مقالات

الهروب من الاخرة

كتابة : عمرو عاشور

الهروب من الاخرة

إنك مهما حاولت التغافل والهروب عن الحقيقة والمصير القادم، فإنها أيام قصيرة وغدًا اللقاء رضيت أم لم ترضَ،

أعجبك الأمر أم لم يعجبك، شعرت بذلك أم لم تشعر، ومهما كانت الظروف والأوضاع من الفقر أو الغنى، من الراحة أو التعب من طاعات أو معاصٍ،

ومهما تبدلت الظروف والأوضاع فذلك لن يغير من حقائق الأمور شيء،

وقد سبقك الكثير إلى هناك والدور في انتظارك قد أوشك فعلًا وتكاد تصل،

وهذا التغافل والتعامي لن يغير من حقائق الأمر شيئًا، فالملكين من حولك، والله ناظر إليك، والآخرة أمامك،

سواء رضيت أم لم ترضَ، سواء أخذت تبرر لنفسك ما تفعل أم لم تأخذ،

فالحقائق الغيبية التي نعيش فيها والتي هي في انتظارنا رهيبة، ولكن أين مَنْ عنده مشاعر يحس بها

: 1)إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أو أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ،

فإنك تظن أنك تفر من الموت بأن تتغافل عن أن تشعر به وإن كنت مقتنعًا به تمامًا وأنه ملاقيك، ففي الحديث:

 

2)أتاني جبريل، فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه،

واعمل ما شئت فإنك مجزًى به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس
،

وكل الناس سوف يذهبون إلى الآخرة، فإذا لم يعجبك الأمر فامتنع عن الذهاب إلى الآخرة إن استطعت!:

3)إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ،

فالقضية حاسمة وخطيرة ولا تحتمل التراخي ولكننا في غفلة، وغدًا تنتهي الحياة، فماذا أنت صانع؟!.

ـ تصور لو أن رجلًا عاد من الآخرة إلى الناس ماذا يمكن أن يقول لهم؟

إنه سوف يقول للناس: ليس أمامكم إلا ثواني معدودة والعد التنازلي مستمر،

فأنتم مقبلون على خطر هائل جدًا من أشد ما يمكن ويوشك أن تلحقوا بالآخرة فأدركوا أنفسكم،

لكنه سوف يجد الناس هادئين تمامًا ويعتبرون أن هذه الحياة التي يعيشونها سنوات طويلة وعمر مديد

وليست ثواني معدودة، ويعتبرون الذهاب إلى الآخرة مثلما يتسلى الإنسان بلعبة مملة قد مل منها،

إنه سوف يجد الناس يعيشون في هروب وتجاهل للموت، وهروب وتجاهل للآخرة،

وهروب وتجاهل وتغافل عن الله،

رغم أن هذا الهروب وهذا التجاهل والتغافل لن يغير من حقائق الأمور شيئًا، فالخطر قائم وهم مقبلون عليه، رضوا أم لم يرضوا والأمر خطير وعظيم:

4)قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ، أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ(143

فهم يعيشون في غيبوبة مثل السُّكْرْان الذي لا يدري ما الذي ينتظره، وإذا كان هناك أحد عنده شيء من الشعور بقدر الآخرة فتكون درجة شعوره ودرجة إفاقته لا تتناسب أبدًا مع خطورة الحدث، فينظر إلى الآخرة بفتور شديد ومشاعر باردة، رغم أن الآخرة هي الحقيقة الكبرى المرعبة:

5)يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ، وقد سبقنا إليها الكثير والدور علينا.

ـ إن كلمة الآخرة تعني المصير المرعب والمخيف الذي أنت مقبل عليه، وتعني الأهوال العظيمة، فلماذا لا تشعر بالمهابة والقلق من أهوال القيامة؟،

إن الآخرة التي في مشاعر البعض تختلف عن الآخرة الحقيقية،

فإن الآخرة التي في مشاعر بعض الناس اليوم هي آخرة أليفة ودودة لا مشكلة فيها ولا خطر فيها، وإن شعورهم بالآخرة مثل شعورهم بأي شيء عادي! إنك لو قارنت بين خطر الآخرة وبين أي أخطار أو مخاوف في الدنيا

فسوف تجد أن الآخرة لا تمثل في مشاعرك خطرًا حقيقيًا أو أهمية حقيقية مثل أي خطر تواجهه أو تتعرض له

في الدنيا فتجد المشاعر متفاعلة به والبال مشغول، وذلك رغم الفارق العظيم بين كل أخطار

ومخاوف الدنيا وبين خطر الآخرة، إن الذي لا يتأثر بشيء مؤثر جدًا فإنه غافل عنه كأنه لم يسمع عنه، فهو لا عقل له، إن الآخرة أمر مؤثر جدًا وخطير جدًا ولكن لا يوجد تأثر بها!!

ـ فكلمة (الآخرة) عند من لم يشعر بخطورتها تختلف عن كلمة (الآخرة)

عند من يشعر بخطورتها وأنها أمر فعلي حقيقي وحقيقة ماثلة فعلًا،

فالأول يراها أمرًا عاديًا ومجيئها لا يمثل خطورة، والثاني خائف منها:

6)يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا  وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أنها الْحَقُّ ألا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ،

والأول سوف يُفاجأ المفاجأة الرهيبة بيوم القيامة كأنها مفاجأة

لم يكن يسمع عنها لأنه لم يكن يشعر بخطورة الآخرة، أما الثاني فكان يعيش

وعنده تهيئة نفسية فلا يفاجأ بالآخرة وإنما هو منتظر مجيئها ومنتظر تحقيق وعد الله تعالى.

ـ عدم الانتباه لخطورة الآخرة جعل كلمة (الآخرة) اسمًا فقط بلا مسمى حيث تم إفراغ الكلمة من المعنى والقيمة،

فأصبحت الآخرة مجرد شكل فقط تم تفريغه من قيمته وتم حجب جميع أثره حيث حدث إفراغ لكلمة (الآخرة)

من محتواها الحقيقي فأصبحت كأنها عديمة الأهمية، فهو يتعامل مع كلمة (الآخرة)

كأنها تتحدث عن بشر غير موجودين على الأرض وأن هؤلاء البشر سوف يذهبون لعالم آخر غير الأرض،

إذن فالقضية لا تخصه هو ولا تعنيه ولا تضره ولا تنفعه فلا يشعر بقيمتها، ولا مانع من أن يوافق عليها

فلا يستشعر خطورتها لأنها لا تخصه، فهو يتعامل مع المعلومة

كأنها تخاطب بشرًا آخرين في كوكب آخر ليسوا على الأرض فلا يخصه الأمر، كأن الكلام ليس موجهًا له،

أو كأن هذا الكلام باللغة الإنجليزية وهو لا يعرف غير العربية فبالنسبة له كأنه طلاسم.

 

المراجع[+]

شارك المقالة:
السابق
الغفله عن الاخرة
التالي
الاميرعبدالعزيزبن تركي بن سعود الكبير