تاريخ الاسلامي

الحضارة الأسلامية في اوروبا

الحضارة الأسلامية في اوروبا

الحضارة الأسلامية في اوروبا

 

مفهوم الحضارة الإسلامية


الحضارة الإسلامية هي ما قدمه الإسلام للمجتمع البشرى من قيم ومبادئ، وقواعد ترفع من شأنه، وتمكنه من التقدم في الجانب المادي وتيسِّر الحياة للإنسان.
أهمية الحضارة الإسلامية:
الفرد هو اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وإذا صلح صلح المجتمع كله، وأصبح قادرًا على أن يحمل مشعل الحضارة، ويبلغها للعالم كله، ومن أجل ذلك جاء الإسلام بتعاليم ومبادئ تصلح وتقوم هذا الفرد، وتجعل حياته هادئة مستقرة، وأعطاه من المبادئ ما يصلح كيانه وروحه وعقله وجسده.

وبعد إصلاح الفرد يتوجه الإسلام بالخطاب إلى المجتمع الذي يتكون من الأفراد، ويحثهم على الترابط والتعاون والبر والتقوى، وعلى كل خير؛ لتعمير هذه الأرض، واستخراج ما بها من خيرات، وتسخيرها لخدمة الإنسان وسعادته.

وللحضارة الإسلامية، ثلاثة أنواع:
1- حضارة التاريخ (حضارة الدول):
وهي الحضارة التي قدمتها دولة من الدول الإسلامية لرفع شأن الإنسان وخدمته، وعند الحديث عن حضارة الدول ينبغي أن نتحدث عن تاريخ الدولة التي قدمت هذه الحضارة، وعن ميادين حضارتها، مثل: الزراعة، والصناعة، والتعليم، وعلاقة هذه الدولة الإسلامية بغيرها من الدول، وما قدمته من إنجازات في هذا الميدان.

2-الحضارة الإسلامية الأصيلة:
وهي الحضارة التي جاء بها الإسلام لخدمة البشرية كلها، وتشمل ما جاء به الإسلام من تعاليم في مجال: العقيدة، والسياسة، والاقتصاد، والقضاء، والتربية، وغير ذلك من أمور الحياة التي تفيد الإنسان وتيسر أمور حياته.

3- الحضارة المقتبسة:
وتسمى حضارة البعث والإحياء، وهذه الحضارة كانت خدمة من المسلمين للبشرية كلها، فقد كانت هناك حضارات وعلوم ماتت، فأحياها المسلمون وطوروها، وصبغوها بالجانب الأخلاقي الذي استمدوه من الإسلام، وقد جعل هذا الأمر كُتاب العالم الغربي يقولون: إن الحضارة الإسلامية مقتبسة من الحضارات القديمة، وهما حضارتا اليونان والرومان، وأن العقلية العربية قدْ بدَّلت الصورة الظاهرة لكل هذه الحضارات وركبتها في أسلوب جديد، مما جعلها تظهر بصورة مستقلة.( وهنا نتحدث عن المستشرقين الذين هاجموا الحضارة الإسلامية وكل ما هو مسلم).

وهذه فكرة خاطئة لا أساس لها من الصحة، فالحضارة الإسلامية في ذاتها وجوهرها إسلامية خالصة، وهي تختلف عن غيرها من الحضارات اختلافًا كبيرًا، إذ إنها حضارة قائمة بذاتها، لأنها تنبعث من العقيدة الإسلامية، وتستهدف تحقيق الغاية الإسلامية، ألا وهي إعمار الكون بشريعة الله لنيل رضاه، لا مجرد تحقيق التقدم المادي، حتى لو كان ذلك على حساب الإنسان والدين كما هو الحال في حضارات أخرى، مع الحرص على التقدم المادي؛ لما فيه من مصلحة الأفراد والمجتمع الإنساني كله.

أما ما استفادته من الحضارات الأخرى فقد كان ميزة تحسب لها لا عليها، إذ تشير إلى تفتح العقل المسلم واستعداده لتقبُّل ما لدى الآخرين، ولكن وضعه فيما يتناسب والنظام الإسلامي الخاص بشكل متكامل، ولا ينقص من الحضارة الإسلامية استفادتها من الحضارات السابقة، فالتقدم والتطور يبدأ بآخر ما وصل إليه الآخرون، ثم تضيف الحضارة الجديدة لتكمل ما بدأته الحضارات الأخرى.

 

الحضارة الأسلامية في اوروبا

 

كانت المعابر السابقة أدوات مهمة في عبور الثقافة العربية الإسلامية فعكست أثراً واضحا على جميع جوانب الحياة في أوروبا لتشكل لها بذلك المقومات الفعلية لحضارتها الحديثة . ويمكن حصر أبرز هذه المؤثرات في الجوانب التالية : –

الادارة والتنظيم :- كان التأثير في هذا الجانب عظيماً ، وسُنتطرق لأبرز هذه المؤثرات : – البناء الإداري لمؤسسات الدولة ، من حيث وجود الوزراء الذين يتبعهم عدد من المؤسسات الإدارية التي يعنى كل منها بجانب معين من الخدمات التي تقوم بها الدولة ، كالاهتمام بشؤون الزراعة أو البريد أو المنشآت الخدمية وغير ذلك .

  • النظم التعليمية : كتنظيم المؤسسات التعليمية وضوابط العمل فيها ومبدأ شيوع التعليم في المجتمع وإتاحة الفرصة للجميع بحيث يطبق عليه مبدأ الفرص المتكافئة .
  • التشريعات ، حيث استفادت التشريعات الأوروبية من نظيرتها عند المسلمين في كثير من مجالاتها . ويكفي أن نشير هنا إلى القانون التجاري والقانون المتعارف عليه في التجارة الدولية . والشاهد على ذلك العديد من المصطلحات مثل ( Mohatra) المأخوذة من كلمة (مخاطرة ) العربية ، وهي التحايل على تفادي الفائدة عن طريق البيع المزدوج وكلمة شيك( Cheque) من كلمة (صك) بالعربية وغير ذلك .

ومما يجدر ملاحظته هنا أن المسحيين الأندلسيين الذين عرفوا بالمستعربين أخذوا يستعملون في وثائقهم وعقودهم الصيغ المتبعة في الوثائق الإسلامية . واحتفظوا بهذه الطريقة في مدينة طليطلة لمدة تقارب القرنين بعد سقوطها في أيدي الأسبان سنة 478/ 1085 م .

الحياة الاجتماعية :- تأثر الأوروبيون في بعض جوانب حياتهم الاجتماعية بالمظاهر الاجتماعية الوافدة عليهم من المشرق الإسلامي ، وأبرز هذه المؤشرات يمكن حصرها في العناصر الآتية: –
– الأدب الاجتماعي : تقول المستشرقة الألمانية زيغريد هوتكه ” إن عادة إهداء الزوج لزوجته قطعة من الحلي هي عادة استوردت من الشرق ، ويمارسها الناس كل يوم ولا يعرفون لها مصدراً . كذلك لو أنك كتبت لسيد أو سيدة خطاباً وأنهيته بالمخلص فلان أو خادمك المطيع فأنت تعترف بسيادة العرب لأنك أخذت عنهم هذه الكلمات ، ولم يكن أجدادك في الغرب يعرفون شيئاً منها. .

كل ذلك من عادات العرب المسلمين الذين استطاعوا بما حملوه من تشريعات إسلامية عظيمة ، ومن حس حضاري مرهف ، القضاء على شعور العداء للمرآة ، وجعلوا من منهجهم مثالاً يحتذي به الغرب ولا يملك الآن أن يتبرأ منه. و أصبح الاستمتاع بالجمال والغزل جزء من حياة الأوروبيين شاءوا أم أبوا…
أما الفروسية بما تمثله من أخلاقيات المروءة والنجدة والأثرة ، فهي سلوك عربي هذبه الإسلام وتعلمه الأوروبيون بعد ذلك.

– النظافة والعناية بالمظهر مثل الاغتسال كسلوك اجتماعي ، والعناية بالمظهر في اللبس من حيث تناسق الألوان ، واستخدام أدوات الزينة للنساء ، كل ذلك مظاهر تعلمها الأوروبيون من المسلمين .

النشاط الاقتصادي : إن مظاهر الثراء الذي شهدته بعض المدن الأوروبية وبخاصة تلك المطلة على البحر الأبيض المتوسط أو الملاصقة للحدود الإسلامية البيزنطية أو القريبة منها ، كلها تدين بثرائها للعلاقات الاقتصادية التي كانت تربطها بالعالم الإسلامي، ويظهر الأثر الاقتصادي للعالم الإسلامي في المجالات التالية :
– التجارة: ارتبط العالم الإسلامي بالغرب المسيحي من خلال مجالين تجاريين رئيسي يتخلصان في : –

الأول هو : بيزنطة حيث فرض الموقع الجغرافي للعالم الإسلامي على بيزنطة علاقاتها التجارية لأنه كان يطوقها من الشرق والجنوب ، وكل سلع آسيا أو إفريقيا كانت إما منتجاً في هذا العالم أو أنها تمر عن طريقه .

وقد أسهم هذا الوضع في أن تقوم الإمبراطورية البيزنطية بدور الوسيط بين الشرق والغرب ، وأضحت مدنها القريبة من الحدود الإسلامية أو عاصمتها القسطنطينية ، مناطق عبور للتجارة الدولية، وكان في العاصمة القسطنطينية ، جالية عربية من التجار السوريين الذين كان لهم فيها مسجد خاص بهم .

كانت هذه التجارة منتظمة بحيث تكفل للتجار المسلمين تصريف كامل بضائعهم مما كانت كميتها ونوعيتها . فإذا تخلت نقابات التجار البيزنطيين المشترين عن جزء من البضائع المعروضة من قبل التجار المسلمين ، فإنه كان على حاكم المدينة أن ينقلها إلى السوق و أن يبحث لها عن تسويق مناسب .

الأمر الثاني : كان يتكون من أقوام أوروبية كان مستواها الاقتصادي لا يزال متخلفاً ، وكذلك أنماطها الحضارية كواقع أشمل ، يبد أن وجود الحواضر الإسلامية الكبرى في صقلية والأندلس ، واحتكاك الأوروبيين بها وبالمشرق الإسلامي خلال الحروب الصليبية ، رفع من المستوى الحضاري لتلك الشعوب فتزايد إقبالها تبعا لذلك على المنتجات المتنوعة القادمة من العالم الإسلامي.

ومن ابرز المنتجات التي كانت تصدر من العالم الإسلامي إلى الغرب الأقمشة المصنوعة بإتقان كبير جداً من الحرير والأقطان والصوف بالإضافة إلى المعاجين الطبيعية, وأدوات الزينة ، والملابس ، والأواني بأنواعها المختلفة من الخزف والزجاج ،والمعادن، والورق بأنواعه ،والعطور بأنواعها ،بالإضافة إلى الآلات وأدوات الجراحة والإسطرلابات بالإضافة إلى الصناعات مثل السكر وغيره من المنتجات الصناعية .

وكان العالم الإسلامي يستورد الأحجار الكريمة واللؤلؤ والعاج ، كما كان العالم الإسلامي يستورد من الغرب الأصواف والمعادن والأخشاب والرقيق .
هذه المبادلات الواسعة النطاق أسهمت في نمو الخبرات التجارية في الغرب ، وما ارتبط بذلك من نمو مدن وأساطيل تجارية كبرى ، وأسهمت في تزايد الثراء لدى الغرب وما تربت عنه من نهضة اقتصادية وحضارية وأبرز الأدلة على ذلك أنه عثر في جزيرة جوتلاند السويدية وحدها أكثر من ثلاثين ألف قطعة نقدية من العملات الإسلامية ،علاوة على ما وجد في غيرها من البلاد الأوروبية .

الزراعة : نقل العالم الإسلامي الكثير من خبراته في الزراعة إلى الغرب ، ويمكن حصر أهم هذه الخبرات في الجانبين التاليين :

– الأساليب الزراعية : مثل بناء المصاطب الزراعية على سفوح الجبال وهو أسلوب نقله المسلمون إلى بلاد الأندلس قبل أن ينتشر في أوروبا ، ومن الأساليب الزراعية التي عرفها الأوربيون عن طريق المسلمين في الأندلس استخدام القنوات الأرضية في نقل الماء .
· أدخل المسلمون إلى جنوب أوروبا زراعة الأرز والقطن وقصب السكر والبرتقال والليمون وأنواع مختلفة من الخضار والحبوب .

الصناعة :- تأثرت الصناعات الأوروبية في عصر النهضة بالصناعات الإسلامية . فصناعة الرعادات (الصورايخ) و القنابل والمدافع والبنادق هي صناعة إسلامية ، صنعها المسلمون لمواجهة الحملات الصليبية المتتابعة على المشرق الإسلامي ، وقد كتب أحد الأوربيين المرافقون لإحدى الحملات الصليبية يقول :” إنه كلما انطلقت قذيفة في الفضاء ، كان يبلغ التأثير بملك فرنسا مبلغاً كبيراً فيصيح بأعلى صوته ” سيدي الحبيب احمني وشعبي من الكارثة “

وعن طريق ترجمات لاتينية وصلت أولى المعلومات عن أنواع المواد المتفجرة وعن الألعاب النارية إلى أوروبا فتلقفها الدارسين العسكريين في أوروبا.
أما المدافع والصواريخ والقنابل ، فلقد عرفتها أوروبا عن طريق عرب الأندلس ، الذين استخدموا هذه الأسلحة بفعالية كبيرة في حروبهم قبل أن يقتبس الأوروبيون هذه الخبرات المعرفية ، ويأخذوا في تطويرها.

ومن الصناعات التي نقلها الأوروبيون عن العرب صناعة الورق، حيث كان التجار والحجاج الأوروبيون يذهبون إلى الأندلس أو إلى المشرق الإسلامي ويعودون محملين برزم من الورق الناعم ، وظل الأمر على هذه الحال في أوروبا حتى بدأت إيطاليا في صناعة الورق سنة 1340م ثم تبعتها ألمانيا في سنة 1389 م وقد استعان الأوروبيون بصناع عرب ومسلمين لبناء مطاحن الورق الأولى بل إنهم تعلموا من العرب جميع أنواع الطواحين
مثل الطواحين المائية والهوائية .

لقد بدأت صناعة الورق والخشب وغير ذلك في أوروبا في شكل صناعات مقلدة للصناعات الإسلامية قبل أن تتجه إلى تبني أساليبها الخاصة في الصناعة فمنذ القرن 6-7 هـ / 12-13 م بدأ النساجون الأوروبيون يجتهدون في محاولاتهم لتقليد النسيج المصنوع في العالم الإسلامي. فكانت بولندا من المراكز المهمة لصناعة النسيج المقلد للنسيج الإسلامي.

أما صناعة المعادن فى بولندا بدأت أيضا منذ القرن 6هـ كما تظهر في الأواني الرومانية الطراز التي صنعت على هيئة حيوانات كمثيلاتها الإسلامية وطوت النحاس المطعم بالميناء ، وكانت تصنع في ليموج بفرنسا وتعرف بالتوائم ، ويظهر تأثرها الواضح بمثيلاتها المصنوعة في العالم الإسلامي . وغيرها من الصناعات الأخرى في النسيج والمعادن.

و كان لانتشار التطعيم على المعادن في العالم الإسلامي أثر الكبير على أوروبا وخاصة منذ القرن 9هـ /15 م حيث شاع هذا الأسلوب في صناعة المعادن في أوروبا ، وظهر على عدد كبير الأواني والأطباق الكبيرة والأباريق والشمعدانات المصنوعة في البندقية وربما في مدن أوروبية أخرى ، وعلى الوتيرة نفسها سار الأمر في الصناعات الأوروبية الأخرى الخزفية والزجاجية والخشبية .

1)الحضارة الأسلامية في اوروبا-31/12/2020

المراجع[+]

شارك المقالة:
السابق
علم الفلك في الأسلام
التالي
ماهي عوامل نهضة الحضارة الإسلامية