطيها، وقد ابتدع المسلمون طُرُقًا كثيرة استعملوها في تحضير وتنقية الأدوية والعقاقير؛ منها: التقطير، والترشيح، والتحويل، والتبخير، والتصعيد، والتذويب (الصهر)، والتبلور، والغسل، وأول مَنْ أدخل تغليف الحبوب بالذهب والفضة هو ابن سينا، وأوَّل من حضَّر الأقراص بالكبس في قوالب خاصَّة هو الزَّهراوي.

هكذا كان للمسلمين فضل كبير في الإسهام العلمي النظري والتطبيقي في مجال الصيدلة؛ فقد بذلوا الجهد الكبير في استجلاب العقاقير من الهند وغيرها، وهم الذين أَسَّسُوا علم الصيدلة وطوَّرُوه، وهم أول مَنِ اشتغل في تحضير الأدوية والعقاقير.

 

 

علم الجيولوجيا في الأسلام

 

الجيولوجيا هى علم الأرض أي العلم الذي يبحث في كل شيء يختص بالأرض من حيث تركيبها وكيفية تكوينها والحوادث التي وقعت في نشأتها الأولى وكذلك البحث في حالة عدم الاستقرار والتغير المستمر الذي يحدث للكتلة الصلبة للأرض نتيجة تأثير عمليات وقوى مختلقة سواء كانت هذه القوى من خارج الكتلة الصلبة للأرض مثل (التعرية والتجوية) أو من داخلها (كالزلازل والبراكين) كما يبحث في نتائج التغيير. وكلمة (جيولوجيا) مشتقة من اللغة اليونانية حيث أن geo تعني “أرض”، وlogos تعني “سبب”.

علم الجيولوجيا في القرآن الكريم :
جاء في كثير من آيات القرآن الكريم إشارات واضحة إلى علم طبقات الأرض (الجيولوجيا)، ومن ذلك قول الله تعالى: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَ غَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27]، وقوله تعالى : { وَأَنْزَلْنَا الْـحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد: 25]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} [الأعراف: 10]، وغير ذلك من الآيات الكريمة التي تحدَّثت عن هذا النوع من العلوم، والتي دفعت المسلمين إلى دراسته دراسة مستفيضة.

وقد اتجه علماء المسلمين إلى التأمُّل والاستنتاج والبحث عن الحقيقة بالطريقة العلميَّة الصحيحة، فنجحوا نجاحًا باهرًا في تفسير الظواهر الطبيعيَّة، ودراسة الصخور والجبال والمعادن، واستطاعوا أن يُعَلِّلوا كثيرًا من الظواهر الجيولوجيَّة مثل الزلازل والبراكين، والمدِّ والجزر، وتكوُّن الجبال والوديان، والسيول والأنهار والجداول.

وجدير بالذكر أن الجيولوجيا عند المسلمين ارتبطت بعلوم أخرى كثيرة ساعدت في نموِّها، وكان هذا دَأْب العلماء آنذاك؛ فلم يكن هناك التخصُّص الدقيق، بل كانت هناك المعرفة الموسوعيَّة الشاملة؛ ولذلك فإن أعمال العلماء المسلمين في مجال الجيولوجيا وعلوم الأرض جاءت متفرِّقة ومنتشرة في عدد كبير من المجلدات تحت أسماء مختلفة، فعلى سبيل المثال نجد أن ابن سينا يتناول المعادن والمتيورولوجيا في رسالة المعادن والآثار العلوية في كتابه (الشفاء)، والنويري يتناول الجيولوجيا مع المتيورولوجيا في كتابه (نهاية الأرض)، ويعالج المسعودي في (مروج الذهب) قضايا جيولوجية جنبًا إلى جنب مع قضايا جغرافية.

خطوط الطول وخطوط العرض:

يعدُّ المسلمون أول من وضع خطوط الطول وخطوط العرض على خريطة الكرة الأرضية وضعها العالم أبو علي المراكشي (ت 660هـ – 1262م) وذلك لكي يستدل المسلمون على الساعات المتساوية في بقاع الأرض المختلفة للصلاة.. كما وضع البيروني قاعدة حسابية لتسطيح الكرة أي نقل الخطوط والخرائط من الكرة إلى سطح مسطح وبالعكس. وبهذا سهل رسم الخرائط الجغرافية.

قياس محيط الأرض: و أول من قام بمحاولة قياس أبعاد الكرة الأرضية الخليفة العباسي العالم المأمون (ت: 218هـ- 833م) فقد جاء بفريقين من علماء الفلك والجغرافيا فريق برئاسة “سند بن علي”، وفريق بقيادة “علي بن عيسى الاسطرلابي” واتفق معهما أن يذهبا إلى بقعتين مختلفتين على الدائرة العظمى من محيط الأرض شرقًا وغربًا، ثم يقيسا درجة واحدة من المحيط.. وقد اختار كل فريق بقعة واسعة مسطحة، وركز في مكانٍ منها وتدًا، واتخذ النجم القطبي نقطةً ثابتةً، ثم قاس الزاوية بين الوتر وبين النجم القطبي والأرض، ثم سار شمالاً على مكان زادت فيه تلك الزاوية، وقاس كل فريق المسافة بين الوتدين وكانوا يقيسون المسافات على الأرض بحبال يشدونها على الأوتاد..

والعجيب أن النتائج جاءت دقيقة إلى حدٍّ بعيد؛ فقد توصَّل الفريق إلى أن محيط الأرض يساوي (66 ميلاً عربيًّا) وهو ما يعادل (47.356 كم) لمدار الأرض، وهي نتيجة مقارِبة جدًّا للطول الحقيقي لمدار الأرض والذي عُرِف حديثًا وهو حوالي (40.000 كم) تقريبًا. أي أن نسبة الخطأ في هذا القياس العباسي لم تصل إلى (2%).

ثم جاء “البيروني” فقام بتجربة جديدة على أساس مختلف حيث قام  بقياس الانخفاض الرأسي من (قمم الجبال) في الهند، فجاءت شبيهة بأرقام فلكيي المأمون فأثنى عليهم.

ويقول المستشرق “نللينو” في كتابه (علم الفلك عند العرب) إن قياس العرب للكرة الأرضية هو أول قياس حقيقي أُجري كله مباشرة مع كل ما تقتضيه تلك المسافة الطويلة وهذا الفريق الكبير من العلماء والمساحين العرب فهو يعد من أعمال العرب المأثورة وأمجادهم العلمية.

دوران الأرض حول نفسها:

في الوقت الذي كان العالم لا يتخيل فيه أن الأرض كرة لم يكن هناك من يناقش مسألة دوران الكرة حول نفسها, ولكن ثلاثة من علماء المسلمين كانوا أول من ناقش فكرة دوران الأرض في القرن الثالث عشر الميلادي (السابع الهجري) وهم “علي بن عمر الكاتبي” و”قطب الدين الشيرازي” من الأندلس و”أبو الفرج علي” من سوريا.

فقد كان هؤلاء الثلاثة أول من أشار في التاريخ الإنساني إلى احتمال دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس مرة كل يوم وليلة. ويقول “سارتون” في كتابه “مقدمة في تاريخ العلم”: إن أبحاث هؤلاء العلماء الثلاثة في القرن 13 لم تذهب سدى بل كانت أحد العوامل التي أثرت على أبحاث “كوبرنيكوس” في نظريته التي أعلنها سنة 1543م.

علم الخرائط: لا يُنكِر أحد أن الغرب قد استفاد من جهود المسلمين في علم الجغرافيا بشكل كبير وأساسي , فقد كان أطلس الإسلام أو الخرائط الإسلامية كانت في مقدمة مظاهر التأثير الإسلامي المباشر في الحضارة الغربية.

فقد أعتمد الغرب بشكل أساسي على مؤلَّف “الإدريسي” (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) وقاموا بطباعته طبعات كثيرة ومختلفة، حتى ظل هذا الكتاب مصدرًا أساسيًّا لدارسي الجغرافيا للأوروبيين على مدار أكثر من أربعة قرون

وقد صمم “الإدريسي” خريطته على الطريقة العربية في ذلك الوقت, حيث بدأ بالجنوب في أعلى الخريطة, ثم انتقل إلى الشمال في أسفلها.. كما تتكون مخطوطة الخريطة من 70 ورقة (33×21سم) تصل إلى نحو خمسة أمتار مربعة. وقد قام العالم الألماني “كونراد ميلر” بنشر نسخة مُلَوَّنة منها سنة 1928م, بعد أن بذل مجهودًا خارقًا من أجل تجميع أجزائها المختلفة, وترجمة الأسماء العربية إلى الألمانية.

 ثم اهتمَّ المجمع العراقي بهذا الكتاب؛ فعمل باحثوه على مراجعة وتدقيق كل النسخ الموجودة في العالم، وأخرجوا خريطة الإدريسي وطبعوها سنة 1951م وهي بطول مترين وعرض متر واحد.

يقول”جوستاف لوبون”: “يكفي أن نشير إلى ما حققه العرب في الجغرافيا لإثبات قيمتهم العالية؛ فالعرب هم الذين عيَّنُوا بمعارفهم الفلكية مواقع الأماكن تعيينًا مضبوطًا في الخرائط، فصححوا بذلك أخطاء علماء اليونان.

 والعرب هم الذين نشروا رحلاتهم الممتعة عن بقاع العالم التي كان يشك الأوربيون في وجودها، والعرب هم الذين وضعوا الكتب الجغرافية التي جاءت ناسخة لما تقدمها، فاعتمدت أمم الغرب عليها وحدها قرونًا كثيرة…”

والإنجازات الكبيرة والعظيمة لعلماء الجغرافيا المسلمين لا تتجسد فقط في الجديد الذي قدَّموه للعالم.. وإنما تتجسد هذه الإنجازات بشكل واضح كذلك في التصويب والتعديل الذي عاد به عباقرة الجغرافيين المسلمين على التراث الجغرافي اليوناني.

فقد وقع “بطليموس” – وعلى الرغم من براعته المعروفة – في العديد من الأخطاء عند تحديد الأطوال والأعراض:

  • من ذلك أنه بالغ كثيرًا في تحديد طول البحر المتوسط..
  • وبالغ في تحديد امتداد الجزء المعمور من الأرض المعروف له..
  • وجعل المحيط الهندي والهادي بحيرة وذلك عندما وصل جنوبي آسيا بجنوبي أفريقيا.
  • وبالغ في تحديد حجم جزيرة “سيلان”..
  • وأخطأ في وضع بحر قزوين والخليج العربي خطأً فاحشًا

صحح المسلمون كل هذه الأخطاء وصوبوها، ولم يأخذ الغرب هذه التعديلات إلا عنهم.. ومن هنا يتجلى دور المسلمين في إنقاذ الدراسات الجغرافيَّة من التشوُّهات العلمية والمنهجيَّة.

وقد بدأت تلك المسيرة التصحيحية منذ عهد الخليفة “المأمون” (ت: 218هـ – 833م).. فقد أسدت الخريطة التي أمر الخليفة المأمون علماء عصره بتنفيذها إلى الحضارة الغربية فضلاً عظيمًا رغم ضعف إمكانات المسلمين من حيث الأجهزةُ الجغرافيةُ في ذلك العصر، وقام المسلمون بإدخال الكثير من التعديلات الهامة على خريطة بطليموس، وحسنوها وأضافوا إليها الكثير من التصحيحات الجوهرية.

وقد أقبل الغرب على عطاء الجغرافيين المسلمين بشغف واهتمام بالغين؛ فلم يكن الأوروبيون حتى بداية القرن الخامس عشر يرجعون إلا إلى الجغرافيا الإسلامية كما يقرر “كراتشكوفسكي”.. وقد ظلت الكارتوغرافيا الأوروبية (علم الخرائط) تعتمد على خارطة الإدريسي حتى قبيل القرن الخامس عشر الميلادي.

ومنذ وقت الإدريسي 1150م إلى حوالي 1450م استمدت الجغرافيا الأوروبية أسسها من الجغرافيا الإسلامية. إلا أن تحوُّلاً عنصريًّا أصاب الفكر الأوروبي فيما بين (1450م) إلى (1550م)، فنهضت حملة ضد المسلمين لا أساس لها من العلم، وأسفرت عن تحول الجغرافيين الأوروبيين إلى جغرافيا “بطليموس”!!!.. ولما كان استمرار هذا الأمر غير منطقي فقد اضطر العلماء ثانيةً إلى هجر بطليموس.

الزلازل :   

شغلت طبيعة الزلازل أذهان الناس منذ أقدم الأزمنة، وقد أرجع بعض فلاسفة اليونان القدماء الهِزَّات الأرضية إلى رياح تحت خفيَّة، بينما أرجعها البعض الآخر إلى نيران في أعماق الأرض، وجاء أوَّل وصف علمي لأسباب حدوث الزلازل على أيدي العلماء المسلمين في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)؛ حيث اهتمَّ العلماء المسلمون بدراسة الزلازل وتسجيل تواريخ حدوثها وأماكنها، وأنواعها، وما تخلِّفه من دمار، ودرجاتِ قوَّتها، وحركةِ الصخور الناتجة عنها، ومضارِّها ومنافعها.

وحاول بعضهم التخفيف من أخطارها، وتناول ذلك كلٌّ مِن ابن سينا في موسوعته (الشفاء) في الجزء الخاصِّ بالمعادن والآثار العلوية، وإخوان الصفا في (الرسائل)، والقزويني فى(عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات)، وكان لكلٍّ منهم رأيه الواضح في هذا الصدد.

المعادن والأحجار الكريمة

عرف المسلمون المعادن والأحجار الكريمة، وعلموا خواصَّها الطبيعية والكيميائيَّة، وصنَّفوها ووصفوها وصفًا علميًّا دقيقًا، كما عرفوا أماكن وجود كلٍّ منها، واهتمُّوا بالتمييز بين جيِّدها والرديء منها، وتناولوا أيضًا تكوين الصخور الرسوبيَّة، وتكوين أسطحها، ورواسب الأودية، وعَلاقة البحر بالأرض، والأرض بالبحر، وما ينشأ عن هذه العَلاقة من تكوينات صخريَّة أو عوامل تعرية. ويعد عطارد بن محمد الحاسب أوَّل من ألَّف كتابًا في الأحجار باللغة العربيَّة .

وأمَّا عن الصخور، فقد تحدث العلماء المسلمون عن أصلها، وكيفيَّة تكوُّنها من الماء (الصخور الرسوبية) أو النار (الصخور النارية)، كما أوجدوا الأوزان النوعيَّة لعدد كبير من الأحجار والفلزات امتازت بالدقة المتناهية، كما ركزوا في علوم الأرض على التضاريس وطبيعة الأرض وجيولوجيا المياه، وعلم الحفائر، والآثار العلوية (الميتورولوجيا) وهي العلاقة العلمية بين علم الأرض وعلم المناخ.

البحار والمدُّ والجزر

تناول العلماء المسلمون جيولوجيا البحار والأنهار في مؤلَّفاتهم الجغرافية أكثر من غيرها؛ فقد أفردوا أبوابًا في مصنَّفاتهم الجغرافية تناولوا فيها أسماء البحار ومواقعها والبُلدان التي تطلُّ عليها، وتحدَّثوا عن أماكن من اليابسة كانت بحارًا وأنهارًا، وأماكن تغطِّيها البحار كانت معمورة بالسكان فيما مضى، كما خلفوا مؤلَّفات عديدة في علم الملاحة، وظاهرة المدِّ والجزر التي كان يعتمد عليها ربابنة السفن في رحلاتهم البحريَّة والنهريَّة، ومن بين العلماء الذين كانت لهم آراء متفرِّدة في هذا الشأن الكندي، والمسعودي، والبيروني، والإدريسي، والمقدسي، وغيرهم.

التضاريس

تناول العلماء المسلمون الجيوموفولوجيا بشقَّيْها النظري والعملي، وقد توصَّلوا في ذلك إلى حقائق تتَّفق مع العلم الحديث، من ذلك أثر العامل الزمني في العمليَّات الجيوموفولوجية، وأثر الدورتَيْن الصخريَّة والفلكيَّة في تبادل اليابسة والماء، وكذلك أثر كلٍّ من المياه والرياح والمناخ عامَّة في التعرية، ويُعَدُّ البيروني أفضل من تناول هذا الجانب. وكانت آراء ابن سينا في الجيوموفولوجيا أقرب الآراء للنظريات الحديثة في هذا الحقل.

المتيورولوجيا

عرف العلماء المسلمون أمورًا مهمَّة من هذا العلم الذي أطلقوا عليه (علم الآثار العلوية)، ويتناول هذا العلم الجوَّ وظواهره؛ ودرجات الحرارة، والكثافة، والرياح، والسُّحُب، وهو ما يسمَّى بالأرصاد الجويَّة، وسبق اللغويون العلماء في ذِكْرِ الكثير من مصطلحات هذا العلم، من قبيل ذلك أنهم قسَّموا درجات الحرارة المنخفضة إلى برد، وحرٍّ، وقُرٍّ، وزمهرير، وصقعة (من الصقيع)، وصِرٍّ، وأريز (البرد الشديد). وقَسَّمُوا درجات الحرارة المرتفعة إلى حرٍّ، وحرور، وقيظ، وهاجرة، وفيْح. أمَّا الرياح فقد قسَّموها وَفق الاتجاهات التي تهب منها أو وَفق صفاتها. كما أطلقوا على السَّحَاب أسماء تدلُّ على أجزائه ومراحل تكوينه؛ من ذلك: الغمام، والمزن وهو الأبيض الممطر، والسحاب، والعارض .

والحقيقة أنه لا يستطيع أحد أن ينكر دور المسلمين في علم الجغرافيا والجيولوجيا وأثره على النهضة العلمية التي حدثت فى مجال تلك العلوم في العصر الحديث. ورغم محاولة البعض, خاصة المستشرقين, إخفاء هذا الدور أو على الأقل تهميشه إلا أن الآثار والنتائج والانجازات التي خلفها هؤلاء العلماء المسلمين فرضت نفسها على الواقع العلمي والحضاري كما أكد ذلك أيضا العلماء الغربيين المنصفين.

                                         ………..

 

علم الفلك في الأسلام

 

هو العلم الذي يختص بحساب سير الشمس والقمر والنجوم  والكواكب والمجرات، وتعييّن مواقع النجوم ودراسة أحوالها، وتفسير الظواهر الكونية تفسيراً علميا.

وقد حظي علم الفلك بعناية كبيرة فى الحضارة الإسلامية, كما كانت الكثير من الآيات القرآنية تحث المسلمين على التأمل في ملكوت الخالق عز وجل وفى الكون حولهم.

وتتجلى مظاهر العناية القرآنية بالفلك في التأكيد على التأمل والتركيز فى السماء و الكون بما يفوق التركيز على الإنسان، فمن ذلك قوله سبحانه: ﴿ أأنْتـُمْ أَشـَدُّ خَلْقًا أمِ السَّمَآءُ بَنَاهَا*رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا*وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾ {النازعات 27 ـ 29}. وقوله عز وجل: ﴿ لَخـَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النــَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النــَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ غافر: 57.

كما سميت بعض سور القرآن بـأسماء فلكية وظواهر كونية مثل: القمر، النجم، الشمس، المعارج، التكوير، الانفطار، البروج، الانشقاق.

وقد دعت الآيات القرآنية إلى النظر في السماء والتفكر في بنائها المحكم، ومحتوياتها المذهلة، وإلى النظر والتفكر أيضاً في الظواهر الكونية المختلفة؛ مثل قوله عز وجل: ﴿أوَلَمْ يَنظُرُواْ فِى مَلــَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَىْءٍ وَأَنْ عَسَى أن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلــُهُمْ ﴾ { الأعراف: 185}. ﴿ أَفَلَمْ يَنـْظــُرُوآ إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنـَيْـنَاهَا وَزَيَّنــَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ﴾ { سورة ق: 6 } ﴿ إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللــَّيْلِ وَالنــَّهَارِ لآيَاتٍ لأوْلِى الألْبَابِ*الـَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللــَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنــُوبِهِمْ وَيَتَفَـكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ رَبـَّـنـَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النــَّارِ ﴾ { آل عمران: 190، 191، }

وكان لهذه الآيات أبلغ الأثر في نفوس الباحثين والفلكيين المسلمين، لدراسة علم الفلك بكافة تخصصاته وفروعه. لقد كان للإسلام كدين وتعاليم الفضل الأكبر في النهضة الفلكية عند المسلمين فالمسلم يبدأ نهاره قبل شروق الشمس فيراقب مطلع الفجر لكي يصلي الصبح وفي أخر نهاره يرقب الغسق ليصلي العشاء, وبين ذلك يتابع حركة الشمس في زاوية في الأفق في الظهر ثم العصر ثم المغرب لكي يصلي كل صلاة في حينها . وهو يصوم رمضان مع هلال شهر رمضان ويفطر حسب الشهر القمري . وإذا صلي في أي بقعة من الأرض فهو ملتزم أن يعرف اتجاه الكعبة . ثم تأتي آيات القرآن فتأمره أن يتأمل في الفضاء الخارجي من حوله لكي يعرف

          قدرة الله ومعجزة الخلق .

الفلك عند العرب قبل الإسلام:
كان للعرب في الجاهلية اهتمام فطري بالفلك .. فهو أمر حيوي لسكان الصحراء المنبسطة التي لا معالم فيها تدلهم على الطريق سوى الاعتداد بالنجوم, وفي الشعر الجاهلي الكثير مما يدلنا على التبحر في الفلك والاهتمام به .

وكان علم الفلك قبل الإسلام مقترنا بالتنجيم ولكن الحضارة الإسلامية نبذت التنجيم واعتبرته مخالفًا لعقيدتها، انفصل علم الفلك عن التنجيم، وأصبحت له قواعده العلمية التي يرتكز عليها.

ولم يكن هذا الانفصال وليد الصدفة، بل وليد التجربة العلمية والقياس والاستنباط، والحاجة الإسلامية لتحديد مواعيد الصلاة واتجاه القبلة، حتى أصبحت المساجد الجامعة لا تخلو من فلكي يقوم بتحديد الوقت من خلال واحدة من الآلات الفلكية التي عرفها وابتكرها المسلمون.

 وظهرت حاجة المسلمين إلى دراسة علم الفلك، لمعرفة أوقات الصلاة بحسب الموقع الجغرافي والفصل الموسمي، وتحديد اتجاه المسلمين إلى الكعبة في صلواتهم، ورؤية هلال رمضان، والصوم، فبرزوا في ذلك، واخترعوا حسابات وطرقاً بديعة لم يسبقهم إليها أحد من اليونان والهنود والفرس.

ويعود إلى المسلمين فضل تحرير علم الفلك وتطهيره من الشعوذة والدجل الذي واكب ظهور علم التنجيم في الأمم السابقة، وجعله علماً خالصاً يعتمد على النظريّة والبرهان، حيث أبطلت الشريعة الإسلامية التنجيم وأنكرته وكفّرت القائلين به، وردّت الحوادث كلّها إلى قدرة الله تعالى.

وإليهم يعود فضل حفظ ما أنتجه العقل اليوناني والسرياني والفارسي والهندي من تراث بالترجمة الدقيقة الأمينة، وما أعقب ذلك من تصحيح وإضافة وابتكار، ونقل ما استقر في عهدتهم من هذا العلم إلى أوروبا.

فمنذ قامت دولة الإسلام وثبتت أركانها أقبل المسلمون على علم الفلك وأولوه اهتماما كبيرا ابتدأت المرحلة الأولى من تلك النهضة بتجميع وترجمة كل علوم السابقين من إغريق وفرس وهند وصين, ومن أشهر الكتب المترجمة في هذا الميدان كتاب “السند هند ” عن الهندية وكتاب ” المجسطي ” لبطليموس عن الإغريقية.
ثم جاءت مرحلة الإنتاج العلمي والإبداع والابتكار حيث تفرغ الكثير من علماء المسلمين لعلوم الفلك ونبغوا فيها ومن هؤلاء الكندي والفارابي والبتاني والمجريطي والبيروني وابن الهيثم البصري وابن باجة الأندلسي وابن يونس المصري وابن رشد والقزويني والبتاني وعباس بن فرناس.

وقد بلغ اهتمام العرب بالفلك أن أصبح الهواية والتسلية لكل أسرة متعلمة تماما كما يهوى الناس اليوم مشاهدة التليفزيون , فكان لكل أسرة مكتبة فلكية , وكانوا يحرصون على مشاهدة السماء ومراقبة سير الأفلاك والقمر وزيارة المراصد العامة في المناسبات الدينية كبداية رمضان والأعياد وكانت بعض الأسر تتوارث هذا العلم وتأخذ لنفسها كنية فلكية مثل الاسطرلابي والراصد والفلكي .

واشتغل بالفلك وكتب عنه الأطباء أمثال الرازي وابن سينا والفلاسفة أمثال ابن رشد والبيروني والفقهاء والأدباء والشعراء أمثال ابن الخيام .
ومن الخلفاء أيضا من كان عالما مثل الخليفة المأمون الذي كان أول من قاس محيط الكرة الأرضية سنة 830م وكثير من الخلفاء كان يبني في بيته مرصداً فلكياً خاصاً به لهوايته.

وكان العلماء المسلمون يرون في علم الفلك علماً رياضيّاً مبنياً على الرصد والحساب، وعلى فروض تفضي لتعليل ما يرى من الحركات والظواهر الفلكيّة، وأقاموا كثيراً من المراصد، وسجّلوا ما رصدوه بمقاييس على أعظم جانب من الأهميّة، فقد رصدوا الكسوف والخسوف، ورصدوا الاعتدالين، وقاسوا محيط الأرض، وقدّروا أبعاد الكواكب والأجرام السماويّّّة، وصنعوا كثيراً من الآلات الفلكيّة، ووضعوا الأزياج الدقيقة (حول حركات الكواكب)، وكانت آراؤهم في الفلك هي التي مهّدت للنهضة الفلكيّة الكبرى.

وضع علماء الفلك المسلمين كتباً كثيرةً مشهورة في علم الفلك منهم: محمد بن جابر البتاني  صاحب كتاب: (معرفة مطالع البروج فيما بين أرباع الفلك) و(الزيج) و(شرح المقالات الأربع لبطليموس) وعلي بن عبد الرحمن  بن يونس صاحب كتاب: (الزيج الحاكمي) ومحمد بن أحمد البيروني ، صاحب كتاب: (القانون المسعودي في الهيئة والنجوم) و(التفهيم لأوائل صنعة التنجيم).

وبلغ من اهتمام المسلمين بهذا العلم أنّهم أنشأوا مدارس لتعليمه، ففي الأندلس أقام مسلمة بن أحمد المجريطي، إمام الرياضيّين في وقته، وأعلم من كان قبله لعلم الأفلاك وحركات النجوم، مدرسته المشهورة التي تخرّج منها نخبة من علماء الفلك أمثال: أحمد بن عبد الله بن عمر المعروف بابن الصفّار ، وأبي السمح أصبغ بن محمد بن أبي السمح، وأبي الحسن علي بن سليمان الزهراوي، وعمر بن أحمد بن خلدون.

وينسب إلى العرب والمسلمين اختراع آلات الرصد، وقياس ارتفاع الكواكب، وتحديد مطالع البروج، واختراع جهاز الإسطرلاب أحد منجزات العقل الاسلامى في هذا المضمار، وجعله علماً.

وهذا العلم (علم الإسطرلاب) يبحث في كيفيّة استعمال آلة معهودة يتوصّل بها إلى معرفة كثير من الأمور النجوميّة على أسهل طريق وأقرب مكان مبين في كتبها كارتفاع الشمس وسمت القبلة وعرض البلاد وغير ذلك، واصطرلاب كلمة يونانيّة في الأصل معناها ميزان الشمس، أو مرآة النجم ومقياسه, أما آلة الاصطرلاب فهي آلة رصد قديمة لتعيين ارتفاعات الأجرام السماوية ومعرفة الوقت والجهات الأصلية.

المراصد الإسلامية

ظهر المرصد الإسلامي بشكل أكثر تطورًا بعد زمن المأمون بحوالي قرن ونصف قرن، وكان أكثر تنظيمًا من الناحية الإدارية، وعندما نشأ مرصد شرف الدولة أصبح له مدير يشرف على تدبير شؤونه ، واقترن ذلك بتوسعة برنامج الرصد بحيث صار يشمل الكواكب كافة، ولقد أمكن تحقيق هذا الجانب الأخير من تطور المراصد، ذلك أن هناك دليلاً على أن بعض برامج الرصد قد اقتصرت على مشاهدة الكواكب السريعة فقط إلى جانب الشمس والقمر.

كانت المهمة الرئيسية للأعمال التي يضطلع بها المرصد تتمثل في إقامة جداول فلكية جديدة لكل الكواكب مبنية على أرصاد حديثة. وكان هناك ميل واضح نحو تصنيع آلات تزداد حجمًا على مر الزمن ونزوع إلى توفير هيئة عاملة متميزة، وذلك بموجب التقدم الذي أمكن تحقيقه في هذا الاتجاه أيضًا، ومن شأن التطورات أن تعمل على تعزيز اعتقاد مفاده أن نشأة المراصد، باعتبارها مؤسسات، ترجع في أصلها إلى الخلفاء والملوك.

ويُعَدُّ المرصدُ الذي شيده السلطان السلجوقي (ملك شاه) في بغداد مرحلة أخرى من مراحل تطور العمل في المراصد، وإن لم يتوافر لدينا إلى الآن معلومات كافية حول عمل هذا المرصد، وظل هذا المرصد يعمل لفترة تزيد على عشرين عاماً، وهي فترة زمنية طويلة نسبيًّا بالنسبة لعمر المراصد، وقد رأى الفلكيون آنذاك أنه يلزم لإنجاز عمل فلكي فترة زمنية لا تقل عن 30 عاماً.

مرصد المراغة : ويعد القرن السابع الهجري أهم حقبة في تاريخ المراصد الإسلامية؛ لأن بناء مرصد المراغة تم هذا القرن، لأنه يعد واحدًا من أهم المراصد في تاريخ الحضارة الإسلامية.

 وتقع المراغة بالقرب من مدينة تبريز, وبُني المرصد خارج المدينة، ولا تزال بقاياه موجودة إلى اليوم، وقد أنشأه “مانجو” أخو “هولاكو”. كان مانجو مهتمًا بالرياضيات والفلك، وقد عهد إلى جمال الدين بن محمد بن الزيدي البخاري بمهمة إنشاء هذا المرصد، واستعان بعدد هائل من العلماء منهم: نصير الدين الطوسي، وعلي بن عمر الغزويني، ومؤيد الدين العرضي، وغيرهم كثير.

ظل العمل جاريًا في المرصد إلى عام 1316م وشهد حكم سبعة سلاطين اهتموا به وبرعايته.
وتكمن أهمية هذا المرصد أيضا في النشاط التعليمي الهام الذي قام به، فقد تم تعليم العديد من الطلبة في المرصد علم الفلك والعمل على الآلات الفلكية. كما كان بالمرصد مكتبة ضخمة ضمت آلاف المخطوطات في شتى مجالات المعرفة.

بعض الانجازات وأشهر العلماء

  • اكتشف ابن الهيثم طبيعة الغلاف الجوي حول الأرض وقدر ارتفاعه 15 كيلو متر وهو الصحيح .
  • وقد ابتكر المسلمون تقاويم شمسية فاقت في ضبطها وإتقانها كل التقاويم السابقة وحسبوا أيام السنة الشمسية بأنها 365 يوماً وست ساعات وتسع دقائق وعشر ثوان فكان الخطأ في حسابهم بمقدار دقيقتين و 22 ثانية.
  • وقد اكتشف ابن رشد الكلف على وجه الشمس وفسره بأنه بسبب عبور عطارد أمامها وفسر ابن الهيثم الكثير من الظواهر الفلكية والفضائية والضوئية مثل الكسوف والخسوف والطيف وقوس قزح .
  • ويعتبر عباس بن فرناس العالم الأندلسي (المتوفى سنة 887م) إلى جانب أنه قدم أول فكرة للطائرة والطيران, فهو أول مخترع للقبة الفضائية فقد أقام في ساحة بيته قبة ضخمة جمع فيها النجوم والأفلاك في مواقعها ومثل الشهب والنيازك والبرق والرعد
  • العالم شرف الدين بن محمد الطوسي الذى صمم جهاز مصمم لرسم مجسم للكون ثلاثي الأبعاد طول وعرض وارتفاع وليس كما كان سابقاً يرسم الكون على صحيفة ثنائية الأبعاد طول وعرض فقط .
  • العالم خلف بن الشكاز الأندلسي صمم صحيفة سميت باسمه (الصفيحة الشكازية),وهى صحيفة تعطي مقطعًا عموديًّا للكون طرفاه القطبان بخلاف الإسطرلابات العادية التي تتخيل الضوء منطلقًا من القطب الجنوبي ويسقط على خط الاستواء.
  • البتاني (235-317هـ / 850 -929م (11)وهو أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان البتاني، رياضي وفلكي اشتهر في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، وعرف بلقب ( بطليموس العرب ). قام البتاني بحساب مواعيد كسوف الشمس وخسوف القمر بقدر كبير من الدقة. وحقق مواقع كثير من النجوم، وصحح بعض حركات القمر والكواكب السيارة، وصحح بطليموس في إثبات الأوج الطولي للشمس.

– ويعد البتاني أول من سخر حساب المثلثات لخدمة الفلك، فكان أسبق العلماء, كما ابتكر مفاهيم جيب التمام, هذا الى جانب الكثير من الابتكارات والاختراعات وأيضا المراجع والمؤلفات القيمة.

– الخجندي (000-390هـ / 000 -1000م ) حامد بن الخضر أبو محمود الخجندي. عالم رياضي وفلكي اشتهر في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي. تمكن الخجندي من صنع بعض الآلات مثل آلة السدس التي أطلق عليها السدس الفخري وهي آلة لقياس زوايا ارتفاع الأجرام السماوية.

  • سند بن علي (000-218هـ / 000 -833 م) أبو الطيب سند بن علي المنجم، عالم فلكي ورياضي اشتهر في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي.

تلك الانجازات وهؤلاء العلماء أثرو علم الفلك باكتشافاتهم واختراعاتهم ومؤلفاتهم. وقد أوردنا بعض هذه الانجازات على سبيل المثال وليس الحصر.

                                               ……..

 

الحضارة الأسلامية في اوروبا

كانت المعابر السابقة أدوات مهمة في عبور الثقافة العربية الإسلامية فعكست أثراً واضحا على جميع جوانب الحياة في أوروبا لتشكل لها بذلك المقومات الفعلية لحضارتها الحديثة . ويمكن حصر أبرز هذه المؤثرات في الجوانب التالية : –

الادارة والتنظيم :- كان التأثير في هذا الجانب عظيماً ، وسُنتطرق لأبرز هذه المؤثرات : – البناء الإداري لمؤسسات الدولة ، من حيث وجود الوزراء الذين يتبعهم عدد من المؤسسات الإدارية التي يعنى كل منها بجانب معين من الخدمات التي تقوم بها الدولة ، كالاهتمام بشؤون الزراعة أو البريد أو المنشآت الخدمية وغير ذلك .

  • النظم التعليمية : كتنظيم المؤسسات التعليمية وضوابط العمل فيها ومبدأ شيوع التعليم في المجتمع وإتاحة الفرصة للجميع بحيث يطبق عليه مبدأ الفرص المتكافئة .
  • التشريعات ، حيث استفادت التشريعات الأوروبية من نظيرتها عند المسلمين في كثير من مجالاتها . ويكفي أن نشير هنا إلى القانون التجاري والقانون المتعارف عليه في التجارة الدولية . والشاهد على ذلك العديد من المصطلحات مثل ( Mohatra) المأخوذة من كلمة (مخاطرة ) العربية ، وهي التحايل على تفادي الفائدة عن طريق البيع المزدوج وكلمة شيك( Cheque) من كلمة (صك) بالعربية وغير ذلك .

ومما يجدر ملاحظته هنا أن المسحيين الأندلسيين الذين عرفوا بالمستعربين أخذوا يستعملون في وثائقهم وعقودهم الصيغ المتبعة في الوثائق الإسلامية . واحتفظوا بهذه الطريقة في مدينة طليطلة لمدة تقارب القرنين بعد سقوطها في أيدي الأسبان سنة 478/ 1085 م .

الحياة الاجتماعية :- تأثر الأوروبيون في بعض جوانب حياتهم الاجتماعية بالمظاهر الاجتماعية الوافدة عليهم من المشرق الإسلامي ، وأبرز هذه المؤشرات يمكن حصرها في العناصر الآتية: –
– الأدب الاجتماعي : تقول المستشرقة الألمانية زيغريد هوتكه ” إن عادة إهداء الزوج لزوجته قطعة من الحلي هي عادة استوردت من الشرق ، ويمارسها الناس كل يوم ولا يعرفون لها مصدراً . كذلك لو أنك كتبت لسيد أو سيدة خطاباً وأنهيته بالمخلص فلان أو خادمك المطيع فأنت تعترف بسيادة العرب لأنك أخذت عنهم هذه الكلمات ، ولم يكن أجدادك في الغرب يعرفون شيئاً منها. .

كل ذلك من عادات العرب المسلمين الذين استطاعوا بما حملوه من تشريعات إسلامية عظيمة ، ومن حس حضاري مرهف ، القضاء على شعور العداء للمرآة ، وجعلوا من منهجهم مثالاً يحتذي به الغرب ولا يملك الآن أن يتبرأ منه. و أصبح الاستمتاع بالجمال والغزل جزء من حياة الأوروبيين شاءوا أم أبوا…
أما الفروسية بما تمثله من أخلاقيات المروءة والنجدة والأثرة ، فهي سلوك عربي هذبه الإسلام وتعلمه الأوروبيون بعد ذلك.

– النظافة والعناية بالمظهر مثل الاغتسال كسلوك اجتماعي ، والعناية بالمظهر في اللبس من حيث تناسق الألوان ، واستخدام أدوات الزينة للنساء ، كل ذلك مظاهر تعلمها الأوروبيون من المسلمين .

النشاط الاقتصادي : إن مظاهر الثراء الذي شهدته بعض المدن الأوروبية وبخاصة تلك المطلة على البحر الأبيض المتوسط أو الملاصقة للحدود الإسلامية البيزنطية أو القريبة منها ، كلها تدين بثرائها للعلاقات الاقتصادية التي كانت تربطها بالعالم الإسلامي، ويظهر الأثر الاقتصادي للعالم الإسلامي في المجالات التالية :
– التجارة: ارتبط العالم الإسلامي بالغرب المسيحي من خلال مجالين تجاريين رئيسي يتخلصان في : –

الأول هو : بيزنطة حيث فرض الموقع الجغرافي للعالم الإسلامي على بيزنطة علاقاتها التجارية لأنه كان يطوقها من الشرق والجنوب ، وكل سلع آسيا أو إفريقيا كانت إما منتجاً في هذا العالم أو أنها تمر عن طريقه .

وقد أسهم هذا الوضع في أن تقوم الإمبراطورية البيزنطية بدور الوسيط بين الشرق والغرب ، وأضحت مدنها القريبة من الحدود الإسلامية أو عاصمتها القسطنطينية ، مناطق عبور للتجارة الدولية، وكان في العاصمة القسطنطينية ، جالية عربية من التجار السوريين الذين كان لهم فيها مسجد خاص بهم .

كانت هذه التجارة منتظمة بحيث تكفل للتجار المسلمين تصريف كامل بضائعهم مما كانت كميتها ونوعيتها . فإذا تخلت نقابات التجار البيزنطيين المشترين عن جزء من البضائع المعروضة من قبل التجار المسلمين ، فإنه كان على حاكم المدينة أن ينقلها إلى السوق و أن يبحث لها عن تسويق مناسب .

الأمر الثاني : كان يتكون من أقوام أوروبية كان مستواها الاقتصادي لا يزال متخلفاً ، وكذلك أنماطها الحضارية كواقع أشمل ، يبد أن وجود الحواضر الإسلامية الكبرى في صقلية والأندلس ، واحتكاك الأوروبيين بها وبالمشرق الإسلامي خلال الحروب الصليبية ، رفع من المستوى الحضاري لتلك الشعوب فتزايد إقبالها تبعا لذلك على المنتجات المتنوعة القادمة من العالم الإسلامي.

ومن ابرز المنتجات التي كانت تصدر من العالم الإسلامي إلى الغرب الأقمشة المصنوعة بإتقان كبير جداً من الحرير والأقطان والصوف بالإضافة إلى المعاجين الطبيعية, وأدوات الزينة ، والملابس ، والأواني بأنواعها المختلفة من الخزف والزجاج ،والمعادن، والورق بأنواعه ،والعطور بأنواعها ،بالإضافة إلى الآلات وأدوات الجراحة والإسطرلابات بالإضافة إلى الصناعات مثل السكر وغيره من المنتجات الصناعية .

وكان العالم الإسلامي يستورد الأحجار الكريمة واللؤلؤ والعاج ، كما كان العالم الإسلامي يستورد من الغرب الأصواف والمعادن والأخشاب والرقيق .
هذه المبادلات الواسعة النطاق أسهمت في نمو الخبرات التجارية في الغرب ، وما ارتبط بذلك من نمو مدن وأساطيل تجارية كبرى ، وأسهمت في تزايد الثراء لدى الغرب وما تربت عنه من نهضة اقتصادية وحضارية وأبرز الأدلة على ذلك أنه عثر في جزيرة جوتلاند السويدية وحدها أكثر من ثلاثين ألف قطعة نقدية من العملات الإسلامية ،علاوة على ما وجد في غيرها من البلاد الأوروبية .

الزراعة : نقل العالم الإسلامي الكثير من خبراته في الزراعة إلى الغرب ، ويمكن حصر أهم هذه الخبرات في الجانبين التاليين :

– الأساليب الزراعية : مثل بناء المصاطب الزراعية على سفوح الجبال وهو أسلوب نقله المسلمون إلى بلاد الأندلس قبل أن ينتشر في أوروبا ، ومن الأساليب الزراعية التي عرفها الأوربيون عن طريق المسلمين في الأندلس استخدام القنوات الأرضية في نقل الماء .
· أدخل المسلمون إلى جنوب أوروبا زراعة الأرز والقطن وقصب السكر والبرتقال والليمون وأنواع مختلفة من الخضار والحبوب .

الصناعة :- تأثرت الصناعات الأوروبية في عصر النهضة بالصناعات الإسلامية . فصناعة الرعادات (الصورايخ) و القنابل والمدافع والبنادق هي صناعة إسلامية ، صنعها المسلمون لمواجهة الحملات الصليبية المتتابعة على المشرق الإسلامي ، وقد كتب أحد الأوربيين المرافقون لإحدى الحملات الصليبية يقول :” إنه كلما انطلقت قذيفة في الفضاء ، كان يبلغ التأثير بملك فرنسا مبلغاً كبيراً فيصيح بأعلى صوته ” سيدي الحبيب احمني وشعبي من الكارثة “

وعن طريق ترجمات لاتينية وصلت أولى المعلومات عن أنواع المواد المتفجرة وعن الألعاب النارية إلى أوروبا فتلقفها الدارسين العسكريين في أوروبا.
أما المدافع والصواريخ والقنابل ، فلقد عرفتها أوروبا عن طريق عرب الأندلس ، الذين استخدموا هذه الأسلحة بفعالية كبيرة في حروبهم قبل أن يقتبس الأوروبيون هذه الخبرات المعرفية ، ويأخذوا في تطويرها.

ومن الصناعات التي نقلها الأوروبيون عن العرب صناعة الورق، حيث كان التجار والحجاج الأوروبيون يذهبون إلى الأندلس أو إلى المشرق الإسلامي ويعودون محملين برزم من الورق الناعم ، وظل الأمر على هذه الحال في أوروبا حتى بدأت إيطاليا في صناعة الورق سنة 1340م ثم تبعتها ألمانيا في سنة 1389 م وقد استعان الأوروبيون بصناع عرب ومسلمين لبناء مطاحن الورق الأولى بل إنهم تعلموا من العرب جميع أنواع الطواحين
مثل الطواحين المائية والهوائية .

لقد بدأت صناعة الورق والخشب وغير ذلك في أوروبا في شكل صناعات مقلدة للصناعات الإسلامية قبل أن تتجه إلى تبني أساليبها الخاصة في الصناعة فمنذ القرن 6-7 هـ / 12-13 م بدأ النساجون الأوروبيون يجتهدون في محاولاتهم لتقليد النسيج المصنوع في العالم الإسلامي. فكانت بولندا من المراكز المهمة لصناعة النسيج المقلد للنسيج الإسلامي.

أما صناعة المعادن فى بولندا بدأت أيضا منذ القرن 6هـ كما تظهر في الأواني الرومانية الطراز التي صنعت على هيئة حيوانات كمثيلاتها الإسلامية وطوت النحاس المطعم بالميناء ، وكانت تصنع في ليموج بفرنسا وتعرف بالتوائم ، ويظهر تأثرها الواضح بمثيلاتها المصنوعة في العالم الإسلامي . وغيرها من الصناعات الأخرى في النسيج والمعادن.

و كان لانتشار التطعيم على المعادن في العالم الإسلامي أثر الكبير على أوروبا وخاصة منذ القرن 9هـ /15 م حيث شاع هذا الأسلوب في صناعة المعادن في أوروبا ، وظهر على عدد كبير الأواني والأطباق الكبيرة والأباريق والشمعدانات المصنوعة في البندقية وربما في مدن أوروبية أخرى ، وعلى الوتيرة نفسها سار الأمر في الصناعات الأوروبية الأخرى الخزفية والزجاجية والخشبية .

                                        ………

 

عوامل نهضة الحضارة الإسلامية

 

تميزت تشريعات الإسلام بأنها ترتقي بالمستوى العقلي لمتلقي هذا الدين حيث نظمت جوانب الحياة المختلفة وفق قواعد عامة تمكن من استيعاب المتغيرات الحياتية المختلفة ، وتوجيهها بما يحافظ على المقاصد العامة للشريعة ، والتي تهدف إلى الحفاظ على الدين والنفس والمال والعقل والعرض .
وقد استفادت الحضارة الإسلامية من الحضارات السابقة سواء تلك التي دخلت تحت مظلة الحضارة الإسلامية أو تواصلت معها واحتكت بها .

فالمنطقة التي نشأت فيها الحضارة الإسلامية، هي المركز الأساسي والمجمع الرئيس لمعظم الحضارات الأساسية القديمة فقدماء المصريين أحرزوا تقدماً ملموساً في علوم الفلك والحساب والطب والصيدلة والهندسة والزارعة وغيرها ، كما أنهم مهروا في الرسم والنحت والعمارة والتحنيط . ولهم باع طويل في التعدين والصناعة بأنواعها المختلفة . وعرفت بلاد الهلال الخصيب حضارات متعددة تركت موروثاً كبيرا في الطب والهندسة والزراعة والصناعة والتنظيمات التجارية .


تضافرت العوامل السابقة مع بيئة علمية مناسبة ، ففي العصر الذهبي للحضارة الإسلامية اعتنى كثير من الخلفاء والعلماء بالحركة العلمية ، وهيئوا الجو الصالح لازدهار العلم بطرق متنوعة مثل إنشاء المدارس والمكتبات وغيرها ، وبذلوا الكثير للحصول على المؤلفات والمصنفات بأنواعها المختلفة ، كما بذلوا الكثير من الأموال على العلماء الذين سموا بمكانتهم ورفعوا من قدرهم ، فقربوهم في مجالسهم . فالخليفة المأمون على سبيل المثال كان يعطى حنين بن إسحاق وزن الكتب التي يترجمها ذهباً .

ومن بين عوامل ازدهار النهضة العلمية في العصر الإسلامي ، المكتبات الضخمة التي انتشرت في العالم الإسلامي وخاصة في العصر العباسي ، ومن أمثله ذلك دار الحكمة في بغداد، وكانت تضم ما يقارب المليون ونصف مليون كتاب ، وعلى الوتيرة نفسها كانت مكتبة دار الحكمة في القاهرة ، أما مكتبة المسجد الجامع في قرطبة فيقدر عدد كتبها بثلاثة أرباع مليون كتاب . وكانت بعض المكتبات الخاصة للعلماء والأدباء يصل فيها عدد الكتب إلى مائة ألف كتاب ، وفي كثير من بيوت المسلمين في حواضر العالم الإسلامي كان الكتاب جزءاً رئيساً من مكونات تلك البيوت .

العمل الاقتصادي: فالعالم الإسلامي كان يضم مساحات واسعة امتدت من سمرقند إلى قرطبة في اسبانيا التي تعتبر أكثر أهمية وبخاصة على الصعيد الاقتصادي ، لما تملكه من خصائص مكانية وموروث حضاري عظيم انعكس على أوجه النشاط الاقتصادي في الزراعة والتجارة والصناعة ، حيث تميزت المنطقة بوجود أنهار عظيمة وارض وحقول خصبة ، تنتج أنواعا عدة من المنتجات الزراعية .

ويضاف إلى ذلك وفرة المعادن في القوقاز و أرمينية و الجزيرة العربية وشمال إفريقيا بالإضافة إلى مصادر الإنتاج الموجودة في العالم الإسلامي. سيطر المسلمون على الطرق المؤدية إلى مناجم الذهب الرئيسية في العالم ، أي إفريقيا الجنوبية الشرقية والسودان وآسيا الوسطى ، أما مراكز الصناعات الحرفية المتطورة فكانت في إيران وبلاد الرافدين والشام بالإضافة إلى مصر وهناك موانئ كبرى كانت تحت تصرف العالم الإسلامي بأرصفتها ودور صناعتها البحرية.

وهذه تضم ثلاث مجموعات : –

  • موانئ الخليج العربي والبحر الأحمر وكان قد تم افتتاح خطوطها الملاحية على أيدي الملاحين العرب والفرس نحو المحيط الهندي والتي كانت تتكامل بمنظومة الأسطول الهندي على نهري دجلة والفرات .
  • موانئ السواحل الشامية والمصرية ، وفي مقدمتها ميناء الإسكندرية والذي كان يزخر بالسفن البحرية والمراكب النيلية – موانئ مضيقي صقلية وجبل طارق مثل تونس وسبته,  يضاف إليها الأسطول النهري على نهر الوادي الكبير الذي يخترق اشبيلية وقرطبة .
  • طرق القوافل في آسيا الوسطى وفارس والهلال الخصيب وجزيرة العرب ومصر وشمال إفريقيا .

كانت هذه المنظومة تضم شبكة من القوافل مع حيوانات النقل من إبل وجمال وغيرها وجهاز كامل من عمال مختصين في تسيير القوافل من خفراء و مجهزي القوافل . ويدير ذلك كله مجموعات تجارية كانت لديها تقاليد عريقة في التجارة.
كل ذلك تضافر، بتوجيه من قيم الدين الإسلامي ، لتحقيق نهضة اقتصادية عظيمة كان من مؤشراتها ازدهار التجارة التي كانت تربط بين العالم الإسلامي من الداخل وبين العالم القديم في جميع أرجائه .

وازدهرت الصناعة التي كانت تقدم منتجات متنوعة تعكس مستوى عالياً من الدقة والجودة والذوق الرفيع . وكذلك كان حال الزارعة حيث نشر المسلمون الكثير من المنتجات الزراعية وإعادة توزيعها في أرجاء مختلفة من العالم الإسلامي بالإضافة إلى تطويرهم لأساليب الزراعة ومن حيث أنماط الري والتسميد وغير ذلك . رافق ذلك نهضة عمرانية كبيرة ، شملت إنشاء عشرات المدن الجديدة في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي .

معابر انتقال الحضارة الإسلامية إلى الغرب

  • البحر الأبيض المتوسط : وقد تميز بمساحة واسعة سهلت التماس الحضاري بين الشرق والغرب وبالتالي بين الإسلام وحضارته وبين الغرب بمكوناته الدينية والثقافية ولذلك كانت المناطق الأقرب جغرافياً لأوروبا هي أكثر المناطق التي استوعبت المؤثرات الحضارية الوافدة إلى أوروبا من المجال الحضاري الإسلامي .
  • جزيرة صقلية : وتعد من الشواهد المؤثرة في هذا المجال ، حيث أنشأ فيها المسلمون حضارة عريقة استمرت فترة كبيرة، قبل أن تسقط هذه الجزيرة في يد النورمان، لتتحول إلى أكبر ثروة حضارية عرفها الغرب في تلك الأزمنة. ،

فنظراً لان ملوك النورمان كانوا معجبين بالحضارة الإسلامية وراغبين في الانغماس فيها ، وتشرب ثقافتها ومعرفتها ، فكانت دولتهم تدار بالأسلوب الذي تدار به الدولة الإسلامية من قبل رجال ينتمون للحضارة الإسلامية سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. أما الصناعات والحرف والعمارة والزخرفة فجميعها كانت تتم على يد مسلمي صقلية ، ولذلك كانت قصور ملوكهم ومستلزماتها من أثاث وغير ذلك وملابسهم تنتمي بمجموعها للحضارة الإسلامية .

ولم يعمل هؤلاء الملوك على ترجمة العلوم من العربية فحسب ، بل حرصوا على استقطاب بعض العلماء العرب وإكرامهم والطلب منهم تصنيف المؤلفات العلمية .
مثل هذه السياسة الحكيمة حولت صقلية إلى نقطة نشاط حضاري قوي حيث امتزجت فيها الحضارة العربية الإسلامية مع الثقافات الأوروبية لتسهم في خلق نهضتها الحديثة .

– أما اسبانيا ، فقد تأصلت فيها الحضارة العربية الإسلامية وحققت إنجازات حضارية عظيمة تعكس رخاء اقتصادياً فائقاً .

يقول أحد أساقفة قرطبة حينذاك ” كثيرون من أبناء ديني يقرأون أشعار العرب وأساطيرهم ويدرسون ما كتبه علماء الدين وفلاسفة المسلمين ” إن كل الشباب منصرف الآن لتعلم اللغة والأدب العربيين فهم يدفعون أموالهم في اقتناء الكتب العربية ويتحدثون في كل مكان بأن الأدب العربي جدير بالدارسة والاهتمام.
الكثير من العرب عملوا كمربين لأطفال الملوك الأوربيين أو كأطباء أو كتبة في بلاطهم في برشلونة وغيرها . فكانوا حملة مشاعل الثقافة والأدب الأندلسي ، وصاروا بسلوكهم ومظهرهم الحسن مثالا يحتذي به .

  كما عمل الأسرى من المسلمين أيضا على نقل الحضارة العربية لأمراء

          شمال اسبانيا .

ولم تكن بلدان شمال اسبانيا على صله بالأندلس في الجنوب فحسب ، بل كانت أيضا على صلة دائما ببلدان أوروبا سياسياً وتجارياً ، ولم تكن جبال البرانس لتمنع تلك الصلات ، ومن هنا وجدت الحضارة الإسلامية طريقها إلى الغرب .
وعندما احتل الفونس السادس طليطلة عام 1085 م ساهم معه في الاستيلاء على المدينة العربية وحصارها فرسان آلمان وايطاليون وفرنسيون بل أن أول أسقف لها كان فرنسياً .

وظلت مدرسة المدينة التي أسسها ريموند بمجموعاتها الهائلة من الكتب العربية تجذب آلاف الأوروبيين من مختلف البلدان .

وقد حمل مشعل الحضارة العربية عبر الأندلس آلوف من الأسرى الأوروبيين الذين عادوا من قرطبة وسرقسطة وغيرها من مراكز الثقافة الأندلسية ، كما مثل التجار في ليون وجنوا و البندقية ونورمبرج دور الوسيط بين المدن الأوروبية والمدن الأندلسية .
واحتك ملايين الحجاج من المسيحيين الأوروبيين بالتجار العرب وبالحجاج المسيحيين القادمين من شمال الأندلس كما ساهم سيل الفرسان والتجار ورجال الدين المتدفقين سنوياً من أوروبا على أسبانيا في نقل أسس الحضارة الأندلسية إلى بلادهم .
وكان للأندلس الدور الرائد في الترجمة من العربية وخاصة طليطلة التي كانت رائدة في هذا المجال .

  • الحروب الصليبية : كانت وسيلة للتأثير الشرقي الذي أدى إلى تفتح عقول الأوروبيين وأنها كانت من العوامل المهمة التي أدت إلى تقدم أوربا ، لأن وجود المسيحيين في المشرق الإسلامي جعلهم معبراً من معابر الحضارة العربية الإسلامية إلى أوروبا .

   فالحرب المعلنة آنذاك بين المسلمين والصليبيين لم تمنع حدوث الاتصالات السلمية على مستوى الشعب والقادة. أما على مستوى القادة فإننا نرى أنه في سنة 562هـ /1166م قامت بين شاور الوزير الفاطمي وبين الصليبيين علاقات ودية أسفرت عن إقامة مجموعة صليبية في القاهرة والإسكندرية تقرب من عامين .

ولم تكن تخلو قصور الزعماء الصليبين من العرب . وهذا الأمر يعطينا صورة جلية عن الحياة اليومية التي كان يسودها التفاعل بين الفريقين مما جعل الوجود الصليبي في المشرق وسيلة لنقل عادات المسلمين وعلومهم وآدابهم إلى أوروبا .

فبواسطة الصليبين عرفت أوروبا الكثير عن الشرق, والصليبيون المقيمون في المشرق الإسلامي كانوا قد أصبحوا شرقيين في طبائعهم وثقافتهم .

 ويذكر المؤرخ الفرنسى نوشيه دي شارت الذي أرخ للحملة الصليبية الأولى والذي عبٌر عن مدى تأثر الصليبيين بالحياة الجديدة حيث قال :” الآن صرنا نحن الذين كنا غربيين شرقيين ومن كان منا إيطالياً أو فرنسياً أصبح في هذه البلاد جليلياً أو فلسطينياً .لقد نسينا الأماكن التي ولدنا فيها أو أكثرنا لا يعرفها بل لم يسمع بها ولكل منا بيته وأهله كما لو أنه ورثه من أبيه أو عن شخص سواه وتزوج بعضنا من سوريات وأرمينيات.

يضاف إلى المعابر السابقة عوامل أخرى من أبرزها التجارة فالطابع الرئيس في المناخ الاقتصادي الذي تطور منه إنتاج العالم الإسلامي كان الطلب على الاستهلاك المتنوع الناجم عن نشوء مدن ضخمة ذات حاجات كثيرة ومتنوعة وملحة في بعض الأحيان ، سواء من حيث الكمية أو النوعية ، بسبب ارتفاع مستوى المعيشة في تلك المدن وبالإضافة إلى الاستهلاك المترف الناتج عن متطلبات ومستلزمات القصور الملكية والطبقات الغنية من السكان . وهذا يترتب عنه زيادة كبيرة في الإنتاج الذي تحول إلى صادرات وترتب عنه تزايد الحاجة في العالم الإسلامي للمواد الخام والتي كان يتم استيراد بعضها من المناطق المجاورة وما وراءها من مناطق

         قادرة على تلبية الطلب المتزايد للمواد الخام .

علاوة على ذلك أن موقع العالم الإسلامي كان يتوسط منطقة مهمة للتجارة والنقل والتوزيع وبخاصة منتجات الشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا والتي كانت حاجة أوروبا في تنام مستمر لاستهلاك منتجاتها وعلى وجه الخصوص البهارات . لذلك نمت المبادلات التجارية بين العالم الإسلامي وبيزنطة وأعماق أوروبا ، مما أدي إلى نشوء منظومات تجارية متكاملة ومراكز تجارية في جنوب أوروبا.

وكانت هناك جاليات إسلامية كبيرة ، تنقل خبراتها وأدواتها وعلومها إلى الغرب . وفي المقابل كان التجار الأوروبيون يجوبون المدن الإسلامية على سواحل البحر الأبيض المتوسط ، في رحلات كانت الواحدة منها تستغرق في بعض الأحيان ستة أشهر متواصلة . فكانت فرصة كبيرة لهم لتلقى ثقافة العالم الإسلامي وحضارته ونقلها عند عودتهم إلى الغرب الأوروبي .

  • طلاب العلم: أيضا كان لهم دور فعال في نقل الحضارة الإسلامية حيث كانوا يفدون إلى العالم الإسلامي لطلب العلم وتلقى المعرفة. ويكفى أن نذكر هنا ما يذكره ابن جبير أنه شاهد في عكا بعض طلاب العلم الصليبين المقيمين في الشام والوافدين من أوروبا ، يلتحقون بالمدارس العربية ، يتلقون العلوم بلغة العرب.

   ومن هؤلاء الذين تعلموا في العالم العربي أولا رداف بات ، الذي زار مصر والقدس في سنة 1104م وتتلمذ على أيدى العلماء المسلمين في الفلك والرياضيات . وبعد عودته إلى انجلترا عُين معلماً للأمير هنري الذي أصبح فيما بعد الملك هنري الثاني .

العلوم : الأثر العلمي للحضارة الإسلامية على الغرب كان كبيراً جداً ، وللأسف الشديد حتى الوقت الحاضر فإن هذا الأثر لم يتم دراسته واستيعابه بدرجة كافية . ولعل من أسباب ضعف الاستيعاب ما أثبتته الدراسات الحديثة عن بواكير المؤلفات اللاتينية التي ظهرت بعد البدايات الأولي للترجمات من العربية إلى اللاتينية في القرن الرابع للهجرى حيث ثبت أنها إنما كانت مجرد نقول من الكتب العربية و لم يتم الإشارة إلى أصحابها بسبب عوامل العداء والكراهية التي كانت في الغرب لكل ما هو إسلامي .

في القرن 7 هـ / 13 م بدأت تظهر مؤلفات ، هي في الواقع مقلدة للكتب العربية وليس فيها جديد ، بل أنها في كثير من الأحيان تقل في المستوى عن مصادرها العربية ، وذلك من حيث درجة فهم الموضوعات وطريقة العرض وترتيب الموضوع والإيجاز وربما الأمانة ، ولم يمنع ذلك من ظهور ترجمات عملت على النقل بأمانة من العلوم العربية إلى اللاتينية ، فأدى ذلك إلى أن تصبح هذه الكتب هي مفاتيح العلم في الغرب وقد تناولنا رواد كثيرون فى مختلف أفرع العلوم.

 

 

الحضارة الاسلامية واهميتها 

 

  • مفهوم الحضارة الإسلامية
  • أهمية الحضارة الإسلامية
  • وللحضارة الإسلامية، ثلاثة أنواع:
    1- حضارة التاريخ (حضارة الدول) 2-الحضارة الإسلامية الأصيلة 3- الحضارة المقتبسة
  • مفهوم العلم
  • أهمية العلم ودعوة الإسلام إليه

الحضارات قبل الإسلام

  • الحضارة الإسلامية، مثل غيرها من الحضارات، لم تنشأ من فراغ ، ولم تظهر من العدم أو من تلقاء نفسها، بل سبقتها حضارات عريقة أخرى في هذه المنطقة من العالم، تواصلت معها وأثرت فيها.
  • الحضارة اليونانية : الاسكندر وفكرة البانهيلينزم
  • الحضارة الهندية: حاول الملك الهندي أشوكا Ashoka في القرن الثالث قبل الميلاد، أن يجعل من البوذية دينا عالميا, لإقامة وحدة عالمية.

الحضارة الإسلامية

  • سبقت الحضارة الاسلامية عدد من الحضارات منها ما كان قريبا فى المكان ومنها ما كان قريبا فى الزمان . وقد اتسمت الحضارة الاسلامية بسعة الافق واستيعاب الحضارات والمختلفة وتطوريها بما يفيد البشرية كافة وليس المسلمون فقط.
  • التأثير الفارسي: أقوى في مجال الأدب (كليلة و دمنة).
  • التأثير اليوناني: ذات تأثير قوي في العلوم العقلية في مجال الفلسفة و في مجال الطب وأبرز مظاهر التأثير اليوناني كانت خلال العصر الهلينستي .
  • التأثير الهندي: و من العلوم التي اخذ فيها المسلمون عن الهنود: الرياضيات و الفلك .
  • نشأة حركة الترجمة في الحضارة الإسلامية
  • حركة الترجمة في العصر الأموى
  • حركة الترجمة في العصر العباسي
  • تطور حركة الترجمة و ازدهارها: وقد ازدادت حركة الترجمة إلى العربية تزداد قوة في العصر العباسي بفضل :
    تشجيع الخلفاء العباسيين و رعايتهم لهم و قد فتحوا بغداد أمام العلماء. .

انجازات العلماء المسلمين في ميادين العلوم

  • علم الكيمياء: اعتنى المسلمون بالعلوم الطبيعية؛ حيث قاموا بترجمة المؤلفات اليونانية. يُعدّ علم الكيميا علما إسلاميا عربيا اسما وفعلا.
  • لم تكن الكيمياء قبل الحضارة الإسلامية سوى محاولات فاشلة لتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب وفضة، معتمِدة في ذلك على العقل والاستدلال المنطقي، واستبعاد المنهج العلمي القائم على التجربة والملاحظة.
  • وتُجمع آراء الباحثين على أن جهود الإغريق في الكيمياء كانت ضئيلة ومحدودة؛ لأنهم درسوا العلوم من النواحي النظرية والفلسفية.
  • والحقيقة أن العرب هم أول من بدأ هذا العلم بداية جديدة على مبدأ التجربة والمشاهدة.
  • فجابر بن حيان هو الذي جعل التجرِبة أساس العمل
  • وكان علم تحوُّل المعادن إلى ذهب، الذي أخذه المسلمون من مصر هو الذي أوصلهم إلى علم الكيمياء الحق
  • الرازي

اختراعات المسلمين في الكيمياء

وبصفة عامَّة فقد كشف علماء المسلمين أهمَّ أُسُس الكيمياء وأسرارها، وكان من أهمِّ اختراعاتهم فيها ماء الفضة (حامض النيتريك)، وزيت الزاج (حامض الكبريتيك)، وماء الذهب (حامض النيترو هيدرو كلوريك)، وحجر جهنم (نترات الفضة)، والسليماني (كلوريد الزئبق)، والراسب الأحمر (أكسيد الزئبق)، وملح البارود (كربونات البوتاسيوم)، وكربونات الصوديوم، والزاج الأخضر (كبريتيد الحديد)، واكتشفوا: الكحول، والبوتاس، وروح النشادر، والزرنيخ، والإثمد، والقلويات التي دخلت إلى اللغات الأوربية باسمها العربي .

إنجازات المسلمين في الفيزياء والرياضيات

  • توصلوا من خلال بحثهم إلى بعض القوانين المائية، وكانت لهم آراء في الجاذبية الأرضية، والمرايا المحرقة وخواص المرايا المقعّرة، والثقل النوعي، وانكسار الضوء وانعكاسه وعلم الروافع .
  • الخوارزمي وكتابه (الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة) الذي قدم العمليات الجبرية التي تنظم إيجاد حلول للمعادلات الخطية والتربيعية.
  • من أهم انجازات العرب إدخال الصفر في الترقيم.
  • اهتمام المسلمين بعلم الحساب والجبر:
    وجّه القرآن الكريم نظر الإنسان إلى العدّ والحساب في آيات كثيرة، فلقد وجه الله سبحانه وتعالى الإنسان إلى العد على أنه حقيقة واقعة في حياة الإنسان فيقول تعالى: [وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ] {الحج: 47} .
  • ويعتبر الخوارزمي أبو عبد الله محمد بن موسى هو مؤسس علم الجبر وأول من استعمل لفظ الجبر ووضع أصوله و قوانينه هو ولد عام 232 هـ وكتابه في الجبر بعنوان ( المختصر في حساب الجبر والمقابلة).
  • الاحصاء
  • وقد طبق المسلمون في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الإحصاء عن طريق تأسيس الدواوين.
  • ولعلَّ القاعدة القرآنية العظيمة في قوله تعالى: “وكذلك جعلنكم أمة وسطا” هي التي سار عليها المسلمون، وانتهجوها خطًّا في سياساتهم الحسابية، ومعاني الوسطية في اللغة الاعتدال والاتزان والتوازن والعدل ووسطية المكان، ومن هنا يتبين لنا المفهوم الإحصائي الأساسي الذي أسَّسه القرآن ألا وهو الوسط الحسابي والمعدل.
  •           ………

 

 

 

 

انجازات المسلمين في العلوم 

 

إنجازات المسلمين في علم الطب

 

  • حظي علم الطب باهتمام بالغ من المسلمين في ظل الحضارة الإسلامية، ولقي تشجيعا كبيرا وعناية واسعة من خلفاء المسلمين وسلاطينهم على مر العصور الإسلامية. وتجلى ذلك في الاهتمام الكبير بهذا العلم تعليما وتعلما وتطوير هذا العلم بمدارسه وفروعه وتشجيع المنتمين له.
  • تميزت الحضارة الإسلامية بظهور مدارس أنشئت خصيصا لتدريس هذا العلم، لم يكن لها غرض آخر غير تدريس الطب يشرف عليها أساتذة متخصصون ويدرس فيها رؤساء الطب المتميزون ويطبق فيها نظام تعليمي دقيق، مما كان له الأثر الواضح في تطور الدراسات الطبية وارتقائها.
  • ورغم وجود ما يعرف بالطب النبوي إلا أن المسلمين لم يقفوا عند حدود ذلك الطب النبوي (مع إيمانهم بنفعه وبركته).. بل أدركوا مبكرًا أن العلوم الدنيوية – والطب أحدها – تحتاج إلى دوام البحث والنظر.
  • وقد تميز علماء الطب المسلمون بأنهم أول من عرف التخصص؛ فكان منهم: أطباء العيون، ويسمَّون (الكحالين)، ومنهم الجراحون، والفاصدون (الحجامون)، ومنهم المختصون فى أمراض النساء.
  • وكان من سمات هذا العصر (العصر الاموى) إنشاء المستشفيات النظامية.
  • وما كادت عجلة الأيام تدور في العصر العباسي حتى أجاد المسلمون في كل فرع من فروع الطب، وصححوا ما كان من أخطاء العلماء السابقين تجاه نظريات بعينها.
  • ويعتبر الرازي سباقًا في تشخيصه للجدري والحصبة.
  • كما تطور عند المسلمين طب العيون (الكحالة), وكانوا سباقين فيه.
  • ويقرر المؤرخون أن علي بن عيسى الكحال (ت 400 هـ) كان أعظم طبيب عيون في القرون الوسطى برمتها.
  • أبو القاسم الزهراوي (ت 403 هـ) الذي تمكن من اختراع أولى أدوات الجراحة كالمشرط والمقص الجراحي. ويعتبر كتاب الزهراوي: (التصريف لمن عجز عن التأليف) موسوعة طبية متكاملة .
  • برزت كذلك شخصيات إسلامية أخرى لامعة في ميدان علم الطب من أمثال ابن سينا (ت 428 هـ).
  • حفل سجل الأمجاد الحضارية الإسلامية بالعشرات بل المئات من الرواد الذين تتلمذت عليهم البشرية قرونًا طويلة, وشهد بفضلهم وسبْقهم الأعداء قبل الأصدقاء
  • إنجازات المسلمين في علم الصيدلة : ولقد اعترف كثير من علماء الغرب بالمكانة المرموقة التي وصل إليها المسلمون في علم الصيدلة.
  • علي بن العباس المجوسي : كتبه كانت المرجع الرئيسي لعلم التشريح في بإيطاليا وفي غيرها في البلاد ما بين عامي (1070-1170م) .
  • ثم جاء الزهراوي أبو القاسم ليُكمل مسيرة علي بن العباس. فهو أوَّل مَنِ استعمل ربط الشرايين لمنع النزف.
  • علم العقاقير عند المسلمين:
  • ابن زهر في كتابه (التيسير في المداواة والتدبير)، والذي ذكر كذلك في نهايته وصايا وإرشادات في تركيب الأدوية المركبة واستعمالها، ووصفات من الأدوية المركَّبَة.
  • كما اهتمَّ علماء المسلمين باستخلاص العقاقير المناسبة من النباتات المختلفة في طول البلاد وعرضها.

انجازات المسلمين في علم الجيولوجيا والجغرافيا

  • علم الجيولوجيا في القرآن الكريم
  • وقد اتجه علماء المسلمين إلى التأمُّل والاستنتاج والبحث عن الحقيقة بالطريقة العلميَّة الصحيحة.
  • يعدُّ المسلمون أول من وضع خطوط الطول وخطوط العرض
  • أول من قام بمحاولة قياس أبعاد الكرة الأرضية الخليفة العباسي العالم المأمون (ت: 218هـ- 833م).
  • ثلاثة من علماء المسلمين كانوا أول من ناقش فكرة دوران الأرض في القرن الثالث عشر الميلادي (السابع الهجري) وهم “علي بن عمر الكاتبي” و”قطب الدين الشيرازي” من الأندلس و”أبو الفرج علي” من سوريا.
  • لا يُنكِر أحد أن الغرب قد استفاد من جهود المسلمين في علم الجغرافيا بشكل كبير وأساسي , فقد كان أطلس الإسلام أو الخرائط الإسلامية كانت في مقدمة مظاهر التأثير الإسلامي المباشر في الحضارة الغربية.
  • والإنجازات الكبيرة والعظيمة لعلماء الجغرافيا المسلمين لا تتجسد فقط في الجديد الذي قدَّموه للعالم.. وإنما تتجسد هذه الإنجازات بشكل واضح كذلك في التصويب والتعديل الذي عاد به عباقرة الجغرافيين المسلمين على التراث الجغرافي اليوناني.

– أخطاء بطلميوس : بالغ كثيرًا في تحديد طول البحر المتوسط..

  • وبالغ في تحديد امتداد الجزء المعمور من الأرض المعروف

وجعل المحيط الهندي والهادي بحيرة وذلك عندما وصل جنوبي آسيا بجنوبي أفريقيا.وبالغ في تحديد حجم جزيرة “سيلان.

  • الزلازل – الأحجار الكريمة ويعد عطارد بن محمد الحاسب أوَّل من ألَّف كتابًا في الأحجار باللغة العربيَّة .
  • البحار والمدُّ والجزر – التضاريس
  • المتيورولوجيا

انجازات الحضارة الإسلامية في علم الفلك

  • حظي علم الفلك بعناية كبيرة فى الحضارة الإسلامية, كما كانت الكثير من الآيات القرآنية تحث المسلمين على التأمل في ملكوت الخالق عز وجل وفى الكون حولهم.
  • الآيات القرآنية بأسماء فلكية
  • وكان لهذه الآيات أبلغ الأثر في نفوس الباحثين والفلكيين المسلمين، لدراسة علم الفلك بكافة تخصصاته وفروعه.
  • الفلك عند العرب قبل الإسلام مقترنا بالتنجيم
  • ويعود إلى المسلمين فضل تحرير علم الفلك وتطهيره من الشعوذة والدجل.
  • واشتغل بالفلك وكتب عنه الأطباء أمثال الرازي وابن سينا والفلاسفة أمثال ابن رشد والبيروني والفقهاء والأدباء والشعراء أمثال ابن الخيام .
  • وكان العلماء المسلمون يرون في علم الفلك علماً رياضيّاً مبنياً على الرصد والحساب.
  • وينسب إلى العرب والمسلمين اختراع آلات الرصد، وقياس ارتفاع الكواكب، وتحديد مطالع البروج، واختراع جهاز الإسطرلاب أحد منجزات العقل الاسلامى في هذا المضمار، وجعله علماً.

بعض الانجازات وأشهر العلماء

  • اكتشف ابن الهيثم طبيعة الغلاف الجوي حول الأرض وقدر ارتفاعه 15 كيلو متر وهو الصحيح .
  • وقد ابتكر المسلمون تقاويم شمسية فاقت في ضبطها وإتقانها كل التقاويم السابقة وحسبوا أيام السنة الشمسية بأنها 365 يوماً وست ساعات وتسع دقائق وعشر ثوان فكان الخطأ في حسابهم بمقدار دقيقتين و 22 ثانية.
  • وقد اكتشف ابن رشد الكلف على وجه الشمس وفسره بأنه بسبب عبور عطارد أمامها وفسر ابن الهيثم الكثير من الظواهر الفلكية والفضائية والضوئية مثل الكسوف والخسوف والطيف وقوس قزح .

معابر انتقال الحضارة الإسلامية إلى الغرب

  • البحر الأبيض المتوسط
  • جزيرة صقلية
  • اسبانيا
  • الحروب الصليبية
  • يضاف إلى المعابر السابقة عوامل أخرى من أبرزها التجارة
  • طلاب العلم

الحضارة الأسلامية -اطلع بتاريخ 20/12/2020

المراجع[+]

شارك المقالة:
السابق
التربية  والتعليم في صدر الإسلام
التالي
حضارات ما قبل الإسلام