الصيام

آيات الصيام في ضوء علم اللغة النفسي

آيات الصيام في ضوء علم اللغة النفسي

كتابة: أ.د. صباح علي السليمان / العراق

آيات الصيام في ضوء علم اللغة النفسي

 

كما هو معلوم أنَّ اللسانيات النفسيةَ هي علاقةٌ بين قواعد اللغة والنفس،

 

وهذا يكون عن طريقِ الأمور العصبية والنفسية ؛لإنتاج وإدراكِ الكلامِ والمواقفِ الذهنية والعاطفيةِ

 

حول الحدث أو التواصل، وظهر هذا التخصصُ في الولايات المتحدة الأمريكية،

 

ثم انتشرَ في العالم ،وله نظريات عند تشومسكي و بياجيه وفيجوتسكي

زيادة عن دراسات ثورندايك وواطسون وبافلوف وسكنر إلّا أنّ هذا العلمَ موجودٌ في كتب التراث العربي

على شكل إشاراتٍ ولمساتٍ ، ولكنّه طُور في الدول الأوربية ، والقرآنُ الكريم والحديثُ النبوي الشريف ثم كلامُ العرب فيه الكثيرُ

1)الصيام

 

من مزايا هذا العلم من خلال السياق الذي يحيط بالنص والتـأثير؛

لمخاطبة النفوس ، ومن ذلك آياتُ الصيام ، ونبتدأ على بركة الله تعالى أعوذ ُبالله من الشيطان الرجيم بسمِ الله الرحمن الرحيم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وهو نداءٌ لترغيبِ النفوس الذين صدّقوا اللهَ تعالى ورسولَه الكريم صلى الله عليه وسلم 

ثم جاء الله تعالى بالمبني للمجهول {كُتِب} ؛لأنَّ المستمِعَ للأمر قد أثيرتْ عواطفُه، وانفعالاتُه بشكل أقوى مما لو كان الفاعلُ مذكوراً 

وقُدَّم المتعلقُ عليكم على نائب الفاعل الصيام لتأكيدِ النفس على الأمرِ وهو الالزامُ في قوله :{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} 

وجاء الله تعالى بالمصدر الصيام بدلاً من اسمِ المصدر الصوم ؛ لما في هذه الفريضةِ من قيمٍ وغاياتٍ ومعانٍ 

وهو وعاءٌ لغويٌ كبير ؛ لأنَّ الصومَ يدلَّ على الصوم في أي يوم أو شهر

منبهاً نفوسَ المسلمين أنَّ هذا الأمر قد فُرِض على الأمم التي جاءت من قبلكم وليس عليكم فقط من باب التشبيه كما في قوله تعالى :

{كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 

ذاكراً التقوية في الرجاء( لعلّ ) لأجلِ التقوى وهي أساسُ فلاحِ المسلم في قوله تعالى:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

ولم يقل الله تعالى تعقلون أو تهتدون ،وهذا ما تصبو إليه النفسُ المسلمةُ وكأنّه مفعولٌ لأجل هذا الأمر

وفي الوقت نفسه يقللُ اللهُ تعالى من صيام هذه الأيام وهي { أياماً معدودات}

وهي جمع قلّة ؛ لتخفيف عن نفوسِ المسلمين ، ومخيراً نفوسهم في قضاء العدة في السفر والمرض 

وقد جاء السفرُ والمرض نكرةً ليدلا على العموم ، أو إعطاءِ الفدية عن الصوم ؛ لتقليلِ الجهدِ عن نفوس المسلمين 

و بيانِ أنّ الدينَ الإسلامي فيه سعةٌ ورحمةٌ ، واختيارُ الصوم هو خيرٌ وهنا قدّمتْ جملةُ جواب الشرط {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ }

على جملةِ فعل الشرط {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ؛ لأنَّ مجاهدةَ النفس في رضا الله تعالى هي الخيرُ كلّه 

فهو خطابٌ خاصٌ بالمؤمنين بدلاً من استعمال أسلوب الغيبة في يطيقونه فهو خاص بفريق منهم 

زيادةً عن التعبيرِ بلام المُلكية (لكم) وهو يبعث على الراحةِ النفسية. وبعدَ هذه المقدمات لنفوس المسلمين

يحددُ اللهُ تعالى صيامَ شهر رمضان ، ويذكرُ مزاياه لتشتاقَ النفوسُ إليه في قوله :

{الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان}، مكرراً اللهُ تعالى خطابَه للمسلمين في صيام هذا الشهر 

لعلمِه بنفوسِ خلقه ،وبيان أنّه يسرٌ وليس عسراً كما جاء في قوله :

{ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 

 

 

2)مازن أحمد محمد بإشراف: د. زهير إبراهيم  / ماجستير كلية الدراسات العليا/جامعة القدس المفتوحة ص111، وزهرة التفاسير لشيخ محمد أبو زهرة ، والبعد النفسي والسلوكي في النظم القرآني دراسة تفسيرية تطبيقية من خلال آيات الصيام في سورة البقرة ، د. إبراهيم علي / مجلة كلية الدراسات الاسلامية والعربية بدمنهور ع7 الإصدار الثاني م5  2022 ، و حروف المعاني في آيات الصيام ودورها في الترابط الدلالي ، والأساليب النحوية في آيات

 

ومن الجارةُ هنا تهيأ النفوسَ إلى صيامه متفرقا أو متتالياً بدليل أُخر، ثم يهيأ اللهُ تعالى

نفوسَ المسلمين بعدَ العزمِ على الصيام ، وشكرِهم لبلوغِ شهر رمضان في قوله :

{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 

وفي الوقت نفسه يبشرُ الله تعالى المسلمين باستجابة الدعاء في هذا الشهر خاصة وفي بقية الأشهر عامة 

لما فيه من خيرٍ وبركةٍ من خلال أداة الشرط إذا، وأفعال الأمر في الاستجابة والإيمان

ذاكراً اللهُ تعالى الرشدَ وهو الحكمةُ العقليةُ والقلبيةُ التي تصبو إليها نفوسُ المسلمين كما جاء في قوله:

{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

وبعدَ معرفةِ الحكم العام للصيام ذكرَ اللهُ تعالى أحكاماً مهمةً في تأدية شهر رمضان ؛ كي تتهيأ نفوسُ المسلمين لذلك 

وقد ذكرَ الله تعالى بأسلوبٍ راقٍ في تعامله مع المسلمين 

وهو المحظور الاجتماعي في الرفث بدلاً من الافضاء ، واللباسُ الدالُ على الستر والوقاية بدلاً من الجماع 

لعلمه بنفوس خلقه ، مؤكداً لهم التوبة والعفو من لدنه وهو خطاب فيه تقديرٌ لمن أدوا أوامر الله تعالى

ونهوا لما نهى اللهُ تعالى عنه في قوله :

{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ

فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } ، ابتدأ الله تعالى بالمبني للمجهول أُحل ؛ للدلالة على أنّه حلال من قبل ومن بعد 

ثم ذكرَ الله تعالى لما تختلفُ فيه العقولُ وهو أنَّ بداية الصوم

تبدأ بظهور الخيط الأبيض من  الخيط الأسود وهو دقةٌ بليغة في الافهام  وهو بدايةُ النهار 

ثم اتمام الصيام إلى غروب الشمس وهو بدايةُ الليل كما جاء في قول النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم :

” إذا أقبل الليلُ من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم” ، ومهما يكن من اختلاف بين المسلمين فالأصل هي النية والصيام

3)الصيام ودلالاتها البلاغية  د. جمال عبد العزيز أحمد / جامعة القاهرة كلية دار العلوم  ، والأساليب البلاغية في تيسير الصيام في القرآن لدكتور/ يوسف العليوي ).

 

ويستدرك اللهُ تعالى ظاهرة الافضاء إلى النساء في وقتِ الاعتكاف في المساجد مبيناً بأسلوبه البليغ عدمَ القرب

إلى هذا الأمر ولم يقل تعتدوها ؛لأنَّ الصيامَ محلٌ للورع ؛ ولكي يهذبَ الله تعالى النفسَ المسلمة إلى طاعته ، لما فيه من تقوى للقلوب والعقول ،

وهي رأسُ الأمر كله كما جاء في قوله :

{ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ

إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } .

 

4)القران الكريم الآية 183-187 ،وصحيح البخاري،  ومفهوم اللسانيات النفسية / براءه النسور ، وآيات الصيام /الشيخ عبدالعظيم بدوي ( الألوكة

5)والنظام القرآني للصيام / لإسلام ويب ،و الفعل المبني للمجهول في سورة البقرة في ضوء الدراسات النحوية والنفسية

 

 

 

 

 

المراجع[+]

شارك المقالة:
السابق
من هو مؤسس تطبيق كيان تكسي
التالي
القائد طارق بن زياد