تاريخ الاسلامي

حضارات ما قبل الإسلام

حضارات ما قبل الإسلام

حضارات ما قبل الإسلام

 

الحضارة الإسلامية، مثل غيرها من الحضارات، لم تنشأ من فراغ ، ولم تظهر من العدم أو من تلقاء نفسها،

بل سبقتها حضارات عريقة أخرى في هذه المنطقة من العالم، تواصلت معها وأثرت فيها.

 

الحضارة اليونانية 

 

ففي القرن الرابع قبل الميلاد، قام الاسكندر المقدوني (356- 323 ق. م) بأول محاولة لإقامة دولة واحدة تشمل أقاليم من أوروبا وأسيا وأفريقيا، وتمتد من مقدونيا إلى الهند.

ولم يكتف الاسكندر بهذا التوحيد السياسي، بل اتخذ وسائل أخرى لتوحيد العناصر البشرية في هذه المنطقة من العالم، مثل احترام جميع أديانها، والصلاة ني مختلف معابدها، وتأسيس عدد كبير من المدن الجديدة التي عرفت باسم “الإسكندريات ” نسبة لاسمه، ويقدر عددها بنحو 27 مدينة.

وكان هدفه من وراء ذلك أن تختلط في هذه المدن عناصر بشرية من السكان الأصليين مع الجاليات اليونانية ،  لينشأ من هذا الاختلاط ثقافة جديدة، تستمد أصولها من الحضارات السابقة. فقد كان الاسكندر الأكبر يؤمن بفكرة ( البان هيلينزم ) ومعناها تطبيع العالم بالطابع اليوناني . وكان اليونانيون يعتقدون أنهم الوحيدون الذين لديهم حضارة, أما باقي الأمم فإنها تعيش في ظلمات الجهل.

وعلى هذا الأساس أخذ الاسكندر الأكبر على عاتقه نقل الحضارة اليونانية إلى خارج بلاد اليونان. ولكن فوجئ الاسكندر أثناء فتوحاته للشرق أن العالم من حوله ليس كما كان يعتقد هو وباقي اليونانيين وإنما وجد حضارات أخرى عريقة موجودة في مناطق عديدة من الشرق مثل مصر والعراق وسوريا وغيرها, وبالتالي تحول مشروعه الثقافي والحضاري من تطبيع العالم بالطابع اليوناني إلى مزج الحضارة اليونانية بالحضارات الشرقية التي وجدها.

وقد حرص الاسكندر الأكبر على تطبيق هذه المبادرة على نفسه، ليكون قدوة لغيره حين تزوج من الأميرة روكسانا الفارسية ، وأمر قواده أن يفعلوا مثله.

وهنا نود أن نشير إلى أن مصطلح الحضارة اليونانية إنما يشمل الحضارة اليونانية الخالصة والتي كانت داخل بلاد اليونان فقط , ولكن عندما انتقلت معالم هذه الحضارة إلى خارج بلاد اليونان عن طريق الاسكندر وقواده , وامتزجت بالحضارات المختلفة الموجودة في الشرق ( منطقة الشرق الأدنى ) وأصبح لدينا ما يعرف بالحضارة الهيلينستية ومفهومها هو الحضارة اليونانية خارج بلاد اليونان. وبالطبع كان لها مراكز عديدة سواء في مصر أو سوريا أو أسيا الصغرى أو غيرها من المدن الموجودة في الشرق الأدنى أو التي أسسها الاسكندر وقواده في تلك المنطقة.

وعلى الرغم من أن دولة الاسكندر لم تلق نجاحاً بعد وفاته، إذ تفككت إلى ممالك متفرقة بين قواده ، إلا أن الحركة العلمية التي كان ينشدها استمرت وازدهرت من بعـده، وهي التي اشتهرت باسم “العصر الهلنستي ” ، تمييزاً لها عن العصر الهليني ( الحضارة اليونانية ), الذي ساد اليونان قبل عصر الاسكندر. ومن أشهر المراكز الهلنستية الجديدة، مدينة الإسكندرية المصرية بمكتبتها ومدرستها العلمية التي كانت مزيجا من كل الحضارات السابقة، وخصوصا الحضارة المصرية القديمة.

 

الحضارة الهندية 

 

وفي شمال الهند في حوض نهر السند ، حاول الملك الهندي أشوكا   Ashoka في القرن الثالث قبل الميلاد، أن يجعل من البوذية دينا عالميا، وينشره في مدن الأرض ولا سيما في بلاد الإغريق والدول الهلنستية ، لإقامة وحدة عالمية. وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من اليونانيين اعتنقوا البوذية، إلا أن محاولته لم تلق الاستمرار والنجاح، وبقيت البوذية قاصرة على أقاليمها في الهـند والشرق الآسيوي .

ومحاولة الملك أشوكا في الهند تذكرنا بمحاولة شبيهة رائدة ، سبقتها بوقت طويل جائت على يد الفرعون مصر الملك أخناتون في القرن الرابع عشر قبل الميلاد (الأسرة 18)، عندما بشر في نشيده المشهور بإله العالم “أتون ” الذي يهتم بكل مظاهر الطبيعة ، إنسانها وحيوانها ونباتها، وكأنما أراد بذلك إقامة وحدة عالمية روحية، تربط على الأقل بين أجزاء مملكته الممتدة من الشام شمالاً إلى النوبة جنوباً .

وما يقال عن مصر والهند واليونان  ،  يقال أيضاً عن الحضارة الفارسية ذات التراث الآسيوي العريق ، والتقاليد الملكية القديمة ،  والنظم الإدارية المتطورة، إلى جانب المراكز الهلينية المنتشرة في أنحائها. لقد بد أ الإيرانيون حياتهم الدينية مثل كثير من شعوب العالم ، بعبادة قوى الطبيعة ، ثم ظهرت “الزرادشتية” على يد مؤسسها زرادشت zoroustre في القرن السابع قبل الميلاد ، منادية بأن الوجود قائم على مبدأين أساسيين هما: الخير (أهورا ويسمى يزدان) ، والشر (أهرمن) ، أو النور والظلام.

 

وبما أن النور مصدره الشمس، والشمس من نار، لهذا لعبت النار دوراً هاماً في هذه العقيدة ، باعتبارها مصدر الإشراق والنور والضياء، فقدسوها وعبدوها، وصار لهم كتاب مقدس يعرف “بالأفستا” أي المعرفة. غير أن الزرادشتية لم تلبث مع مرور الزمن بسبب سيطرتها وتعصبها، أن ووجهت بحركات دينية مضادة مثل “المانوية، على يد “ماني Manes”  في القرن الثالث الميلاري، وأتباعها لهم نزعة صوفية هدامة، تحض الناس على التقشف وعدم الزواج والإنتاج، ويرون ان الخير في العدم المطلق. ولهذا حوربت وبقيت دعوة سرية.

وإذا كانت “المانوية”  دعت إلى الزهد والبعد عن النساء، فإن ديناً آخر لم يلبث أن ظهر في إيران وهو “المزدكية” على يد صاحبه “مزدك ” الذي دعا الناس إلى حل مشكلاتهم ونبذ خلافاتهم بجعل الحق في الأموال والنساء مشاعاً بينهم. وقد نجح سعيه بين العوام والمحرومين، ولكنه مات قتيلاً في منتصف القرن السادس الميلادي ، وبقيت دعوته سرية مثل “المانوية” وكل هذا يدل على حالة الاضطراب والفوضى الدينية في إيران قبيل الإسلام.

 

 

وهكذا نرى مما تقدم، أنه كانت هناك في هذه المنطقة من العالم، حضارات عريقة نشأت قبل الإسلام، وسادتها روابط وصلات مختلفة، بل كانت هناك محاولات لتوحيد بعض مكوناتها ولكن لم يكتب لها النجاح، ولكنها مع ذلك صبغت هذه المنطقة بروح جديدة وهي الروح الشرقية التي أخضعت الفلسفة اليونانية لما دخلت بلادها، فأصبغت عليها ثوباً من روحانياتها وإلهامها ، وهي الروح التي جعلت علماء التاريخ والاجتماع يدركون خصائص مشتركة بين الشرق، تخالف تلك التي للغرب، روح ورثها الشرقي عن أسلافه، وساعدت على تكوينها بيئاتهم الطبيعية والاجتماعية.

كما جعلت لهم مدنيات تخالف من وجوه كثيرة المدنيات الغربية . فجاءت الأديان الشرقية المختلفة من: بوذية وزرادشتية ويهودية ونصرانية، فصبغت الحضارات الشرقية بصبغة خاصة، صبغة لا تشكل فيها مادية الأساس والجزء الأكبر، كما تؤمن بإله فوق العالم، وترجو جنة، وتخاف ناراً، وترى أن وراء هذه السعادة الدنيوية، والشهوات الجسمية، سعادة أخرى روحية, فقد ظهر في الديانات الشرقية – وان كان بها ديانات وثنية – جانبا روحانيا أخلاقيا لم يوجد في ديانات الحضارات الغربية اليونانية وغيرها.

 

الحضارة الإسلامية

وقد جاء الإسلام كمنهج حياة ، يرسم الطريق وينير سبل الهداية. منه انبثق الحل العلمي والدائم لمشاكل الإنسانية التي كانت تشكو من الفراغ الديني والفكري والسياسي والثقافي ، فالفكر اليوناني- الإغريقي لم يؤمن إلا بالمحسوس والمادي والاهتمام بمتع الدنيا ومغريات الحياة وغلبت عليه النزعة الإقليمية الضيقة باعتماده على المنهج الاستنباطي أو القياس القائم أساساً على النظر الفلسفي والفكري المادي دون الالتفات لمنهج التجربة, فكأن الفكر اليوناني اقتصر على المادية ثقافة وعلماً وفلسفةً وشعراً ودينا.

 

والفكر الروماني مجد القوة العسكرية إلى حد العبادة والتقديس، وتميز بالنظرة المادية المحضة إلى الحياة، فكانت محصلته ، غلوا في تقدير الحياة وعدم الاهتمام بالدين وضعفاً في اليقين واضطراباً في العقيدة ، فتعددت الآلهة، وترتب على ذلك إهمال الجانب الأخلاقي ، والاهتمام بالملذات. والفكر الفارسي قبل الإسلام اعتمد على تقوية السلطان والقوة الجسدية وأمن بجريان الدم الآلي في عروق أكاسرته  وأشاع بين الناس نظرية التفاوت الطبقي.

وعلى الجانب الآخر من العالم، في الصين والهند، كان الاختلال يبدو واضحا فيما يتصل بالجوانب النظرية أو الجوانب العملية من حياة الإنسان فيطغى أحدهما على الآخر، إذ يغرق أحياناً في الروحانيات أو يطغى في الماديات، فلا توازن ولا انسجام.

 

وبنزول الإسلام اتضحت معالم الحياة الدنيوية والأخروية تمام الوضوح فبالإلوهية  والربوبية  ، تحققت العدالة والمساواة والكرامة والحرية للإنسانية، فالله سبحانه وتعالى وحده هو المعبود، والمسلم ينقاد ويخضع لأوامر الله سبحانه وتعالى وحده، والله جل جلاله هو مالك كل شيء، ولم يكن الإسلام محدود المكان ولا وطني النزعة ولا مغلقاً على أهله ولا طبقياً، وإنما كان دينا إنسانياً عاماً، واسع الأفق، يخاطب أي إنسان في أي مكان ويقيم أخوة إنسانية عامة .{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثـى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } (الحجرات ـ آية 13  ) . 

 

وفى الحضارة الإسلامية كانت نظرة الإسلام للإنسان والحياة شاملة، فقد أقر الإنسان كجسم وعقل وروح، في الجسم، النوازع والغرائز ، والعقل وسيلة لتحقيق الرغبات والنوازع وتذليل العقبات التي تعترض ذلك، والروح، مركز الأمل والألم والعواطف والشعور، وكان التهذيب هو عامل التوازن  بين الروحانية والمادية ، فالروحانية المهذبة هي  أساس المادية المهذبة ” وابتع فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا ” (القصص- أية 77) وفي الأثر، إن لربك عليك حقاً ، إن لجسمك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه.

 

 

ولما جاء الإسلام وانتشر في هذه الممالك الشرقية، زاد هذه الروح وقواها، وعمل على توحيدها بين أفراد الدولة الإسلامية مهما اختلفت أجناسهم وأنواعهم. وهكذا نجح الإسلام بوصفه عقيدة دينية ومنهجاً للحياة وقوة موحدة، في إقامة وحدة بشرية في رحاب الخالق، تقوم على الحرية والمساواة والتسامح، وتعمل على إزالة الحواجز السياسية بين البلاد المختلفة الممتدة في القارات الثلاث، وتعطيها شكلاً موحداً . فكان المسلم يجد نفسه في كل هذه الأماكن: نفس الدين ونفس الصلوات والقوانين، حتى أنه كان يشعر دائما بأنه في وطنه خلال رحلاته البعيدة أو أثناء عملياته التجارية خارج بلاده. فالإسلام، كما يقول البعض، كان بمثابة جواز سفر فوق العادة، يضمن لصاحـبه حرية التنقل والمرور، بل وحسن الاستقبال في كل مكان يزوره.

ويلاحظ  في هذا الصدد أن المجتمع الإسلامي في العصر الوسيط ، لم يكن- كما هو الحال اليوم- ينقسم إلى قوميات، بل كانت هناك طبقات أفقية على طول امتداد عالم الإسلام، فهناك طبقات العلماء والتجار والمتصوفة والجنود… الخ. وكان أفراد كل طبقة يتعاطفون فيما بينهم مهما بعدت المسافات واختلفت الجنسيات. فالرحالة المغربي “ابن بطوطة ” يصرح بأنه استطاع أن يجوب بلاد العالم الإسلامي، وأن يجد كل ترحيب ومساعدة في الأماكن التي مر بها. ود هذا يدل على وجود ما يصح أن يسمى أمة واحدة ، لها أدب واحد ، وثقافة واحدة ، وعلم مشترك.

 

فالعالم الإسلامي إذن يمثل وحدة تاريخية فريدة من نوعها مهما باعدت بين أجزاء هذا العالم المسافات، وفرقت بين أطرافه المذاهب والسياسات،. ذلك لأن الإسلام كنظام متكامل للأخلاق والمدنية والاجتماع والاقتصاد والسياسة يظل صمام الأمان بين المسلمين أينما كانوا، فهو الذي يقيم قواعد الحضارة الأصيلة ويميز عناصر الحضارة الصالحة عن عناصرها الرديئة، يدافع عن نظامه ويحافظ على أصوله، وعلي هذا الإيمان تتوقف أخلاق الأفراد ووحدة الأمة، وحفظ الوجود الحضاري للأمة الإسلامية. 

 

فالمبادئ التي طرحها الإسلام قادرة على فرز عناصر قوية تتصدى لجميع الأنظمة السياسية والأفكار الفلسفية التي تحاول النيل من الإسلام. ويصمد أمام زحف النظريات المادية والرأسمالية والشيوعية في حين أن الديانات الأخرى لم تصمد أمام زحف تلك النظريات فشاعت النظريات وانتشرت بين أممها وشعوبها.

 

 

سبقت الحضارة الاسلامية عدد من الحضارات منها ما كان قريبا فى المكان ومنها ما كان قريبا فى الزمان . وقد اتسمت الحضارة الاسلامية بسعة الافق واستيعاب الحضارات والمختلفة وتطوريها بما يفيد البشرية كافة وليس المسلمون فقط.

ولا شك أن الحضارة الاسلامية قد تأثرت بالحضارات القديمة وكان أهم هذه التأثيرات هو

 

التأثير الفارسي:

كان التأثير الفارسي في الحضارة الإسلامية أقوى في مجال الأدب حيث كان الأدب الفارسي الشرقي اقرب إلى ذوق العرب و أحاسيسهم من الأدب اليوناني.
في العصر العباسي قام من يجيدون اللغتين الفارسية و العربية بترجمة الكتب الفارسية و من هؤلاء :
– عبدا لله بن المقفع – أبناء خالد – الحسن بن سهل.

و نخص بالذكر المقفع حيث ترجم تاريخ الفرس و قيمهم و عاداتهم و سير ملوكهم فضلا عن كتب أدبية منها:
– كليلة و دمنة – الأدب الكبير – الأدب الصغير – كتاب اليتيمة
لم تكن حضارة الفرس في مجال الأدب فقط فقد امتلكوا تراثا في العلوم الأخرى كالهندسة و الفلك و الجغرافيا، لكن تأثير اليونان في العلوم العقلية كان أقوى من تأثير الفرس.

 

التأثير اليوناني:

كانت الحضارة اليونانية ذات تأثير قوي في العلوم العقلية و هذا نتج عن معتقدات اليونان أنفسهم و اهتمامهم بالعقل و ارتفاع شانه على حساب الأعمال اليدوية أو المجال الأدبي، فنقل العرب عنهم في مجال الفلسفة عن أفلاطون و أرسطو و في مجال الطب عن جالينوس و ابقراط.
وأبرز مظاهر التأثير اليوناني كانت خلال العصر الهلينستي حيث امتزجت حضارة اليونان بالقسم الشرقي و اخذ المسلمون منهم ما يتوافق مع الإسلام و نبذوا ما يتعارض معه.

التأثير اليوناني في الأدب كان محدودا و لا يزيد عن نقل بعض الكلمات مثل:
– القنطار – الدرهم – القسطاس – الفردوس – بالإضافة إلى بعض الحكم .

 

التأثير الهندي:

عندما امتدت حركة الفتوح الإسلامية إلى الهند في أواخر القرن الأول الهجري، أي في خلافة الوليد بن عبدالملك( 86 -96 ﻫ) و استؤنفت في منتصف القرن الثاني الهجري في عهد أبي جعفر المنصور ( 136- 158 ﻫ) و نشطت مرة أخرى في القرن

 الخامس الهجري، و ذكر في ذلك بعض المؤرخين ومنهم
 – الجاحظ الذى قال ” اشتهر الهند بالحساب و علم النجوم و أسرار الطب”.
– الاصفهاني: ” الهند لهم معرفة بالحساب و الخط الهندي و أسرار الطب و علاج فاحش الداء….”.

جزء كبير من ثقافة الهند وعلومهم انتقل إلى فارس بحكم العلاقات التجارية بين الطرفين قبل الإسلام و من ذلك أن كسرى انوشروان أرسل طبيبه برزويه إلى الهند لاستحضار كتب و مؤلفات في الطب فعاد بالكثير منها و يقال أن قصة كليلة و دمنة انتقلت من الهند ضمن ما نقله برزويه من كتب بالإضافة إلى لعبة الشطرنج.
عندما عكف المسلمون على ترجمة كتب الفرس إلى العربية نقلوا بين ثناياها أجزاء من ثقافة الهنود و علومهم و أحيانا قام بعض المترجمين بنقل السنسكريتية و هي اللغة الهندية إلى العربية :مباشرة و منهم:

منكة الهندي – ابن دهن الهندي
و من العلوم التي اخذ فيها المسلمون عن الهنود: الرياضيات و الفلك و الطب:
أ‌- الرياضيات: الأرقام الحسابية المستخدمة في العالم حاليا عرفها المسلمون عن الهنود و من المسلمين نقلت إلى الغرب، و قد عرف المسلمون هذه الأرقام باسم راشيكات الهند.
– نقل عن الهنود الكثير من المصطلحات الرياضية مثل مصطلح الجيب في حساب المثلثات.
و استفاد العالم الرياضي أبا جعفر بن موسى الخوارزمي من معارف الهنود في الرياضيات.

الفلك:
– أمر أبو جعفر المنصور سنة 154 ﻫ بترجمة كتاب في الفلك ألفه احد علماء الهند و هو برهمكبت و قد كان باللغة السنسكريتية، كما أمر باستخراج زيجا من ازيجة هذا الكتاب يستخدمه العرب لدراسة حركة الكواكب، و قد قام بترجمة هذا الكتاب الفزاري و أنجز الزيج المشهور الذي ينسب إليه. كما اخذ المسلمون عن الهنود كتاب “السند هند” في الفلك.

‌- الطب:
– من الكتب التي ترجمت إلى العربية عن الهندية في مجال الطب :
–  كتاب ” السيرك” و قد ترجم أولا إلى الفارسية ثم من الفارسية إلى العربية عن طريق عبدا لله بن علي.
 – كتاب ” سسرد” نقله منكة عن الفارسية ليحيى بن خالد البرمكي.

– كتاب “أسماء عقاقير الهند” نقله منكة عن اسحق بن سليمان.
 كتاب ” استنكر الجامع” نقله ابن دهن الهندي.

– من المعروف أن أطباء الهند نبغوا في استخدام الأعشاب الطبية في مداواة الكثير من العلل و قد نقل المسلمين الكثير عن فوائد الأعشاب عن الهنود، و بعض هذه الأعشاب لم يعرفها اليونان حيث لا تنبت إلا في أقاليم الهند و شرق آسيا، و يقال أن خالد بن يحيى البرمكي جلب بعض أطباء الهند مثل: منكة – قلبرقل – سندباد
– و كان الاتصال بالحضارة الهندية مصحوبا بتعريب كثير من المصطلحات و الأسماء مثل: – زنجبيل – كافور – خيرزان – فلفل
فضلا عن ترجمة بعض القصص مثل كليلة و دمنة و السندباد كما سبقت الإشارة.

و إذا كان المسلمون اخذوا عن الحضارات السابقة بعض العلوم فان هذا لا يقلل من شانها لان الترجمة كانت مرحلة من مراحل الابتكار العلمي الإسلامي و هذه المراحل هي:
 . النقل و الترجمة. 2. الشرح و التفسير.
 . النقد و التصحيح. 4. الإضافة و الابتكار

ميادين العلوم

تعددت ميادين العلوم وكذلك تعددت مفاهيمه وتعريفاته وتقسيماته.

فالكثير يقسم ميادين العلوم إلى علوم عقلية وعلوم نقليه. ومنهم من يقسمها إلى علوم اجتماعية وإنسانية وعلوم طبيعية وعلوم فكرية. والعلوم النقلية هي العلوم التي تنقل عن الدين وارتبطت بما نزل به الوحي كعلوم القران والحديث والتفسير والفقه وغيرها.

أما العلوم العقلية التي هي طبيعية للإنسان من حيث إنه ذو فكر فهي غير مختصة بملة بل يوجد النظر فيها لأهل الملل كلهم و يستوون في مداركها و مباحثها‏.‏ و هي موجودة في النوع الإنساني منذ كان عمران الخليقة‏.‏

ومهما اختلفت المسميات والتقسيمات فأن ميادين العلم تزداد يوما بعد يوم فالفرع الواحد في أي علم يندرج تحته عدة تخصصات, وتحت كل تخصص يأتي التخصص الدقيق. وهكذا نجد اتساع دائرة العلم لتشمل ميادين كثيرة ليست لها نهاية نقف عندها, ويقول الحق عز وجل ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) صدق الله العظيم.

 

 

تصنيف العلوم

الترجمة

اهتم العرب بالمؤلفات العلمية التي أنتجتها الحضارات الإنسانية المختلفة، حيث قاموا بترجمتها إلى العربية مما يدل على النشاط الثقافي في الدولة العربية الإسلامية، فقد قاموا بترجمتها من مؤلفات مختلفة أهمها اليونانية والفارسية. وقد نشطت حركة الترجمة كثيرا في العصر العباسي خاصة في خلافة المأمون الذي اهتم ببيت الحكمة وشجع النقل من اليونانية إلى العربية.

ومن أشهر هؤلاء المترجمين العالم العربي ثابت بن قرة الحرانى الذي اعتنى بعلوم الفلك والتنجيم والرياضيات, وكذلك العالم العربي حنين بن إسحاق من أهل الحيرة .

ونتيجة لهذه الترجمة التي قام بها العرب فلقد برعوا في مختلف العلوم التي أخذوها عن اليونانية وأضافوا إليها إضافات كثيرة وكما صححوا كثيرا من أخطاء علماء اليونان,فهناك الكثير من الإنجازات فى مختلف فنون العلم و المعرفة مثل الفلسفة و الطب والصيدلة و الكيمياء وغيرها.

 

 

 

 

حركة الترجمة قبل الإسلام

 

كانت هناك عدة عوامل مهدت لظهور حركة الترجمة قبل الإسلام:

فقد أدت فتوحات الاسكندر الأكبر إلى انتشار الحضارة اليونانية في غرب آسيا و مصر مما اكسب هذه المنطقة طابع خاص أطلق عليه بعض المؤرخين اسم الحضارة الهلينستية و هي ممتدة على الفترة من وفاة الاسكندر الأكبر يونيو 323 ق.م. إلى القرن السابع الميلادي عندما جاء الفتح العربي. و تعد أشهر مراكز هذه الحضارة :

– الإسكندرية – انطاكيا – نصيبين – جنديسابور

وقبل ظهور الإسلام نهض السريان بدور كبير في ترجمة معارف اليونان و علومهم إلى اللغة السريانية، و الذي ساعد السريان على ذلك:

.  كثير من علماء اليونان تركوا بلادهم تحت تأثير الاضطهاد الدينى و المذهبية و اتجهوا شرقا حيث استقروا في مدينة الرها شمال العراق و هناك أسسوا مدرسة انتعشت في القرن الخامس الميلادي.

.  عندما أغلق زينون (474 – 491 م) إمبراطور القسطنطينية مدرسة الرها سنة 489 م رحل علماؤها إلى نصيبين حيث أسسوا مدرسة اشتهرت في ميادين الفلسفة اليونانية و الطب اليوناني.

عندما أغلق جستنيان الأول ( 527- 565 م) مدرسة أثينا الوثنية سنة 528 م هجرها علماؤها و اتجهوا شرقا يبحثون عن مأوى في أحضان دولة الفرس.

و عندما استقر السريان في جنديسابور التابعة للفرس أقام كسرى انوشروان ( 531- 579 م) مدرسة للطب. و تقع جنديسابور هذه في إقليم خوزستان و قد أسسها سابور الأول لتكون معسكرا و معقلا لأسرى الروم و لذلك كانت اللغة اليونانية معروفة فيها.

عندما استقر العلماء اليونان في جنديسابور اشتهروا بالدراسات الطبية و ذاعت شهرتهم و صار علماؤها يضعون قوانين العلاج و قد ظلت قائمة و مستمرة في ظل الإسلام، حتى أن الخليفة أبا جعفر المنصور ( 136- 158 ﻫ) عندما مرض احضروا له جرجيس بن بختيشوع رئيس أطباء جنديسابور و منذ ذلك الوقت اشتهر آل بختيشوع في بلاط الخلافة ببغداد.

في وقت اشتهار مدرسة جنديسابور ظلت  الإسكندرية بمصر ( تأسست 331 ق.م.) و مدرسة انطاكيا شمال الشام (تأسست 300 ق.م.) تمتلك قواعد ثابتة في الفلسفة و المعارف و العلوم اليونانية.

  ونجد أن الفلسفة و الفكر اليوناني اتخذ طابع مميز في الشرق في العصر الهلينستي لاصطباغه بصبغة شرقية واضحة و من ابرز ما يمثل هذا هو مذهب الأفلاطونية المحدثة التي اشتهرت بها مدرسة الإسكندرية و الذي أسسه أفلاطون المصري أو السكندري

و المدارس الشرقية التي استوعبت الفكر اليوناني سرعان ما غدت مراكز إشعاع للحضارة اليونانية و اشتهرت بالفلسفة و الطب و التشريح و الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و قد جاء نشاط هذه المدارس مصحوبا بنشاط في الترجمة، إذ حرص السريان على نقل الكثير من الكتب اليونانية التي ضاعت أصولها إلى السريانية، و هي احد اللغات الآرامية. و من أشهر مراكز السريان هو مركز مدينة الحران إلى الجنوب من الرها، و قد كانت السريانية بمثابة اللغة العالمية للمعرفة و العلم في منطقة الشرق الأدنى و ذلك قبل ظهور الإسلام.

و كان يعيب على الترجمة السريانية أنها ترجمة حرفية مما سبب ضياع المعنى للنص المترجم في بعض الأحيان.

  عندما ظهر الإسلام و فتح المسلمون فارس و العراق و الشام و مصر في القرن 7م، رؤوا ما في هذه البلاد من مدارس تحتضن حضارة اليونان و فكرهم و لم يكونوا على جهل بهذه الثقافات جهلا تاما، لان بعض المؤثرات الثقافية من المدارس السابقة تسربت إليهم. و بفضل ما أثاره الإسلام من حماسة للعلم و حثهم على التسامح إزاء الديانات الأخرى أدى ذلك إلى تزود المسلمين بقسط نافع من الثقافات التي التقوا بها و لم يكن السبيل إلى معرفتها إلا بترجمتها.

1)حضارات ما قبل الإسلام -تاريخ 20/12/2020

المراجع[+]

شارك المقالة:
السابق
نشأة حركة الترجمة في الحضارة الإسلامية
التالي
علم الكيمياء في الأسلام